سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

اختبار أم تجربة

 

اسرة كاروزوتا

   

 

مقدمة
توحي كلمة "اختبار" إلى الذهن بنوعين من المعاني: يتّجه النوع الأول نحو ما يعمله الإنسان، مثل الامتحان أو السباق. ويرتبط النوع الآخر بما يتحمّله الإنسان من ألم من جرّاء مرض أو فشل أو فقدان عزيز. وإذا كانت الكلمة قد انتقلت من المعنى الأول إلى الثاني، فهذا يرجع بدون شك إلى حكمة مستمدة من أصل ديني، ترى في الألم اختباراً يكشف بواطن الإنسان. إن المعنى المعلوم يتقدم على سواه في الكتاب المقدّس، وهو يعطي الجذور الرئيسية للكلمة (بالعبرية ناساه، باحان، حاقار) أي محاولة معرفة حقيقة الأشياء العميقة، الكامنة وراء القشور المتقلّبة. فعلى مثال المزيج وعلى مثال المراهق، يجب على الإنسان أن يظهر مقدرته. وليس في هذا ما يحمل في ذاته معنى الألم. وقد يقوم بمبادرة الاختبار هذه اللّه والإنسان والشيطان. فالله يختبر الإنسان ليكشف بواطن قلبه (تثنية 8: 2)، ولكي يمنح الحياة (يعقوب 1: 12). كذلك يحاول الإنسان من ناحيته أن يثبت لنفسه أنه "مثل الله"، إلا أن هذه المحاولة تأتي نتيجة إغراء وتؤدّي إلى الموت (تكوين 3، رومة 7: 11). وهنا يتحوّل الاختبار إلى تجربة بتدخّل عنصر ثالث وهو الشيطان المجرّب. وهكذا نرى أن الاختبار موجّه لمنح الحياة (تكوين 2: 17، يعقوب 1: 1-12)، بينما تلد التجربة الموت (تكوين3، يعقوب1: 13- 14)، فالاختبار هو عطيّة النعمة، بينما التجربة هي الدعوة إلى الخطيئة. إن هذا الواقع الذي يختبره الإنسان والخاضع للاختبار والتجربة لا يرتبط بالنظام الأخلاقي فحسب، ولكنه يندرج ضمن درامة تاريخية دينية، ويلزم الحرية أن تُعلِن موقفاً في الزمن لتواجه الله والشيطان، ففي كل مرحلة من مراحل تحقيق القصد الإلهي، ينتظر الله جواب الإنسان. عاش شعب الله أولاً هذه الدرامة، وسيكشف "الحكماء" عن أبعادها بالنسبة إلى الجنس البشري، وأخيراً ستجد هذه الدرامة حلّها في المسيح. وإزاء ذلك، يبدو هذا الواقع المزدوج من اختبار وتجربة عملاً من الله، ثم يشير العهد القديم في مرحلته الأخيرة إلى الشيطان بصفته العلّة الشخصية للتجربة الأولى، لكن معنى هذه الدرامة لا ينكشف تماماً إلاّ في المبارزة التي تقابل فيها المسيح والشيطان.

 

العهد القديم:

أولا: اختبار شعب الله:

 

1) اختبار إيمان الانسان

في مرحلة أولى، يُدعى الإنسان إلى الالتزام تجاه الوعد فيحدث اختبارٌ لإيمانه، كما حصل لإبراهيم ويوسف وموسى ويشوع (عبرانيين 11: 1- 40، سيراخ 44: 2، 1 مكابيين 2: 52). وتشكِّل ذبيحة اسحق دون شكّ الاختبار الأمثل (تكوين 22): ولكي يصل الله بالوعد إلى تمامه، يجب على الإنسان أن يعبّر عن إيمانه بطاعة حرّة تقوم بتطابق الارادتين. ويمرّ شعب إسرائيل، بعد خروجه من مصر، بتجربة عدم الإيمان: إنه شكّ في حضور الله الخلاصي أثناء محنته في البرية (خروج 17: 7). وهذا الرفض للإيمان يُحاكَم شعب إسرائيل عليه. فلا يكتمل الفصح إلا للنسل المؤمن. وهو وحده الذي يرث أرض الميعاد. وبالإضافة إلى ذلك، توضّح خبرة الصحراء القيمة اللاهوتية للتعبير عن "تجربة الرب". ولهذا التعبير، ثلاثة معان. فإما أن الإنسان يريد الخروج من محنته، فيلزم الله أن يضع لها حدّاً (راجع خروج 15: 25، 17: 1- 7)، وإما أنه يضع نفسه في ورطة لا خلاص منها، ليرى إن كان الله قادراً على أن ينتشله منها، وإما أنه يتثبّت، بالرغم من كل العلامات الواضحة، بطلب "آيات" أخرى، دليلاً على القوة الإلهية (مزمور 95: 9، مرقس 8: 11-13).

