سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

حكمة القائد

 

الشماس بريخا اوراها

   

 

وأخيرا انصاع لأمر الرب بعد مناوراته المغرورة الفاشلة واستهزائه بالأمم والشعوب التي طالما إستصغروها هو وأبناء جلدته بإعتبارها وثنية عابدة الأصنام في نظرتهم ورؤيتهم العقيمة، أو ربما هو نفسه لم يكن أمينا وصادقا بكلام الرب ولربما كان مرتعبا وخائفا من المواجهة عندما اختاره الرب رسولا لرسالته الخلاصية التي أوكله بها لإستطراقها على مسامع أهل نينوى الذين ذاع صيتهم بالقوة  والعظمة والشموخ والقسوة والتحدي وفوق هذا خطيئتهم التي أوصلت بهم إلى حافة الهاوية والهلاك المحتم. حيث دوت فكرة التهرّب بإعتقادي في إذهان يونان العبري الذي كنّ العداء والكراهية لهؤلاء القوم وأراد التحايل على مَطلب الله بحجة كونه (أي الله) الرب الرحمن العطوف المتراجع في قراره عندما يرى التحوّل والتغيير في سلوك الطبيعة البشرية الخاطئة نحو الإتجاه الصحيح الذي يرضي إرادته  والتعايش السلمي معه، فعندها تركد نار غضبه على خليقته بسبب المحبة التي يكنها لهم. ولطالما فكّر العبري بتصرفاته هذه في المذلّة والإنتقام لأن سلوكه البشري وتفكيره المنحاز وبعقلية بعيدة عن التدابير الإلهية ولربما أكثر من هذا كبريائه الذي أقسى قلبه، كانت مُثقلة على حياته بدرجة أن تجعل من مصيره الغرق في بحار الخطيئة والظلمات وابتلاعه بحوت الموت لإستقاء المحن والدروس، التي بها نما وتقوّى إيمانه حتى أوصله الى بر اليقين بولادة حياة جديدة له بعد التحوّل والتغيير الذي عصف حياته الأولى التي كانت مُحقنة بأفيون الناموس، لا بناموس الرب... بل بناموس الكهنة الذي قيّد وشلّ كل أفكاره ومشاعره وحجّر قلبه. وإذا تأمّلنا بعمق جوهر المُبتغى ومقاصد الله في هذه المهمة فأنه أراد في البداية إمتحان الشخص المكلف ذاته إن كان صادقا وأمينا في إيمانه وشراكته مع الله، لذلك أراه الله القصاص عينه وطبّقه عليه أولا وبنفس الأداة والتعبير ليُشعره بقساوة ومرارة الضربة التي ستحل بشعب نينوى. وهكذا فعل الله مع كل الأوّلين مِمَّن سبقوا يونان أو لحقوه الذين كانت عليهم كلمة الرب لأجل محنة أرادها الله تنفيذها من خلالهم، فنراهم كلهم قد أخطأوا في بادئ الأمر ولم يكونوا يقيني الإيمان وتشككوا في أقوال الرب.

وأن يونان النبي مِثلَ أجداده قد أنكر وعده بسرعة ونسى رحمة الله التي أشفقت عليه وأخرجته من ضيقه عندما كان في جوف الحوت بأعماق البحار مستغيثا ومتوسّلا لحكمة الله ونعمته لتنقذه من ورطته التي سببتها له معاصيه ليقوم بمهامه مأمورا أميناً ناقلا مضمون الرسالة التحذيرية لأمة آشور. ونرى أنّ تأسفه العقيم لذبول نبتة القرع التي احتمى تحت ظلّها من شدة الحر والتريث بفارغ الصبر وشوقه لإستمتاع نظره بالنار التي ستأكل الأخضر واليابس في المدينة المسكونة بمئات الآلاف من الأبرياء ـ التي بها أراد الله إشعاره بمحبته للخليقة وحنانه لهم ـ لأكبر دليل على عدم مبالاة العبري بتدمير شعب عظيم مثل أهل نينوى أللا علم لهم بمعنى الخطيئة وأسبابها كما تيقّنوها أهلها والتي كانت مرهونة بأعمال ناموس شعب الله الذي انتهكها مرارا وتكرارا.

