سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

المرأة.. بين الحانة والمانة!

 

الأب يوسف جزراوي - هولندا

   

 

تُصوّر العديد من الأفلام المصرية في حُقبة زمنية مُعينة (خمسينيات القرن المنُصرم إلى المطلع التسعينيات منه) حالة تعكس واقع حال المُجتمع الشرقي، وهذه الحالة تتمثل في أنَّ الرجل (سيّد القصر- الصرايا) مُتزوج من فتاة ذات طبقة إجتماعية أستقراطية، ويعش كلاهما في مستوى إجتماعي راقي، مُميز، لكنّ المُلفت للنظر أن الرجل (السيّد) عيناه تميل (تزوخ) إلى الخادمة! وهذا الميل إلى الخادمة ليس حُبًّا بشخصها، بل لأنها تعوضه عن الحبّ، وعن كل الأمور الذي بات يفتقدها مع زوجته في الحياة الزوجية. ليجد مع الخادمة العشيقة التي تخرجه من رتابّة الحياة الزوجية الحضن الدافئ، ليحلق بها بعيدًا عن أسوار وقيود القفص الزوجي. كما  نصح أحد حُكماء العرب النساء قائلاً: "أيتها المرأة  كوني عشيقة لزوجكِ، قبل أن يأتيكِ بعشيقة".

  نستقري من هذه المشاهد التلفازية والحكم الإجتماعية وغيرها من الوقائع الحياتية وكأن على المرأة أن تؤدي عدة أدوار (الزوجة، الخادمة، المربية، العشيقة، الدمية التي يلهو بها...)، كل هذه الأدوار لتُرضي سي السيّد، الذي يرى في نفسه ولي نعمة المرأة ووصي عليها!!

بعض الرجال في بلداننا العربية يرفعون شعار "الإنجاب للزوجة والحُبّ للعشيقات" فنجد ظاهرة الخيانات الزوجية تنتشر بصورة كبيرة في مجتمعنا. فلا عجب أن رأينا الكثير من الزوجات يعشنَّ في خوف وقلق من خيانة إزوجهنَّ. ولا من مُغالاة أن قلت: إنَّ جُلّ إهتمام المرأة العربية المحافظة على زوجها، وكيف تكون هي المرأة الأولى والوحيدة في حياته؟ فتراها تتلقى النصائح والإرشادات والخبرات من هنا وهناك، وبالذات من المُجربات، ناهيك عن بعض التنازلات التي تقدمها والتي تدفع بها أحيانًا إلى حد الأبتذال!!

   أُسلط اليوم الأضواء على حالات سمعتُها ولمستُها لمّس اليد سواء في بغداد ودمشق أو هولندا وبعض البلدان التي زرتها، وهي خيانة الرجل لزوجته، أو قبول فتيات عازبات أو مُنفصلات عن أزواجهنَّ، بإقامة علاقات غير شرعية مع رجال متزوجين ولديهم عوائل ولعل أن ما يزيد الدهشة،

 هو أن مُعظم تلك العلاقات لا تستند على الحبّ، بل أساسها الحاجة والتعويض، وتقوم على الهروب من واقع إلى آخر (مُعالجة الخطأ بالخطأ)! والأنكى من ذلك أن الكثير من الفتيات يدركنَّ بوضوح أن لا مُستقبل لمثل هذه العلاقات. لا أريد الولوج في تفاصيل موضوع سرّ الزواج وما يترتب عليه من أبعاد، فقد تصديتُ له مُطولاً في كتابي "ملحمة البحث عن النصف الآخر" الصادر مؤخرًا.

ولكن سؤالي هو: لماذا بعض الفتيات يقبلنَّ أن يكوننَّ عشيقات ورفيقات فراش؟ وبمعنى أدبي  أخر لماذا تقبل الفتاة أن تكون عشيقة، سارقة لرجل؛ تسرقه من عائلته وزوجته؟! ولماذا تسمح له أن يخون نفسه وعهده مع زوجته، ليدخل في خطيئة الزنى التي تقع بين المتزوجين فقط؟!  

