سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

دلائل توضح بعض الأمور

 

أقوال القديس مار اسحاق النينوى

   

 

1- إذا كنت في سكون مع عمل الاتضاع الجيد، فهذه هي العلامة على أن نفسك قد دنت أن تخرج من الظلام: إن قلبك يحترق ويشتعل كما بنار ليلاً ونهاراً؛ وتصير جميع الأمور الأرضية عندك كمثل الزبل؛ ولا يحلو لك أن تدنو من الغذاء بسبب لذة الأفكار الجديدة الحارة التي تتحرك في نفسك على الدوام؛ ويُعطى لك من السكون ينبوع دموع بلا تغصب، فتختلط الدموع بجميع أعمالك، أعني مع قراءتك ومع صلاتك ومع خدمتك ومع هذيذك ومع أكلك وشربك، ومع جميع ما تصنع تمتزج به الدموع. فإذا ما نظرت هذا في نفسك ثق وتشجع.

 

في طريق الوحدة ومداومة القلاية

2- المتوحد يمكنه أن يحفظ طريق الوحدة بحلاوة، وذلك بتكميل قوانين الوحدة. أما إذا رفض قوانين الوحدة وتهاون بها، فإن أفكار العلمانيين تحدث له بسياسة (أو بالضرورة) في القلاية من غير أن يشاء. ولا أعني بقولي هذا أن الضعفاء يؤذيهم السكون بدون عمل قوانينه، بل أعني أن الذي جسده صحيح وقوي، إن تهاون بتكميل قوانين العمل (لايؤذيه السكون فحسب، لكنه) لا يقدر أيضاً ولا على الثبات في القلاية على الدوام. ومن الملاقاة الشهوانية التي يصادفها على الدوام ينسى (قصده) قليلاً قليلاً، وبسبب مداومة نظر العلمانيين وأشكالهم المنحلة، ينسى أيضاً الوعد المقدس. كذلك إذا كان مشتغلاً (في قلايته) بعمل صنعة ما، ويتعطل (لهذا السبب) عن الدوران والطياشة، ومع ذلك لا يحفظ قوانين الوحدة، فإن أفكار الحيوان تكون له وتتحرك فيه وليس أفكار الحبس، ويتوه عنه أنها قلاية بل دكان حانوت. ومن ههنا تتحرك فيه حركات العلمانيين وليس البتوليين والمتجردين وحافظي العقل بالصلاة. فليست القلاية هي التي تحرس العفيف وتحفظه، بل قوانين العفة، وبالأكثر (بالنسبة) للجسد غير المروَّض والمزاج الشغِب الذي يثب دوماً تبع الشهوة.

 

في إيضاح القوانين التي تجب على السكان في الهدوء

3- قوانين الوحدة التي تحفظ طريق السكون باحتراس وصيانه هي: تكميل خدمة الأوقات، القراءة المفروزة، ضرب المطانيات المحددة، الصوم إلى العشاء عدا وقت المرض، تصرف حسن محترس يتدبر به الإنسان مع نفسه داخل قلايته في ترتيب أعضائه، ألا يكون له خروج ودخول على الدوام بانحلال دون أمر ضروري، وأن لا تكون قلايته مزاراً لكثيرين. هذه هي قوانين الوحدة، وهي محدودة بقياس (أي بدقة)، وليس فيها تعب كثير، وهي التي تحفظ المتوحد من العثرات والسقوط بمعونة الله.

4- وكما أن الله يقدر أن يحفظنا في هذه الحياة بدون الأكل والشرب كما في العالم المزمع، ولكنه ما رأى أن يفعل ذلك في هذا العالم، بل بمواد كثيرة يمنح لنا الحياة، هكذا هو أيضاً قادر أن يقيمنا بدون تعبنا وهمتنا فوق كل حركة فاسدة وبضمير روحاني لا يفكر في شيء خارجاً عن الله، ولكنه ما رأى أن يفعل ذلك لأجل تعليمنا وتخريجنا.

 5- القلاية هي كنز الأفهام وبلد التاؤريا ومأوى المعرفة ومكان الفرح، وكور التجارب، ورجوع النفس ونوم الخطية، ومذكرة بالموت على الدوام، وفيها تتيقظ في العقل جميع التاؤريات حسب مقدار منزلة الإنسان، ويمتد سريعاً إلى الأمور العظيمة.