عندما وطأت قدماه عاصمة العُظماء نينوى التي صيت عنها الكثير عبر التأريخ والتي اشتهرت بحضارتها وتمدّنها وازدهارها في جوانب عدة وبقايا آثارها حتى يومنا هذا لخير دليل على شموخها ومكانتها. ويُقال عنها بأنها كانت كبيرة الإمتداد والإتساع بحيث يحتاج المرء لقطعها مشيا على الأقدام مدة ثلاثة أيام. فكان على يونان أن يباشر فورا بالكرازة لأجل التوبة وإنذار شعبها بقصاص الرب بالكارثة المميتة التي ستحل بهم وبمدينتهم بعد إنقضاء الفترة التي حددها لهم الرب. ربما يعتبرها المرء في الوهلة الأولى مهمة سهلة ويسرة في إقناع شعب كان منهمكا بالتجارة والمال والملذات وإقتناء الثروات والإبتزاز وفقدان الثقة والمصداقية في كثير من الأمور التي يقتضي فيها الحِيَل والألاعيب والنصب والسرقة وغيرها، والأسوأ من ذلك الحروب وكثرة الأعداء جعلت منهم أناس بلا رحمة. فهذه العوامل جمة تجعل من الإنسان مخلوقا بعيدا عن الله والقيم الصحيحة. فكيف يعقلون الرواية التي جاء بها هذا الغريب وما هي الحجج التي تدمغها الأدلّة والبراهين لتجعل هؤلاء الناس يغيّرون سلوكهم وطبائعهم ويقتنعون بكلام العبري الذي يسعى لأن تُعطى له أُذنا صاغية؟ أبهذه البساطة سيتخلّون الناس عن أعمالهم السيئة ويتركون ترفهم وملذاتهم وأموالهم وكنوزهم ومقتنياتهم؟ أم أن كبريائهم ومجدهم سيسمحهم بالتواضع عند سماعهم صرخات العبري التوبيخية المُهينة لهم ولأفعالهم التي ملأت أرضهم فسادا ولم تعد تُحتمل وتُرضي الخالق؟ لا بل أنهم سيضحكون عليه ويستهزؤون به وربما ينهالون عليه بالشتيمة والإساءة والضرب ليوقفوه حتى عن تمرير رسالته الخلاصية لأنها بالتأكيد لا تخدم مصالحهم، شأنهم شأن ذلك الغني الذي طلب منه يسوع المسيح أن يُعطي كل ثروته ومقتنياته للفقراء ويتبع يسوع، فندم وتراجع. وها قد أعاد التأريخ نفسه علينا وصارت هذه الأمور شائعة في عصرنا المُنحل خُلُقيا وإجتماعيا، الذي يُحاول يائسا إنكار دور الله في التكوين والخليقة وتنسيب وجودها على قوة الطبيعة، ويدّعي بكل ما هو باطل، لأن المعايير قد إختلفت تماما في زماننا ولم تعد تناسب هذا العصر المزيّف في كل جوانبه، وعُدنا الى سيئاتنا وفواحشنا أكثر مما كان لأسلافنا ولا زلنا في غيّنا ومعاصينا بالرغم من التحذيرات المتكررة التي يُنذرنا بها الله بين الحين والآخر من خلال الأوجاع  التي تعصف أيامنا طوعية وبكثافة. وإذا تمعنّا في قراءة رؤية حبقوق النبي التي تنطبق تماما على عصرنا المُلقّب (بالذهبي) في الإصحاح الأول الذي يقول "إلى متى يا رب أستغيثُ وأنت لا تستجيب؟ وأصرُخ إليك مُستَجيرا من الظُلم وأنت لا تُخلِّص؟ لماذا تُريني الإثْمَ، وتتحمّل رؤية الظُلم؟ أينما تَلَفَّتُ أشْهَدُ أمامي جَورا واغتصابا، ويثور حَولي خِصام ونزاع. لذلك بَطَلَت الشريعة، وباد العَدْلُ لأنّ الأشرار يُحاصِرون الصِّديق فَيَصدُرُ الحُكْمُ مُنحَرِفا عن الحَقِّ." فالرؤية إن كان مقصدها الجيل الذي عاصره النبي حبقوق، لكن فحواها يتطابق على جيلنا الشرّاني أيضا. إن كان ذلك الجيل قد نال العقاب على يد الكلدانيين الوثنيين بإرادة الله الذي سلّطهم عليهم بعد إمهال الله لشعبه الزمن الكافي للرجوع الى التوبة وعمل البر والذي تخللته تحذيرات الله المتكررة والمتعاقبة لإيقاظهم من سُبات الخطيئة التي أَبَوا التخلي عنها، فما بال جيلنا نحن اليوم، ألا نستشعر قصاص الرب الذي ينهال فعلا علينا ويُعاقبنا على آثامنا بتسليطه الشعوب الوثنية علينا، ولا زالت عيوننا معمية وأُذننا مثقّلة وقلوبنا قاسية حيث لا نرى ولا نسمع ولا نفهم لأجل الرجوع للتوبة والخلاص والشفاء.

