أحد أعظم الشخصيات من القرن الخامس هو مار يعقوب مبسقا. والكلمة السريانية مبسقا
تعني "مُقطع". لقد كان قائدًا عسكريًا شجاعًا انحدر من عائلة نبيلة من "بيث لافاط"
من مدن العاصمة الشهيرة.
تفاصيل سنواته الأولى غير معروفة. هو وزوجته كان مسيحيين. ملك فارس "يزدجرد" كان
مسرورًا منه فمنحه عطايا كثيرة. بعد موت يزدجرد، خلفه ابنه ورهرات على العرش، وفي
السنة الثانية من ولايته، انبهر يعقوب بالهدايا الملكية فأنكر إيمانه بالرب، وهذا
الأمر أعلن في الشوارع.
عندما وصلت أخبار تجديفه إلى أمه وزوجته (وكانتا تقيتين بالإيمان) كتبا إليه بخصوص
فعلته ووبختاه وأخبرتاه بأنهم يقطعن كل صلة أمومة وزيجة بسبب كفره بالايمان القويم.
هذه الرسالة جعلته يرجع إلى صوابه وفتحت عينيه، فبدأ بالتفكير، إذا كانت زوجته وأمه
قد هجرتاه، فماذا سيتبقى له في الحياة. عاد فورًا إلى خيمته وبدأ بقراءة الكتاب
المقدس. وقدم للرب توبة نقية.
عندما رأه بقية المرتدين في تأمل، نقلوا الخبر إلى الملك. فأقتيد يعقوب إلى الديوان
الملكي، هناك استفسر منه الملك عما إذا كان مسيحيًا؟، أجاب الرجل الشجاع بالإيجاب،
فسأله الملك: "ألم تكن – ماجي – (من عبدة النار)؟. أجاب بالنفي. فسأله الملك مرة
أخرى: "ألم تستلم هدايا من والدي بسبب عبادتك النار؟" رد الرجل الشجاع باحتقار "أين
هو ذلك الملك الآن؟".
الإهانة أغضبت (استفزت) الملك الذي فكر بعدة طرق قاسية لتعذيبه، فأنذره بأنه سوف لن
يموت موتة طبيعية إذا لم يرتد عن إيمانه بالمسيح. فرد يعقوب على الملك بأن كل ما
قاله هباء لا يعني شيئا. وكلماته ستكون كالرياح التي تصطدم بالصخرة الصماء. الملك
ذكره بانه أجداده قـُتلوا بسبب إيمانهم ايضًا بطرق مختلفة وبوسائل عنيفة. لكن يعقوب
رد مستهينا به قائلا بان صلاته الوحيدة هو ان يموت كما ماتوا هم.
بعد أن تبادلوا هذه الكلمات القاسية، حكم الملك على يعقوب بالموت. مستشاري الملك
نصحوه بأن لا يكون موت يعقوب بسيطا، فقرروا قطع أصابع يديه ورجليه الواحدة تلو
الأخرى، ثم تـُشرح راحة يديه وقدميه... تـُقطع أطرافه بمنشار ثم يُجز رأسه. أخذوه
إلى مكان التعذيب فور النطق بالحكم عليه. حيث كانت الحراس على أهبة الاستعداد
لمرافقته. المؤمنون الصادقون بدأوا بالنحيب على حظ يعقوب التعس.
في مكان الشهادة، طلب يعقوب من معذيبه أن يسمحوا له بتمجيد الشخص الذي يتعذب من
أجله، فاستدار إلى الشرق، شاخصًا بصره إلى السماء وركع وقال: "أيها الرب استجب إلى
رجاء عبدك الضعيف يعقوب، قويه في هذه اللحظة. أنقذ ابن عبديك اللذان يسجدان لك.
اقبلني مع الذين تعذبوا من أجلك. أخزي أعدائي بتكليلي مع الشهداء الذين انتصروا
بعونك. اخزي أعدائي بتكليلي مع الذين استشهدوا بتقربهم إليك. لأنك ساعدتني
وأرحتني".
بدأ الجنود بالتعذيب على الفور، فقد كانوا بفارغ الصبر ينتظرون تقطيعه. طلبوا مرة
أخرى أن يعيد التفكير فيما إذا كان يريد أن يواجه تفتيت جسده إلى قطع صغيرة أو
النجاة من الموت بنطق كلمة واحدة فقط. وجهاء القوم كانوا يذرفون الدموع وهم ينظرون
إلى جسده الجميل معجبين بموقفه الصلب. متوسلين إليه بصوت واحد "لا تدمر جسدك، إرض
الملك وعش!، لاحقا تستطيع العودة إلى دينك". رد عليهم الرجل الشجاع بان لا يبكوا
عليه بل على أنفسهم فقد ورثوا اللعنة الأبدية بكلمات مساومة قليلة.
غضب الجلاد من كلمات يعقوب، فأمر الجنود ببتر أصابعه. بدأوا بقطع ابهام يده اليمنى.
بعد ازالته، تضرع الرجل إلى الرب "يا مخلص المسيحيين، تقبل برحمتك هذا الفرع من
الشجرة التي هي جسدي الذي يقطعونه اليوم بالأيدي، لكن غدًا يأتي الربيع ويتكلل
بالأزهار مرة أخرى". عندما سمع الجلادون ذلك بكوا، وناشدوا الرجل الورع "لقد طعنا
اصبعًا واحدًا فقط، هذا يكفي. ويمكن معالجته بالأدوية. لا تدمر جسدك الجميل. لديك
الكثير من المال لتتصدق به على الفقراء. بالعطايا تحصل على الغفران. نتوسل إليك أن
تعيش لا أن تموت". رد الرجل التقي ان الكرمة تشذب في الشتاء لكنها تنمو بشكل أفضل
لاحقا. هناك تغييرات في الكرمة لكن المؤمن سينمو مرة أخرى في رعاية الرب. ثم قطعوا
اصبعًا آخر. بعد أن انتهوا من أصابع اليد اليمنى بدأوا بأصابع اليد اليسرى. بعد أن
انتهوا من تقطيع كل أجزاء أطرافه (يديه ورجليه) كان وجهاء القوم يلحون بالطلب من
يعقوب لانقاذ حياته. لكنه لم يرضخ. سقط أرضًا وفتح فاهه مسبحًا الرب "إني ارتمي في
حضورك كالبناية التي تسقط من أساسها، الآن يبقى السقف فقط، ربي أتضرع إليك أن تطلق
سراح روحي من سجنها لتمجد اسمك...". فور نطقه بـ "آمين"، تقدم أحد الجلادين وقطع
رأسه. مات يعقوب بهدوء مسلمًا روحه للرب.
حدثت الشهادة في يوم الجمعة 27 تشرين الثاني في السنة الثانية لعهد ملك فارس ورهران
في 422م. جمع المسيحيون كمية كبيرة من المال وقدموها إلى الحرس ليستلموا جثته. ولكن
الحرس رفضت أن تسلمهم الجثة. لكن في الساعة التاسعة (الثالثة ظهرًا) عندما غادروا
المكان قام المسيحيون بإخفاء جثته حتى حل الظلام. في نفس المساء قاموا بجمع اوصاله.
ثمان وعشرون قطعة جُمعت في سلة. قاموا بتلاوة المزمور الواحد والخمسون في السر.
فجأة هبطت كتلة نار من السماء وأحاطت بالسلة. لتجف الدماء وتلتحم الأطراف مرة أخرى.
مجّد المؤمنون الرب على معجزته. |