6- بنوعين يصنع الجسد نياحه (أي راحته) بحماقة فيسبب للنفس أتعاباً ومشقات ورواميز (أو تصورات) عظيمة للفكر وهما: عدم ضبط البطن بالخضوع لتجلد الصوم، وعدم ترتيب الأعضاء التي تعطي دالة للنظر واللمس غير المتعفف الذي يحدث منه فساد هيكل الله بواسطة الأفكار الطائشة في الأباطيل. لأنه بالجلوس المتعفف وحسن ترتيب الأعضاء ينبغي أن يتيقظ الإنسان بذاته وبتصرفه داخل قلايته في الوحدة بحياء وترتيب. فإن أمكن لباسك الجواني لا تخلعه أبداً، حتى لو كنت شيخاً طالما أنك لم تعبر بعد من هذا القتال. ولا تكشف رجليك من الثياب إن أمكن من غير ضرورة أكيدة وتظهر علامة ودلائل الشغب في ذاتك، أو تنخدع لأجل نياح قليل بجسدك، لئلا يثب عليك نياحٌ ثانٍ الذي هو نجاسة الأعضاء. وحتى لو كنت شيخاً لا تطمئن وتتهاون في حفظ الأعضاء، كما لو كان لا فائدة فيها. لأن سبب الانحلال الثاني (أي النجاسة) يكون من الانحلال الأول (أي راحة الجسد)، وهذا يحدث من عدم التعفف في ترتيب الأعضاء.

7- الذي يتضيق في نفسه وفي قلبه من أجل الخوف ومحبة العفة، ويفرح بالصبر على الصوم، ويأكل بقانون، لا ينخدع لانحلال الحواس ولا يهمل أبداً ترتيب نظام الصوم، ومن هذه يضبط ذاته من أن يصنع دالة جاهلة مع نفسه. والذي يحترس فيما يخصه (داخل قلايته)، ويقتني عوائد جيدة باحتراس متعفف بجسده وجميع أعضائه، ويكرم الله بنفسه وجسده، معروف أيضاً أنه إذا اتفق وجوده خارج قلايته، فإن ذلك التحفظ يرتسم على أعضائه جميعها بحياء نظره قبالة كل عارض يصادفه، ويقتني تلك الصيانة أيضاً بسائر حواسه بسبب تأسس العادة التي اقتناها لنفسه في الخفاء داخل قلايته. فإنه من الكلام المنحل والدالة مع الآخرين الذي يعتاد عليه وهو في قلايته، وانحلاله مع نفسه إذا كان وحده، معروف أيضاً أنه يقتني تلك العادات وينفعل بها وهو خارج قلايته؛ لأن حسن نظام العوائد داخل القلاية يعلمه الحفظ خارجها. فالذي يتدبر في قلايته حسناً لا يمكن أن لا تظهر فيه وهو خارجها تلك الأنواع الحسنة؛ لأن خارج إلانسان هو مرآة ودليل على خفاياه.

 

في الأعمال التي يتدبر بها إذا كان في السكون

8- الصمت الدائم هو زينة وبهاء المتوحد. لأنه نقصٌ في حق المتوحد أن يكون مفتقراً إلى الاحتراس فيما ينبغي أن يكون له في السكون، مع الاتضاع الدائم. فإن انحلال تصرفه البراني هو دليل علي انحلال القلب الخفي. والمنحلُّ بحواسه هو أيضاً منحلٌ بقلبه، والمنحلُّ بقلبه منحلٌّ أيضاً بحواسه. والذي هو هكذا منحل من الداخل ومن الخارج لا يمكن أن يكون له اهتمام بالله، ولا بهذيذ تدبير السيرة؛ لأن التدبير البراني يصون الجواني، والتدبير الجواني صيانة للبراني.

9- العمل الأول في الفضيلة هو السكون. والعمل الأول في السكون هو الصوم؛ لأن الصوم يصلح كثيراً لعمل الله. فالسكون هو نقض (أي إبطال) حواسنا من العالم، أما الصوم فهو دليل الفعولية (أي العمل) مع الله، ودليل الاستعداد للقتال والجحود بالعالم. والعمل الثاني في السكون هو الصلاة. لأنه إذا كفر الإنسان بالعالم يحصل في المفاوضة النقية مع الله، التي هي الصلاة. فالصلاة هي طيران عقلنا إلى الله، حسب قول القديس باسيليوس. فلنداوم على الصلاة بإفراز لكي يقتني عقلنا حياء وتعففاً من النظر الدائم في الله والكلام الهادئ معه.

