قال أحد
المفكرين: الصلاة هي أعمق وأسمى مظهر طبيعي من مظاهر النفس، وستبقى هكذا. وتظهر
طبيعة الصلاة في الإنسان في عموميتها وشمول استعمالها بين أصناف جميع الناس
وطبقاتهم ولغاتهم وأديانهم. وقد يفشل بعض الناس لأنهم لم يروا جوابًا أو نتيجة
لصلواتهم، ولكنهم مع ذلك لا ينقطعون كليًا عن الصلاة، لأن في إنسانهم الباطن ميلا
فطريًا إلى الصلاة. أما في المسيحية فالصلاة هي التعبير الطبيعي عن الشعور عند
الإنسان نحو خالقه. وهي أيضا صلة بين الإنسان المخلوق والله الخالق وهي بمثابة حديث
مع الله، يناجي فيها الإنسان خالقه، فيشكره في حالات الفرح، ويستغيث به في وقت
الضيق، ويحمده على بركاته وجوده في كل الأوقات، يسبحه ويمجد اسمه دائماً
"أعلى احد بينكم مشقات فليصلّ.أمسرور احد فليرتل"
(يعقوب 5: 13). ومهما كان الهدف من تأدية الصلاة، سواء للشكر أو التسبيح أو
الإستغاثة، فالمقصود أن يكون المصلي في شركة روحية دائمة مع الله.
كيف نصلي؟
ليس في الإنجيل
ما يكشف أن الصلاة ضرورة مطلقة، أفضل من المكانة التي تحتلها في حياة يسوع. إنه
يصلّي كثيراً على الجبل لوحده وفي موضع خلاء "وبعدما صرف
الجموع صعد الى الجبل منفردا ليصلّي" (متى 14: 23). وليس من الصواب اعتبار هذه الصلاة
قاصرة على مجرد الرغبة في الخلوة الصامتة بالآب: إنها تتعلق برسالة يسوع أو
بتربية تلاميذه، كما ورد في أربع إشارات إلى الصلاة، اختص بها لوقا: عندما
اعتمد يسوع "واذ كان يصلّي انفتحت السماء" (لوقا 3:
21)، وقبل اختياره الإثني عشر "وفي تلك الايام خرج الى الجبل
ليصلّي.وقضى الليل كله في الصلاة لله "(لوقا 6: 12)، وعند التجلّي "وفيما
هو يصلّي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضا لامعا" (لوقا 9: 29)، وتجل أن
يعلّم الصلاة الربانية (لوقا 11: 1). فقد أدرك التلاميذ أن هناك علاقة بين حياة
سيدهم العجيبة وبين الصلاة، فأتوا إليه ملتمسين أن يعلمهم الصلاة. وهو أعطاهم نموذج
بسيط بعبارات موجزة جعلها قاعدة لما يليق التفوه به أمام عرش النعمة، وهذا النموذج
البسيط بكلماته العميق بمعانيه لُقب بالصلاة الربانية، نسبة للرب الذي وضعه. وهذه
الصلاة تحتوي:
1- المقدمة:
(أبانا الذي في السموات)، وتتضمن النداء الذي جاء المسيح ليعلنه لنصير أولاد الله،
إنه يتضمن سر الفداء، وايضًا سر التجديد، وهو أن الروح القدس في الولادة الجديدة
يهب لنا حياة جديدة. وكذلك فيها سر الإيمان. ونفهم من هذه المقدمة أن الصلاة هي
شركة المحبة الشخصية، بين المصلي والرب الاله، وأن أساس قوتها ونمائها هو معرفة
أبوة الله معلنة بالروح القدس.
2- ثلاث طلبات
تختص بالله: (ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك). فغاية الطلبة الأولى أن يقدس
البشر اسم الآب في قلوبهم وعلى ألسنتهم وفي تصوراتهم، أما الطلبة الثانية فهي نتيجة
طبيعية للطلبة الأولى، أما الطلبة الثالثة فتعني تسليم الإنسان ذاته كليا لله.