   إن حالات طلب الإنفصال المُبكـّر والهجر، وخيانة الزوج لزوجته أو العكس، والهروب من البيت، وأستخدام العنف الجسدي بين الزوجين، وأستسهال كلمة الأنفصال الزوجي، الإنفصال في المحاكم المدنية، والزواج مرة أخرى بطرق غير شرعية لا من الناحية القانونية ولا الكنسية، أو المُساكنة مع عشيقات خارج إطار الزواج، أو زيجات يتم فيها نكران المسيح.. كُلّها قصص بُتنا نسمعها بشكل مُتكرر نحن الكهنة وبشكل مُتزايد، وبصراحة تامة بدأت تهزنا من الداخل وتخيفنا، في ظلّ هذه الكوارث التي باتت تُهدد العائلة المسيحية والتي هي نواة الكنيسة، والأنكى من ذلك ترى بعض الذين يقومون بتلك الأعمال المُشينة هم من المواظبين على الصلاة، ويحدثونك عن الرب ساعات وساعات! من هنا بدأت نواقيس الخطر تقرع كنائسنا التقليدية في نقل كلمة الإنجيل للمؤمنين والتبشير بها.

 

جذور المُشكلة:

أحصر جذور المُشكلة في نقطتين، لعلّي أوفق:

أولاً: الإزدواجية في القيم الأخلاقية بين الرجل والمرأة. فما يحق للرجل في مُجتمعنا الشرقي لا يحق للمرأة. إن المجتمع يُلاحظ ويُراقب تصرفات المرأة التي يجب أن تكون وفق العادات والتقاليد حتّى لو كانت تلك التقاليد مُنافية ولا تنسجم مع تعاليم الإنجيل، فيعاقب عليها المُجتمع أكثر من أن يُلاحظ تصرفات الرجل ويعاقب عليها. للأسف باتت اليوم أخلاقيتنا مبنية على كلمة "عيب... سوف تأكل الناس وجوهنا" وأصبح خوفنا من إنتقادات الناس أكثر من السير بنور الرب وحسب تعاليمه!!
يؤلمني في مُجتمعي العراقي أن أرى الرجل يتفاخر ببطولاته وقصصه الغرامية والجنسية، وأهله يشجعوه ويقولون عنه (رجل من ظهر رجل)!! وكأن رجولة الفحل تكمن في هذه المفاهيم؟ يالتعاستهم وتعاسة ثقافتهم!! مسكينة هي المرأة جنح مكسور، مغلوب على أمرها، عليها أن تضع عواطفها وكل شيء في قفص، لتعيش الكبت والحرمان والخوف. مسكينة هي المرأة كم مظلومة ولاسيّما في عراق الحرية الكاذبة وما شابهه من بلدان!! أن سارت في الشارع تجد العشرات يتحرشون بها ويسمعوها الكلام المبتذل، وأن وقفت في عتبة باب الدار للترويح عن النفس، قالوا عنها خفيفة، عديمة الأخلاق. وأن تحدثت في الهاتف، تبدأ الشكوك تدور في مخيلة الأب أو الأخ أو الزوج. وأن جلست طويلاً للتحدث في الأنترنيت، تبدأ عليها الرقابة والقيود وتدخل في تحقيقات لا حصر لها... مُحاسبة على طريقة الكلام، ومحاسبة في إرتداء ثيابها، يطالبوها أن تبقى حبيسة في الدار وسط حرارة الشمس التي وصلت إلى 53 درجة مئوية في العراق العديم من الكهرباء. كل هذا ويقولون لك: "المرأة قيمة كبرى، أنها نصف المجتمع"! وأتسأل: لو كانت المرأة ربع المجتمع كيف كان حالها؟!
    ما أرمي الوصول إليه هو عدم التكافئ في نظرة الرجل الشرقي للمرأة، وكأنها جسد، ومظهر خارجي، وهي دمية يلهو بها في الفراش ساعة ما يشاء. سيعترض البعض ليقول ويعلل ويقول ليس الجميع هكذا. نعم أنّهم على صواب، وأنا ضد التعميم، ولكن تطلعوا إلى مُعظم شبابنا عندما تراودهم فكرة الزواج، تراهم يبحثون عن فتاة صغيرة في السنّ، ويفضلها تحت سنّ الثلاثين أو أقل بكثير لأسباب قد يعلمها الجميع، ويبحثون عن وجه جميل وجسد أنيق مُغري... يفي بالغرض... ثم يتسألون هل تجيد غسل الملابس؟ هل تجيد الطهي؟ أليست هذه عاكسة على أن الكثيرين يحصرون المرأة في خانة المُتعة الجنسية، الخادمة، مُربية الأولاد، وأشغال المنزل...؟  

ثانيًا: يعود في ظني السبب الرئيسي لبحث الرجل عن عشيقة هو الفكرة الخاطئة للزواج، البعض منهم يقولون نتزوج حتّى نستقر، ويلمسون هذا الأستقرار في المراحل الأولى من الزواج، فلكلِّ جديد لذة! ومع الزمن يتحول الجديد إلى مألوف، ويتحول مفهوم الإستقرار إلى مسؤلية وإلتزام.

