لقد كان
الصليب ولا زال يمثل علامة الاستفهام لدى الكثيرين، لماذا اختاره المسيحيون علامةً
لهم؟ لقد اتهم الرومان المسيحيون بأنهم أغبياء (حمير) لأنهم يعبدون صليباً وهو رمز
الهوان، والصليب لدى اليهود لعنة "ملعون من عُلقّ على خشبة". أما لنا نحن المسيحون
فهو قدرة الله كما يقول القديس بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس.
حاول
الآباء دوماً أن يدافعوا عن رموزهم، ومن هذه الرموز الصليب المقدس. ولكي يثبوا
للعالم أجمع أنهم يتمسكون بقوة الله من خلال الصليب، عادوا بالصليب إلى أيام
الخليقة، لا بل الصليب (الثالوث) هو من قرر أن يخلق من فيض محبته خليقة تخبر بمجد
الله.
ومن هذه
المحاولات هذه الصلاة التي نصليها لغاية اليوم والتي تعبر عن مفهوم الصليب لدى
المسيحي: "أيها
الممتلئون إيماناً اسمعوا قصة الصليب، واعترفوا له بصدق أن لا مثله في الخليقة".
ويتبين من خلالها أنها مناقشة مع شخص غير مسيحي أيضاً يريد جواباً عن رمز الصليب: "وأن
يقل لي غير المؤمن، إني لا أصدقك، فما هي العلامة التي تسجد لها أيها المسيحي؟* هذا
علامة الله وصليب ابن الله". ومن ثم
يتوجه الكاتب بالتنبيه للمؤمن وغير المؤمن ويعدد لهم عظائم الصليب بعد أن صُلب عليه
يسوع المسيح: "اسمع يا من تعترف بالله ويا من تنكر قوة الله* لما علُق عليه محيي
الكل زعزع الأرض والسماء، والعالم امتلأ ظلاماً، ولم يُترك صنماً دون سحق* الموتى
قاموا بصلبه، وركضوا كلهم للسجود له، والشياطين وقعوا لما رأوا وجهه والموت تمررت
مرارته* الأنبياء صاغوه بأسرارهم، والرسل به كان افتخارهم، والشعوب هو رجاؤهم لأن
به عرفوا إلههم* به زالت الوثنية، ومحيت اليهودية، وأبطل الموت والخطيئة ورفع رأس
الكنيسة* به عاش الموتى المدفونين، به تبدد اليهود، به انتصر المؤمنين، خجلوا وضعف
الأقوياء". بالصليب لم تتحقق عظائم فردية كالتي حدثت في العهد القديم لبني
إسرائيل، بل عاد الصليب إلى أيام الخلقة الأولى حيث به تكونت الجهات الأربع (العالم
ككل)، لذا خلاصه شمل كل البشر دون استثناء: "كلما نرى الصليب نسجد به للمسيح،
ونشكر عظمته لأن به صار خلاص لجميعنا".
عمل
الصليب هو عمل الثالوث! كما أن الثالوث موجود منذ الأزل كذلك الصليب، وكما أن
للثالوث ثلاثة أنواع للوجود كذلك الصليب، خلقة وتدبير وخلاص، مقدمة، فعل وخاتمة،
وعلى هذا المنوال: "بالصليب كوّن البرايا وبالصليب ثبتَّ البرايا، وبالصليب خلّص
البرايا خالق البرايا".
سنتكلم
عن هذه الكيفية ونبتدئ أولاً بعمل الصليب في الخلقة، حيث تم خلق كل شيء وخصوصاً
الأساسيات التي يذكرها الكتاب المقدس في الأيام الستة، مع تأكيد على العالم أجمع
(الشمولية بالخلاص) والأنهر الأربعة (رمز الحياة لكل العالم) وشجرة الحياة (رمز
الحياة الأبدية): "منذ بدء الخليقة به صار كل شيء الكيانات الأربعة مع الجهات
الأربعة* به قامت السماء والأرض وبه صار المزاج الرباعي والطبائع الأربعة والنور
والسبعة الأوائل* على مثاله قيل في التكوين عن الأنهر الأربعة التي كانت تخرج من
داخل الجنة وتسقي الجهات الأربعة* شجرة الحياة المغروسة في الفردوس رُسم على
نموذجه، لأن الابن كان عتيد أن يخلص جنسنا الهالك بصليبه".
