نسجد لله الحي،
مبدع السماء والأرض وخالق الكائنات كلها بهدوء، والنور بصوت جلي* زين الخليقة بكل
المحاسن، وجعلها كمدينة بهية، ووضع بها أبو الأمم كلها، كملك على كل المسكونة* ولما
رأى الشيطان أن كل السلطان أُعطيَ له "لآدم" حسده وبدأ يحاربه* فأغوى آدم والمرأة
بشهوة الأكل الكريهة، فطُردا كلاهما من الجنة وورثوا أرض الويلات* لما رأى الخالق،
أن إبداعه آل إلى الإبادة، أرسل ابنه في آخر الأزمنة، وبه خلّص جنسنا* فوُلد من
العذراء الطاهرة، دون نطف أو جنس، وكان ينمو بالقامة والحكمة، وكان ينتصر بقوة
النعمة* ولما أتم الثلاثين سنة وأكمل وصايا شريعة موسى والآباء، حينئذ جاء واقترب
للمعمودية* وفي سنة 330 والرابعة لحكم الملك الكسندر اليوناني، جاء يوحنا من صحراء
زيف، إلى نهر الأردن وأخذ يعمذ هناك* وكان يبشر في قفر يهوذا، قائلا للشعب الضال،
توبوا فقد اقترب ملكوت السماء، ووصل وجاء الملك السماوي* كان الكتبة والكهنة
يجتمعون ويتعجبون من كلامه، يسمعون له بخوف وينصتون، وكانوا يكرمونه كنبي* ولأن
الجميع كانوا يهرعون إليه ويجتمعون، مفتكرين ومعتقدين أنه الملك المسيح، وسائلينه
مغفرة الذنوب والخطايا، بالمعمودية التي منه يُعَمَدون* حينئذ أجاب وقال للكتبة
ورؤساء الكهنة، أولاد أشرار، حيات أبناء الأفاعي، تحركوا واصطفوا ها قد وصل رب
الأزمنة، ليقاضي الشعوب المتكبرة* وينتقم بغضب وغيظ، من الشعب المليء إثما،
والمتجرد من الإيمان، والبعيد عن جميع الخيرات* هوذا يأخذ فأس العدل، ليقطع الأشجار
والشجيرات، التي لا تحمل ثمار النعمة* أنا أعمّذ بالماء، ولا أملك شيئا آخر، سيأتي
بعدي قوي، جبار، شجاع وقدير، له الحكم والسلطان، وفي النهاية هو الذي يدين* لا
تظنوا أنني عظيم، فأنا لا أستحق أن أخدمه، ولست مؤهلا لأحل سيور نعليه، لأنه رب وهو
الله* هذا يعمّد بالنار الشديدة، ويُطّهر الإثم والخطيئة، ويقدس الكل بقداسة، لأن
له الملك، وهو بكر الألوهية* هذا الذي ينظف بيدره بالعدل والحق، ويحمل الحنطة
الجيدة ويجمعها في مخازنه، والتبن المرذول يحرقه بجمراته، ويجمع مختاريه حوله*
وبينما هو يتكلم بهذا ويقول، أشرق ربنا فجأة وتجلى، وطلب منه المعمودية* قام يوحنا
بخوف ورعدة، صارخا ناشدا برهبة، وبرجفة قال لربنا* أنت الملك المجيد القدير، وأنا
العبد الذليل الفقير، أنت البحر العظيم الذي لا يُجس، والأوقيانوس الملتف حول حدود
العالم هذا، وأنا جبلة طين* أنا سراج عاجز و معوز، ودوما بحاجة إلى الزيت والنور،
وأنت هو النور الحقيقي* كيف يمكن للتبنة أن تقترب من النار القاسية، أو يقترب القش
من اللهيب، ولاتحترق وتتفحم لساعتها، وأنا كيف أعمد رب البرايا كلها، صعبة هذه
وثقيلة للفهم* كل الملائكة يهابونك، ولا يتجاسرون للنظر إليك، فكيف أنا أعمدك، فأنا
ضعيف جدا لأقترب من جسدك* زجر ربنا المعمدان، وقال أكمل هذا العمل، تعال وعمّدني
دون عصيان أو خصام، لأنني هكذا أريد أنا* لا أتجرأ للاقتراب منك لا أتجاسر، ملائكة
السماء يحيطونك فأخاف، وأن أحل رباط نعليك لا أستحق، فكيف اقترب من رأسك المهيب*
العبيد بعمادي يُحرَرون، وصكوك الذنوب باغتسالي تُمزّق، والنجاة في الماء ستختتم
وتنتهي، وإن لم أتعمد كل هذا سيبطل* أطيعك ربي وأستغيث بك، وحبك للعماذ أجبرك،
تعمّد مني لأتقدس أنا بك* نزل رئيس الأحبار الماء وتعمّد، وقدّس جميع الينابيع
بالقداسة، وهيأ طريق التوبة لكل الشعوب، كل من يتعمد ويؤمن به حقا، يرث الملكوت
معه* ولما صعد من الماء، انفتحت أبواب السماء، ونزل عليه الروح بالتمام، والآب صاح
بصوت حي، هذا هو ابني الوحيد* فتجلى الثالوث، والآب بصوت الرضى، والابن بالمعموذية،
والروح القدس نزل بالحقيقة* ولما رأى الشيطان اغتاظ، ودعا عمَـلته قائلا، هذا هو
الله حقا وبعماده حرر الشعوب كلها* ونحن نؤمن حقيقة، بالابن المسيح وله نسجد،
ولألوهيته وإنسانيته نقدّس، ونعترف بأنه إله وإنسان* يا أيها المسيح الذي خلّص جنس
المائتين بعماذه، أعطنا أزمنة الأفراح لكل الأيام، وأجز عنا الضربات، لنشكرك دوما
وارحمنا.
|