سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

المناولة الالهية

 

 

 

يوسف جريس شحادة

   

 

"فأيّ إنسان أكل خبز الرب أو شرب كأسه وهو على خلاف الاستحقاق فهو مجرمٌ إلى جسد الرب ودمه. ولذلك كثُر فيكم المرضى والسقام ورقد كثيرون.

يا ربّ لست مستحقًّا أن تدخل تحت سقف بيتي.

إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم.

القدسات للقديسين. بمخافة وإيمان ومحبّة تقدّموا".

هذه النصوص من الكتاب المقدس:

 والسؤال: إن تناولت بدون  استحقاق أخطئ وان لم أتناول بالكلية اهلك، كيف العمل!؟

يعلّمنا قائد المائة أنَّ الاقتراب من الربّ يجب أن يكون على غاية من الطّهارة، وبالرغم من انه كان من ذوي المناصب والوجاهة لم يخجل من كشف حقيقة أمره أمام الحشد في كفرناحوم وصرخ: "يا ربّ لست مستحقًّا أن تدخل تحت سقف بيتي".

حبّذا لو صوت قائد المائة يرشد الذين يتقدّمون إلى تناول الأسرار الإلهية ويرشد الذين يتناولون بدون استحقاق جسد الربّ ودم السيّد الإلهيين.

إن قائد المائة عندما علم أنّ الربّ آتٍ إليه لم يجرؤ أن يُدخله لمنزله المادي ونحن نقرأ قول بولس الرسول: "فأيّ إنسان أكل خبز الرب أو شرب كأسه وهو على خلاف الاستحقاق فهو مجرمٌ إلى جسد الرب ودمه". ويضيف قائلا: "ولذلك كثر فيكم المرضى والسقام ورقد كثيرون". ومع ذلك تراهم يتناولون بدون ذهول وخوف متسابقين من سيكون الأول أو تلك السيّدة دافعة دافشةً حتى كبار السنّ لتكون الأولى وكأنّ الأول ينال الخلاص والنعمة فقط فأين هي وقائد المائة! ومن المسؤول؟ وأين التوبيخ والتعليم؟! ومهمّة من؟!

يتحتّم علينا أن نتعلّم من قائد المائة باعترافه أمام الرب بعدم استحقاقه.

إنّ تناول جسد ودم الربّ دون استحقاق يدل على أنّنا:

+ لا ندرك سموّ هذا السرّ الرهيب المقدّس.

+ لا نفحص ثقل خطايانا وآثامنا.

+ لا نفكّر في الأوّل ولا يخطر الثاني على بالِنا.

إنّ الملحد الكافر عندما يتقدّم للمناولة المقدّسة الإلهية يرى أمامه خبزا وخمرا ولكن المؤمن يغلب إيمانه على شعوره فالمناولة المقدسة هي جسد ودم الربّ الإلهيين لانّ الإيمان السّليم القويم يوصِل عيني المؤمن إلى داخل وجوهر الأشياء.

ولهذا فإنّ بطرس الرسول قد رأى وسمع وتحقّق وحسّ الرب وتحقّق من تجلّي الرب وآلامه ودفنه وقيامته وصعوده وكان يعتبر كلمة الإيمان اثبت من إدراك الحواس: "ونحن وسمعنا هذا الصوت مقبلا من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس. وعندنا الكلمة النبوية أثبت" {أي هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت} ويضيف بطرس الرسول: "وعندنا أثبت من ذلك وهو كلام الأنبياء الذي تحسنون إذا أصغيتم إليه كأنه مصباح يضيء في مكان مظلم إلى أن ينفجر النهار ويشرق كوكب الصبح في قلوبكم" (2 بط 1: 19).

تفيدنا أمثلة عديدة من الكتاب المقدّس بعهديه عن تحويلات مثل الماء إلى الخمر والخمر إلى الدم. ابتدأ المخلِّص أن يقول علانية: "أنا هو الخبز الحيّ الذي نزل من السماء إن أكل احد هذا الخبز يحيا إلى الأبد والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة العالم" (يو6: 51) وذلك بعد سلسلة من التحويلات.

البعض وقتها لم يفهم كما البعض اليوم من الهراطقة. إنّه كيف يقدر الربّ أن يعطينا جسده ودمه وتلاميذ الربّ قالوا: "هذا الكلام صعب من  يقدر أن يسمعه" (يو6: 52). ولكن ربّ المحبّة أكّد لهم: "الحقّ الحقّ أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم" (يو6: 53) وبعد ذلك بارك وكسر: "خذوا كلوا هذا هو جسدي. اشربوا منه كلكم لان هذا هو دمي" (مت 26: 26-27).

نعم نحن نرى الخبز والخمر ولكن المؤمن يرى جسد الربّ ودمه المقدسين فالإيمان القويم يتغلَّب على الإحساس والرؤية المجرّدة والإيمان الذي في النفس يرينا جسد الرب ودمه المقدّسين وهذا الإيمان بشيء غير مرئي يقودنا إلى استحقاق الطوبى لان الرب يقول: "طوبى للذين لم يروا وآمنوا" (يو20: 29). ويرشدنا لهذه القضية بولس الرسول: "أما الإيمان فهو قيام المرجوات فينا وبرهان الغير منظورات" (عب11: 1).