مع
الآباء يستمر الخلاص بواسطة الصليب مع نوح وإبراهيم، وهنا يمكننا القول أن مع
إبراهيم ونوح، لدينا خلاص من نوع خاص يمكن تطبيقه على المسيح. بالصليب خلص المسيح
كإسحق وخلّص كسفينة نوح! "سفينة نوح الطوباوي التي خلّصته من الطوفان صوّرت سر
المحيي الذي بصليبه خلّص كل هذا* وإبراهيم بالتجلي رأى هذا السر بالخروف العالق في
الشجرة الذي به كان خلاص لابنه". ولكن مع الخلاص لدينا الصليب علامة البركة، به
يتبارك الكل: "ويعقوب بالعصا التي عمل وغرسها في مجرى الماء بسره ازداد قطيعه،
لأن الكل بالخشبة اهتدى* وكذلك يعقوب وهو على فراش الموت لما اقترب منه يوسف جعل من
يديه صليباً وبارك كلا ولديه*
أما في
مسيرة الشعب نحو أرض الميعاد، فتُصوَر وكأنها الطريق نحو القيامة، اي أن الشعب الذي
سار في البرية ليصل أرض الميعاد، بقوة الصليب تشير إلى يسوع المعلق على الصليب من
أجل خلاص جنسنا: "وعصا موسى النبي أيضاً التي انشق البحر بها بقوة الرب وخلّصت
الشعب العبراني وأباد الشعب المصري* والخشبة المرّة جداً التي جعلت الماء المرّ
حلواً، صاغت صورة الصلييب الذي به تجمّل جنسنا* ولما صارعوا العماليقيين أخذ موسى
العصا مع شعب إسرائيل وبسطه يده كالصليب وظفروا به وانتصروا* والحية التي رُفعت
بالعصا أعلنت سر الابن الذي كان عتيد أن يشفي جنسنا المملوء جروحاً* ولما أخرج موسى
ماءً من الصخر للشعب الضال، رسم سر الدم والماء المنبثقين من جنب المخلص* ويشوع
الذي رفع رمحه وأهلك سكان عاي، رسم سر يسوع الذي خرّب شيئول بصليبه".
كما
ولدينا مثال عن صوغ أحد الأنبياء لصليب المسيح وهو أليشع: "وأليشع الذي ألقى
الحديد في الماء ولم يغرق أعلن عن صليب يسوع الذي أقام ميتوتنا*
وأخيراً
يختم الكلام بأن الإنسان لا يستطيع إعداد العجائب والعظائم التي تمت وتتم وستتم
بالصليب، لذا يصف ببيت قدرة الصليب على ما في السماء ويسير فيها من كواكب ورياح،
وما على الأرض من حياة وأجسام: "ولأن آياته كثيرة وعجائبه لا تُحصى، كيف بإمكان
الجاهل القليل المعرفة أن يبين عظمته* الكواكب في العلى مرسومة به والأشجار حمل
نموذجه والرياحين تصعد بسره والأبنية تُختم بعلامته"
كما وهناك أبيات
أخرى تتكلم عن مسيرة الصليب وتشبيهاته نوردها إيراداً فقط:
"بالصليب صار خلاص
للشعوب التي آمنت بالصليب، وبالصليب صار خجل للشعب الذي كفر بالصليب".
"الصليب المقدس يشبه
الينبوع الجاري في عدن، فشرب منه الحكماء واقتنى الجهلة معرفة".
"الصليب المقدس يشبه
شجرة الحياة في الكنيسة، ثماره تصلح للأكل وأوراقه للعلاج".
"الصليب المقدس يشبه
الشمس المشرقة في السماء، أشعته تطير في الأثير ونوره يبهج البرايا".
"يشبه الصليب المقدس
جوهرة بلا عيب اشتراها كبار التجار فاغتنوا بها وتعاظموا".
"يشبه صليب محيينا
لذلك الذي رفعه موسى في البرية، ذاك أحيا العبرانيين وهذا الجهات الأربع". |