10-  لا نقدر أن نقتني قلباً متعففاً طالما كانت الحواس تداوم الطياشة في أشياء كثيرة، وفي كثيرين. فالسكون يصلح جداً لعمل الله، ولهذا فإن القديسين قبضوا حواسهم أولاً من العالم، وبعد ذلك اهتموا باستعداد القلب بعمل الله الخفي. لأنه إن لم يرتبط الجسد أولا بعمل الفضيلة لا يتفاوض الفكر بفلاحة الفضيلة. فالجسد المتفرد (في السكون) يصلح كثيراً لعمل الفضيلة؛ لأنه من السكون يقتني ذهناً مجموعاً وضميراً هادئاً وأفكاراً غير مضطربة بمناظر العالم. فلنحب النوم الهاديء في السكون لأن خيالات أحلامه أنفع من أفكار اليقظة التي تكون خارجاً عن السكون. ولنحب الوحدة لكي نقتني منها ضميرَ متوحدٍ متحدٍ بسرِّ الوحيد الذي من حضن الآب. ولنحب الأمراض التي من العدم (أي العوز) لكي نؤهَّل بها للعزاء الحلو الذي يصنعه الله معنا.

11- إن أعمال الوحدة المتعبة التي ينبغي للجسد القوي الصحيح والنفس الشجاعة تكميلها، وما يقدر الجسد الضعيف المنحط أن يكملها ، هي شيء؛ بينما تلك الأعمال التي تحتاج فقط إلى يقظة واهتمام هي شيء آخر. فهي لا تحتاج إلى قوة الجسد لتكميلها بل استعداد الإرادة. فإذا لم نقدر أن نسهر الليل كله مثل كثيرين ممن يقومون على أقدامهم من العشاء إلى باكر بلا نوم، ونخدم مراميت [1] كثيرة في كل وقت من النهار، وصلوات متواترة مع ضرب مطانيات كثيرة، وصوم أيام وطي (أي جوع)، فيمكن لمن كان ضعيف الجسد أن لا ينام من العشاء، أن يخدم أيضاً قليل مزامير وقت الستار ثم ينام، وأن يغصب نفسه في الليل - إذا لم يكن مريضاً - ويكمل قليلاً من الخدمة، وإن لم يمكنه الوقوف، فيستطيع ذلك وهو جالس. وإذا لم يقدر أن يخدم سبع مراميت في كل وقت من النهار مثل الأقوياء، فعلى كل حال يقدر أن يخدم ولو مرميت أو مزمور واحد في كل وقت ولا يعبرها بإهمال ولا يبطل شيئاً من السبعة أوقات. وأن يصوم إلى العشاء مثل الضعفاء أو إلى التاسعة أو لنصف النهار، ولا يأكل من باكر. وهذا الحفظ والاحتراس لا يحتاج إلى قوة جسدية. كذلك إذا لم يقدر الضعيف على الحبس الضيق مثل الأقوياء، ولا حبس الأسبوع كله مثل المتوسطين، فعليه ألا يفتح بابه كل يوم ويمضي إلى أخيه ويركِّب له الأسباب أو يطيش خارج قلايته. وهذا جميعه يقدر أن يعمله ضعيف الجسم. وأيضاً يجب عليه أن يتصرف في قلايته بحسن نظام، فلا يخلع عنه ثيابه ويتعرى ويبعد عنه الحياء والعفة، بل يتقلب (أي يتدبر) بخوف واستحياء من الله. ولا يهتم بغسل وتنظيف جسده ويديه ورجليه، ولا بتسريح شعر ذقنه وتربيته، ولا بتنظيف ثيابه، كمن يعتني أن يجلب على نفسه قتالاً على قتال، وكالزانية التي تهتم بالشهرة.

12- ويقدر الضعيف أن يقتني يقظة الفكر. لأنه حيث توجد مخافة الله، فهناك توجد الصلاة الطاهرة التي بغير طياشة، وهي تشجع الإنسان وتعده للصوم الكثير الذي يفوق الطبيعة. فمع مخافة الله ولو سكن الإنسان في النواويس (أي المقابر) والمغاير الضيقة جميع أيام حياته فإنه لا يتضجر. لأنه حيث لا توجد المخافة فلا توجد التوبة أيضاً. وحيث تكون مخافة الله لا يكون ذلك الإنسان محتاجاً إلى الوعظ أو الاحتراس الكثير.

