إن الموسيقى والغناء هما من أقدم الفنون
عهداًً في تاريخ الإنسان، وقد قيل إن الإنسان غنّى قبل
أن يتكلم. فكان يقلّد
العاصفة في صخبها والجدول في هدوئه. كما كان يعبّر عن عواطف
القلب بالألحان الغزلية
وعن ورعه بالتراتيل الدينية وعن قوّته بالأناشيد الحماسية.
وكلمة "موسيقى" هي لفظة مشتقة من أصل
يوناني :"موزيس"
و ترجع هذه اللفظة بالأصل إلى (ميز) إله من آلهة الفنون عند
الإغريق.
الاحتفالات الدينية والشعبية في العهد
القديم:
لقد جاء في سفر التكوين أن يوبال وهو من
سلالة قايين ابن آدم الذي عاش قبل الطوفان أي نحو أكثر
من أربعة آلاف سنة ق.م. أنه
أول من عزف على العود والمزمار (تك 4/19-21). وكانت الموسيقى
عند العبرانيين مزيجاً
من الغناء والرقص والمرافقة الآلية، وسُمي الشعر الغنائي عندهم
بالمزامير وهي
مجموعة أناشيد وقصائد و تسابيح كتبت بوحي من الله. وكان للشعب العبراني ملك يُدعى
داود وكان ذا صوت جميل وعازفاً على العود و القيثارة.
انتشار الألحان الكنسيّة :
إن الموسيقى فنّ من فنون الأدب ولا تخلو منه أمة تعيش على وجه
البسيطة مهما كانت وضيعة. وقد مارسها الأشوريون،
وتؤيد ذلك المنظومات التي وجدت محفورة على الآجر في خرب نينوى الاثرية وفي (أور).
يقول الأسقف “ولش” الإنكليزي في كتابه (أصداء التوراة): إننا قد
وجدنا بواسطة اكتشافات حديثة بعض الترنيمات التي كانت ترمز إلى المغنيين في أرض أور
ينشدونها لتسبيح القمر الفضي.
أما في الكنيسة فقد عرف (برديصان
الرهاوي) المولود عام 154م الذي
تنّصر وعاش حتى عام 222م وقد قال عنه مار افرام،
إنه وضع مئة وخمسين نشيداً على طريقة مزامير داوود ولقّنها الشبيبة الرهاوية بعد أن
وقعها على لحون شتى مطربة تخلب القلوب .
ثم تبدأ الموسيقى الكنسيّة الشرقية،
وأول من اشتهر بها هو مار افرام 306 ـ 373م.
ولأسباب ثلاثة أدخل رؤساء الكنيسة
فن الموسيقى إلى بيعة الله.
1. مناهضة ألحان الوثنيين وأصحاب
البدع المضرة بالعقيدة والآداب .
2. الاستعانة بها على النشاط في
عبادة الله .
3. تنبيه الحواس إلى أدراك معاني
الصلوات.
فالقديس أفرام ناهض لحون برديصان المخلة بالعقيدة، والقديسان
غريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الذهبي الفم، ناهضا أشعار وأغاني الأريوسيين .وناهض
القديس مار سويريوس الكبير أغاني وأشعار سوسطيوس اليوناني.
بعد القديس أفرام السرياني (373) نبغ موسيقيون كنائسيون آخرون
منهم اسحق الرهاوي (491) ومار بالاي أسقف بالش (342) ومار رابولا (411 ـ 435م)
وغيرهم حتى بلغ عدد الملحنين المشهورين في الكنيسة السريانية (37) ملحناً منهم (15)
ملحناً من السريان المشارقة مثل (مارشمعون، مار صباعي، نرساي، يشوع ابن نون، ايليا
الانباي وغيرهم).
