هكذا سمعناها مرارا ونحن صغار، وهكذا تعلّمناها منكم يا مَن كنتم أهل الإيمان
وأخذتم على عاتقكم بأن تكونوا أوفياء وصادقين للجهاد في سبيلها وتنقروها على ألواح
قلوبكم التي طالما تظاهرتم للعيان إيمانكم وتشبثكم بها لأنها وصايا الرب التي نقرها
على ألواح الحجر وسلّمها بيد موسى كوثيقة عهد أرادها الله من البشر أن يعملوا بها
ويبنوا عليها مبادئهم الإخلاقية وقيمهم الإنسانية وبالتالي حتى تسود العدالة ويعم
السلام بينهم.
الوقائع كثيرة لا تحصى سواء كانت من الكتاب المقدس أو من المراجع الأخرى وكلها
متساوية في الجوهر وإن اختلفت في مجراها وحجمها، فالأفعال المتعمّدة والمقصودة هي
جريمة بعين الإنسانية والقضاء. فإن كان الجاني ذو سلطة ونفوذ فأنّ جرمه يصبح مشروعا
وله من حوله ما يكفي للدفاع عنه لتبرئته وله من اليسر في اختلاق الأدلة والشهود
أمام العدالة لطمس الحقيقة وإلصاقها بالذي لا يقف بصفه ويستنكر جرمه، وأن الكذب
والإفتراء من سماته وصار يلازمه بكل المناسبات لأنه إبن لإبليس الدجّال ويعلِّم
الدجل لكل ناصريه وكل مَن يحوم في دائرته. فهو أصلا لا يأبه لمصير أولئك الذين
رفعوا من شأنه وتشفّعوا بإسمه وركعوا أمامه يوما لأجل البركة والنعمة، واقتادوا به
في مسيرتهم لأنه كان المثل الأعلى لهم وليستنيروا به في الظلمات مستلهمين منه
الدروس والعبر، بينما هو نفسه غارق في حوالك الخطيئة المركونة الظلام نافرا مهزوزا
من النور لأنه كمصاص الدماء يخاف النور ويعشق الظلمات مُترنحاً على وسائد الفساد
يعمل سِراً كي لا ينكشف المتخفي فيه.
التضرع والصلاة لربه ليست معشوقة عنده بقدر لهفه وعشقه للأُنس والترف، وساذجاً
وجاهلا في تفسيره لكلمة الله الحية لأنه لا يحيا في الروح كما يقول الرسول بولس في
رسالته الى أهل غلاطية، بينما تراه بارعا مبدعا في مديحه العلمانيات السيئات لأنه
يُشبِع شهوة الجسد لأن الجسد يشتهي للشيء الذي يؤذي الروح وهكذا الروح لها الشهوة
للشيء الذي يؤذي الجسد وأفعال الجسد هي الزنى، النجاسة أو الفحشاء، العهارة، عبادة
الأصنام، السحر، العداوة، الخصام، الحسد، الغضب، العناد، الإنقسام أو الشقاق،
الفصل، السكر أو الثمالة، الإهتياج أو الشبق.
لا يندفع نحو القداسة وخدمة الرب بقدر إندفاعه نحو النجاسة وعبودية الشيطان. يقتل
النهار غارقاً في النوم وفي مُغريات الزمن لأن السهر والمقرفات قد أهلكته وأضنته
حتى الصباح ومع صياح الديك يكون قد أكمل سقوطه في التجربة التي أدخله الرب فيها
ليُطرَد من الطهارة والنقاوة الإلهية ليَرسُو إلى موانئ مملكة الشيطان، لا وقت له
للتمعن والمواظبة في اللاهوتيات التي منها يتغذّى روحيا لينمو في الروح القدس وبها
يجعل جسده هيكلاً لحلول روح الله القدوس ليثمر الطيبات ويعطي ثماره لمؤمنيه
ليتنعموا بها في إنماء حياتهم الروحية. وعوضا عن ذلك فأنه فضل مُشهيات الجسد لأجل
التلذّذ بالنعمات الدنيوية التي منها يملأ عقله وذاته الفسق والشجون مُتجرءاً على
كل المُحرّمات مثله مثل الغني ولاعازر المسكين.