وربما يتساءل المرء (وديننا المحبّ لا يتناقض أبدا مع العقل والفكر): لماذا ستر الرب جسده ودمه بالخبز والخمر؟

إن النبي موسى بعد نزوله من جبل سيناء لم يكن الإسرائيليين يستطيعون رؤية وجهه الممجّد: "وكان موسى عند دخوله بين يدي الربّ ليكلمه يرفع البرقع إلى أن يخرج ويكلم بني إسرائيل بما يؤمر به" (خر34: 33).

أي بعبارة أخرى عندما كان موسى يكشف وجهه كان يصير غير مُقترب إليه والعكس حين ستر الوجه يكون (يصير) مقتربا إليه ولو إننا رأينا عيانا جسد ابن الله فائق المجد ودمه الإلهيين لما استطعنا حتى النظر فيهما وعندها تطير النفس ويرتعد الجسم فعناية الرب الكلية الصّلاح وفائقة القدرة تحجب جسد الربّ ودمه المقدسين بأعراض الخبز والخمر وبالتالي يصبحان مقتربًا إليهما ويتناولهما المؤمنون.

فإذا كان لزاما لستر وجه موسى ليقترب منه الإسرائيليون فكم بالحري ستر سر الشكر الإلهي – الافخارستيا -لكي نقدر أن نتناوله. فستر موسى مدرك وعندنا غير مُدرك فالبرقع كان يستر وجه موسى وعندنا يحجب جسد ودم الرب الإلهيين.

إنّ سر الافخارستيا لا يُدرك إلا بالإيمان وهكذا نحن نؤمن ولان هذا السرّ يتجاوز جميع حدود الطبيعة ولا تسعه الأفكار البشرية.

أما غير المؤمن فإذ يرى الخبز والخمر ناكرا الاستحالة وكهرطوقي لا يسمع قول الربّ وان سمع فلا يفهم: "هذا هو جسدي وهذا هو دمي" (مت26: 26). ونحن المؤمنين القويم فكرهم عندنا كلمة الإيمان اثبت وأدقّ من القوّة البصريّة (2 بط 1: 19): "وعندنا اثبت من ذلك وهو كلام الأنبياء الذي تحسنون إذا أصغيتم إليه كأنه مصباح يضيء في مكان مظلم إلى أن ينفجر النهار ويشرق كوكب الصبح في قلوبكم"

إضافة لإيماننا هذا وإيماننا بتجسد ابن البشر والاقانيم الثلاثة وولادة العذراء والحفاظ على بتوليتها قبل وأثناء وبعد الولادة نقول إننا عندما نتقدم إلى تناول الأسرار الإلهية فإننا نقترب إلى الله رب المجد طالبين الاتحاد معه ويتحتم علينا التفكير جليا من هو الله ومن نحن وكم يمقت الرب الخطية ويبغضها.

إننا متدنّسون وغارقون في حمأة الإثم والنجاسة ونعلم علم اليقين ما أعلن الرب: "يا رب بالغداة تسمع صوتي وبالغداة اتاهب لك وأترقب لأنك لست الهًا يهوى النفاق ولا يُساكنك الشرير. ولا يقف السفهاء أمام عينيك وقد أبغضت جميع فاعلي الإثم" (مز5: 4-6).

وما هي طلبات الرب من المقتربين إليه: "وقال الرب لموسى امض إلى الشعب وقدّسهم اليوم وغدًا وليغسلوا ثيابهم. ويكونوا مستعدّين لليوم الثالث فانه في اليوم الثالث يهبط الربّ أمام جميع الشعب على جبل سيناء" (خر19: 10-11).

وإذا علمنا ما يطلبه الرب وما مصير من يتجاسر مسّ الجبل: "واجعل حدا للشعب من حوله وقل لهم احذروا من أن تصعدوا الجبل أو تمسّوا طرفه فان كل من مسَّ الجبل يُقتل قتلا. لا تمسه يد بل يرجم رجما أو يرمى بالسهام بهيمة كان أو إنسانا لا يُبقى عليه. وإذا نُفخ في البوق جاز لهم أن يصعدوا" (19: 12-13).

فنحن لا نقترب إلى الجبل بل إلى الله. ونتناول جسد ابن الله ودمه فأي استعداد نعمل؟! هل نطهر نفسنا بالتوبة؟ وهل نغسل قلبنا ونجاساته هل نستعدّ قبل المناولة بالصوم؟ وهل نعمل ما يرضي الله!

لو انك أيّها المتناول جسد الربّ ودمه الإلهيين ترى الربّ جالسا على عرشه ومن حوله السرافيم وترى في يد الكاهن الجمرة التي يأخذها بالملقط ويمسّ فاك فتصرخ: ويل لي أنا الشقي لأنني وأنا إنسان خاطئ ودنس وقذر الشفتين أتناول جسد ودم ملك المجد وربّ الصبؤوت إنّنا لا نشاهد ولا نعلم ما يحدث لمن يتجاسر على تناول بغير استحقاق ولنقرأ أيها المسيحي بهذا الشأن (2 مل6: 7):"فاشتد غضب الرب على عزة وضربه الله هناك لأجل جسارته فمات هناك عند تابوت الله".