13- كل صلاح في النفس يظهر فيه إشراق الفضيلة إما من الإرادة أو من الطبع. والذي من الإرادة هو من غصبية خوف الله (الذي يحرك) إفراز الإرادة. أما الذي من الطبع فهو من خاصية الطبيعة. وحيث لا يوجد هذان الأمران أو أحدهما أي أن يكون الإنسان معاناً من طبيعته أو أن يكون فيه خوف الله الذي يحرك إفرازات الإرادة، فإنه لن يخلو من شيء من الشرور. لأن كل صلاح يتحرك بالعقل في الطبيعة الناطقة، يتحرك القلب به من الله أولاً، ومنه يقوى على الثبات في الصلاح بالفكر الذي ينتبه في القلب بحرارة، وبعد ذلك تُعين حركة الصلاح التي في الطبيعة اهتمام الإرادة الحرة.

14- تحكَّم مقابل أسباب الآلام، فتهدأ عنك الآلام من ذاتها. لأن أفكار النهار هي مرآة للحركات في نومك. المزامير والصلوات تصلح عند النوم أكثر من كل مفاوضة نفسانية، وتنفع أكثر من التذكارات التي من الكتب في هذا الوقت (أي عند النوم)؛ لأنها (أي المزامير والصلوات) تضطر الأفكار أن تشخص في الله متواتراً، وتمسك النفس بتلاوتها الليل كله إلى أن ينتبه (الإنسان).

 15- وإن كان الفكر ينجمع من القراءة ، لكنه ما يقتني عفة وحياءً، وينقى، إلا من الصلاة. فالقراءة تجعل الإنسان الخفي جبلة جديدة، ومن الصلاة تنفخ فيه روح الحياة، وتلهب العقل حرارة إلهية كل حين ليطير من الأرضيات ويحل في مسكن الحياة.

16- من القراءة ينجمع العقل، ومن الصلاة يتردى بالحزن، ويقتني شعاعاً سماوياً؛ لأن الحياء يلبس جميع حركاته إذا ما تكلم مع الله. ومن مداومة الصلاة ينمو ويتوفر فيه الحياء والحشمة من الله، ومن دوام الشخوص ولقاء الله في الصلاة تخاف الآلام من الدنو إليه كيفما اتفق.

17- الهذيذ في الكتب الإلهية يُكثِر نمو النطقية في النفس إلى الله، ويُغيِّر ويقلب غرض الفكر حسب طريق (أي نوع) القراءة، فينبغي لك قراءة الكتب التي تُكثِر (الحديث) في الاحتراس والتحريض على تقويم السيرة، والتي فيها تاورية الحلاوة بالله، أو أفكار الدهش به.

18- تَغيُّر الكلام في معنى الفضيلة يجدد كل ساعة شهوة الفضيلة في النفس. فهناك قراءة تُعلِّمك ماذا تصنع، وهناك قراءة تشعل النفس بذكر حلاوة الفضيلة وتضع مذاقة تنعمها بالكلام الحلو في مذاقة الإنسان العقلية.

19- كن مداوماً على الهذيذ في الكتب وسير القديسين، لأنه من التذكار والنظر الدائم في الكتب وفي طرق سير الآباء تكثر في قلبك أفكار حارة مع عدم ضجر، وتجعل أعمال مخافة الله سهلة أمام عينيك، والضيقات والوحدة هينة. وحسب ما يُهمَل الهذيذ بالصلاح بعينيك، هكذا تبطل الشهوة إليه؛ لأنه بمقدار غذاء النفس صالحاً كان أم رديئاً، هكذا يتغير حسن مزاجها إما لصحة الحركات وإما لمرضها.

20- ويتقوى الضمير جداً بسماع الأقوال النافعة، وبنظر الفكر في أعمال القديسين واختلاف طرقهم وقفر مساكنهم ومواضعهم الهادئة. وكما أن اختلاف تذكارات المدن يكدر النفس، كذلك فإن ذكر مواضع القديسين يثير فيها حرارة ويمنحها فرحاً، ويملأها أفكاراً نافعة.