الكثير من الزيجات تُذكرني بإداء المنتخب العراقي لكرة القدم، إذ يبدأ المباراة مُندفعًا مُتحمسًا، لينهي المبارة وهو مثقل بخسارة ثقيلة! مُعظم المتقدمين إلى سرّ الزواج والذي تجمعهم علاقات حبّ يتطلعون إلى المُستقبل بأحلام وردية، ولكن مع الزمن يصطدمون بأن الزواج بناء مستمر فيه بذل للذات. الزواج ليس حلمًا ورديًا، بل واقع حياة تمتحنه الظروف والأزمات، والحبّ الحقيقي يُمتحن في تلك المواقف. ولكن في العادة من أول غزاته أنكسرت عصاته، كما يقول المثل المُوصلّي، فيبدأ العد التنازلي، ليعانون الأفلاس في الحبّ ويعيشون غربة زوجية.

مَن قال أن الزواج أستقرار، عل العكس الزواج مسؤولية كبرى وجسيمة، والذي يدخل في مضمار مرثون الحياة الزوجية يتوجب عليه أن يُصلب ذاته في سبيل نصفه الآخر، ولكنّ ما هو حاصل على أرض الواقع، أن أحد الزوجين يتطلع إلى أن يستقر من الطرف الثاني، لاسيّما إذا كان أختيارهما مبنيًا على الهرب من الواقع البيتي أو مبنيًا على الحاجة أو غايات نفعية وصولية... فينصدم عندما يرى أن الزواج تحول من نعمة إلى نقمة! فيُردد المثل العراقي القائل: "الزواج أوله عسل ووسطه كسل وآخره بصل". "ساعة السودة". فكيف يُمكننا مثلاً أن نفهم أو نفسّر علاقة حبّ بين شابّ وشابّة دامت عدة سنوات قبل الزواج، ولم تدم أكثر من سنة واحدة بينهما بعد الزواج، كان سببها خيانة زوجية من أحد الطرفين أو من كليهما؟!!

 

وقائع حياتية  

تستحضرني هنا بعض المواقف الطريفة الكاشفة:

- ينصح معظم الآباء والأمهات أولادهم وبناتهم في فترة الخطوبة قائلين: "تمتعوا بهذه الفترة. الخطوبة أجمل زمن في حياتكم".

- عند الإنتهاء من صلاة البراخ على العروسين، هناك جملة سمعتها مرارًا من أصدقاء العريس المتزوجين أو من ذوي العرس، إذ يقولون للعريس مُزاحًا بالهجة العراقية: "شورطك"، "بعد ما بيها مجال الفأس وقع في الرأس".
 - عندما أتدخل في حل مُشكلة بين رجل وزوجته يحزُ في قلبي أن أستمع بعض العبارات من قبل الرجال والنساء: "يا بُني مفتاح المرأة أذانها، أسمعها كلمات جميلة، معسولة... المرأة عقلها صغير، بكلمتين تكسبها". لا حظوا الضحك على الذقون... علمًا أن الدراسات العلمية الحديثة أثبتت أن ذكاء المرأة وقابلياتها الفكرية تفوق الرجل بأضعاف.

هذه الشواهد والوقائع تكشف لنا وأن كانت بطابع الفكاهة ما يختبئ خلفها من معاني مُخيفة ونصائح تعبر عن تعاسة واقع المتزوجين وخبراتهم التي تعج بالألم!

 

تعليلات عليلة

تزوجا بعد أن جمعهما حبّ عنيف، عميق. سنتان وهما يجاهدان الجهاد الحسن من أجل أن يرتبطا معًا، ثم هددت الفتاة ذويها بقتل نفسها أن لم ترتبط بِمن تُحب، وهو عمل المُستحيل لأجل أن تكون هي في يومًا ما أُمًّا لأطفاله، وذهبت محاولتهما مع الريح، أخيرًا كللتهما خفية (خطيفة) كما يقول السوريين، وكم خطرة هي مثل تلك الزيجات على العروسين وعلى الكاهن! لكن ربّنا لطف، وساعدتهما للذهاب إلى تركيا وهناك أنقطت أخبارهما... مرت السنين فألتقيتهما صدفة في العاصمة الهولندية أمستردام!! ويا محاسن الصدف، ولكن يا فرحة ما تمت! فمنذ زيارتي الأولى لهما لمستُ أنهما يُعانيان أفلاسًا في الحبّ وضمور في العلاقة الزوجية!! وبدأت المسكينة تشكي حالها، بأنه على علاقة مع فتاة أخرى، وما يربطهما الآن سوى الطفل الصغير!! وبعد أن أنهمرت الدموع من عينيها، حدثتني ببحة صوت تخنقها دموع أليمة: "يا أبونا لو كنتُ أعلم أن هكذا الزواج سيقتل كل شيء جميل بيننا لفضلت عدم الزواج منه، وأبقى حبيبة له... يا ليت ترجع أيامنا، أيام الحبّ".  

