لا شك إن أول ما يمكن أن أقوله عن القيامة المجيدة فأبدأ به مطاف هذا العدد
هو حقيقة أنها جاءت لتكون الحجر الأساس ورأس الزاوية في الإيمان المسيحي وكتابه
المقدس بعهديه القديم والجديد، كونها البرهان على صدق هذا الكتاب أولاً، وهي
الشهادة لقدرة الله العظيمة ثانيا، وقبوله تضحية المسيح من أجل المصالحة مع الخليقة
الخاطئة ثالثا، وفيها بالتالي تأكيد على قيامة المؤمن في يوم قادم رابعا، إلى جانب
اعتبارات أخرى عديدة.
إنها فكرة تأمين الإنسان ضد الماضي، فالماضي دائما يُطارد الإنسان.. وهو إبتلاع
للحاضر فى حياة هذا الإنسان. والسيد المسيح، له المجد، عالج هذا الموضوع، فأتى
بالمستقبل كله بالقيامة، فإن كان الماضي يبتلع حياتنا.. فالأبدية ستعوضنا عن ذلك:
"إن كان الخارج يفنى.. فالداخل يتجدد، إن كان إنساننا الخارجي يفنى.. فالداخل يتجدد
يوما فيوما"، لكي لا يبقى الإنسان أسير الماضي!!.
وحيث أننا لم نسمع ولم نقرأ إلا القليل عن الموت الروحي، رغم أهمية ذلك
القصوى. وذلك لأننا لا نزال ندور في حلقة مفرغة، وهي حلقة الموت البيولوجي
الذي نشترك فيه مع جميع الكائنات الحية.
فقد كانت معضلة الحياة والموت.. ولا تزال الشغل الشاغل لكل إنسان، وهي التحدي الذي
يقضّ مضجعه في كل حين.
وقد جاءت هذه القيامة لتضع الإطار الدقيق الذي يحدد هذه المعضلة، إذ بقيامة
المسيح له المجد، كِلا الحياة والموت صارا يأخذان معنىً جديدا. فالحياة الآن تعني
الشركة مع الله. والموت لم يعد نهاية هذه الحياة الحاضرة، بل هو ابتعاد الإنسان عن
الله. ولم يعد يُنظر إلى انفصال النفس عن الجسد المائت على أنه "موت"، إنه هجوع
مؤقت.
وبمعنى آخر.. لقد غيرت القيامة حتى اسم الموت، فلا يدعى بعد موتا، بل نوما
ورقادا: "هنا يرقد على رجاء القيامة...".
يقول بولس الرسول في رسالته الثانية إلى مؤمني كورنثوس: "وما دمنا في هذه
الخيمة الأرضية فنحن نئن تحت أثقالنا، لا لأننا نريد أن نتعرى من جسدنا الأرضي، بل
لأننا نريد أن نلبس فوقه جسدنا السماوي، حتى تبتلع الحياة ما هو زائل فينا.. 2 كو
5: 4".
إنه تعبير لاهوتي بحت، شأنه شأن معظم أقوال ومواعظ رسول الأمم، وهو مبني على
ثقافة دينية عميقة سابقة، تم تجديدها وتوظيفها لاحقا وفق اختبار شخصي حقيقي في
الطريق إلى دمشق "أعمال 9: 3 ـ 20"..
فهو يريد أن يقول إننا لا نرفض الجسد.. بل نرفض الفساد الذي فيه، لا نرفض
الجسد.. بل نرفض الموت. الجسد شيء والموت شيء آخر، الجسد شيء والفساد شيء
آخر.
فلا الجسد هو فساد.. ولا الفساد هو جسد. ومن المؤكد أن الجسد فانٍ، لكن الفناء ليس
هو الجسد. ومن المؤكد أيضا أن الجسد مائت، لكن الموت ليس هو الجسد. الجسد خلقه
الله، أما الموت والفساد ليسا من الله بل دخلا بسبب الخطيئة.
وإبطال الموت معناه إيقاف عوامل الفساد التي يسببها.. استعدادا لمصالحة
النفس مع الجسد وتهيئتها للقيامة. وذلك برفع الخطيئة واللعنة.. للعودة إلى الله
والاتصال الدائم به لنيل نعمة الحياة الدائمة مرة أخرى.
هذا ما عمله المسيح في مجيئه الأول، وأكمله على الصليب، وبقيامته أعطى
المؤمنين بها عربون قيامتهم. لأنه بقيامته رفع اللعنة وأبطل الموت وأوقف الفساد،
استعدادا لمصالحة جديدة بين النفس والجسد وقبول حياة جديدة، الآن بالقيامة الأولى
وعند مجيئه الثاني بالقيامة الثانية. ولكي لا يبقى الإنسان أسير الماضي.. هذه هي
قوة القيامة: المصالحة:
1. بين الله والإنسان، 2. بين النفس والجسد، 3. بين الإنسان والإنسان.
|