21 - كما أنه من القدْح الكثير يخرج شرار النار، هكذا أيضاً من الهذيذ الدائم في الإلهيات تكثر الحرارة. وقد قال بولس الرسول: «لا تطفئوا الروح»، فبماذا تنطفئ الروح إلا بالاهتمام الزائد بالجسدانيات، وإهمال الهذيذ في أمور الله، وبالاستماع الدائم للكلام الفارغ، إذ نترك مفاوضة سير الكاملين وكلامهم الصحيح الذي يغذي النفس ويحرضها على تدبير السيرة، ونجالس أناساً منحلِّين متكلمين بأشياء باطلة فارغة تطفيء الحرارة، وليس فيها شيء ينفع النفس. ضع هذا دائماً في ضميرك كلما نظرت الحرارة قد نقصت من قلبك وأنت تدرك السبب.

22- وإذا ما قرأت الكتب (المقدسة) وانجمع ذهنك من الطياشة، ارجع إلى الصلاة لأن بها يتطهر العقل بالأكثر. لأنه ليس شيء ينقي الضمير مثل مداومة الصلاة، وليس شيء يمنحه حياء وحشمة مثل المفاوضة مع الله بالكلام. حتى لو كان الإنسان مرحاً جداً، فإنه إذا ما قام في الصلاة بحياء وحشمة، ينظر في الله.

23- إذا ملَّ الضمير من كثرة الهذيذ في المزامير والصلوات، ويعرض له هذا بكثرة، وابتدأ يتحيل الأسباب لكي يطمح في الطياشة، فعليك أن تصطاده بحيلة حكيمة مثل الحمامة الوديعة بلقطٍ لذيذ. وإذا نظرته وقد ملَّ بهذه، وأردت أن تربطه بمفاوضة ما مخفي فيها نوع من الصلاة، وبالأكثر عند النوم، فاشغله بألحان معانيت وقوانين [2] حلوة ذات لحن محزن تحرِّك ندامة النفس، وتجد فيها كلام تشجيع وتعزية وفرحاً وأفهاماً في سياسة الله. فبهذه الألحان (يتأثر) الجسد الذي هو شريك النفس ويسكب الدموع، حتى يأخذك النوم وذهنك غاطس في مثل هذه الأشياء، فيكون نومك حلواً خالصاً من كل حركةٍ جسدية.

24- وفي الخدمة أيضاً، إذا ما قام اضطراب الأفكار على الإنسان بقوة ففي تلك الألحان كفاية لتبطلها وتجمع الفكر داخل بلدته بغير تعبٍ. بحريتك اصنع هذا إذا ما تجرَّبت من سجس الأفكار: اترك المزامير (قليلاً) واشتغل بالألحان. ولا أقول لك أن تفعل هذا في كل وقت، أي أن تترك المفاوضة النافعة وتشرح ضميرك بالألحان، بل وقت الضرورة فقط، ولا تخجل من أن تربح بأشياء حقيرةٍ معونةً نافعةً في وقت الحاجة.

25- اعلم يا ابني أن السكون، أي الوحدة، وكل التدابير تعطي أثمارها بحسب المدة والمفاوضة بها. فالسكون وعمل القلاية على قدر المداومة وحفظ العقل يعطي ثمره. فإن كنتَ خالياً من المداومة ومساواتها بالعمل، لا تنتظر أن يحصل لك منها عزاءٌ حقيقي. فكل تدبير بغير قيام ولا دوام مدة تجده أيضاً بغير أثمار، ويكون كأنك قد بدأت به بداية فقط. أما العمل الدائم ولو أنه قليل، فلأجل دوامه يُربّي كنوزاً عظيمة.

26- وأنا أدلّك في هذا المعنى على شيء يليق بالضعفاء، وبه يتقدم الإنسان بسهولة، والحلاوة المتولدة منه بعد قليلٍ فيها الكفاية لأن تجذب الضمير إلى المدوامة. فإذا كنت ضعيفاً ومللت من القيام على قدميك، ومن تكميل المطانيات المعتادة، وكم من وقت تتعطل أيضاً من الصلوات الدائمة التي تكمل بالجسد، تلك التي منها تتولد الصلوات القلبية، خُرّ على وجهك دفعات كثيرة وأنت جالس والكتاب بيدك، واثبت في التضرع، لكي تمتزح مفاوضة القراءة مع الصلاة، وتحلو لك الصلاة لأجل القراءة، وتستضيء أيضاً في القراءة بمفتاح الصلاة. فليكن لك هذا القانون كل أيام حياتك في كل موضع وكل مكان تنجمع فيه إلى ذاتك، وليس في حقارتي كفاية أن أنعت لك ما يتولد من هذا بربوات سطور.

