سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

طوبى للفارغين... وهنيئًا للجائعين إلى المعنى!

 

الأب يوسف جزراوي - هولندا

   

 

غالبا ما يقصدني بعض الناس على إختلاف مُستوياتهم العمرية والثقافية والإجتماعية، ليتشكون من الروتين والملل اليومي والفراغ الحياتي القاتل الذي يعيشونه في الحياة.


فحان الوقت لكي أدلو بدلوي، فأجيب:

طوبى للفارغين... وهنيئًا للجياع والباحثين عن المعنى. ألا تتفقون معي أن قلت: هناك أوقات من حياتنا ربّما قد مر بها الجميع، أوقاتًا نشعر بها بالفراغ الحياتي... لكن صدقوني إن هذا الفراغ طبيعي وعاكس على إنسانيتنا، فالحياة لا تجري على وتيرة واحدة، والممتلئ لا يمتلئ، فلا بد من أن نكون في أوقات ما فارغين وجائعين لمعاني الحياة لكي نمتلى، ووحده الممتلئ الذي يتمكن من العطاء، لذا أقول بقناعة تامة: طوبى للفارغين الذين يعرفون كيفية الإمتلاء، ويالتعاسة الذين يستمرون على العيش في فراغ حياتي قاتل... وما أكثر الفارغين اليوم!!

لقد أصاب مُعلمنا وربّنا يسوع المسيح بقوله: الشجرة من ثمارها تعرف! وأنا أقول: إن الفارغين الذين لا يعرفون الإمتلاء لا يثمرون، ومن لا يثمر لا ينتج، ومن لا ينتج لا يستحق الوجود، ولا يستحق الخلود!!

يحزُ في قلبي كإنسان وككاهن غير تقليدي- كلاسيكي أن أرى الكثير من شبابنا اليوم، بل شخصيات لها وزنها وإحترامها، يعانون فراغًا حياتيًا سلبيًا، فيعيشون على السطح وعلى القشور، أو تراهم يرددون لهذا وذاك ويتصنعون مواقفًا ويرتدون وجوهًا مُتعددة ويقلدون هذه الشخصية وتلك. والبعض منهم عطال بطال لا شغل له ولا شاغل سوى مراقبة الآخرين وتصيد أخطائهم والتشهير بها وكأنه كامل منزل من العلى! أو تراه بلا مبدأ وبلا شخصية، ليس له مواقف شُجاعة وجريئة. وهناك من الفارغين تراهم يعيشون في برجهم العاجي، وما أن تحتك بهم لتجدهم يعجون بالفراغ والضحالة، والفراغ الحياتي السلبي داء خبيث يفتك بالذات. وهناك من الفارغين يحدثك ساعات وساعات عن أطروحته وهو لا يجيد التحدث باللغة التي درس بها، متصورًا قيمته بعطوره وثيابه الباهظة وسيارته الحديثة وبمنصبه... صدقوني مثل هؤلاء الأشخاص أغلى ما فيهم هو ملابسهم ومقتنياتهم، فلا عجب أن رايتهم يتقاتلون ويتناحرون على الكرسي والمنصب، مُعتقدين أن قيمتهم تكمن في الكرسي والمنصب والسلطة، ولكن الفارغ (بالمعنى السلبي) يبقى فارغًا لو أعتلى أعلى المناصب، فالمنصب والمركز لا يصنعان الأشخاص، لذا يصح القول على هؤلاء: يالتعاسة الفراغ الذي يعيشوه، وما أثقل حياتهم التي باتت عبئًا عليهم وعلى الآخرين وعلى الحياة!!

هناك ثمة قناعة باتت مُترسخة في الأعماق مفادها: إنك أنت يا قارئي العزيز من يُعطي قيمة للأشياء والأحداث والأشخاص وللحياة. قيمتك بذاتك... ولن أخفي عنك سرًا: إنك أنت من يحدد قيمة نفسه، وقيمتك وسعادتك من داخلك ينبعان لا من خارجك. آمن بذلك... وستحضى بمباركة السماء وأحترام الآخرين وستحضى بجمالية الحياة ومعانيها.

