كم من الناس لا يهتمون بالأمور الأبدية!! فالذين يهتمون بممتلكاتهم الأرضية
كسياراتهم وبيوتهم، أكثر ممن يهتمون بنفوسهم الخالدة. ويا لها من رحمة عظيمة أن
نفكر في أنفسنا وفي أبديتنا، وأن نستعد لليوم الذي فيه نقف أمام الله علامة على
أننا لسنا بعيدين عن ملكوت السموات.
نحن بطبيعتنا لا نميل للقلق الذي يسبِّبه لنا اهتمامنا بحالتنا الروحية. وهذه حماقة
كبرى أن نقامر بحياتنا بينما الموت قريب منا والدينونة أكيدة.
إن كان الله قد دبر لنا حياة أبدية فلا بد أيضاً أنه دبر لنا الوسيلة التي بها
يحفظنا من الرجوع للخطية. وإن كنا عاقلين فإننا نطلب ألا يفارقنا القلق من جهة
نفوسنا حتى نخلص فعلاً.
إنه لأمر مرعب أن يظل الإنسان في حلم حتى يصل إلى الجحيم ثم يفتح عينيه وإذا بهوة
سحيقة تفصله عن النعيم! وإنه أشد رعباً أن يتنبَّه الإنسان لآخرته الرهيبة ولا يهرب
من الغضب الآتي!! وقد لاحظت أنَّ الذين يقاومون روح التبكيت ويستمرون في خطاياهم
يقل تأثرهم في المرات التالية. وكل تبكيت يُطرح جانباً يترك النفس أكثر قساوة من ذي
قبل، وأقل استجابة للتأثيرات المقدسة.
ينبغي أن نحذر من الأمور التي تخلص القلب من قلقه بطريقة غير صحيحة. تناول أحد
المرضى دواء من ساحر مشعوذ لكي يشفيه من مرضه، لكن الدواء كان مغلوطاً فمات
المريض!! وهكذا الحال معنا إن كنا نحاول أن نتخلص من قلق الفكر برجاء كاذب، فمثل
هذا الدواء أشر من المرض نفسه. خير لنا أن يتعذب ضميرنا سنوات طويلة من أن نفقد
تأنيب الضمير ونهلك في قساوة قلوبنا.
على أنَّ اليقظة ليست هي الراحة المنشودة التي نتمنى أن تمكث معنا طويلاً. فإذا
استيقظتُ في فزع ورأيت بيتي يحترق بالنار، فإني لا أجلس على حافة السرير وأقول
لنفسي ﴿أرجو أن أكون قد استيقظت! حقاً كم ينبغي أن أشكر الله لأني لم أستمر في
نومي!﴾ كلا، لكنني أعمل على الهرب حالاً من الموت الذي يهددني بأن أسرع إلى الباب
أو النافذة لأخرج من مكان الهلاك.
إنه أمر يدعو للتساؤل حينما نستيقظ ومع ذلك لا نهرب من الخطر. اذكر أنَّ اليقظة
ليست هي الخلاص. قد يعرف الإنسان أنه هالك ومع ذلك لا يخلص. قد يفكر كثيراً ويقلق
ولكنه يموت في خطاياه.
إنها خدعة من الشيطان أن يجعل الإنسان يكتفي بشعوره أنه خاطئ. وهناك خدعة أخرى أشر
منها أن يتصوَّر الخاطئ أنه بفشله ويأسه يساعد المخلص على تأدية عمله الكامل. إنَّ
يقظتنا لا تساعد المخلص لكنها تساعدنا لكي نقترب من المخلص. وشعورنا بالخطية لا
يساعد كثيراً أو قليلاً في التغلب عليها ومحوها.
هل النظر في المرآة طويلاً وإحصاء بقع الوجه عدة مرات يساعد في غسل الوجه وتنظيفه؟!
فالمرآة تفيد في كشف العيوب فقط، أما الماء فوحده كافٍ للقيام بعملية التنظيف. هكذا
الشعور بالحاجة إلى الخلاص أمر نافع جداً لكن ينبغي أن تكون لنا الحكمة لنستفيد منه
الفائدة الصحيحة.
يبدو أنَّ البعض قد وقعوا في غرام مع الشكوك والمخاوف حتى أصبح من الصعب إنفصالهم
عنها. يقال إنه حين تشب النار في حظائر الخيول فالمشكلة الكبرى تنحصر في إخراج
الخيول من حظائرها. فلو أنها تبعت سائسها وخرجت لخلصت من النار، لكن أرجلها تشل من
شدة الخوف. وهكذا خوفها من النار يمنعها من الخلاص منها.
فيا تُرى، هل خوفنا من الغضب الآتي يعطل خلاصنا منه؟
هل نريد أن تستمر تحت التبكيت وكفى؟ ألا نشتاق أن نحصل على الغفران في الحال؟ إن
كنا نريد أن نمكث في الحزن والأسى فلا بد أنّ تفكيرنا غير سليم؟ إن كان بإمكاننا أن
نحصل على السلام، فلماذا لا نحصل عليه الآن؟ لماذا نتأخر؟ لماذا نبقى في الحفرة
المظلمة وقدمانا تغوصان في الوحل؟ هناك نور إلهي ساطع، فلماذا نجلس في الظلمة؟
أننا لا نعرف مقدار قرب الخلاص منا؟ ولو عرفنا لمددنا يدنا بكل تأكيد وتناولنه في
الحال. لا نظن أنَّ شعورنا باليأس يؤهلنا لنوال الرحمة.
إنَّ خلاصنا لا يتوقف على ما نشعر به نحن. بل على ما احتمله المسيح من أجلنا. إن
كان للشعور بعض النفع فإنَّ ذلك الشعور يجب أن يكون شعوراً طيباً حتى يأتي بالفائدة
المرجوة. فالشعور الذي يجعلنا نشك في قوة المسيح للخلاص ويحرمنا من خلاص المسيح ليس
شعوراً طيباً لكنه شعور قاس ومنكر لمحبة المسيح.
إنَّ معرفتنا بأننا خاطئ ومذنبين أمام العدل الإلهي، رغم أنها معرفة حقيقية
وصحيحة، لا تخلصنا.
الخلاص ليس هو معرفتنا بهلاكنا الأكيد إن بقينا في خطايانا، لكنه الحصول على العتق
المقدم لنا في المسيح يسوع; والشخص الذي يرفض أن ينظر للرب يسوع ويصرّ على البقاء
في خطاياه، يكون قد حكم على نفسه وروحه بالهلاك الأبدي إذ أنه أبقى ضميره مكبلاً
بقيود الخطية دون أن يحصل بالتأنيب والتبكيت من هذا الضمير الذي لم يستيقظ من ندمه
العميق. |