وكما يقول الرسول بولس لأهل كورنثوس بأن الجسد ليس للزنى إلاّ للمسيح والمسيح
للجسد... ألا تدركون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟ فهل يجوز أن نأخذ أعضاء المسيح
ونُوحِّدُها مع جسد أمرأةٍ زانية؟ لأن الذي يتّحد مع زانية يكونا جسدا واحدا كما
يقول الكتاب، لكن الذي يُوحِّد نفسه مع المسيح يكون واحدا معه بالروح. الكتاب
ينصحُنا أن لا نكون شُركاء مع الذي يدّعي بأنه أخاً وهو بزانٍ، عابد أصنام، جشع،
مَهان أو سَبّاب، سكّير، خاطف. مع هكذا إنسان لا تكسرون حتى الخبز معه، لأنكم أنتم
الذين تدونون هؤلاء المتواجدين في الكنيسة وليس مَن خارِجَها لأن الله يُدين للذين
خارِجُها وعليكم طرد الشرير من بينكم.
إن كُنتم يوماً ملح الأرض فأنها قد صارت فاهية التي لم تعد تصلح لشيء، وعليه يقول
الرب المخلص أن تُطرح على الأرض خارجاً في الطُرقات وتُداس من قبل المارة فهذا
مصيركم أيضا، والحجارة صارت في أيادينا جاهزين لرجمكم ـ وإن كُنّا خُطاة، لكن
خطايانا كلها جمعا هي أقل بكثير من واحدة أصغر جرائمكم ـ لأنكم إن أصرَّيتم على
منهجكم لا تعترفون بخطأكم ولا تُبادرون للتوبة ومناورين بِحِليكم ودجلِكم، فالويل
لكم من غضب الله ونار جهنم. ويقول بولس الرسول لأهل غلاطية فأن الذي يخلُق الإرباك
والتشويش بينكم سوف يُدان، كائنا مَن يكون.
حناجركم كالقبور المفتوحة تفوح منها رائحة الرجس والنجاسة والفساد والطمث، وأمّا
ألسنتكم المراوغة تعكسوها بما تشتهيه قلوبكم لِتُسقِطوا الحقيقة في جُعبتكم
البرّاقة التي بها تكْسَون خُبثِكم وفسقِكم وتقتلوا البراءة في أحضانكم الرجسة التي
تُعلِّقون عليها شارة المصلوب المخلص، فأنتم وكما يقول الكتاب المقدس تشبهون القبور
البراقة المزّينة من منظرها الخارجي ولكن في داخلها كل الطمث والرجس والنجاسة
والنتانة والعفن.
وعليه يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسُس أن تتوقّفوا عن الكذب والدجل وأن
تقولوا الحقيقة كل واحد لقريبه لأننا أعضاء لبعضنا البعض. ولا تفسحوا مجالاً أو أن
تعطوا وجودا للشيطان بينكم وألا تخرج كلمة قذرة من أفواهكم إلاّ تلك التي تصلُح
للبُنيان... ولا تُحزنون روح الله القدوس الذي به خُتِمتُم ليوم الخلاص.
لا تقفوا عائقا في طريق الذين يسعون للخلاص، للذين يجاهدون في سبيل الكلمة الحية،
للذين تأكلهم غيرة قُدسية بيت الله، للذين يزرعون المحبة والإيمان في القلوب
المتعطشة. للذين يهبّون الأمل للضعفاء، للذين يجمعون المنقسمين، للذين يبنون
الأجيال على حجر الإيمان الحقيقي الذي هو يسوع المسيح، للذين يطيبون الجروح والآلام
الروحية بنعمة وشفاعة الحكيم الصالح يسوع المسيح، فأنتم قد أضعتم فرصة النجاة ودخول
ملكوت الله بسبب أعمالكم الشنيعة وأفسحوا المجال لأولئك الذين يسعون جاهدين. لأنكم
أن أوْهَمتُم وتحايلتُم على هؤلاء المؤمنين بكلامكم الباطل فأن غضب الله سيأتي
ويثبُت عليكم يا أبناء العُصيان والتمرد. |