التجربة تعني الابتعاد والضياع عن سماع صوت الحق، الصوت الذي إن لم نسمعه في
أعماقنا لا يستطيع احد أن يسمعه لنا، كما يقول الرب يسوع المسيح لبيلاطس أثناء
محاكمته:
"جئت إلى العالم لأشهد للحق، وكل من هو من الحق يصغي لصوتي، فقال بيلاطس ما هو
الحق؟". يوحنا (18: 37 - 38).
فالحق هو روح الله فينا الذي
يقودنا في حياتنا
الأرضية ليوصلنا
إلى طريق الخلاص ويساعدنا للتغلب على التجارب والمصائب في حياتنا. لان التعرض
للتجارب لا يعني السقوط في الخطيئة والهلاك ولكن الاستسلام لها يؤدي إلى النهاية
المعتمة.
لكي نوضح الفكرة بشكل أكثر عمليًا،
نأخذ من الكتاب المقدس قصة التلاميذ في وقت تسليم وصلب وقيامة المسيح. تبدأ بداية
تسليم الرب يسوع على يد يهوذا الاسخريوطي عندما تأمر على سيده وتكلم مع رؤساء
الكهنة وقوات حرس الهيكل كيف يسلمه إليهم (لوقا 22: 4). والتجربة الثانية عند
نكران بطرس لسيده ثلاث مرات (لوقا 22: 55 ـ 62) والتجربة الثالثة عندما اضطربوا
وتشككوا التلاميذ في قيامة المسيح (لوقا 24: 38). فالكل وقع في فخاخ التجربة ولكن
الفرق بينهم كبيراً فيهوذا ندم على فعلته ولكن ذهب وشنق نفسه وبذلك اسلم نفسه
للخطيئة المؤدية للموت. أما بطرس بكى بكاءً مريراً وطلب العفو من الآب
وبذلك نال الخلاص وبنفس الطريقة تجمعوا التلاميذ وصلوا صلاة حارة ومن القلب فظهر
الرب بينهم ليقوي إيمانهم ويقبل توبتهم.
يٍُذكر في الكتاب المقدس عن
كيفية دخول التجربة للعالم بواسطة إبليس، الشيطان، العدو والمجرب الذي كان ينتمي
إلى الملائكة، ولكنه تمرد على الله وسقط عن محضره، في (إشعياء 14: 12 ـ 15)
يُوصف
الشيطان بهذا الوصف "كيف هويت من السماء يا زهرة بنت الصبح؟ كيف قُطعت وطرحت إلى
الأرض يا قاهر الأمم؟ قد قلت في قلبك: إني أرتقي إلى السماء وأرفع عرش فوق كواكب
ألله، واجلس على جبل ألاجتماع في أقصى الشمال أرتقي فوق أعالي السحاب، وأصبح مثل
العلي. ولكنك طَُرحت إلى الهاوية، إلى أعماق الجب". وبذلك أصبحت البشرية هدفاً له
ليوقع بها في الخطيئة ويبعدها هي الآخرة عن محضر الأب. ويوضح أيضاً في (سفر التكوين
3: 1) بأن الشيطان هو مخلوق فهو محدود بكل إمكانياته وأساليبه التجريبية.
فالحاجات الواقعية المستخدمة من
قبل الشيطان والتي هي مصدر التجربة معروفة.
الرب يسوع المسيح قبل بالتجربة
في (متى 4 :1 ـ10 ) بالرغم من إن المسيح هو إله كامل وإنسان كامل ولا يمكن إسقاطه
في التجربة والخطيئة ولكنه أراد أن يوضح لنا كيف يمكن النجاة من التجربة.