هل أن مدة أل (40) يوما ستكون كافية لنا اليوم للتوبة كما اكتفى بها ذلك القوم يومئذ؟ وما هو الدافع القوي، الذي سيقنعنا اليوم لمقت النزوات الجسدية التي نبذل من أجلها كل قصارى جهودنا غير مكترثين للوقت والذخائر التي تُكرّس لضمانها وممارستها، كذاك الذي أقنع ملك آشور للتنازل عن كل مجده وهيبته وجلالته وليتخلّى عن كبريائه ورفاهيته وملذاته وشهوته في صيد الأسود والحيوانات البرية المفترسة؟ فخلع من رأسه تاج الإمبراطورية المرصع بالذهب وبزّته الملكية المطرّزة من الحرير الناعم. والأعسر من ذلك والذي لا يستزيغه العقل البشري، كونه هو المُنفّذ الأول للأمر الذي أصدره بنفسه وعلى نفسه مرره أولا قبل تطبيقه على عامة الشعب ليصبح مثالا ورمزا نستنبط منه معنى التواضع وخدمة الآخرين. فما بال قادتنا الدينيين اليوم، هل سيصحون من غيبوبتهم وسباتهم ويتعافوا من عدوى شلل الشهوات الجسدية التي أصابهم وأغواهم بها الإبليس؟ فأن معظم الكنائس وأخص الرسولية منها فهي اليوم تحت تأثير مُخدّر الشيطان. هذه التي تتباهى الصدارة بأولوياتها وتأريخها الطويل والمشهود بنشر المسيحية في أرجاء المعمورة. فمثلُها مثل المستأجرين الذين عملوا في الكرمة بأوقات متفرّقة، ولمّا حان وقت دفع أجرة العُمال في المساء، أُمِرَ الوكيل بأن يبدأ بالدفع من الآخرين الذين عملوا لساعة واحدة وأخذوا دينارا واحدا، ولمّا جاء دور الأوّلين الذين كدحوا طول النهار واحتملوا ثقل النهار وحرّه وظنّوا بأنهم سينالون أكثر، فأخذوا دينارا واحدا حسب الإتفاق كأقرانهم (متى إصحاح 20). نعم كانت كذلك ولا أحد ينكر ذلك، ولكن صارت فيما بعد بؤرة التنافر بسلطانها المستبيت الظالم، وثقلها ومقتنياتها وكنوزها زاد من صرامتها وإنحرافها وتحوّلت الى مؤسسة شوفينية وفقدت رسالتها الإنسانية والمحبة التي نادى بها الرب المخلص والرسل من بعده، وإلاّ لماذا انسلخ منها كل هؤلاء المنادون بالتحرر والإصلاح. والتأريخ شاهد على المجازر والعنف التي إرتكبتها بحق المؤمنين والإنسانية. وأمّا رؤسائها فعوضا عن قيامهم بتخفيف الآلام والمعاضل عن رعيتهم، صاروا عبئا ثقيلا على أبنائها بسبب شهواتهم ونزواتهم التي لا تشبع منها غرائزهم التسلطية وطموحاتهم في حكر الكراسي والمناصب سعيا وراء تحقيق مآربهم الشخصية التي لا علاقة لها بتعاليم المسيح إطلاقا. وهنا نستذكر أقوال الرب المخلص يسوع المسيح عندما قال "لم يأتي إبن الإنسان ليُخدَم بل ليَخدِم".