3- ثلاث طلبات
تختص بالإنسان. الأولى تتناول حاجات الجسد (خبزنا كفافنا أعطنا اليوم)، وغايتها أن
يُعطى الجسد حقه الواجب من الحياة، تمكنه من أن يقوم بواجباته الروحية. الطلبة
الثانية تختص بالغفران (اغفر لنا ذنوبنا)، فكما أن الخبز حاجة الجسد الأولى هكذا
الغفران حاجة النفس الأولى. والطلبة الثالثة تعالج الخطية في إغراءاتها التي
تجتذبها بالتجربة (لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير)
4- الخاتمة.
وفيها سبب الصلاة كلها، أو سبب تقديمها لله. لأن لله الملك أي الحق والسلطة المطلقة
على العالم. وله القوة لكي يستجيب هذه الطلبات. وله المجد، ونحن نطلب هذه الأشياء
من أجل مجده.
وقد أعقب المسيح
على عبارات الصلاة النموذجية بتحريض على الطلب، فقال (إسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا،
إقرعوا يفتح لكم)، وإن سأل أحد ولم يأخذ، فالمعنى أن هنالك معطلا لصلاته، كعدم
اليقين بأن الله قريب من الذي يدعونه، أو في حالة شك المصلي، لأن المرتاب لا يمكن
أن ينال شيئًا من عند الرب، أو في حالة وجود خطايا لم يعترف بها المصلي للرب. لأن
الخطايا تحجب وجه الرب عن الإنسان. أو قد تفشل الصلاة حين يطلب المصلي أشياء رديئة،
كما قال الرسول يعقوب (تطلبون ولستم تأخذون، لأنكم تطلبون رديًا) يعقوب 4: 3. أو
لأن المصلي يمارسها كفريضة يجب عليه أداؤها، وليس بدافع حبه وأشواقه لله.
لقد كانت صلاة
يسوع هي السر الذي اجتذب إليه أشد
الناس قرباً منه والذي يعمل على إدخالهم فيه أكثر فأكثر "وفيما
هو يصلّي على انفراد كان التلاميذ معه.فسألهم قائلا من تقول الجموع اني انا"
(لوقا9: 18)، فالصلاة تتعلق بهم، والعلاقة بين صلاته ورسالته تبدو جلية واضحة في فترة
الأربعين يومأ التي افتتح بها عمله في الصحراء لأنها تجدد في الأذهان مثال موسى
مع تفوقها عليه، وهو قبل اجتيازه فترة آلامه،
يبين لنا أنواع المصاعب التي ينبغي لصلاتنا نحن أن ننتصر عليها.
كيف نؤدي
الصلاة؟
في حديثه مع
السامرية، قال الرب يسوع "الذين يسجدون له فالبروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يوحنا
4: 23-24). ومعنى كلامه أنه من اللازم أن يوجد توافق بين الآب والساجدين له، لأنه
كما أن العين ملائمة داخليًا لقبول النور، وكما أن الاذن ملائمة داخليًا لقبول
الصوت. هكذا الساجد الذي يروم التمتع بالسجود الروحي، يجب أن يكون ملائمًا داخليًا
لقبول الروح القدس. وما قاله عن الروح والحق فهو بالروح بعكس ما جاء في اليهودية
وحرفية الصلاة، وبالحق بعكس ما جاء بالمعتقدات السامرية التي خضعت لأوهام كثيرة.