 
2) اختبار المحبة

ويبت الله عهداً مع هذا الجمع الذي كوَّن منه شعباً. تلك هي بداية المرحلة الثانية التي تمّ فيها اختبار أمانة الشعب للعهد، ويمكن تسميتها "اختبار المحبة". لقد اختار الشعب فعلاً أن يخدم إلهه (يشوع 24: 18)، لكن لا يزال قلبه منقسماً. فللاختبار فوائده إذ إنّه يُلزم الشعب بإعلان محبته لله وإثباتها بالفعل، ويعمل على تنقية القلب من كلّ شوائبه. وذلك يشكّل عملاً طويل المدى يباشره الله وتتكوّن بالتدرّج البطيء بعض المجموعات التشريعية (شريعة العهد، شريعة القداسة و شريعة اللاويين)، إذ يوجّه الله إلى شعبه النداء إلى القداسة (لاويين، في أماكن متفرقة). ويقابل هذا الاختبار الجديد حكم جديد: فالسبي الذي يعتبر رجوعاً إلى البريّة هو جزاء عبادة الأوثان المقابلة للزنا (هوشع 2).

 

3) اختبار الرجاء

سوف ترجع من الأسر بقية صغيرة فقط، ممتَحَنَة. وسيظلّ التصرّف الإلهي هو إيّاه أثناء محنة إسرائيل، وأثناء محنة يسوع (رومة 11: 1- 5). في كلتا الحالتين، لم يسفر الاختبار عن بقيّة، إلاّ بفضل النعمة الإلهية وحدها. لقد أظهر الأسر والفترة الطويلة التي تلته عدم إمكانية تحقيق الوعد الإلهي بالوسائل البشرية. لقد مرّت أزمنة طويلة وحدثت معارضات واضطهادات، وظهر ضُعفُ الشعب. فلم تكن هذه كلها لتثير موضوع الإيمان بكلمة الله أو الأمانة نحو العهد، بقدر ما طرحت موضوع تنفيذ الوعد الإلهي نفسه. هكذا منذ السبي حتى مجيء المسيح، سيصبح الاختبار الذي ستتعرض له البقية الصغيرة أساساً لاختبار الرجاء. إن ملكوت الله يبدو متأخراً في ظهوره، ودون أجل محدد. فالتجربة هي تجربة اللحظة الحاضرة، تجربة هذا العصر، أي تجربة الاندماج والاستقرار في هذا العالم. يمر شعب الله بخطر الاستقرار في هذا العالم الحاضر، ويعاني تجربة "هذا الجيل"، تجربة العالم ولما بدا خطر العلمنة، أخذ الشعب يزيد من وعيه لعمل الشيطان "سيّد هذا العالم" (أيوب 1- 2). إن اختبار الرجاء هذا هو الأكثر عمقاً والأكثر تنقية. فبقدر ما يقترب الله من الإنسان، يزيد الله في امتحانه. وسينتهي الاختبار بحكم أخير هو مجيء الملكوت أو حلول الدهر الآتي في هذا العالم الحاضر.

 

ثانياً: اختبار الطبيعة البشرية

 

1) الاختبار على المستوى الشخصي:

ينتقل "الحكماء" في تأملاتهم من الاختبارات التي تعرّض لها الشعب إلى المستوى الشخصي، فيشدّدون على مظهر آخر من مظاهر الاختبار وهو الألم، وبالأخص ألم الصديق. وهنا يبلغ الاختبار أقصى حدّته ويصير الله أقرب ما يكون من الإنسان، فلا يعود الإنسان يواجه تحدّي المستحيل فحسب بل اللامعقول. وعندما يبلغ الاختبار هذه الدرجة من الحدّة، يتحوّل إلى تجربة: لا تجربة الشك في قدرة الله أو الخيانة لعهده أو تفضيل العالم عليه، بل تجربة التمرّد والتجديف عليه، تلك هي الطريقة التي يشهد بها الشيطان لله. يفتح كتاب أيوب باب النقاش ويختمه باللجوء إلى سرّ الحكمة الإلهية التي لا يمكن سبر غورها. ويفعل ذلك، لا على سبيل التهرّب من الموضوع، بل في اعتراف خاشع بأن المحبة ترفع الإنسان لتكيّفه تدريجياً مع سرّ الله (راجع تكوين 22). وقد نجد أضواء متزايدة للردّ على هذه المشكلة في نشيد "عبد الرب" (أشعيا 52: 13 إلى 53: 12). وخاصة في الكتب الصادرة أثناء الضيق الشديد (دانيال 9: 24-27، حكمة 12: 1-14). في أماكن متفرّقة في هذه الكتب، تبدو المحنة غير قابلة للحلّ على المستوى الشخصي، لأن مصدرها نابع من خارج الإنسان (حكمة 1: 13، 2: 24)، إنها واقع ملازم للطبيعة البشرية وخاص بالجنس البشري ككل. ولكن هناك شخصاً واحداً سيستطيع أن يفتح لها الطريق إلى الحياة، وهذا الشخص لن يخضع لسلطة الشيطان، وسيكون متضامناً مع "الجماعة" ، وقائماً مقامها. وسيتحقق الحكم في مجيء "العبد" المنتظر.