فلنُمعِن النظر مليا ولنحذق العقل جدًا في هذا التغيير المعاكس والتحول المفاجيء في سلوك الإمبراطور الذي لم تثنيه قوة في العالم ولم تنقص جبروته وعزمه في هزم وكسر وسحق كل أعدائه مهما بلغت قواه؟ لكن تَخَلّيه فجأة عن كل مجده وشموخه كان يركن وراءه إيمانه وحكمته ومعرفته ودرايته السبّاقة بوجود الله الخالق الذي على الأرجح قد تراءاه وأنذره بالآتي. فعَن هكذا أشخاص يقول الرسول يعقوب في رسالته 5:1 : "وإن كان أحد منكم تعوزه حِكمة، فيَطلُب من الله الذي يُعطي الجميع بسخاء ولا يُعَيِّر فسيُعطى له. وإنمّا عليه أن يطلب ذلك بإيمان، غير مُرتاب البتة لأنّ المرتاب كموج البحر تتلاعب به الرياح وتدفعه. فلا يظن ذلك الإنسان أنّه ينال شيئا من عند الرب" الإله الجبروت الذي لا تقف أمامه أية قوة مهما عظُمت وجبُرت. وإن لم يكن مؤمنا وصادقا وبمستوى المسؤولية، لما أعلن لشعبه ـ (بعد أن تواضع بحكمة وبإيمان ليَسمع ما يدور من حديث بين الناس البسطاء من عامة الشعب عن المصير المجهول الذي سيحل بهم وبمدينتهم ، في حين كان بإمكانه وبكل بساطة إصدار أمرا بأسر وقتل مرّوجي الفكرة وعدم المبالاة بالذي يحدث) ـ فقال: "بأنها معركة قاسية وقتال شرس سنخوضه ولكن هذه المعركة ليست كباقي المعارك المألوفة والقتال فيها يستلزم عُدّة مغايرة للتي اعتدنا عليها في المعارك السابقة، لأن السيوف والرماح والسهام قد انتهى دورها في معركتنا الجديدة. عُدّتنا الجديدة هي الصوم والصلاة وقد أُعدّدتها لكم وسأقود المعركة بنفسي". بهذه الكلمات التي اتسمت معانيها بقوة الإيمان ومخافة الله نطقت شفتاه التي لم تنطق فيما سبق سوى الأوامر اللاذعة القاسية التي بها تسلّط وأرهب حاشيته وأعدائه معا. فما هو السر الذي يكمن وراء هذا التواضع لإبن نمرود الذي لم يجد الخوف موطئا في قلبه؟ وما هذا الذي أجبره وجعله يكره مماجد الأرض وملذاتها ومقتنياتها ليلبس المسوح والإحتقار ويركع على الرماد بدلا من على السجائد والفرائش المصنوعة من الحرير؟ هذا وإن دلّ على شيء فإنما يدل على التوبة الحقيقية والولادة الجديدة التي جعلت منه قائدا حكيما في التفاعل مع كلمة الله والتجاوب معها. لهذا فأنّ الرب المخلص يسوع المسيح كان مُحقّاً في مدح إيمان أهل نينوى الذين به تبرروا وليس بالنعمة، كالتي صارت وتجسّدت لشعب الله والبشرية في الأزمنة الأخيرة لأجل الخلاص. حيث يقول الرسول بولص في رسالته الى أهل رومية 12: لأنكم تعرفون الآن قد آن الأوان لتستيقظوا من نومكم لأن خلاصنا الآن بات أقرب إلينا مما آمّنا في البداية... إلبسوا الرب يسوع المسيح ولا تفكّروا تسليم أجسادكم لمثل هذه الشهوات.

وأهل نينوى بإيمانهم سيدينون أهل التوراة والشريعة في يوم الدينونة لأنهم هم قد آمنوا بكرازة يونان، بينما أهل التوراة أساؤوا وقتلوا الذي هو أعظم من يونان الذي به تكوَّن كل شيء وبغيره لم يتكوّن أي شيء ممّا تكوّن، فيه كانت الحياة... وقد جاء الى مَن كانوا خاصّته ولكن هؤلاء لم يقبلوه... الإصحاح الأوّل من إنجيل يوحنا. أرسل الآب وريثه وإبنه الوحيد الى هؤلاء العاملين في كرمه ليهابوا منه بعد أن نفذت عنده كل الخيارات السابقة المتكررة بإرساله عبده ورسله، راغبا في حصوله على ثمرة كرمه من العاملين فيه، بعد أن رجعوا إليه مُهانين وفارغي الأيدي وقتلوا بعضاً منهم. لكن هؤلاء المأجورين قاموا بقتل الوريث ليستولوا على ميراثه. فقبضوا عليه وطرحوه خارج الكرم وقتلوه... إنجيل متى في الإصحاح 21 من الآية 33 الى 40.

فهذا المشهد صار مألوفا علينا وصار يتكرر في حياتنا كل يوم وتشبّعت منه نفوسنا وقلوبنا لأعمال الشر التي صارت تُميّزنا عن أقراننا وأن كبرياؤنا وإتكالنا على أنفسنا قد جعل منّا أن نصفى في آخرة الطابور وأن العشّارين والزواني قد سبقونا الى ملكوت الله .

طوبى للذين يسمعون كلام الرب ويعملون به فأنهم سيُخلصون.

ونقرأ في رسالة يعقوب ـ الإصحاح الأول ـ الآية 26 و 27 " وإن ظنّ أحد أنّه مُتدّين، وهو لا يُلْجِمُ لِسانهُ، فإنّه يَغُشِّ قلبَه، وديانَتُهُ غير نافعة! فالديانة الطاهرة النقيّة في نظرِ الله الآب، تظهرُ في زيارة الأيتام والأرامل لإعانَتِهم في ضيقِهم، وفي صيانة النفس من التلوّث بفساد العالم."

فالإيمان بدون أعمال ميّت.

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English