27- نحن نمارس الأعمال والاحتراس مع أنفسنا لأجل الخوف؛ لأننا نعرف أن الراحة الجسدية تبعدنا من الله، وتخيِّب ضميرنا من الهم به. كما أننا نتهاون أيضاً بالمفاوضة مع إخوتنا، وذلك ليس لاستخفاف أو ازدراء بهم، ولا لأنهم ليسوا أفضل منا - إذ أننا في كل وقت نستعين بصلواتهم - بل لئلا نعدم التنعم مع سيدنا بسبب المداومة مع الناس. لأن الوحدة تجعلنا نتَّحد بالله، وهي تشركنا بالعقل الإلهي، وتوصلنا إلى نقاوة الضمير في زمن قليل بغير تعويق. فكل موضع تكون فيه، صِرْ متوحداً منفرداً بضميرك، وغريباً وخاطئاً. ولا تظن أن كل التدبير والعمل في السكون يتوازن مع أن يكون الإنسان غير معروفٍ ولا محسوبٍ، وبعيد عن كل أمرٍ وكل شيء؛ لأن البعد إنما يكون حدوثه من أن يكون الإنسان غير معروف، وهو بهذا يتربى ويحفظ.

28- تاه عن كثيرين وما يفهمون أننا نحن المتوحدين لا نحبس أنفسنا داخل الباب لأجل عمل الفضائل، إذ أننا حتى ومن الفضائل نكون موتى؛ لأن الفضائل إنما يصنعها الأحياء الذين يعملون في وسط كثيرين، فإن كنا نحن نطلب عمل الفضائل وإخوتنا الذين في المجمع يطلبون أيضاً عمل تلك الفضائل عينها، فمالنا بالهرب وقبر القلاية؟ بل إننا نحن نترجى أن نقتني من السكون الشيء الذي إذا ما تعلقنا بجفون أعيننا ما نناله بين كثيرين حيث لا يُستطاع اقتناؤه هناك.

29- بالحقيقة إن عمل مائة أخ يصومون ويصلون في السجس والمفاوضة ما يوازن عمل متوحدٍ واحدٍ جالس في السكون ولو كان ضعيفاً، بشرط أن يكون عادماً من الخلطة ومفاوضة الناس، ومتجلداً داخل الباب بغير انقطاع، وليس من يدخل عنده ولا يخرج. لأن الذي هو في الحبس والسكون، ولم يقطع نفسه من كل تذكار واهتمام ويبتعد من كل مفاوضة ويداوم في السكون باستقامة ومحبة الأعمال، فهذا لا لخطاياه القديمة يذكر ولا لزلاته في كل يوم ينظر، ولا لآلامه يعاين، ولا لمجاذبات الشياطين يفهم، ولا للجهاد مع الآلام والشياطين يستعد، ولا لنقاوة القلب يصل، ولا الصلاة الروحانية يقتني، ولا حتى للصلاة الطاهرة يستحق، ولا يشرق نور مجد المسيح الإلهي باستعلان الروح القدس داخل نفسه.

30- هذه المواهب والعطايا جميعها ما أُعطيت ولا تعطى أبداً خارجاً عن الحبس والسكون. أما الذين يحبون السكون ويحتملون جميع ضيقاته ويصبرون فإنهم ينالونها بلا نقص. وإن كان فيهم من يخرج من هذا العالم وما ينال هذه المواهب لئلا يتكبر ويخسر، أو لأجل أمور أخرى مخفية عن معرفتنا، إلا أنه ما يخيب من العطايا الأولى (التي توصله إلى نقاوة القلب)، وفي العالم الجديد يتنعم بهذه العطايا (أي بنور مجد المسيح) في ملكوت السموات. ولهذا قلت إن السكون ينبغي أن يكون مكرَّماً عندنا أكثر من كل شيء. ومثلما قال العظيم في العارفين يوحنا التبايسي النبي: «إنه لا ينبغي أن نتدبر في السكون بصوم وسهر بغير قياس، أو بضيقات كثيرة بغير ترتيب، بل أن نعتني بعمل العقل». فالسكون الدائم مع تدبير العقل لا يبطيء كثيراً من أن يُبلِّغ الإنسان ويوصِّله إلى ميناء الحياة والفرح.

