المقدمة
لقد اختلف العلماء في تحديد أصل
هذا الفترة الطقسية، فمنهم من ينسبه لاحتفال في ذكرى تكريس أحد المعابد المهمة مثل
كنيسة الرها أو القيامة أو ساليق وقطيسفون. لكن الأمر يبدو وأنه أقدم من هذا،
فالفترة قد ترجع إلى التقليد أو العيد اليهوي المسمى بـ "التجديد"
[1]، وفي الصلوات ما يشير إلى هذا التجديد الجذري وليس
فقط كذكرى. فالهيكل القديم لم يعد ملائماً لإحلال الخلاص، وإنما الكنيسة المختارة
هي ميناء الراحة والخلاص والمجد.
وأما عن لماذا وضع هذا الزمن في
الأخير؟ ولماذا خُصص له أربعة أسابيع؟ فالجواب عن السؤال الأول يكون في كون الكنيسة
العروس الممجدة، ذات الطابع الأواخري، ستلتقلي المسيح الآتي بالمجد وتشترك معه
كونها مخلّصة بدمه الزكي، وأيضاً لا ننسى أن الكنيسة هي تكملة للعمل الخلاصي الذي
قام به يسوع عبر التاريخ.
وأما الإجابة عن الفترة، فكنيسة
المشرق الذي لا زالت علامة الصليب سراً من الأسرار السبعة لديها، تعتبر أن لا شيء
يتم دون الصليب، وكل سر أو صلاة ما لم تبدأ وتنتهي بالصليب لن يكون كاملاً. لذلك
وضعت في بداية السنة الطقسية فترة البشارة بأربعة أسابيع وفي الختام من تقديس
الكنيسة بأربعة أسابيع كعلامة الصليب المقدس.
الكنيسة الأسرارية
إن الكنيسة الأسرارية التي تتكلم
عنها الصلاة الطقسية، ترجو المسيح وتلتجئ
به من خلال الأسرار التي سلّمها إياها. والأسرار عظيمة لأسباب ثلاثة، لأنها نابعة
من الإنجيل، ولا تتم إلا بعلامة الصليب، وحضور المسيح ضروري لجعلها أسرار خلاصية.
"كنز وغنى سماوي تحمل كنيستك يا
مخلصنا، وبالأسرار والنماذج التي سلمتها إياها تلتجئ وترجوك. كتاب بشارتك العظيم،
وخشبة صليبك المقدس، وأيقونة إنسانيتك البهية، تتعاظم أسرار خلاصها"
[2].
ومن أهم الأسرار التي تعطيها
الكنيسة وتخدمها في مسيرتها هو سر القربان المقدس، جسد ودم ربنا يسوع المسيح، حيث
باتحاد الكنيسة بهما تكون أكثر روحية ومرسلة للعالم أجمع، لأن يثبت قول المسيح
للتلاميذ بأنه معهم إلى انقضاء الدهر.
"تفرح الكنيسة مع بنيها وترنم المجد للمسيح الذي بصليبه المقدس
خلّصها ورفع أسوار
خلاصها، وأعطاها جسده مأكلاً ودمه مشرباً روحياً، وزيّنها بالمحاسن الروحية، وغرسها
في الجهات الأربع" [3].
لا تُذكر كثيراً درجات الكهنوت
في هذه الآحاد إلا ما ندر. ليس لأن الكنيسة فيها كهنة أكثر من الرتب الأخرى بل لأن
الكهنوت كسر هو أسمى شيء. فلا يُذكر الكهنة هنا بما معناه الدرجة الوظيفية بل تعني
الكهنوت كدرجة كنسية بما فيها (الشماس والكاهن والأسقف).
"أحل منزل طيبتك في مسكنك المقدس
يا مخلصنا، واحفظ كنيستك وبارك كهنتها وثبّت أحبارها، وارفع أسوار خلاصها لتشكر
ربوبيتك".
"المسيح الذي أقام في كنيسته من بنيها، مدبرو أسراره، ومعلموا
وعوده، وأعطاهم سلطة في الأرض والسماء" [4].
ثلاث مرات نجد ذكر اللاويين مع الكهنة كدرجة وظيفية ومرة
الأحبار شاهدناه أعلاه مثلاً:
"طوباك أيتها الكنيسة لأن الكهنة واللاويين خدموا خدركِ"
[5].