 

لا تتلهى بالقشور

قد لا يختلف معي أثنان أن قلت: إن عالمنا اليوم مليء بالضوضاء والصخب والأثارة، مليء بأصوات مُغرية تخدش الأذان، وهناك من الناس نفوسهم مشدودة إلى أصواتٍ كثيرة زائفة، وللأسف تجدهم يصغون لبعضهم البعض ولنشرة الأخبار التي لا يوجد فيها خبرًا مُفرحًا سوى التفجيرات والاغتيالات والزلازل، وتحطم طائرة وفيضانات واحتقان براكين... ويصغون ساعات وساعات للتلفاز والأنترنيت وربّما يصغون لأمور سطحية تافهة تجعلهم في النهاية سطحييّن، فاترين غير قادرين على الإصغاء في عمق نفوسهم ليسوع. حقيقةً ما أصعب على الإنسان أن يعرف نفسه ويصادق ذاته، وما أسهل عليه أن يتلهّى بالقشور! وما أصعب على الإنسان أن يمتليء من المعنى والعمق، وما أسهل عليه الإنزلاق في التوافه!

ويطيب لي أن أقص عليكم هذه القصة المُعبرة والواقعية: أحبا بعضهما بعض، ونصحتهما أن يحبا بعضهما لأجل البناء والنمو، ليكون الحبّ هو علة علاقتهما. وفي المستقبل يفكران بقرار الإرتباط بعد أن يلمس كل منهما لمس اليد إن كل منهما بات في وحدة كيانية وحياتية مع الآخر، وقد قبّله على حسناته وعلاته. أتفقعا على هذا المبدأ فغدا عهدًا بينهما، وكان الرب يسوع ثالثهما وكنت مُرشدًا لهما. مع الأيام جسدا الحبّ عدة مرات ولا ضير في ذلك، فحيث يكون الحب هناك يكون الله.

وكم من زوج وزوجة يُمارسان الجنس ولا يجسدان الحبّ؟! وكم من زوجة تختصب من قبل زوجها، والعكس بالعكس... وكم من زوج وزوجة تحركهما الشهوة والجسد والحاجة، ولا يحركهما الحبّ؟!!

مضت الشهور والبارحة قصدني الشاب ليحدثني عن مُصيبة كبرى وهي أن الفتاة التي أدعت أنها تحبه وجسّدت الحبّ معه تقول له اليوم لا أعرف ما هي طبيعة حبي لك! بمعنى أخر: لا أعرف أي حبّ أحببتك؟ ويزيد الشاب قائلاً: أنها لا ترى فيَّ لا الحبيب ولا الزوج!! ويتسأل هل كنتُ لعبة تلهو بها لتتلاعب بمشاعري؟ يا أبونا إنها جسّدت الحبّ معي من دون حبّ!! هل هي رخيصة، أم مُعتادة على الإرتماء باحضان الآخرين؟ أم هي فتاة ليل؟ أم...؟ قلت له لا أعلم! ربّما هي تحمل جميع الصفات... وربّما هي تعاني من الفراغ الحياتي الذي يجعلها تملئ حياتها بين الحين والآخر مع شخصيات مُتعددة.