31- فضيلتان تحبسان جميع الفضائل، ومنهما وبهما يقام تدبير العقل جميعه، ومنهما يقتني الإنسان طهارة القلب، وهما اللتان يفتقر إليهما طقس سيرة السكون: الصلاة التي بغير طياشة ولا فتور، وهدم لمح أفكار الآلام ومجاذبات الشياطين حالما تظهر ويُحس بها وتتحرك في القلب. هاتان الفضيلتان وهذان العملان تُحدُّ بهما وتُحبس كل أعمال الذهن وكل فضائل النفس. وهما تلدان وتمنحان موهبتين إلهيتين، وفيهما تنحصر جميع مواهب الروح، ويصفهما الأب إشعياء بأنهما تفوقان الفضائل، لأجل ارتفاعهما عن الفضائل، ولأنهما لا يُعملان بالجسد ولا يفلَّحان بالنفس، بل إنما يُنعم بهما إنعاماً بقوة الروح القدس من قبل أن يهتم العقل بما يفوق الفضائل. هاتان الموهبتان هما: حركة روحانية تُحرِّك بلا فتور حركات النفس بغلوة الروح القدس بحب الله الكامل؛ ونظرة نور مجد المسيح.

32- مُكرَّمٌ أيضاً ومحبوب هو تدبير السكون ليس عند الآباء المتوحدين فقط، بل وعند معلمي البيعة الكبار أيضاً. وتعرف هذا مما قاله القديس باسيليوس ويوحنا ذهبي الفم إن الإخوة الحبساء لا يُسمُّون متوحدين وصديقين كاملين فقط، بل وشهداء عظاماً. كذلك لما أراد القديس اغريغوريوس أن يعرِّف أخاه أنه بدون الصمت والسكون والحبس لا يُستطاع أن يتكلَّل (بإكليل البر)، قال: «إنَّ سياجك إن تشاء هو بستان غنى الروح وموضع المصاف (أي الجهاد) الذي تُضفّر فيه الأكاليل». أعني أنه مثلما تُجمع الأزهار بعناية داخل سياجات البساتين والجُنيْنات لكي تُضفر منها أكاليل، هكذا أيضا يمكنك أن تجمع أزاهير الفضائل وتُضفِّر منها أكاليل البر: إذا سكنت في الهدوء وأحاط بك سياجٌ خارج قلايتك وداومت الأعمال المرضية لله فهذا هو معنى قوله إن سياجك إن شئت هو غنى الروح».

33- وقال أحد الآباء أيضاً: إني ما وجدت غبطة في الفضائل كمثل أن يهدِّئ الإنسان ذاته من جميع الأعمال ويصمت عن كل مفاوضة وحديث، وكمالها (يعني الغبطة) هو مخفي عن معرفة الناطقين.

34- وفيلسوف آخر قال: «لا ينبغي للإنسان محب السكون أن يصمت ويهدأ فقط، بل وليصنع جهاداً مع أفكاره ويقمع آلامه، وهكذا سريعاً يبلغ إلى نقاوة القلب، ويكون مسكناً للحكمة».

35- احتراس الجسد وإفراز الأفكار يقني الفكر عفة نقية. وحفظ الحواس وترتيب الأعضاء حسناً يولِّد حياءً واستحياء الأفكار وضميراً نقياً من غير جهاد. أما عدم الاحتراس والقرب من الناس والأمور فقد ولَّد للشيوخ العمّالين الأعفّاء أفكارَ الشبان وأقامهم في قتال الصبوة (أي الشهوة). كما أن الطياشة وعدم الانقباض تصوِّب (أو تسهِّل) للإنسان سقوطاً على الدوام. وإن لم ينهمك في الشيء لعدم توفر سبب السقطة فهي (أي الطياشة) تُقنيه عقلاً مضطرباً كل وقت، وتُبعد عنه هدوء القلب وسكونه.

36- كذلك ينبغي للمتوحد أن يكون له احتراس لا من الأفكار فقط، بل وبالأكثر من الأفعال. فيجب أن يحترس من الدِّنو إلى جسد إنسان بالكلية لأي أمر من الأمور، وأن لا ينظر سرير علماني، لئلا نضيِّع هذا الزمان الذي أُعطى لنا لفلاحة الحياة، وعند موتنا نطلب زماناً للتوبة.