"ممجدة أجواق الكهنة ورتب الشمامسة، ممجد الوقت الذي يدعو فيه
الكاهن الروح، ممجدة الأسرار التي تُوزَع لبنيك فيكِ"
[6].
الكنيسة العروس
أهم لقب للكنيسة في صلاة كنيسة
المشرق، ومنه تستنبط رتبة الزواج صلواتها وفحواها، حيث الكنيسة حاضرة منذ عرس قانا
وهي بحاجة إلى الخمر الذي يمثل حاجة الكنيسة آنذاك وسيهبها خمر أفضل على الصليب.
فكما أن المسيح حافظ على الكنيسة بلا عيب، هكذا على العريس أن يهتم بعروسه، والمسيح
تدبر أمر الحفاظ على الكنيسة لمّا وفرّ لها الخلاص بالأسرار. فقدسها بالمعمودية،
جعلها منبع الشفاء، وعدها بالطوبى الأبدي، وأخيراً المسيح لا يكتفي بخطبة الكنيسة
بل يقدم لها جسده ودمه ليكون عربون حب أبدي، ويعدها بالسعادة الأبدية الأواخرية.
"ابتهجي وافرحي أيتها الكنيسة
المؤمنة ابنة ملك العالمين، بالعريس الذي خطبك وأدخلك خدره، وعوض المهر أعطاك جسده
ودمه الكريم. وبذبيحة أقنومه غفر لك وقدسك وجعلك عروساً مزينة. ومزج فيك شراباً
روحياً لكل بنيك، وها هم يتنعمون في بيت المقدس فرحين ومعهم نحن نرنم ونقول: المجد
لك" [7].
"الكنيسة خطيبة المسيح، التي
خلّصها من الضلال بدمه. ووعدها بقيامته، حياة وسعادة لا تًفنى. زيّني نفسك بالبهاء،
وقدمي الشكر والمعتقد غير المنقسم والإيمان الحقيقي"
[8].
"تفرح وتبتهج وتسر الكنيسة العروس الممجدة، وترنم المجد ليسوع
الملك الظافر بفم بنيها. لأنه جاء وخلّصها بصليبه وزيّنها بالمحاسن وأبهاها. وها هي
اليوم تًزيّح في أربع جهات العالم" [9].
"افرحي وابتهجي به في عرسك، أيتها الكنيسة العروس المزينة. لأن
صفوف بنوك ترنم بتقاديسهم لرب الكل الذي أرسل قوته من العلى ونزل وحلّ في هيكلكِ
لتحتمي به مع بنيكِ من مكائد المكّار" [10].
"ابتهجي وافرحي أيتها الكنيسة الممجدة، بعريس الحق والإيمان،
يسوع ملك المجد، رب كل البرايا، الذي خلّصكِ من نير الضلال، وجعلكِ ينبوع الشفاء،
ودعاك للخدر الملكوتي، والتطويبات التي تفوق الكلام"
[11].
"المسيح الذي خطب الكنيسة بجسده ودمه الثمين، وبطيبته قدّسها
بمعموديته، وخلّصها وأعطاها لتكون مسكناً وملجأً لكل من يؤمن به"
[12].
"المسيح الذي جعل من الكنيسة خطيبة لحبه، وأعطاها مهر لا يُفنى
وعربون لا ينتهي" [13].
كما أن المسيح يعطي ويحافظ على الكنيسة فهي بدورها يقع عليها
واجب الأمانة للمسيح عريسها، فالذي أنقذها من الضلال والوثنية، لا يرضى بأن تتخلى
عنه محبوبته لتعود إلى ماضيها. كما ويتوجب على الكنيسة أن تقدم الشكر لمن قدّم ذاته
ذبيحة لها.
"مبارك المسيح الذي خطبك من مياه المعمودية* يا من خُطبت
للمسيح، لا تطلبي خطيباً آخر، فها هو العريس الحقيقي، الذي هو من الأزل إلى الأبد.
جسده أعطاك عربوناً، وحقه الإيمان، فلا تغيريه بآخر، لئلا يكون لك نداً"
[15].
"مجدي واشكري أيتها الكنيسة العروس المزينة، عروس الملك وابنة
النور، العريس السماوي، لأنه غفر لك ووقدسك بطيبته من ماء المعمودية"
[16].