عزيزي القارئ هذه الفتاة هي صورة للذين يعيشون الفراغ الحياتي والذين لا يعرفون أو لا يرغبون بالإمتلاء من معاني الحياة العميقة، فيعيشون على السطح دوما، فتحدثك عن جمالها وأن العديد من الشباب تقدموا لخطبتها منذ سنوات خلت، وهناك أكثر من شخص ينتظرها... هذا أن دل على شيء فيدل على جهلها ونقصها وضعفها وعدم ضعتها بنفسها، إنه كاشف عن عمق الفراغ السلبي الذي تعيشه، وعدم تمكنها من الإمتلاء الإيجابي من معاني الحياة، فتراها تملئ حياتها باوهام تتمناها أن تكون واقعًا، فتعشعش اليوم مع هذا الشاب وغدا مع أخر... وهي أشبه بفراشة لا تعرف الإستقرار مع شخص. هكذا هو الفراغ يجعل من الإنسان رخيصًا سطحيًا وما أكثر السطحين اليوم! والمشكلة إنهم يتصورون أنفسهم فلاسفة وحكماء وناضجين!! لذا قلت للشاب لا تتالم من الفتاة، بل تألم عليها!


طوبى للجياع

قال يسوع طوبى للجياع لأنهم سوف يشبعون (متى 5 :6) من المؤكد أن الرب لا يعني جياع الخبز واللحم المادي، بل الجائعين والذين ينتظرون الإمتلاء من معاني الحياة وروحانية الإنجيل، لذا لا تكن من المُكتفين لأن الإكتفاء موت وجمود، الإكتفاء يعجلك تكون فارغًا (الفراغ السلبي) لأنك سوف تجتر ما لديك، وستكون أشبه بالقدح الممتلئ الذي لا يمتلئ.
أقولها للمرة المليون طوبى للفارغين وللجائعين إلى المعنى ولا أتعس من الذين تقاعدوا عن إكتشاف الحياة والإمتلاء من المعنى الحياتي والإنجيلي.

ولعلي أحرج الآخرين بهذه التساؤلات: هل أنت من مُحبي الإمتلاء؟ ومن أي معنى ستملئ حياتك؟ قل لي من أي معنى أمتلأت، سأقول لك من أنت؟

أتذكر أن شخص ما دعاني إلى بيته لزيارته فنطق بهذه الكلمات الكاشفة: "تفضل لدينا لكي نغير الأجواء ونقضي ونقتل قليلا من الوقت". فقلت له: لستُ من هواة قتل الوقت وأضاعته، بل علمتني الحياة تقديس الوقت. أتعلمون لماذا معظم الناس يصارعون الفراغ ولا يعرفون أنتظار الإمتلاء الإيجابي؟ لأنهم من هواة قتل الوقت، وقتل الوقت جريمة كبرى لا تغتفر!!
سّيدة في منتصف العمر كانت تحدثني عن رتابة حياتها وصعوبتها في قضائها للوقت، فقالت لي: "النهار طويل لا أعرف كيف اقضي يومي، أحاول إشغال نفسي بزيارات إجتماعية ومشاهدة التلفاز وتصفح الأنترنيت... أوالذهاب إلى السوق للتسوق. ماذا أعمل يا أبونا نقضي وقت". وأتسأل: هل خُلقت هذه المرأة (وأمثالها كثير) لتقتل الوقت وتقضي الحياة على فراغ؟!

ختامًا:
لا تكن من الذين يعيشون من الفراغ السلبي القاتل، فهناك أشخاصًا عاشوا من المهد إلى اللحد وهم فارغين ولم يمتلوا! أتعلمون لماذا؟ لأنهم لم يكتشفوا ذاتهم. أتمنى ألاَّ تكون على شاكلتهم.

بشيء أؤمن: إنك أنت من يصنع ذاته ويُحدد قيمه نفسه. لذا يا ليتك لا تقبل بأقل من ذاتك الفريدة، لأنها منجم الكنوز ومصدر الإبداع. ويا ليتك أيضًا تتمكن من إيلاء القيمة الحقيقة لذاتك لتشرق إنسانيًا وتغدو معزوفة حبّ، ووميض نور، وستكون من الممتلئين وتأكد أن الممتلئ وحده الذي ينتج ويثمر ويعطي.. وما أحوجنا اليوم إلى أناس مُثمرين.

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English