مقدمة
في البدء نشكر الرب لغزارة مراحمه وعطفه الغير محدودين على شخصنا الضعيف الذي
يؤهلنا نحن الغير مستحقين بأن نكون وسيلة يستخدمها للكرازة باسمه ونشر تعاليم كنيسة
عريقة بأصالتها وتاريخها وتعليمها والتي للأسف أضحت اليوم كنيسة تقليدية طقسية
تتلاطم بأمواج العولمة والانفتاح الذي نعيشه. وما نتمناه في حياتنا ليس إلا أن
يوفقنا الله بأن نوفي حقّ آباء هذه الكنيسة ممن أذرفوا دموعهم وسكبوا دماءهم،
ونذروا حياتهم كي تكون زيتا لمصابيح تضيء دروب الأجيال الآتية من بعدهم بتعاليمهم
وثمار إيمانهم. لذا كان لنا أن نختار هذا الموضوع لننقل بها بعض ذخائر تعاليم آباء
الكنيسة التي دحضت الهرطقة والكفر والجهل والتي ارست بهم في النهاية بان يبذلوا
حياتهم وينالوا اكليل الشهادة على يد ملوك أثمة.
فطاب لنا ان ننقل إلى قراء موقع كاروزوتا - الذي يعني بنشر تعاليم كنيسة المشرق
وتاريخها - قصائد الشهداء التي وضعها مار ماروثا اسقف ميافرقين والتي تتلى في صلاة
المساء على شكل تراتيل وبألحان شجيّة حسب طقوس كنيسة المشرق والتي للأسف تُتلى
وأغلبية مُرتليها يجهلوا محتواها. لذا نرغب أن ننوه أمرًا في غاية الأهمية وهو ان
غايتنا من نقل نفائس هذه القصائد هو أولا إظهار الفصاحة الأدبية التي تمتلكها
والأسس اللاهوتية التي تبنتها، وثانيًا لنشجع أبناء كنيسة المشرق بكافة أطيافهم
ليحافظوا على لغتهم وفصاحة ملكاتها ليتمكنوا من الاطلاع على تعاليم كنيستهم، لأن ما
لمسناه عند محاولة نقل أي مادة - وخاصة هذه القصائد - من لغتنا العريقة إلى اللغات
الأخرى فقدان الكثير من فصاحة التعبير والبلاغة، علمًا بأننا حاولنا تجنب تحريف
المعنى الرئيسي منها مع نقلها باسلوب مبسط إلى قرائنا الأغراء.
أما مؤلف وواضع هذه القصائد هو مار ماروثا أسقف ميافرقين. وميافرقين تقع شمال بلاد
ما بين النهرين الى الشمال الشرقي من الرها وبالقرب من آمد (ديار بكر). ابصر ماروثا
النور في منتصف القرن الرابع في مقاطعة سوفيتا المجاورة لآمد. وكان والده حاكما
لهذه المقاطعة. ولما توفي، قام ماروثا بمهمة الحكم لمدة، ثم نقل مركز حكمه إلى
ميافرقين، عند منابع دجلة، ليكون في مأمن من التدخلات الفارسية وتجاوزاتهم الممكنة.
وقد كان بليغا في الأدب يمتاز بمعرفته للعلوم اليونانية والسريانية، كما كان يتقن
مهنة الطب ويمتاز بحكمة عالية وسياسة لبقة. وكان يمت بصلة وثيقة إلى الشرق بثقافته
ولغته السريانية ويتفهم مشاكل كنيسة المشرق.
وفي الربع الأخير من القرن الرابع رُسم أسقفاً لميافرقين، ومؤهلاته استرعت انتباه
الامبراطورية الرومانية ليكون هذا الأسقف خير سفير يستطيع القيام بالوساطة في
الشؤون الفارسية – الرومانية.
وما أن تبوأ يزدجرد الأول عرش المملكة الفارسية، حتى كلف ماروثا بنقل تهاني الملك
ارقاديوس الروماني إليه. وقد احسن يزدجرد استقبال ماروثا لصفاته العالية وشخصيته
المرموقة، وكذلك لمهنة الطب التي استخدمها ماروثا لشفاء ابنة الملك التي كانت مصابة
بداء عضال. ويقول المؤرخ سقراطس إن ماروثا شفى يزجرد ذاته من صداع اليم لازمه مدة
طويلة ولم يفلح المجوس في شفائه. وقيل أيضا إن ماروثا أنقذ أحد أبناء الملك من
براثن الشيطان الذي كان يعذبه. بفضل هذه الاشفية العديدة، وبالنظر إلى المهمة
الجليلة المناطة به من قبل ملك الرومان، نال ماروثا حظوة كبيرة لدى البلاط الفارسي.