"الكنيسة المختارة خطيبة يسوع ختن العلى، زيّني أقنومك لمن
بمحبته خطبك، وبصليبه أعطاك سمة البنوة، وبدمه الحي كتب مهرك، وألبسك الحلة الروحية
التي تفسد، وأدخلك معه خدر النور. وطوباك أيتها الكنيسة لأن صوت الختن يهدر فيكِ،
فبمراحمه دعا بنوكِ إلى ملكوت السماء، فنصرخ جميعاً قائلين: قدوس، قدوس، قدوس أنت
يا رب الكل" [17].
إن القمة في التعبير عن الكنيسة العروس يتجلى في مدراش الأحد
الثاني من تقديس الكنيسة، والمستوحى من الكتاب المقدس: سفر العدد (25)، ارميا (7)،
المزمور (23)، سفر هوشع وسفر نشيد الأناشيد، من العهد القديم مطّعمة بنصوص من العهد
الجديد: (مت 11:3)، (لو 36:6-50، 25:10-37) حيث المعنى الرمزي يُظهر جمال وروعة
الأدب المشرقي في وصف العلاقة ما بين الله وشعبه الذي مثلّه سابقاً بشعب إسرائيل
واليوم بكنيسته المختارة.
"تقول الكنيسة للمدعوين: (يسوع ربي) دعاني إلى عرسه، سأدخل معه
الخدر. يا أيتها الشعوب افرحوا معي لأنني خُلّصتُ، ومن أسواق الأصنام ارتفعت،
واعتمدت بمياه الحياة، وتطهرت بالنار والروح، وبالختن المجيد اتحدت* كنت متروكة
ومنهكة، وابن الملك بمحبته خلّصني، وبالزيت والماء داواني، فنسيت معاثري براحاته.
دخان الأصنام كان يفوح مني فكنت نجسة، فملأني من رائحته العبقة، فها هم قديسوه
يعانقوني* بزيته الطيب دهن رأسي، وبكأسه الحي روى قلبي، مراحمه أفضل من الخمر، شاء
بي حياة مستقيمة. يسوع لي وأنا له، ارتضى بي واتشحني واتشحته، بقبلات فمه قبلّني
وقادني نحو خدر السماء" [18].
لقب العروس جعل من الكنيسة حامية وراعية للإيمان الذي وهبه
إياها المسيح، فهي المحافظة على وديعة الإيمان:
"غنم رعيتك يسرعون نحو هيكل عرشك المسجود، فاختم حياتها بحنانك
واحفظ بنيها بطيبتك أيها المسيح الراعي الصالح وملك المجد العظيم. ووسّمها بعلامة
الصليب لأنها مشتراة بدمك الحي" [19].
"إلى بيتك جئنا يا رب، لنحتمي بضلاله، وكما في الميناء به نرتاح
من بحر الذنوب الهائج. لا تغلق يا رب باب تحننك بوجه الخطأة التائبين، لأنه لا ملجأ
آخر لديهم، غير كنيستك المقدسة" [20].
"الكنيسة الممتلئة تمييزات، صاحبة الكنوز والحكم، اسجدي واشكري
الملك المسيح مخلصكِ الذي عظّمَّ بنيكِ. وجعلهم في المسكونة رسلاً روحانيين، وسلمّ
بأيديهم مفاتيح الكنز السماوي، وأعطاهم السلطان بأن كل ما يربطوه على الأرض يكون
مربوطاً في السماء"[21].
والكنيسة العروس هي الأولى بمعرفة وكشف الثالوث الذي تجلى في
المعمودية، وللمعمودية ارتباط قوي بتقديس الكنيسة، لأن الكنيسة هي فكرة الثالوث
المتجلي في العماد، ولأن الكنيسة ستنجب بنيناً من خلال العماد علامة الانتماء إلى
شعب الله الجديد (الكنيسة).
"لكنيستك التي تبعتك تماماً كشفت أولاً يا مخلصنا عن أقانيم
إلوهيتك الممجدة بالحب والإيمان في المعمودية. وعلى يدها أُعلن للجموع الروحية
تعليم سر الثالوث الكامل. لتُحفظ يا رب بطيبتك العقيدة التي سلمتها ببشارتك بلا
عيب" [22].