أما الملحنون من السريان الغربيين فبلغ عددهم (22) ملحناً فيكون
المجموع (37) ملحناً وبعد الانتهاء من التلحين اتفق الجميع وأطلقوا على الألحان
الثمانية أي على السلم الموسيقي اسم (أكاديا) باللغة السريانية للدلالة على أن هذا
السلم يعود بجذوره إلى الشعب الأكادي. وعلى هذه الصورة دخلت الألحان الكنسية .
أهمية الموسيقى في الكنيسة
الموسيقى الكنسيّة كنز ذو قيمة لا يثَّمن،
يفوق ما سواه من الفنون، لأن الترتيل الكنسي الملازم
للألفاظ هو جزء من الطقوس
الاحتفالية .
الكتاب المقدس امتدح التراتيل الكنسيّة،
نقرأ في رسالة القديس بولس إلى أهل أفسس يقول لهم:"
وليكن حديثكم تلاوة مزامير
وتسابيح وأناشيد روحية، رتِّلوا وسبحوا للرب من صميم القلب
"(اف5/19) ويقول أيضاً
للقولوسيين:"رتِّلوا لله من صميم قلوبكم شاكرين بمزامير وتسابيح
وأناشيد روحية (قول3/16). وقد
أكد الكثير من الآباء القديسون
على أهمية وضرورة
الموسيقى الكنسيّة في خدمة الطقوس الإلهية والحياة
الرعوية، والغاية منها تمجيد
الله وتقديس المؤمنين باشتراكهم اشتراكاً فعلياً.
أن
الليتورجيا الاحتفالية والمرتّلة تأخذ صيغة أنبل وأكمل عندما
يشترك فيها الشعب
اشتراكاً فعلياً، لذا يجب التركيز على
النقاط التالية:
1.
الاهتمام بجوقات الترتيل ورعايتها،
وذلك من خلال اللقاءات المستمرة وتلقينهم فن الترتيل الأصيل واكتشاف المواهب
الصوتية.
2. تمكين الشعب من الاشتراك في الاحتفالات
الليتورجية المرتَّلة. يتم
تطبيق هذه النقطة من خلال تلاوة الطقوس الشعائرية باللغة المدركة والمفهومة من
الشعب، وهناك طرق لجعل الشعب يشترك في الترتيل فعليًا، إما بطباعة الطقوس على شكل
كراريس أو كتب، أو عرضها من خلال جهاز عرض، ليتسنى للجميع قراءتها وترتيلها.
3. المحافظة على كنز الموسيقى
ورعايته أحسن رعاية.
لقد فقدت الكنيسة الكثير من الوصلات والالحان الكنسية بسبب الظروف والاضطهادات التي
مرت بها خلال القرون الماضية، الأمر الذي أدى إلى خلو ليتورجية الكنيسة من تنوع
الالحان وتعددها
واعتمادها على بعض الالحان البسيطة فقط مقارنة بالذخيرة والكنوز التي كانت تملكها.
لذا للمحافظة على المتبقي من هذه الكنوز يجب تسجيل هذه الالحان في أقراص وخزنها
بطريقة تجعلها متاحة للأجيال القادمة. كذلك كتابة هذه الالحان بالنوطة الموسيقية هي
وسيلة أخرى للمحافظة على تلك الكنوز الموسيقية.
4. الاهتمام بالثقافة الموسيقية
وخاصة الكنسية منها. تثقيف الجوقات الكنسية من خلال تعيين موسيقين أو من لهم تلك
الدراية الكافية بالموسيقى كمدبرين لتلك الجوقات. وهذا يتحقق من خلال تبني الكنيسة
مسؤولية بعث نخبة من شبيبة الكنيسة إلى المدارس الموسيقية ليتم تثقيفهم وتعليمهم فن
الموسيقى.
الكنيسة تحتاج إلى الفن والفن في خدمة الكنيسة:
من أجل نشر البشارة التي عهد المسيح بها
إلى الكنيسة فإن الكنيسة تحتاج إلى الفن كما أن الفن هو
في خدمة الكنيسة. وبالفعل،
فإن عليها أن تجعل عالم الروح، وعالم اللا منظور، وعالم الله
محسوساً. لذا فالكنيسة تحتاج
إلى موسيقيين. كم من
المقطوعات المقدسة كانت، وعلى مر العصور،
من تأليف أشخاص تشَّربوا بعمق معنى السر!