ولما تحدثت إليه وذكرّتهُ بتلك الأيام الجميلة بينهما، ودعوته ألا ينسى أنه أبن كنيسة، وما يقوم به اليوم هو خيانة زوجية، والكنيسة لم تنشأه على هكذا سلوك. فدافع عن نفسه بتعليلات عليلة، مثل الملل ورتابّة الحياة مع زوجته، وهو لا يريد اليوم سيّدة منزل، بقدر ما هو بحاجة إلى حبيبة مُتفهمة، نظيفة المظهر، تهتم بنفسها وجسدها، أنيقة الملبس. وبعد تنهدات وحسرات نطق بهذه الكلمات: "يا ليت ترجع (فلانة - زوجته) إلى سابق عهدها... ولكن!". وقفتُ في حيرة من أمري وأختلجت في داخلي بعض التساؤلات مفادها: لو كانت المرأة تهتم بنفسها وبملبسها، على حساب بيتها وزوجها وأولادها، لكان الرجال أقاموا الدنيا ولم يقعدوها. ولو كانت زوجة مُخلصة لا شغل لها ولا شاغل سوا بيتها وأولادها وزوجها، قالوا عنها مُقصرة، وهي لا تُعطينا قدرًا كافيًا من الإهتمام. عجيب أمر بعض الرجال لا يعجبهم العجب!!

غالبًا ما يُبرر الرجل الشرقي مسوغات بحثه عن عشيقة، بحجة وجود قصور من طرف زوجته، أو وجود عيوب في الزوجة وعدم قيامها بدورها كحبيبة، وهي فقط مُلتهية ومُنهمكة بتنظيف المنزل، تربية الأولاد ودراستهم. فقدت أناقتها، غير مُبالية بنفسها... علاوة على الملل الناتج من العلاقة، فتجد أن الشخص الذي كان يُسمعها أجمل الكلمات وارقى المعاني ويعج بالشفافية والرومانسية أيام الحبّ والخطوبة وبداية الزواج، هو نفسه اليوم من يجرحها ويصرخ بوجهها، وربّما يضربها!! ويبتذلها في الفراش الزوجية... وينفر منها!! هكذا عندما يموت الحبّ، تتسمم العلاقة الزوجية.

 

ختامًا المطاف: بشيء أؤمن: وراء كل أمرأة مُبدعة ومُتألقة رجل مُتفهم. فهل أنت هكذا؟ لذا أقول لكلِّ الرجال: المرأة في أعماقها ليست بحاجة إلى الكلمات المعسولة (دغدغت العواطف)، وهي ليست بحاجة إلى ملبس وأموال، بقدر ما هي بحاجة إلى حبّ صادق ينعش كيانها، تطمح المرأة إلى شريك حياة مُتفهم آمين، واسع الأفاق، يجديد الإصغاء، ترغب المرأة في علاقة علنية، صحيحة، مُثمرة، يسودها التكافئ والإحترام والإنسجام والتحاور... فتسير مع نصفها الآخر في رحلة الحياة الجميلة الشاقة مُكملين أحدهما الآخر.

وأقول لكلِّ النساء: أيتها المرأة أنكِ أنتِ من يُحدد قيمة نفسها. لذا يا ليت ألا تقبلي بأقل من ذاتكِ الفريدة، لأنها منجم الكنوز ومصدر الإبداع. أملي من أن تتمكني من إيلاء القيمة الحقيقة لذاتكِ رغم أجحاف المجتمع، لتشرقي إنسانيًا وتغدين لحن حبّ ومميض نور، تستنير به الحياة.

كَم كنتُ أتمنى لو كنتُ نحاتًا، لأقمت تمثالاُ رائعًا ينبض بالرموز وينطق بالمعاني لوالدتي ولأختاي ولكلِّ امرأة مكافحة، مُثابرة،مُخلصة، حرة الفكر، قوية العزم، مُبدعة... تعي ذاتها ورسالتها وقضيتها في هذه الحياة.

المرأة نعمة عظيمة... فهنيئًا لمن تنعم بها! وطوبى لمن تمكن من إيلاء القيمة الإنسانية والمسيحية للمرأة... وعلى هذا الرجاء لنُصلي معًا...

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English