إن كانت الكنيسة من فكر الثالوث فتقديسها لا يتم إلا بالثالوث
أيضاً، لأنهم انجزوا العمل بالتكامل، من أجل أن تكون الكنيسة مقدسة وبلا عيب:
"طوباك يا كنيسة فقد اكتمل عيد تقديسك العظيم، فالأب ارتضى بك
وبناك، والابن أنجز الأسس، والروح القدس الفارقليط نزل وقدّسك بطيبته. وأقام فيك
كهنة ليبشروا بالإيمان الحقيقي، وأعطاك
أسراره عربوناً لمغفرة ذنوب بنيك، اشكري واسجدي للمسيح الملك معظمك"
[23] .
وأخيراً نعطي الطوبى جميعاً للكنيسة التي رسما الثالوث من خلال
الرتب التي عملت في الكنيسة منذ بدايتها والمتمثلة في شعب الله القديم (الأنبياء)
والذين بشروا بعمل الثالوث في الكنيسة عروس المسيح (الرسل).
"طوباك يا كنيسة لأن عريسك هو ابن الملك، طوباك لأن الملائكة
يشتهون عرسك، طوباك لأن الأب صوّر حسنك بالأنبياء، طوباك لأن الابن كتب مهرك
بالرسل، طوباك لأن الروح القدس شاء بك وتممّ جمالك. طوباك لأنك صرت كنة الأب وخطيبة
ابن الله، طوباك لأن داود بمزاميره دعاك العروس ودعى الابن العريس"
[24].
خيمة الاجتماع رمز حضور مجد الله، الهيكل مسكن الله، الكنيسة
ممجدة بقدرة ابن الله،
الكنيسة كمال الهيكل القديم ومثال الملكوت السماوي، تعيش الكنيسة في العالم على
رجاء مجيء المسيح الثاني المجيد، ليُدخل الكنيسة إلى الملكوت المعد لها منذ إنشاء
العالم. فالصلوات تُفضل وإلى درجة كبيرة ما قدمه المسيح للكنيسة وبنوها من خلالها
على ما كان يعمله موسى، فإن كان موسى قد أخذ هذه المكانة الكبيرة فكم بالأحرى يسوع
الذي قدم ذاته وعوض دمه عن الخروف. وأخيراً لا ننسى بأن فكرة تقديس الكنيسة هي
مأخوذة من عيد تجديد الهيكل اليهودي.
"مسكن ذو عشر خيمات نصب ابن عمرام (موسى) بين جماعته، ليكون
ميناء يلتجئ به الخطأة،
لينالوا العون. والمسكن الداخلي هو وحده كان يدخل. وبدم غيره كان يغفر ذنوب الشعب.
أما المسيح مخلصنا فقد تممّ كمال الأسرار وحققها بأقنومه. وأحلّ في كنيسته منزل
طيبته. وقدّس هيكلاً روحياً ووضع
فيه المذبح الغافر الذي عليه يُزيّح كل يوم جسده ودمه الكريم. وجعل بنيها وسطاء
ليقسموه للمحتاجين. فمتى ما تتجلى عظمته ويكتب الأبكار السماوية، ومتى ما تكتمل
النماذج ويتم تحقيق الرموز، يؤهل الكنيسة وبنوها إلى نعيم التطويبات السماوية"
[25].
"أيها الأب الذي نصب مسكنه على جبل سيناء، وملأه قدس وقاره،
املأ بالمجد هذا الهيكل المخصص لإكرامك، لعرس محبتك ووقار مجدك، ليكون ميناءً
وملجأً لكل المتضايقين، وبه تُمجد أنت وابنك والروح القدس، لك المجد من السماويين
والأرضيين في كل حين" [26].
إذن الكنيسة هي نموذج السماء، أو بالأحرى هي بداية السماء على
الأرض. إنها أورشليم الجديدة السماوية:
"يا مسيح من أسست ميناء الأمن لممجديك في الأرض على مثال بيتك
السماوي، ولما جلست عن يمين أبيك في السموات ملأت كنيستك يا ملك المجد جلال ومحاسن
صليبك" [27].
"المسيح الذي خلّص الكنيسة من ضلال الأوثان وجعلها مثل السماء
حيث الملائكة تسكن فيها" [28].
"المسيح الذي أسس كنيسته على الأرض على مثال أورشليم السماوية،
ورفع حظوظها للعلى ليسكنوا فيها رفاق محبته"[29].
