أيها الليل الجميل... لقد أحببتك ولست أدري هل تبادلني نفس الشعور؟... هل
هناك أناس يحبونك مثلي أم يضمرون لك السوء؟... أسألك وأرجوك أجبني أيها الهدوء
الرهيب... في خفاياك يرقد الصمت والهدوء والسكون... هناك أناس يفرحون بقدومك بعد
فترة النهار الشاق المرير... يناجوك ويسكون لك الأوقات العصيبة وأذر السنين والهم
الكبير... جمالك سافرا لا يحجبه ستر كثيف... أرى في ليلك أناسا فرحين مرحين يلهون
ويلعبون ويضحكون رغم أنهم كانوا قبل حلولك يعملون ويكدون ويكدحون ويحملون علي
أكتافهم هموم السابقين واللاحقين.
إنني شاعرةٌ موهوبةٌ ولا يهبط علي الوحي إلا في ثنايا سكونك
وصمتك وهدوئك الرائع البديع... وكاتبةٌ عاشقةٌ للكلمات والجمل والتعابير ولا أجد
الأفكار إلا في هزيعك الموحي الغزير... وكأن السماء أمطرت علي ذخائر حبها الثمين في
ظلامك الدامس المخيف ونورك الخافت القمري الواحي في القلوب... وفي حناياك تنام
الجفون المرهقة الزاهدة المشتاقة لقودمك بعد عناء طويل... وأيضا تتقابل جفون العشاق
خله ولا يلمحها أحد سواك ويرسلون خطابات العشق والهيام والولع بنظرات العيون وهمسات
الحب الجميل... وفيك يزرفون العشاق الدموع السواخن وينفثون البؤساء آلامهم وهمهم
وحيرتهم وقحطهم في ظلامك... ويبكين الثكلى أولادهن ودموعهم تجري انهارا .. والناس
حولهن ينام فتتبلل الوسادة بالدموع من جراء الحرمان والفراق ويناجوك بحسرة وغصة
وأنت شاهد وسامع وللسر حافظ وللإحساس مرهف وشاعر.
ومن أجل هذا يفرحون الناس بقدومك لأنهم يجدون الأوقات
الناجحة ليطرحوا الهموم والأثقال في ثناياك أيها الليل الجميل .. يرتاحون من
أتعابهم .. يدركون إن وجودك خير لهم ويشجعهم علي حب البقاء في الحياة .. وإذا كنت
غير موجود لفضلوا الموت عن الحياة .. لكن بحلولك يشعرون ويتيقنون إن بعد الظلام نور
.. بعد الغيوم صفاء وجمال .. لذلك أحببك أيها الونيس الوحيد .. الرفيق المخلص ..
الصديق الحافظ دخائلي وأسراري ..
يا ليلي الجميل .. لقد وجدت فيك الخالق منتظرا عودة الضالين
الشاردين .. لأن في صمتك دخلت إلى أعماقي وأجمعت حروف شعري وكتبت أجمل قصيدة في
الحياة فيها الألم مزيج الفرح .. السعادة متحررة من اللذات .. الأيمان خالص من
الفلسفات العقيمة التي تجحد الأيمان وفي هبتها الشاطحة في الأفاق .. وقفت أمام
حقيقة جميلة ألا وهي : أن الخالق لا يفعل شيئا إلا الصالح
الإنسان .. ولكن هل الإنسان يعي ويفهم مقدار حب الله له ؟ ..
فاليوم تعبت من شقائي وعنائي .. وأتيت يا ليلي الرائع الجميل لأطرح أحمالي وأشدد
عزيمتي لقبول يوم جديد ..
فشكرا لك ..
أيها الليل المخلص .. يا من أخبرني بمكنون السماء .. وأوحي إلي
لأعد العدة وأرحل وأسافر عن ذاتي بغية لقاء الحبيب ..
أسافر تحت نور قمرك الهادي المطمئن القلوب ..ونجومك المرصعة في
صفحة السماء وهدوئك وصمتك والجميع ينام .. فيا أيها الليل الجميل .. هلم بسرعة
لنرتاح من حمل النهار الطويل .. ونلتقي بحبيبنا يسوع المسيح.. الذي تألم الليل كله
من أجل لقُينا فرحين مخلصين من عذابات الطرق المظلمة.. التي يظلم فيها قمرها ويشدد
سوادها... يحملنا بفرح واشتياق إلى ليله المضيء ويغمرنا بصدره الحنون... من عذابات
الطريق ...
هيا يا ليلي الجميل لنلتقي بالحبيب... يسوع المسيح ...
|