إن الفترة
الواقعة بين صعود الرب وحلول الروح القدس على التلاميذ في اليوم الخمسين
(البنطيقستى) هي فترة غامضة بالنسبة للكثيرين، والبعض يروا فيها فترة ركود الخدمة
التبشيرية في انتظار التلاميذ فقط وعد الرب بحلول المعزي الذي سيمكث معهم إلى
الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. فهي
الفترة التي تعرف بانتقال عمل المسيح باقنوم شخصه إلى عهد عمل الروح القدس، الاقنوم
الثالث في الثالوث الأقدس. الرب وعد تلاميذه بانه لن يتركهم يتامى وأوصاهم أن لا
يبرحوا من اورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعوه منهم.
إن ما
يميز تلك الفترة هي النفس الواحدة المواضبة على الصلاة والطلبة، حيث بعدما ارتفع
الرب وهم يشخصون إلى السماء وأخذته سحابة عن اعينهم، رجعوا إلى اورشليم من الجبل
الذي يدعى جبل الزيتون ودخلوا إلى العليّة التي كانوا يقيمون فيها بطرس ويعقوب
ويوحنا واندراوس وفيلبس وتوما وبرثولماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا
اخو يعقوب بالاضافة إلى النساء ومريم ام يسوع ومع اخوته.
إضافة إلى
مواضبتهم الدائمة على الصلاة وكسر الخبز، كان اختيار متياس ليأخذ مكان يهوذا
الاسخريوطي الخطوة الأهم التي سبقت حلول روح القدس. أما قصة اختيار متياس، التلميذ
الذي يتميز بوضع خاص فهو الوحيد الذي لم يختاره الرب يسوع ليكون من الاثني عشر، بل
تم اختياره من قبل التلاميذ. حيث اجتمع الرسل واقترح بطرس عليهم اختيار أحد أتباع
المسيح الذين آمنوا به منذ بدء دعوته ليكون التلميذ الثاني عشر بدلا عن يهوذا
الاسخريوطي الذي كان قد انتحر بعد ان سلم يسوع لليهود. وقد استشهد بطرس بنص من
المزامير "لتصر داره خرابا ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر" (مز109: 8). وهكذا
تم انتخاب متياس وبارسابا لهذا المنصب وألقوا القرعة بينهم فوقعت على متياس الذي
اصبح مذاك يعتبر من جماعة الاثني عشر.
اسم متياس
لفظة يونانية للأسم العبري مَتيثيى ومعناه عطية الله، وقد كان متياس من جملة تلاميذ
المسيح السبعين، وكان يتبع الرب منذ عماده في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان حتى
صعوده للسماء.
بسحب
تاريخ نيسوفورس فان متياس بشر بالمسيحية في اليهودية وبعد ذلك في إثيوبيا وهناك
أعدم صلبًا، وهناك تقليد آخر يروي قصة رجم متياس في أورشليم ثم قطع رأسه بيد
اليهود.
وقصة اختيار متياس باستخدام القرعة هي قصة فريدة، والقرعة كانت تستخدم فى العهد
القديم سنوياً فى اختيار تيس ذبيحة الخطية وتيس عزازيل: "ويلقى هرون على التيسين
قرعتين قرعة للرب وقرعة لعزازيل" (لا 16: 8)... كما أنها كانت لقسمة أرض الموعد:
"فأمر موسى بنى إسرائيل قائلا هذه هي الأرض التى تقتسمونها بالقرعة" (عد 34: 13).
فهذا ما كان في ذهن الرسل وما جعلهم بعد ان صلوا وطلبوا من الرب بحكم معرفته قلوب
الجميع أن يرشدهم إلى الشخص المناسب ليقوم بالخدمة والرسالة مقام يهوذا الذي تركها،
ما جعلهم يستخدموا القرعة لاختيار التلميذ الاثني عشر.
ويرى
البعض بأن مكان التلميذ الثاني عشر كان محفوظا لشخص آخر اختارته نعمة الله، وباسلوب
آخر خلاف هذا الاسلوب (القرعة) ويقصد به الرسول بولس، ولعل ما يشجعهم على هذا هو
الأثر الهائل العظيم الذي تركه بولس، في الوقت الذي لم نسمع فيه بعد ذلك شيئا عن
متياس أو خدمته أو رسالته. لكن هذا التفسير غير مقبول تماما لأن اختيار الرسول بولس
وقع منفردًا ولا يمكن ربطه نهائيا بالاثني عشر، لقد اختير بولس للأمم، بينما كان
الاثنا عشر للختان. أما عن قول أن متياس لا يعرف أحد عن خدمته شيئا، فليس هذا دليلا
على أنه لم يكن واحدًا من الرسل الناجحين، وذلك لأن نصف الرسل على الأقل لم نسمع عن
خدمتهم شيئا، وإن كان من الثابت أنهم نجحوا في هذه الخدمة نجاحًا عظيمًا، بل أن
هناك أعدادًا كبيرة جدًا من الذين تتلمذوا على أيدي الرسل ومع انهم قدموا أعظم
الخدمات لله، وأسسوا الكنيسة المسيحية بكفاحهم وعرقهم وجهدهم ودمائهم إلا أن
اسماءهم مجهولة لنا، لكنها معروفة تماما أمام الله.
إن لكل
مؤمن أن يعلم أنه فى سيرة الحياة،
سيأتى إليه نداء اللّه يوماً من الأيام، وليس بالضرورة بصورة مادية كما حدث مع
متياس، بل بما هو أهم، بدعوة سماوية لا يأتيها الشك أو الغموض أو الضباب من أي جانب
من الجوانب، والواجب أن لا يتردد صاحبها، وهو ينضم إلى أعظم قافلة على الأرض، قافلة
"رسل المسيح" الذين يخدمونه، ليحسب فى الكتاب الأبدي واحداً ممن ملأوا المكان
الشاغر، الذى خلا بهذه الصورة أو تلك، كما يشاء اللّه أو يسمح فى مجال الخدمة
المسيحية. |