وما أصاب عزيّا (2 أيام26: 19): "فيحنق عزيا وكانت في يده مجمرة للتقتير وعند حنقه على الكهنة لمع البرص في جبهته قدام الكهنة في بيت الربّ وهو على مذبح البخور". وما جرى لكاهنين عديمي الورع حفني وفنحاس عند حملهما تابوت الرب بدون استحقاق: "واخذ تابوت الله وقتل ابنا عالي حفني وبنحاس" (1 مل4: 11).

وهل من يظن أن ربّ المجد بما انه لا يظهر جهارا في سر الافخارستيا كما ظهر قديما ما عاد يؤدّب غير المستحقين كما كان يعاقب في سالف الزمان! ولذا بولس الرسول يقول: "نستهين بلطفه وإمهاله وطول أناته والويل لعملنا هذا" (رو2: 5). "ولكنك بقساوتك وقلبك الغير التائب تدّخر لنفسك غضبا ليوم الغضب واعتلان دينونة الله العادلة" (1 كو11: 29): "لأنّ من يأكل ويشرب وهو على خلاف الاستحقاق إنما يأكل ويشرب دينونة لنفسه إذ لم يميّز جسد الربّ" وهذه الدينونة (1 كو11: 30): "ولذلك كثر فيكم المرضى والسقام ورقد كثيرون". وأيضًا (رو2: 6): "الذي سيكافئ كل احد بحسب أعماله" ويقول لنا ربّ الكون (لو13: 26-27): "حينئذ تبتدئون تقولون إنا أكلنا وشربنا أمامك وقد علّمت في شوارعنا أقول لكم إني لا أعرفكم من أين انتم. ابعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان إذ ترون إبراهيم واسحق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله وانتم مطرودون إلى خارج".

أيجوز أن رب المحبّة والسلام والتسامح والذي مات من اجلنا، أيجوز أن يحرمنا من جسده ودمه المقدسين الإلهيين؟! ألا يقول لنا (1كو11: 28): "فليختبر الإنسان نفسه وهكذا فليأكل من هذا الخبز ويشرب من هذه الكأس".

إذا نحن الحكم على أنفسنا لأنَّ مَن مِن الناس يعرف أمور الإنسان (1 كو2: 11): "فانه مَن مِن الناس يعرف ما في الإنسان الذي فيه فهكذا لا يعلم احدٌ ما في الله إلا روح الله".

لذا قبل أن نقترب من المناولة الإلهية يجب أن نمتحن نفسنا ونفحص أعمالنا وإذا علمت أن (مز49: 19-20): "أطلقت فاك للشرّ ولسانك نسج المكر. جلستَ فتكلمت على أخيك ولابن أمك وضعت شكًّا".

عندما نقترب من المناولة يعلن الكاهن: "القدسات للقديسين" ولكن  من منّا "قدّيس" من يكون طاهرا من الدنس. لا أحد. ولو كان عمره على الأرض يومًا واحدًا (أي 14: 4-5): "من يأتي بطاهر من نجسٍ. لا احد فإذا كانت أيّامه محدودة وعدد شهوره معيّنًا عندك وقد قضيت له إجلالا لا يتعدّاه".

 

والسؤال ما العمل؟!

إن تناول الأسرار الإلهية ضروري جدا لترسيخ الإيمان وتوطيد أعمال الفضيلة لان رب المحبة يقول: "إن أكل احد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد والخبز الذي سأعطيه أنا هو جسدي لحياة العالم" (يو6: 52).

إن تناولت بدون استحقاق اخطىء وان لم أتناول بالكلية اهلك، كيف هذا وما العمل؟!

أن نتناول باستحقاق. وكيف؟ "امتحن ذاتك ونفسك": "ولذلك يقول استيقظ أيها النائم وقم من بين الأموات فيضيء لك المسيح".

وما المعنى! تُب كما تاب منسّى. اترك الآثام كما فعل زكّا. طهّر نفسك أي تقدم لمحكمة الرب الروحاني واعترف بخطاياك كالزانية.

التوبة والندامة والابتعاد عن الخطيّة والاعتراف تطهّر جميعها من الخطايا وقال صاحب المزامير: "ابدي لك خطيئتي ولا اكتم إثمي قلت اعترف للرب بمعاصيَّ وأنت غفرت إثم خطيئتي" (مز31: 5).

استعد قبل أن تتناول بثلاثة أيام على الأقلّ بالصلاة والصوم والصدقة ثم تقدّم بإيمان وورع وخوف قائلا: "يا ربّ لست مستحقًّا أن تدخل تحت سقف بيتي". وهكذا تكون المناولة لأسرار المسيح الإلهيّة تقديسًا للنفس والجسد واتحادا تاما مع الله.

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English