اليوم
استقبل عالمنا سيد السلام وملك الملوك يسوع المسيح الذي سيزين هذا العالم المظلم
بتعاليمه وأفكاره المنيرة التي من شأنها بناء الإنسان روحياً وفكرياً وإنسانياً نعم
إنسانياً دون التمييز بين جنس ولون أو أمة وعرق.
فما هو الميلاد بالنسبة لنا كمسيحيين ؟
الميلاد سرّ لقاء الله بالإنسان : تأنس الله ليؤَلِّّهَ الإنسان، بدّل المفهوم
الإنساني لله تبديلاً جذرياً وكشف لنا وجهه الحقّ: الله محبة يالها من رسالة قصيرة
ولكنها تحمل معاني كبيرة. فمن مغارةٍ متواضعة في بيت لحم أنبثق فجر العهد الجديد،
فكان سلامٌ على الأرض ورجاءٌ صالحٌ يعم بني البشر. بالأمس كنا نرى وجه الله من خلال
برقع موسى ولكن اليوم ومع الميلاد صرنا نرى وجه الله بإنسان مولود من عذراء.
فالميلاد أيها القراء الأعزاء سرّ وجود (الله معنا) عمانوئيل، فلو تأملتم معي هذا
المشهد الأقنوم الثاني من عائلة الثالثوث الأقدس يضحي إبناً في عائلة الناصرة ومنها
إلى عائلاتنا جميعاًَ فنرى في وجه كل أم وجه السيدة العذراء، وهكذا وابنتسابه إلى
عائلتنا البشرية، جعلنا أبناء في عائلته الإلهية.
والسؤال هل يحمل لنا ميلاد 2009 نكهة جديدة، تختلف قليلاً عن ماضياته؟ هل سيكون
ميلاد 2009 ميلاد بدون إنتهاك لحريات وحقوق الإنسان التي جاء السيد المسيح وضحى
بنفسه من أجل إعلائها لابل رضي بأن يولد بمذود فقير وهو ملك وأي ملك ملك السموات
الأرض؟ هل سيكون ميلاد 2009 ميلاد جديد تولد معه أفاق جديد لشعبنا في بلاد مابين
النهرين، وهل سيظل أحفاد حمورابي وسنحريب ونبوخذنصر يعانون من الإضطهاد؟ متى سيفهم
العالم بأن لا رسالة للميلاد تعادل رسالة السلام، وأن لا معرفة ممكنة لله إلا من
خلال الحبّ والمصالحة ؟
قرائنا الإعزاء:
لقد صار الله طفلاً ليعطينا رسالةً فريدة تقوم على تمجيد الله من خلال عودة الإنسان
طفلاً ((إن لم تعودوا كالأطفال...)) وعند ذلك يستطيع التنعم بخلاص الله وغفرانه،
بعد أن يكون قد حاز على رضاه ومحبته مجاناً وهكذا أيضا ينال السلام ليصبح واحداً من
الذين يستحقون الطوبى لأنه سيكون من أبناء السلام وفعلته النشيطين.
فلو لم يكن الله محبة لما تجسد، ولولا التجسد والفداء لما كان الغفران والخلاص ومن
ثم سلام ومصالحة، فهذه هي خلاصة الإنجيل وهذه هي البشرى السارة للميلاد وكل ميلاد:
((هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد))
(يو 3:16)
نعم لقد صار الله طفلاً رضيع متشح بالفقر والحرمان لكي ننزع وإلى الأبد كل خوف
يعترينا عندما نتحدث عنه.
فبميلاده حمل الملاك الرعاة الأنجيل أي البشرى السارة التي كان ينتظره شعب العهد
القديم، ولا ننسى بأن الرعاة كانوا أول من حمل الأخبار السارة إلى البشرية
وهكذا فأن العالم الذي يشير إليه ميلاد السيد المسيح ويصنعه، هو دائماً مع هذه
الأرض في مرحلة الولادة، فهو يولد في كل مرة يدخل فيها الإنسان مع العمانوئيل في
معركة السلام والعدالة ويدر ظهره للأنانية والعنف، فعالمنا الجديد يبدأ عندما نقبل
الله في حياتنا على مثال مريم ويوسف، وهنا اسما مريم ويوسف لهما دلالات كثيرة، فهل
كنا عند الأمور القاسية والحالات الصعبة والدرب المسدود هل عرفنا أن نقول لتكن
مشيئتك؟ كمثال مريم (البشارة). ونحن أمام ما لايدركه العقل هل عرفنا أن نسلم أمرنا
لمشيئة الله كالأبناء فندرك بالقلب ما يعجز عن إدراكه العقل؟ كمثال يوسف (حلم
يوسف).
واليوم لايسعني إلا أن أركع أمام طفل المغارة وأصلي من أجل ضحاية حضارة الموت،
وكذلك وبشكل خاص من أجل شعبنا في العراق الذي أرجوا أن يكون هذا الميلاد بدايةً
لطريق الخلاص من محنته فكفا عراقنا الحبيب ألماً وكفا أحفاد بابل وأشور تفككاً
وشرذمةً وضياعاً، كما نطلب من طفل المغارة أن يمسح كل دموع الحزن عن قلوب الأمهات
الثكلى والأطفال و الأرامل الذين فقدوا أبنا أو أبا أو زوجاً ومعيلاً.
وفي النهاية نرى أن الله بميلاده غير وجه العالم من الظلمة إلى النور ومن الخطيئة
إلى البر فأصبحنا أبناء الله وأخوة الأبن الوحيد وورثة مجده الأبدي .
فالنتأمّل بميلاد ربنا ولنسجد له مرنمين مع الملائكة:
ܬܫܒܘܚܬܐ
ܠܐܠܗܐ ܒܡܪܘܡܐ ܘܥܠ ܐܪܥܐ ܫܠܡܐ المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام ، ولنسأل الطفل
الإلهيأن يحل سلامه في البشرية كلها.
ميلاد مجيد |