2) الاختبار على المستوى الجماعي:

نرى في هذه النتائج آثار الفكر الكهنوتي وهي تشبه إلى حدّ كبير تلك النتائج التي وصل إليها كتاب التكوين، عندما يصف أصول الأشياء، والتي من شأنها أن تجعلنا ندرك عمق الطبيعة البشرية. ويشكّل الاختبار الإلهي أخيراً، أبلغ إعلان عن محبة الله المجاني وحريّته السامية. ولذا يطلب الله أن يكون جواب الإنسان على أعظم قدر من الحرية. والاختبار هو بحق المجال المتاح لهذا الجواب. ويظهر الإصحاح الثاني من كتاب التكوين، بأسلوب مجازي، هذه العناية المجانيّة التي يبديها الله إزاء سيّد الخليقة وهو الإنسان. إن محبة مثل هذه قائمة على الاختيار، ولا يمكن أن يفرضها الله على الإنسان فرضاً بل يتطلّب منه قبولها بحريّة. ومن هنا، كان لابدّ من الاختبار، خلال شجرة المعرفة (تكوين 2: 17)، وهكذا يكشف لنا الكتاب المقدس الطبيعة البشرية في مقوّماتها الأساسية. لا يكون الإنسان إنساناً ومسؤولاً مسؤولية كاملة إلا إذا كان له القدرة الدائمة على اختيار الله الذي دعاه أن يكون "على صورته". إلاّ أن آدم اختار نفسه كإله (تكوين 3: 5). ذلك أن بين الاختبار والاختيار، حدثت الأزمة أي التجربة التي تنكشف علّتها الشخصية ألا وهي الشيطان (تكوين 3، راجع أيوب 1 إلى 2). وهكذا نرى للتجربة معنى يضيف شيئاً إلى ما هو مجرّد اختبار: "إن الخطيئة اتخذت من الوصية سبيلاً" وأدّت إلى الموت (رومة 7: 9- 11). لقد برزت عناصر جديدة: وهي الشرير الكذّاب الذي يظهر أيضاً بمظهر المضلّ. لا يختار الإنسان عزلته إلاّ إذا اعتقد أنه سيجد فيها الحياة. وإذا لم يجد فيها إلاّ العري والموت، فهذا دليل على أنه انخدع. ويتضمّن اختباره أساساً كفاحاً ضد الكذب، وصراعاً مستميتاً ليحدّد، طبقاً للحقّ، موقفاً تجد فيه الحرية مجال ممارستها الوحيد (يوحنا 8: 32- 44). ذلك هو الجواب الأخير على تساؤلات "الحكماء". تخوض البشرية اختباراً يفوقها ولن تتغلّب عليه إلاّ بفضل وعد أعطي على سبيل نعمة (تكوين 3: 15) أي بفضل مجيء "النسل" الذي سيصل بالاختبار إلى الانتصار النهائي.

 