بعد أن قدم لهم
نموذجًا حيا للصلاة، أراهم أن الصلاة يجب أن تؤدي في التعطش والتشوق إلى الله. وشرح
لهم هذا بمثل الصديق اللجوج: "ثم قال لهم من منكم يكون له
صديق ويمضي اليه نصف الليل ويقول له يا صديق اقرضني ثلاثة ارغفة. لان صديقا لي جاءني
من سفر وليس لي ما اقدم له. فيجيب ذلك من داخل
ويقول لا تزعجني.الباب مغلق الآن واولادي
معي في الفراش.لا اقدر ان اقوم واعطيك. اقول لكم وان كان لا
يقوم ويعطيه لكونه صديقه فانه من اجل لجاجته
يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج (لوقا 11: 5-8). وقال أيضًا مثلا في أنه ينبغي أن يُصلى
كل حين ولا يمل: "وقال لهم ايضا مثلا في انه ينبغي ان يصلّى
كل حين ولا يمل قائلا.كان في مدينة
قاض لا يخاف الله ولا يهاب انسانا. وكان في تلك
المدينة ارملة. وكانت تأتي اليه قائلة انصفني من
خصمي. وكان لا يشاء الى زمان. ولكن بعد ذلك
قال في نفسه وان كنت لا اخاف الله ولا اهاب انسانا فاني لاجل ان هذه
الارملة تزعجني انصفها لئلا تأتي دائما فتقمعني. وقال الرب اسمعوا ما
يقول قاضي الظلم. أفلا ينصف الله
مختاريه الصارخين اليه نهارا وليلا وهو
متمهل عليهم. اقول لكم انه ينصفهم
سريعا.ولكن متى جاء ابن الانسان ألعله يجد الايمان على الارض" (لوقا 18: 1-8).
مثل الصديق
اللجوج يعلمنا درسًا جديدًا، وهو التضرع والتشفع لأجل الغير، فهو أكمل صور الصلاة.
أما في مثل الأرملة وقاضي الظلم، فيعلمنا المسيح أن المثابرة وعدم الملل في الصلاة
من الأمور التي يأمر بها الله.
أين نصلي؟
في حديثه مع
السامرية "قال لها يسوع يا امرأة صدقيني انه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في
اورشليم تسجدون للآب" (يوحنا 4:
21)، أراد أن يفهمنا بأن الله مالئ الوجود، بحيث نستطيع أن نسجد له أنّى وجدنا.
وأيضًا يعطي أهمية للصلاة الفردية في المخدع. قال "واما أنت فمتى صليت فادخل إلى
مخدعك وأغلق بابك، وصل إلى ابيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك
علانية" (متى 6:6). والقصد من هذه العزلة، أن يتهيأ للمصلي مكان هادئ للإنفراد
بالآب السماوي. أما ما هو الخفاء الذي يأمر الرب به، فهو السكون والسلام الداخلي
الذي يحل في النفس بعيدًا عن هموم العالم ومشاغله والأمور التي تبعد الفكر عن
التصور والتأمل في قصد الله والاستماع إلى مشورته والسير حسب مشيئته. كما يأمر
المسيح المصلي بالتكتم، لئلا يكون كالمرائين، فانهم يحبون أن يصلوا في المجامع أو
في زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس. على كل مصلي أن يجد مخدعه السري والباب المغلق
والمنفصل عن كل ما حوله والتي هي وسائل تهيئ له المقدس الروحي الهادئ الذي يتيح له
التأمل العميق في كمالات الله وفي محبته التي اتخذت شكل الأبوة.
ما هي شروط
استجابة الصلاة؟
إن شخصية الوسيط
هي العامل الأساسي في قبول وساطته. هكذا الأمر مع الله إذ تتوقف استجابة صلواتنا
على شخصية يسوع المسيح الذي هو الوسيط الوحيد، والذي يشترط للقيام بالوساطة "أن
نثبت فيه وتثبت كلمته فينا" (يوحنا 15: 7). إن السيد الرب أراد أن نثق حقًا في قوة
اسمه الذي ينبغي أن تجثو كل ركبة، وبه تستجاب كل صلاة "إن سألتم شيئًا باسمي فإني
أفعله" (يوحنا 14: 14). لقد عقب المسيح على خطابه الوداعي لخاصته بصلاة شفاعية ختم
بها على كل أعماله الماضية، ثم تشفع بالذين هم له قائلا: "من أجلهم أنا أسأل...