أعداد لا تحصى من المؤمنين غذّت إيمانها بفضل الترانيم وأصبحت
جزءاً لا يتجزأ من
الليتورجيا. وكانت تلك الترانيم صرخة الإيمان التي تنفجر
بالفرح والحب.
لذا فإن الموسيقيين المشبعين بالروح
المسيحية مدعوون
للتمرس بالموسيقى الكنسية و تنمية كنزها. وليؤلفوا ألحاناً تحمل طابع
الموسيقى الكنسية الأصيلة، ويستطيع إنشادها
الكل، فتساعد جماعة المؤمنين بأجمعهم على الاشتراك
اشتراكاً فعلياً
في الحياة الليتورجية.
أشهر الألحان الكنسية الشرقية:
لقد تم وضع السلم الموسيقي السرياني
التاريخي من الألحان الثمانية التي تستعمل في كافة
الكنائس الشرقية، ومنها انبثقت جميع الألحان الموجودة في
العالم والتي يتكلم عنها وقدرها الموسيقار الفارابي بحوالي (3000) لحن. وتبنى
الألحان في الكنيسة الشرقية
على القيثارة السومرية التاريخية الخالدة ذات الأوتار السبعة أساساً ويبدأ اللحن
الأول على الوتر الأول. وهكذا تدريجياً إلى الوتر الإضافي وقد تم تحويل وتبديل
أسماء هذه الألحان من اللغة الآرامية إلى اللغة العربية.
وللأسف وكما نوهنا مسبقا فقد فقدت الكثير من هذه الألحان في
الكنيسة اليوم، ظلت هذه الالحان في حيز أداء المقام العراقي والذي استنبط جميع
مقاماته من ينبوع ليتورجية الكنيسة.
اللحن الأول Baya:
وهو مقام البيات في الموسيقى
العربية. وكلمة بيات المشتقة
من كلمة (بات) التي تعني نزل ليلاً، أو أدركه الليل أو دخل مبيته، فهي بهذا المعنى
لا تعطي صفة موسيقية فنية ولكنها محرفة من السريانية َبيَا
baya التي تعني (عزى ـ سلى ـ سرور) وهذا المعنى يعطيها
صفة موسيقية واضحة.
ومن الالحان الكنسية التي ترتل في الكنائس الشرقية على وزن مقام
البيات هي: ترتيلة أوكنانا، ايتلن سورا...
وسلم هذا اللحن هو كالآتي:
سلم
الصعود من اليسار إلى اليمين
ري – دو – سي بيمول – لا – صول – فا – مي نصف بيمول – ري
اللحن
الثاني Hawsono:
وهو مقام الحسيني في الموسيقى
العربية. إن هذه الكلمة
المشتقة من الحسن والتي تعني الجمال لا تعطي ذات الدلالة الموسيقية كما في
السريانية حيث تعني الترفق، الرأفة، الحنان، الرحمة، العطف، الشفقة. لهذا المعنى
دلالات موسيقية تنسجم مع هذا المقام.
وسلم هذا اللحن هو كالآتي:
سلم
الصعود من اليسار إلى اليمين
ري – دو –
سي نصف بيمول – لا – صول – فا – مي نصف بيمول – ري
اللحن الثالث Ur-Ak:
وقد جاء اسمه من اسم مدينة مغمورة ـ الآن ـ في بلاد الرافدين ومنها جاءت كلمة
(العراق) كما تلفظ اليوم، أما العامة في الموصل فإنهم يلفظونها كما في السومرية
(عُراق) وقد كانت هذه المدينة عاصمة الدولة في العهدين السومري والأكادي ولا تزال
أطلالها باقية حتى اليوم.