الكنيسة المنتصرة
إن الأساس في مجيء هذه الفترة
الطقسية في ختام السنة الطقسية هو كون الكنيسة، سماء الأرض أولاً، ومن ثم أن
الكنيسة العروس المنتصرة بصليب الرب والممجدة بمجد الله الساكن فيها تنتظر المجيء
الثاني بلهفة، حيث المسيح الذي وعدها سيفي بوعده ويختارها لتكون معه في الأخدار
السماوية.
"رنمي أيتها الكنيسة بفم بنيك، المجد للمسيح ملكك الذي بحبه
عزمك ودعاك إلى معموديته، وأعطاك علامة النصر، صليبه الحي الذي به انتصرتِ على
الشيطان وكل مكائده. بجموع بنيك المحبة اخرجي للقائه، ورنمي له أوشعنا، مبارك الملك
من داود الذي انتصر ونصركِ، وهو عتيد أن يأتي بسم الرب بمجد عظيم ويصعدك معه إلى
السماء" [30].
درس ولا أروع يقدمه الطقس
لكنائسنا اليوم، الشيطان الذي فشل في محاربة الكنيسة بالوثنية، وهذا موضوع قديم
يعود إلى ما قبل الانشقاقات في الكنيسة، زمن الآباء المدافعون ومحاربة الوثنية.
ولكن الشيطان لا يملُّ من محاربة الكنيسة ولا يتوانى من خلق مكائد جديدة، لذا حارب
هذه المرة الكنيسة من الداخل، بواسطة الانشقاقات التي خلقها داخل الكنيسة الجامعة
الواحدة. إذاً إنها دعوة لكنائسنا اليوم التي تصلي مثل هذه الصلوات أن تعرف بأن لا
أروع من الوحدة وكل حسد واتهام من كنيسة لأخرى هو من عمل عدو الكنيسة المنتصرة.
"يا رب لقد بنيت الكنيسة على أساس إيمان سمعان الصخرة، ومن أجل
وعدك له، لم تزعزعها أمواج وهيجان الوثنية. ولما رأى الشيطان أنه بملائكته لن يتغلب
على الجامعة، حثّ بنو تعليمها في كل مكان، ليطلقوا على بعضهم سهام الحسد. كف يا رب
عنها ذوي المجد الباطل الذين يحسدون ، وليملك أمنك على بنيها"
[31].
ومع الصليب الذي هو سلاح النصر
والمجد، وهبها سلاح آخر ليكون دوماً معها، ألا وهو الروح القدس الذي يحيي الكنيسة
وينعش مسيرتها.
"ترنم الكنيسة بفم بنيها المجد للعريس الممجد الذي خطبها
وأدخلها خدرهُ، وأعطاها الحرية من عبودية الأصنام التي كانت تخضعها للضلال، ومهدّ
لها طريق الحياة العتيدة والتطويبات التي لا تُفنى، وشدها بسلاح الروح القدس لتنتصر
به وتغلب قوة الشيطان. وها هي العروس المزينة تفرح وتبتهج بالمسيح الذي تألم من
أجلها وخلّصها بصليبه، لكي متى ما يأتي بمجده العظيم يلبسها ثوب المجد"
[32].
وأخيراً يتجلى مجد الكنيسة بأنها
صيّادة منذ البدء فعليها أن تجاهد في سبيل جمع بنيها والافتخار بالرتب الموجودة
فيها والمتمثلة بأبنائها:
مبارك الذي بنى الكنيسة على صخرة الإيمان، ووضع فيها الرسل
والأنبياء والملافنة عارفو الحق* يا أيتها الكنيسة اجمعي بنيك، لأنك صيّادة منذ
البدء، والآن بعد أن كثر بنوك قومي وانهضي من التراب. أيتها البتول المخطوبة للرسل،
العروس التي بشر بها يوحنا، الهدية المتروكة، صار لها الملوك مربين، اكشفي الحجاب
عن وجهك، وافرحي ببنوك الشباب، وتعظمي بعذراواتك اللواتي يرنمن المجد فيك كل يوم*
لا تطلبي شروق الشمس، لأن شروق ربك ينيرك. وها هي ينابيع مياه الحياة والخلاص تجري
فيك، بنوك يأتون من بعيد، وبناتك من أقاصي الأرض، وتدخلك قوات الأمم، ويسجد الملوك
لإكرامك، ، وتترك الشعوب أصنامها، وتأتي وتلتجئ بك. قومي أيتها الكنيسة وكوني حمى
لكل الشعوب والأمم* أنت نسل إبراهيم الذي حُفظ بالروح والأنبياء، وأولدك الرسل
بالبشارة، ويبتهجوا بك ملائكة السماء. افرحي يا كنيسة بكل رؤسائك، فهم كأشجار أرز
مهيبة وحسنة. الشباب والعذارى مغروسين وفيك يحلون. حبالك لا تنقطع، شدها كثيراً.