احفظهم في اسمك... قدسهم في حقك" (يوحنا 17: 9، 11، 17)
المؤمنون
الحقيقيون أغصان في المسيح الذي هو الكرمة الحقيقية حتى يمكن أن تكون لهم الصلاة
المستجابة. فيجب أن نخضع للكرام الإلهي حين يمد مقصه لكي ينقينا، لا نخش شيئًا،
فالمقص هو كلمة الرب بدليل قول المسيح: "أنتم الآن أنقياء بسبب الكلام الذي كلمتكم
به" (يوحنا 15: 3).
أن مركبات الله
قد تسير على مهل، ولكن عن الرب وقتا معينا حسب حكمته يستجيب فيه. وقد يتمهل الله في
استجابة الصلاة، لأنه يريد أن يحرض فينا الانتظار ويقوي عندنا الرجاء.
ما هو سر
الصلاة الفعالة؟
ª إن الإيمان هو سر الصلاة الفعالة التي تحرك قلب الله: "فاجاب
يسوع وقال لهم ليكن لكم ايمان بالله. لاني الحق اقول لكم
ان من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن ان ما يقوله
يكون فمهما قال يكون له. لذلك اقول لكم كل
ما تطلبونه حينما تصلون فآمنوا ان تنالوه فيكون لكم" (مرقس 11: 22-24)
ª الرب يعطينا بعض العناصر
الضرورية للصلاة:
(1) رغبة القلب،
فالرغبة القلبية هي روح الصلاة. فإن كانت الرغبة في الرب ضعيفة فلا بد أن تكون
الصلاة ضعيفة. قد توجد في اهتمام المؤمن رغبات صادقة في البركات الروحية، ولكن عنده
إلى جانب ذلك رغبات أخرى عالمية يضعها في المقام الأول. إنسانًا مثل هذا يجب أن لا
يتوقع قوة في صلاته، لأنه لم يتقيد بأمر الرب "أطلبوا أولا ملكوت الله وبره، وهذه
كلها تزاد لكم" (متى 6: 33).
(2) الإيمان، (كل
ما تطلبونه حين تصلون فآمنوا أن تنالوه). فبالإيمان نعرف الله، وبالإيمان نقبل الرب
يسوع. علينا أن نتعلم من جديد ما هو الإيمان، وأن نبدأ أن نحيا بالإيمان وأن نصلي
بالإيمان. الإيمان يقبل الإجابة من الله قبل أن يراها بالعيان، لأن الإيمان يرى
الذي لا يُرى.
ماهي شروط
الصلاة المقبولة؟
1. أن تكون من
القلب
2. أن تكون
بالوقار لتليق بالله غير المحدود في عظمته وقداسته وعلمه وقدرته.
3. أن تكون
بالتواضع الذي يتضمن الشعور بأننا غير مستحقين بسبب فسادنا وعدم أهليتنا في عيني
الله.
4. أن تقترن
بالتسليم الكلي لله. فإن من سلم أمره لله مهما كان سؤاله يقول: "يا رب، لتكن لا
إرادتي بل إرادتك".
5. أن تقترن
بالإيمان، لأن صلاة الإيمان فقط هي التي تقتدر في فعلها لدى الله، لأن المرتاب لا
يمكن أن ينال شيئًا من عند الرب. وعلى المصلي أن يؤمن:
ª أن الله موجود
ª أن قادر أن يسمع صلواتنا
ويستجيبها
ª أنه يحب الإستجابة
ª أنه لا بد أن يستجيب لصلواتنا
إن كانت حسب مشيئته ولخيرنا
ª أن يطلب المصلي مجد الله لا مجد
نفسه أو غرضه الأناني الصادر عن الطمع
ª أن تكون باسم المسيح
ª أن تكون موافقة لمقاصد الله
وحقوقه. |