"كل من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا به قدام أبي الذي في
السموات" (متى
۱٠:٣٢). هكذا أُعِدَّت الجوائز والعقابات هناك، حسب قول المخلص الصادق. ولكن لماذا
نطلب الجائزة هناك ونحن قادرون أن نحصل على الخلاص بواسطة الرجاء فقط؟ فإن فعلنا
خيراً ولم نحصل على المكافأة عنه في هذه الحياة، فلا نضطرب لأن هذه المكافأة تضاعَف
لنا في الحياة الآتية.
وإن فعلنا شراً ولم نعاقَب عليه في هذه الحياة فلا نتهامل بل
يجب ان نخاف من عملنا هذا، لان القصاص الابدي ينتظرنا هناك، إذا لم نبدل الشر
بالصلاح. واذا كان المعترفون بالمسيح يستحقون المجد في هذه الحياة، فلنفكّر في
الأكاليل غير البالية التي سيحصلون عليها في المستقبل. وإذا كان هؤلاء يمجَّدون حتى
من أعدائهم، ألا يعظمهم المحب البشر الذي تفوق محبته محبة جميع الآباء الأرضيين؟
هناك تُعطى الجوائز عن الأعمال الصالحة والعقوبات عن الأعمال الشريرة. فكل الذين
يرفضون ابن الله يعذَبون هنا وهناك. يعذَبون هنا لأنهم يضمرون الشر، وهناك لأنهم
يدفعون إلى العذاب الدائم بعد القبر. وبالعكس فإن الذين يتبعون المسيح حقيقة فإنهم
يحصلون على الفائدة هنا وهناك. هنا، لأنهم يتغلبون على الموت ويمجدون اكثر من
الاحياء. وهناك، لانهم يتمتعون بالخيرات التي لا توصف. إن الله مستعد للإحسان أكثر
من العقاب فلا تخشَ الموت، وإن لم يحن الوقت، لأننا سنقوم لحياة أفضل من هذه بكثير!
قد تقول أن الجسد يبلى. إذن، يجب أن يكون فرحنا كثيراً بهذا لأن
لا جوهرَ للجسد. لو لم يبلَ الجسد لاستولت الكبرياء على الكثيرين، والكبرياء أعظم
الشرور. ولما آمن البشر بأن الجسد قد أُخذ من التراب، ومع هذا فإن كثيرين، مع
مشاهدتهم حوادث الموت المتكررة، يشكّون في فناء الجسد. لو لم يبلَ الجسد لاشتد تعلق
الناس به. فإن بعضنا، مع علمهم بأن الجسد يفنى تماماً، نراهم يعانقون القبور.
فماذا كانوا يفعلون لو قدروا على حفظ صورة الجسد تامة، ولما مال الأرضيون إلى
الحياة الآتية، ولاستمر في عنادهم الذين يعتبرون الدنيا خالدة غير معترفين بأن الله
هو الذي خلق العالم. ولترك الكثيرون مساكنهم وعاشوا في المقابر وخاطبوا الراقدين
كالمجانين بلا انقطاع لأنهم حرموا الخالد المؤكد. وعلى هذه الصورة، كيف لا تدخل
عبادة الأوثان إلينا بأنواعها المختلفة؟ ليعلمنا الأب السماوي الرحيم إن كل أرضي
زائل يسلط الفساد على الجسد البشري أمامنا.
وليس الجمال بالجسد. فإن الجمال الحقيقي يتوقف على النور الذي
تطيعه النفس في الذات الإنسانية. كل جمال في حياة الأرضي يتوقف على النفس. فإذا
كانت النفس فرحة يتفتح الورد على الوجنتين، وإذا كانت حزينة تنزع الجمال من الجسد
وتوشح هذا بالسواد. وإذا كانت النفس في سرور دائم فيكون الجسد أيضاً في الصحة
التامة. وأما إذا كانت النفس في حزن دائم فلا ريب إن الجسد يكون أضعف من العنكبوت.
بغضب النفس يتشوّه منظر الجسد وبصفاء العينين يزداد رونقاً وجمالاً. إذا استولى
الحسد على النفس علا الجسدَ الشحوبُ والاصفرار، وإن طفحت بمحبة القريب اشترك معها
بالوجه المشرق الجميل. ولذلك فكثيرات من النساء غير الجميلات الوجوه يحصلن على جمال
خصوصي من جمال نفوسهن. وبالعكس كثيرات من الجميلات الوجوه يشوّهن جمالهنَّ بعدم
الجمال في نفوسهنّ. إن الوجه الجميل يتورّد دائماً بحمرة الخجل. أما الوجه الذي لا
يعرف الحياة فهو أقبح من الوحوش. لأن النفس الخجول تحيل هيئة صاحبها وادعة محبوبة.
فمحبة الجمال الجسدي محزنة مضحكة معاً، وأما محبة الجمال الروحاني فمتّحدة باللذّة
الطاهرة المنعشة.
الجسد كالوجه المستعار يستر النفس فيكون حسب ما تكون عليه. فإن كانت قبيحة فسرعان
ما تصير جميلة إن شاءت. لنفتّش إذاً عن الجمال الداخلي، عن جمال النفس، حتى يرغب
السيّد في جمالنا ويهبنا الخيرات الأبدية بنعمة سيّدنا يسوع المسيح ومحبّته للبشر
الذي له المجد والسلطة الى الدهر آمين. |