وسلم هذا اللحن هو كالآتي:
سلم
الصعود من اليسار إلى اليمين
سي نصف
بيمول – لا – صول – فا – مي نصف بيمول – ري – دو – سي نصف بيمول
اللحن الرابع Rasd:
وهو في الموسيقى
العربية مقام (الرصد) وقد حوّر من قبل الأتراك نقلاً عن الفارسية إلى كلمة (راست)
وتعني المستقيم وليس لهذا المعنى أي صلة بالمقام المستقيم وهذا لا يعطيه أي صفة أو
دلالة موسيقية، أما ترجمته بالآرامية فتعني (أدرج، قرر، ثبت، مكن، أصلح).
ومن الترانيم التي تتلا على وزن هذا اللحن الكثير من تراتيل
صلاة الرمش (المساء)
وسلم هذا اللحن هو كالآتي:
سلم
الصعود من اليسار إلى اليمين
دو – سي
نصف بيمول – لا – صول – فا – مي نصف بيمول – ري – دو
اللحن الخامس Ugo:
ويسمى في الموسيقى العربية
(الأوج) أي الأعلى،
أما معناه في اللغة التركية فهو (الرأس الحاد) وفي كلتا الحالتين لم يعط
هذا المعنى الدلالة الموسيقة لهذا المقام.
أما معناه في السريانية (الزهور ـ
الريحان ـ الميس ـ وهذه الكلمة تفسر بالخمرة وهي في
السريانية تدل على نباتات عطرية
ذات رائحة ذكية) وهو بهذا المعنى يعطي دلالة موسيقية أوضح وأكثر
انسجاماً مع نوعيه
موسيقى اللحن أو المقام.
اللحن السادس Agam:
ويلفظ في
الموسيقى العربية (عجم) ويعني
(الغريب) الغشيم وقد طغى معناه التركي حتى في
اللغة العربية حيث يعني بلاد فارس، وهذا المعنى لا
ارتباط له مع الموسيقى. أما
في اللغة الآرامية
القديمة فمعناه (رجوع ـ هبوط ـ تفريغ ـ…الخ).
وسلم هذا
اللحن هو كالآتي:
سلم
الصعود من اليسار إلى اليمين
سي بيمول
– لا – صول – فا – مي بيمول – ري – دو – سي بيمول
اللحن السابع Sba:
إن كلمة (صبَا) في اللغة العربية تعني النسيم الشمالي الرقيق وقد يكون لهذا المعنى
موسيقي ولكنه ضعيف، بينما ترجمته السريانية التي تعني (فرح، سرور، أراد، شاء، صفاء)
تظهر ارتباطه بالموسيقى أكثر
وهذا المقام مفضل عند السريان خصوصاً في مراسيم موت الشهداء الأبرار والكهنة لكونه
لحناً حزيناً ذات خاصة مميزة.
وسلم هذا
اللحن هو كالآتي:
سلم
الصعود من اليسار إلى اليمين
ري – دو –
سي بيمول – لا – صول بيمول – فا – مي نصف بيمول - ري
اللحن
الثامن Hajo:
حاجو، إن كلمة (حجاز) في
اللغة العربية تشير إلى اسم بلاد السعودية القديم حيث كانت تعرف باسم (حج)
وقد أضيف حرف الزاي إلى الكلمة خلال الحكم العثماني الطويل فسميت حجاز وكانت مكة
قبلة الشعوب والقبائل المجاورة لها حيث كانوا يحجون إلى كعبتها وقد انتقلت هذه
المظاهر إلى العهد الإسلامي حيث أكد الدين الجديد على قدسية الكعبة الشريفة فأصبحت
مكة من الأماكن المقدسة يحج إليها المسلمون من كافة أنحاء المعمورة.
وسلم هذا اللحن هو كالآتي:
سلم الصعود من اليسار إلى اليمين
دو – سي – لا بيمول – صول – فا – مي – ري بيمول – دو |