تحتفل الكنائس الشرقية بتذكار قديسها وملافنتها وتعد لهم قداديس خاصة لتعبر عن صدق
محبتها لشخصهم ولأعمالهم وتفانيهم في تقديم ما كان حجرًا راسخا في الإيمان والتعليم
القويم. ولكل كنيسة قديسيها وشفائعها الذين اجترحوا الكثير من المعجزات أو كما
اسلفنا الذكر بأنهم ملئوا الكنيسة بتعاليمهم كمواهب روح القدس فاصبحت ذخيرة حيّة
يذرف منها أبناءهم في الإيمان من بعدهم. بل أن معظم كنائسنا تسمى على اسم قديس ما
كان شفيع لقرية ما. وفي موضوعنا هذا لسنا بصدد المساس بقيمة تذكار هؤلاء الظافرين
إنما سنناقش ظاهرة وللأسف لا تليق تمامًا بما هو منشود من غايتها، ألا وهي شعائر
التذكارات. فقد اصبحت شعائر الاحتفال بتذكار قديس ما لا تمد بأي صلة روحية بما
عَمله أو عَلـّمه ذلك القديس، وإنما تهين بمظاهرها تلك القداسة التي كانت ينبوع
العطاء عند ذلك القديس وسراج تعليمه. إننا ننقاد بالجسد خلف تقاليد هي علمانية ولا
تستمد محتواها من تعاليم الكتاب المقدس أو تعاليم آباء الكنيسة حتى. ففي كل تذكار
تـُقدم صلوات المديح والمواعظ عن اسم ذلك القديس حتى وإن كان ذلك القديس يمقت هكذا
تصرف حيث كانت غاية كل القديسين في حياتهم الأرضية أن يرفعوا اسم الرب ويمجدوه
بأفعالهم وتعاليمهم "فلما سمع الرسولان برنابا وبولس مزقا ثيابهما واندفعا الى
الجمع صارخين. وقائلين ايها الرجال لماذا تفعلون هذا. نحن ايضا بشر تحت آلام مثلكم
نبشركم ان ترجعوا من هذه الاباطيل الى الاله الحي الذي خلق السماء والارض والبحر
وكل ما فيها" (أع 14: 14-15)، بعد تقديم تلك الصلوات تـُقدم الذبائح والمأكولات
وتُقام شعائر التذكار بمظاهر الرقص والمغنى وحتى الشرب، وكأننا في حفل عرس أو ما هو
شبه ذلك. ويمر هذا العيد أو التذكار دون أن نستذكر ولو تعليم بسيط أو خبرة من حياة
هذا القديس لنستبط منها معرفة وخبرة في حياتنا مع المسيح. ناسين أن ربنا يسوع
المسيح لا يريد ذبيحة وإنما رحمة وإن ما يستحق التقديم أو الذبيحة الحقيقية التي
يسر بها الله هي ذبيحة التسبيح أي ثمر شفاهنا معترفة باسمه (عب 13: 15).
لقد جاء المسيح وألغى كل الذبائح والقرابين والمحرقات التي تقدم حسب الناموس وقدم
عن الخطايا ذبيحة واحدة هي جسده الطاهر على الصليب كي يخلص كل من يؤمن به وجلس إلى
الأبد عن يمين الله. فلسنا بعد الآن بحاجة إلى تقديم المزيد من الذبائح حتى إن كان
تحت ذريعة الإحتفال والفرح واقتناء لحظة سعادة، ولنفحص بدقة كل تصرف ومقصد
من هذه الشعائر التي هي في الواقع مزيفة وتوهمنا بالسعادة المؤقتة، حتى وإن تظاهر البعض بان هذه
الذبائح ليس بمعناها الروحي وإنما هي مجرد
لغرض الاحتفال والاستمتاع بلحظة فرح
بتذكار هذا العيد، وتلك مصيبة أكبر... حين
نختلق الأعذار التي هي أسوأ من سابقتها.
لقد حضرت الكثير من هذه المناسبات ورأيت بأن أغلب من حضروا هذه التذكارات هم أناس
ميسورين ماديًا ولهم ما يكفيهم، بينما يتسول الكثير من البشر ليحصلوا على لقمة
عيشهم وخبز كفافهم. وللأسف قد يظن البعض بأن للكاهن سلطة على أبناء الرعية ليصغوا
إليه وليرشدهم إلى ما هو مستقيم وما هو لأجل البناء الروحي، لكن هذا غير صحيح، فقد
اصبح وعظ الكاهن سلعة رخيصة عند الكثير وسئموا كلماته، بل اصبح الكاهن عرضة للإهانة
والشتيمة عند إيضاحه تعاليم الرب ولمحبته لأخوته بأن ينالوا الخلاص ويتحرروا من
عبودية الخطيئة.
أخوتي الأعزاء، كان كهنة الناموس يقومون كل يوم بتقديم مرارًا الكثير من الذبائح
عينها والتي كان لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية، ونحن نقوم اليوم بفعل الشيء عينه
بتشبثنا بعادات وتقاليد لا تبت بأي صلة بعبادة الله ووصايه ونتمسك بتقاليد الناس.
إن محبة الرب من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ومحبة القريب
كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح (مر 12: 33)، فلنقدم لله أجسادنا ذبيحة
حية مقدسة مرضية عند الله بعبادتنا العقلية، ولتصعد صلواتنا وصدقاتنا تذكارًا أمام
الله (أع 10: 4)، ولا ننسى فعل الخير والتوزيع لأنه بذبائح مثل هذه يسرّ الله (عب
13: 16).
لنقوّم كل تصرف جاهل يقودنا في المنتهى إلى الفراغ الروحي والبعد عن الشركة
الحقيقية مع الله بشخص يسوع المسيح. لنحافظ على تذكار قديسينا ولنجعل منها منبرًا
روحيأ يمدنا بالشفاعة والقوة والتعليم باستذكار مآثر حياتهم الروحية والخبرة التي
مارسوها في حياتهم مع المسيح، لتكن دمائهم سراجًا ينير دروبنا، ولتكن صلواتهم
أيقونة نعلقها على قلوبنا نستمد منها مفردات ما ننطق به في صلاتنا مع الله. لنملئ
بشفاهنا تلك الاعياد والتذكارات
مزامير تسابيح واشعار وتراتيل روحية، وليكن اجتماعنا
أولا وآخرًا
لأجل الوعظ وتمجيد اسم الرب ونشر كلمته، فعندها فقط نريح نفوس قديسنا ونضع وردة
محبة على ضرائحهم. |