37- الذي يحب السكون ينبغي له أن يهرب من كل محادثة؛ لأنه ليس شيء يرخي نشاط الضمير ويُكثر البرودة في الفكر نحو الله، مثل الأحاديث الباطلة ودوام الكلام الفارغ والسِّير الخَرِفة، فهذه تُبطِل من النفس تماماً الاشتياق لله ومحبة سيرة الوحدة المقدسة. فاعتفِ من هذه (المحادثات الباطلة) بكل قوتك، وامض ونم في البطالة، أو طُف باطلاً (أي بلا عمل) في الجبل وأنت وحدك، ولا تذكر شيئاً سمعته منها، ولا تعوِّد ذاتك القرب والدنو من المعتادين بها (أي بهذه الأحاديث الباطلة)؛ وعند ذلك تعرف كم تنفع البطالة مع الوحدة أكثر من الاستماع للأمور الباطلة. لأن الإنسان إذا انقبض من مفاوضة الناس، رجع إلى ذاته وإلى تقويم سيرته حسناً قدام الله.

38- متوحد هادئ متواضع معترف بعجزه مع التخلف عن تكميل قوانين السيرة، هو أفضل ممن يقوم بتكميلها بحياة منحلة وإطلاق اللسان وتسيُّب الحواس.

39- «اهرب، يا أخي، من جميع أهوية قلبك التي تقيم عليك القتال - قال الأب إشعياء - ومعونة ربنا تقهر جميع أعدائك». أعني بهذا أنك إذا ما جلست في السكون، فلعدمك من الطياشة في الأفعال، وانقباضك عن مفاوضة الناس، ودوامك مع سيدك بعمل وصاياه، تغار منك الشياطين وتجذبك للتنازل في دغدغات الشهوة لكي تخيِّبك من حب ربنا ومن العزاء الروحاني ومن الأجر المحفوظ لك لأجل سكونك وأعمالك. فاصنع أنت هكذا مثلما أقول لك: عندما تحرك الشياطين في قلبك أي فكر شهواني أو غضب أو مجد فارغ، أو أي شيء من الآلام، فلا توافق ذلك الفكر ولا تتنازل معهم ولا تتركهم يدخلون إلى قلبك ويلذذونه، بل اذكر سريعاً تلك اللذة المُعدة لك من سيدنا، وانهر تلك اللذة الألمية، واغمض عيني فكرك عن النظر في الفكر الشيطاني، واغصب نفسك - كلما جذبتك لذة الخطية - أن تهرب منها، وانتقل بشهوتك لحب الله، واطلب أن يأتيك منه عون ويعطيك أن تغلب. فإذا نظر الله إرادتك، أنك حتى ولا بالفكر تريد أن تتلذذ بالخطية من أجل التنعم بمحبته، فإنه يشير إلى الملاك اللاصق بك فيطرد الشياطين المقاتلة معك بمجاذباتها كالغبار قدام الريح العاصف. وبعد مدة سنين معلومة، كثيرة أو قليلة، إذا ما اختُبرتْ إرداتك الصالحة وحبك الصادق لسيدنا، بالصبر في جهادك ومصافك (أي وقوفك) قبالة أعدائه، عند ذلك ليس فقط كل وقت تقاتلك فيه الشياطين يمدك بالمعونة لتغلب، بل إنه إذا ما انقضى زمان مجاهدتك بالكلية، يطرد عنك الشياطين ويمحق (أي يبيد) انجذابها من قلبك، وعوض تلك الأفكار الرديئة الكثيرة المتحركة فيك وقت القتال يملأ نفسك أفهاماً روحانية كثيرة، حتى يبتهج ضميرك في كل وقت بالأفكار الإلهية، التي هي:  الهمّ بعظمة الطبع الإلهي؛ الهذيذ بالثالوث المقدس؛ تذكار لا ينقطع على الدوام بالاشتياق لحب المسيح ونور مجده الإلهي الساكن فيه في السماء؛ الهذيذ بالطغمات الممجدة الملائكية؛ ذكر الفردوس وأرواح الأبرار الذين كملوا؛ استعلان مجد المسيح؛ صعود القديسين إلى السماء وتنعمهم مع سيدنا؛ وأشياء أخرى مثل هذه.


 

[1]  مرميت كلمة سريانية تعني 12 مزموراً.

[2] أجزاء من التسبحة ومردات القداس والمدائح (معانيت أي تراتيل بالسريانية).

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English