العهد الجديد

أولاً: اختبار المسيح

لقد وضع الشيطان المسيح في المواقف التي كان قد سقط فيها آدم والشعب، والتي كان يرزح تحت ثقلها المساكين. في يسوع المسيح يتطابق الاختبار مع التجربة وقد تغلّب عليهما، لأنه عندما واجههما بنجاح، بلغت المحبة الإلهية أوجها، وهي المحرك الأول للاختيار أساس الاختبار والتجربة للإنسان. إن المسيح هو "النسل"، وفقاً للوعد وبكر الشعب الجديد. ففي البرية (لوقا 4: 1- 2)، ينتصر يسوع على المجرّب في عقر داره (راجع 11: 18-19). فهو "الإنسان" الذي يحيا، أخيراً، وأساساً بكلمة الله وفي الوقت نفسه هو الربّ "المخلّص"، الذي يستمر شعبه في تجربته (متى 16: 1، 19: 3، 22: 18). إن يسوع هو الملك الأمين، والراعي الصالح الذي يحب خاصته حتى النهاية. والصليب هو الاختبار الأول (يوحنا 12: 27- 28) يثبت به الله محبته (3: 14- 16). يسوع هو البقية الصغيرة التي يركِّز فيها الآب كلّ محبته الكامنة في الاختيار الأول: في هذه الثقة البنوية، يتعرّض يسوع لبغض العالم، وينتصر عليه في الوقت نفسه (يوحنا 15: 18، 16: 33). يسوع هو "عبد الرب" وحمل الله. يحمل على الصليب خطيئة البشر فيحوّل تجربة التجديف إلى شكوى بنوية، والموت اللامعقول إلى قيامة (متى 27: 46، لوقا 23: 46، فيلبي 2: 8- 9). وبصفته آدم الجديد، وصورة الآب، تأخذ تجربته قيمة تجربة الرأس: إنها تتخلل الظهور الإلهي وبدء ممارسة رسالته (مرقس 1: 11- 14). وعلى مدى حياته، سيقابلها كالوجه المضاد لإرادة الآب، يجدها في أقاربه (مرقس 3: 33- 35) وبطرس (مرقس 8: 33) وفي طلب الآيات المبهرة (مرقس 8: 12) وفي التحقيق المادي للخلاص المنتظر (يوحنا 6: 15). أخيراً، قبل إتمام المرحلة النهائية من رسالته يتعرّض للتجربة الأخيرة وهي نزاعه في بستان الزيتون (لوقا 22: 40 و46). هكذا، بانتصاره على المجرّب منذ البداية حتى النهاية (لوقا 4: 13)، يدخل المسيح أخيراً البشرية الجديدة في وضعها الحقيقي وفي الدعوة إلى البنوّة (عبرانيين 2: 10- 18).

 

ثانياً: اختبار الكنيسة

من اختبار المسيح تخرج الكنيسة مبرّرة، كما تبرّرت الجماعة بواسطة "العبد" (اشعيا 53: 11). وتتبع رسالتها سير المسيح عينه (2 تيموتاوس 2: 9- 11، لوقا 22: 28- 30). والمعمودية التي فيها يصبح فصح المسيح فصح الكنيسة تشكّل اختباراً (مرقس 10: 38- 39) يجرّ وراءه محناً لاحقة (عبرانيين 10: 32- 39). هنا تختلط المفردات التي تعبّر عن الاختبار مع الكلمات التي تعبّر عن الألم. ولهذا الأسلوب في العهد الجديد، صدى اسكاتولوجي قبل أن يكون سيكولوجياً. وقرب مجيء الرب يجعل المقاومة بين النور والظلمات تبلغ حدّها الأقصى. والكنيسة هي مكان الاختبار، حيث تتقوّى الأمانة في الاضطهاد (لوقا 8: 13- 15، 21: 12- 19، متى 24: 9- 13)، وحيث يخرج الإنسان من الشدّة "ممحّصاً". يحمل اختبار الكنيسة هذا طابعاً رؤيوياً، يكشف حقائق خفيّة عن الإنسان الجسدي، ومدى المسؤولية المسلّمة لكل الأشخاص الذين يرسلهم الآب في رسالته الكبرى: المسيح (عبرانيين 2: 14- 18)، وبطرس (لوقا 22: 31- 32)، والتلاميذ (لوقا 21: 12-13) وكل كنيسة أمينة (رؤيا 2: 10). بهذا المعنى يبلغ الاختبار والرسالة ذروتهما في الاستشهاد. ولكن في الكفاح الاسكاتولوجي الأخير الذي يشكِّل الاختبار الخاص بالكنيسة، تنكشف علّة التجربة الحقيقية: بينما يختبر الله خاصته، الشيطان وحده هو الذي يجرّبهم (لوقا 22: 31، رؤيا 2: 10، 12: 9- 10). وتميط الكنيسة، الواقعة تحت الاختبار، اللثام عن المضلّل، الشاكي، مؤدّية الشهادة بواسطة البارقليط، عن الروح المنتصر الذي يقودها إلى هدف الفصح الأخير (رؤيا 2- 3، لوقا 12: 11-12، يوحنا 16: 1- 15). ولذلك تبدو الكنيسة، في كتب الرؤى واقعة تحت الاضطهاد، وفي الوقت نفسه، حاصلة على الخلاص (دانيال 12: 1، رؤيا 3: 10، 2 بطرس 2: 9). فيعبّر الاختبار عن وضع الكنيسة التي ما تزال معرّضة للامتحان وهي نقية، وفي حاجة مستمرة إلى تطهير وهي مجيدة. وتأتي غالباً التجارب الخاصة بالكنيسة من تجاهل أحد هذين العنصرين المتداخلين في تكوينهما.