فبعد أن صام المسيح أربعين
نهاراً وأربعين ليلةً، جاع أخيرا، فتقدم المجرب وقال له: "إن كنت ابن الله فقل
لهذه الحجارة أن تتحول إلى خبز". (حاجة جسدية ـ الجوع) والشكوك المحتملة لجعل
التجربة حقيقية، بأنه هل يزودنا الله بالطعام؟ والضعفات الكامنة التي يستغلها
الشيطان هي الجوع، نفاذ الصبر والحاجة لإثبات "بنويته". فبالفعل لقد كان من السهل
لتلاميذ المسيح أن يسقطوا في مثل هذا النوع من التجربة ونجد ذلك جلياً في معجزة
الأرغفة الخمسة والسمكتان (متى 14: 15 ـ 21) كيف تشكك التلاميذ من أن الخبز لا يكفي
للجميع، وكذلك نحن أيضا على غرارهم نقلق في وقت الضيقات الاقتصادية ونفكر ملياً في
الغد. لكن جواب الرب يسوع المسيح الشافي خلص التلاميذ ويخلصنا عندما يذكرنا بأنه
"ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله". فيجب علينا الاتكال
على الله وتركيز النظر على قصده. أما التجربة الثانية هي "إن كنت ابن الله فأطرح
نفسك إلى أسفل، لأنه قد كتب: يوصي ملائكته بك فيحملونك على أيديهم لكي لا تصدم قدمك
بحجر" (حاجة عاطفية ـ الأمان) فالشك قد يكون هل يحمينا الله؟ نرى قد يكمن الضعف في
عدم الأمان ويكون الكبرياء عامل أساسي إلى امتحان الله. ويوضح لنا المثل في شك
التلاميذ عندما كانوا في السفينة والخوف الشديد الذي أصابهم من عدم النجاة من
العاصفة (متى 14: 22 ـ 33). والشعور بالاضطراب غالباَ ما يصيبنا نحن أيضا في وقتنا
الحاضر عند مرض أحد الأقرباء والأزمات النفسية أو فقدان من نحب، فيكون الانعكاس
الأول هو الاضطراب وعدم الثقة بالأب المخلص. لكن إذ نتمعن بالكتاب المقدس نجد
الإجابة المطمئنة عند الرب يسوع بقوله أن "لا نجرب الله" لكن نركز نظرنا على خطة
الأب. والتجربة الثالثة والأخيرة كانت تجربة (لحاجة نفسية ـ الأهمية والقوة
والإنجاز) ويتبين ذلك بقول المجرب للرب "أعطيك هذه كلها إن جثوت وسجدت لي" بعدما
أراه جميع ممالك العالم وعظمتها. نجد هذه التجربة واضحة بين التلاميذ وفي الكثير من
المواقف المذكورة في الكتاب المقدس منها عندما كانوا يسألون المسيح عن "من هو
الأعظم في ملكوت السموات" (متى 18: 1 ـ 10). فالشكوك التي يريد الشيطان الإيقاع بها
هل سوف يرشدنا الله؟ فنحن نحاول أن نكتسب القوة والبقاء الأرضي بعقولنا واختراعاتنا
المتطورة التي قد تؤدي بالحصول على كل الأشياء بسهولة، ويكون للشيطان الدور لإثبات
معادلته لله. لكن الرب يسوع يحذرنا بأن "لا نتساهل مع الشر" بل لنركز نظرنا على شخص
الله.
نستطيع الفهم من خلال ما ذكر
أعلاه بأن التجربة كثيراَ ما تجمع بين حاجة حقيقية، وشك محتمل، مما يخلق رغبة غير
ملائمة. ويبين لنا يسوع أهمية وفعالية معرفتا لكلمة الله وتطبيقها لمواجهة التجربة.
مع الاستمرارية الدائمة والمواظبة على الصلاة كما يرشدنا يسوع (لوقا 22: 46) "ما
بالكم نائمين؟
قوموا وصلوا لكي لا تدخلوا في التجربة، والصوم الذي يذكرنا بالحاجة الدائمة للعودة
إلى الآب والثبات فيه وأخيرا
التوبة التي تطهر قلوبنا وتأهلنا لسماع صوت الحق الذي يحررنا من التجارب والهلاك
ويوصلنا إلى الخلاص الأبدي بمحضر الآباء
القديسين والمخلصين.
أمين في كل الدهور.
|