كأنك تعرين الداخلين إليك، فتتشيحهم كالثوب" [33].
الخاتمة
لقد تكلمنا عن الألقاب التي
اتخذتها الكنيسة في هذه الصلوات والتي عبرّت عن لاهوت أو روحانية ما لاقتها الكنيسة
في مسيرتها الخلاصية. لم نتكلم عن الكنيسة (كأم وميناء) لأننا نجد هذين اللقبين
دوماً في كل الأبيات. لذا فالكنيسة أولاً وقبل كل شيء هي ميناء الراحة، إنها أم لكل
المحتمين بها.
فالمسيرة التي مرت ولا زالت
وستبقى مستمرة فيها لحين إتمام الوعد النهائي يختزل ولو قليلاً في هذه الأسابيع
الأربعة حيث تجدد الكنيسة رجائها الدائم بيسوع عريسها.
أخيراً ليس أروع من أن نختم هذا
البحث بخاطرة كتبها الربان بريخشوع (القرن 14) حيث يعبر عن روحانية زمن تقديس
الكنيسة: "في الأخير ستخرج الكنيسة المقدسة، عروس المسيح، المكونة من القديسين
والمؤمنين الصادقين، للقائه بفرح، فترافقه ممجدة إياه بكل اعتزاز وفخر... ويستقبل
مخلصنا يسوع عروسه، ويدخلها معه إلى السماء، سيدخلها إلى خدره، ويُجلسها عن يمينه،
ويسعدها بكل أنواع الخيرات التي لا تزول ولا تنتهي، فتُصعد له المجد بأنغام عذبة مع
الأجواق السماوية" [34].
----------------------------------------------------------------------------------
[1]
المطران جاك اسحق، الفرض الإلهي (ملزمة)، بغداد 2002، ص 114.
[2]
الحوذرا، ص (ܫܤܐ).
[3]
الحوذرا (ܫܨܐ).
[4]
الحوذرا (ܫܨܚ).
[5]
الحوذرا (ܬܝ).
[6]
الحوذرا (ܬܝ).
[7]
الحوذرا (ܬܓ).
[8]
الحوذرا (ܫܨܐ).
[9]
الحوذرا (ܫܨܐ).
[10]
الحوذرا (ܫܤܒ).
[11]
الحوذرا (ܫܨܓ).
[12]
الحوذرا (ܫܨܚ).
[13]
الحوذرا (ܫܨܚ).
[14]
الحوذرا (ܫܨܙ)
[15]
الحوذرا (ܬܝ).
[16]
الحوذرا (ܬܝ).
[17]
في حوذرا كنيسة المشرق هكذا يقول، أما في حوذرا الكنيسة
الكلدانية فق استبدلت يسوع ربي بالله.
[18]
حوذرا (ܬܝܐ).
[19]
الحوذرا (ܫܨܐ).
[20]
الحوذرا (ܫܨܓ).
[21]
الحوذرا (ܫܨܗ).
[22]
الحوذرا (ܬܟ).
[23]
الحوذرا (ܫܨܘ).
[24]
الحوذرا (ܬܝ).
[25]
الحوذرا (ܫܨܗ).
[26]
الحوذرا (ܬܟ).
[27]
الحوذرا (ܫܨܗ).
[28]
الحوذرا (ܫܨܚ).
[29]
الحوذرا (ܫܨܛ).
[30]
الحوذرا (ܬܝܛ).
[31]
الحوذرا (ܬܝܒ).
[32]
الحوذرا (ܬܟ).
[33]
الحوذرا (ܬܟܐ).
[34]
المطران جاك اسحاق، الفرض الإلهي (ملزمة)، بغداد
2002،ص116. |