ثالثاً: اختبار المسيحي

1) اختبار الروح:

تلازم البشارة بالإنجيل الضيق الشديد الذي سيحصل في آخر الأزمنة (متى 24: 14). ولذا سيكون الاختبار ضرورياً بنوع خاص للمؤتمنين على خدمة الكلمة (1 تسالونيكي 2: 4، 2 تيموتاوس 2: 15)، وإلاّ تحولت رسالتهم إلى تجارة (2 كورنتس 2: 17). والمرور بالاختبار، شرط للرسالة (1 تيموتاوس 3: 10، فيلبي 2: 22). ومن هنا، يمكن تمييز المرسلين الكذبة (رؤيا 2: 2، 1 يوحنا 4: 1). على المستوى السكيولوجي، يسبر الله غور القلوب ويختبرها (1 تسالونيكي 2: 4)، ويسمح فقط بالتجربة (1 كورنتس 10: 13) التي يثيرها المجرّب (أعمال 5: 3، 1 كورنتس 7: 5، 1 تسالونيكي 3: 5) خلال العالم (1 يوحنا 5: 19) وخصوصاً خلال المال (1 تيموتاوس 6: 9). ولذلك يجب أن نطلب ألاّ "ندخل في تجربة" (متى 6: 13، 26: 41)، فهي تقود إلى الموت (يعقوب 1: 14- 15). فشتّان بين موقف الصلاة البنوية وموقف الذي يجرّب الله (لوقا 11: 1- 11). إن الاختبار هو كالتجربة التي لا يسقط فيها المرء، وتفضي به إلى الحياة. وهي من متطلبات الحياة في يسوع المسيح: "فكل من أراد أن يحيا في المسيح حياة التقوى أصابه الاضطهاد" (2 تيموتاوس 3: 12)، إنه شرط ضروري للنموّ (راجع لوقا 8: 13- 15) والصلابة (1 بطرس 1: 6- 7: في سبيل الدينونة) وللفضيلة المجرّبة (1 كورنتس 11: 19). والتواضع (1 كورنتس 10: 12). وباختصار، إن الاختبار هو طريق الفصح الداخلي، طريق المحبة المشبّعة بالرجاء (رومة 5: 3- 5). منذ ذلك الحين، يعتبر الإنسان مسيحياً ممحّصاً عندما يختبر الروح: فالاختبار يفتح القلب لقبول المزيد من عطايا الروح القدس وهو من خلال الاختبار يحررنا. وهكذا يعرف المسيحي المتحرّر من قيوده والمستنير بالروح القدس (1 يوحنا 2: 20 و27) كيف يميّز ويتحقق و "يختبر" كل شيء (رومة 12: 2، أفسس 5: 10). هذا هو الأساس الروحي لفحص الضمير الذي ليس هو حساباً "روحياً" ، بقدر ما هو ديناميكي، فيه يختبر الإنسان نفسه في نور الروح القدس (2 كورنتس 13: 5، غلاطية 6: 1).

 

2) الاختبار عبور نحو الله:

يدعونا الكتاب المقدس إلى أن نعطي للاختبار معنى قدسياً. إن الاختبار هو عبور "نحو الله" من خلال مخططه. تجتمع وجوه الاختبار المختلفة من إيمان وأمانة ورجاء وحرية في امتحان المسيح الأكبر الذي يواصله في الكنيسة وفي كل مسيحي والذي سينتهي بولادة كون جديد (رومة 8: 18- 25) وستكشف المعركة الاسكاتولوجية في آخر الأزمنة معنى الآلام التي ترتّبت على الاختبار في قصد الله، الذي يهدف إلى جعل الإنسان مشاركاً في الطبيعة الإلهية (2 بطرس 1: 4). في المسيح، نرى تلازماً حتمياً بين الاختبار الذي هو من الله والتجربة التي هي من الشيطان. إنهما يجعلان الإنسان يعبر من الحرية المعروضة إلى الحرية المعاشة، من الاختيار إلى العهد. يرفع الاختبار الإنسان إلى مستوى سرّ الله، أما الإنسان المجروح فيزداد ألماً كلما قرب الله منه. وبالروح يستطيع الإنسان أن يدرك في سرّ الصليب العبور من الخلق الأول إلى الثاني، ومن عالم الأنانية إلى عالم المحبة. حقاً للاختبار طابع فصحي.

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English