واستغل ذلك لخير كنيسة المشرق. فقام بدور كبير في انتخاب الجاثليق مار اسحق سنة
399، وطاف أرجاء المملكة الفارسية للتعرف إلى أوضاع المسيحيين فيها، وجمع اكبر قدر
من المعلومات المتعلقة بفترة الاضطهاد الأربعيني (339-379) وسير أشهر الشهداء
الشرقيين الذين نكل بهم الطاغية شابور الثاني الملقب بذي الأكتاف مع كمية كبيرة من
ذخائر الشهداء التي حملها إلى ميافرقين فسميت "مرتيروبوليس" أي مدينة الشهداء، كما
ينسب مار عبديشوع الصوباوي إليه ترجمة قوانين مجمع نيقية من اليونانية إلى
السريانية، ودوره البارز (المكلف من قبل الأساقفة الغربيين) بنقل ما أقرّه المجمع
من أنظمة وقوانين إلى رئاسة كنيسة المشرق وتعميمها على جميع الرعايا.
أخيرًا نرجو من قراء هذه القصائد أن يتمعنوا في كل مفردة تضمنتها ويتأملوا بآلام
هؤلاء القديسين الذين اقتدوا بالرب يسوع ونكروا هذا العالم واختاروا الشهادة ليكون
لهم رجاءًا في الملكوت. وقد اخترنا أن نبدأ بترجمة ترتيلة الشهداء لمساء الاثنين
ومن ثم تعقبها في التراجم اللاحقة الأيام المتبقية كما هو تسلسلها في كتاب طقس صلاة
المساء.
ترتيلة مساء
الاثنين
اهتفوا أيها الصديقون بالرب.
الشهداء القديسين صلوا لأجل السلام، لنقيم بالمسرّة أعيادكم.
بالمستقيمين يليق التسبيح.
الشهداء لمّا اشتهوا أن يروا المسيح، بالسيف امتلكوا
أجنحة وحلـّقوا إلى السماء.
أحسنوا العزف بهتاف.
قالوا الشهداء بمحبة للمسيح، "لأجلك نموت كل يوم".
اطلبوا الرب وقدرته.
أيها الشهداء أطلبوا الرحمة لأجل العالم الذي بحق التجأ لقدرة عظامكم.
دعوا الرب وهو استجاب لهم.
للشهداء ندعو وبهم نلتجأ، كي يكونوا لأجلنا ملتمسين.
كمدينة متصلة كلها.
أنتم حصون المداخل، بوجه الذين يَضطهدون
في أوقات الضيق.
من الآن وإلى الدهر.
صلاة الشهداء كسورٍ لنا، وتُبعد عنّا حروب الماكر.
وليذبحوا له ذبائح الحمد.
أيها الشهداء من صرتم ذبائحًا لرئيس
الأحبار، صلاتكم تكون سورًا لأنفسنا.
أبارك الرب في كل حين.
مباركٌ نضالكم أيها الشهداء القديسين، يا من بدماء رقابكم ربحتم الملكوت.
في كل حين تسبيحه في فمي.
مبارك المسيح الذي عظّم قديسيه، هنا على الأرض وفي الأعالي.
محبّي الرب يبغضون الشر.
يا شهداء الابن ومحبّي الوحيد، صلوا كي يحل السلام في الخليقة.
نظروا إليه واستناروا.
الشهداء نظروا الابن مصلوب على خشبة، واحنوا رقابهم أمام السيف وتكللوا.
أمل يا رب أذنك واستجب لي.
صليب الرب بالدماء ملطخ، لمّا نظروه الشهداء أحنوا رقابهم.
شق البحر فعبرهم.
صليب المسيح جسرًا كان للشهداء، وانتقل به
المستقيمين لمحل السلام.
اشهى من
الذهب
والابريز الكثير.
يشبه الشهداء الدُرّر، بإكليل الملك راسخة صورهم.
بنات ملوك بين حظياتك.
دُرّة هي الكنيسة المؤمنة، والشهداء فيها كذبائح مسرّة.
في أبواب بنت صهيون.
مرجانة نظر الشهداء في صهيون، وسارعوا واشتروها بدماء رقابهم.
انت ابرع جمالا من بني
البشر.
كبراعة جمال الورد في الحدائق، والشهداء هم أجمل بمقتلهم.
هوذا ما احسن
وما اجمل.
كالأحجار الكريمة والألئ، هم الشهداء بإكليل ابن الملك.
رنموا للرب بعود وصوت نشيد.
سمعت صوت الشهداء يرنمون مجدًا، بأعواد داود حولّ الفردوس.
مجده فوق الأرض والسموات.
مجدًا لذاك الصوت الذي قال للشهداء،
"امزجوا دمكم بدمي وحياتكم بحياتي".
اسمعوا هذا يا جميع الشعوب.
الشهداء كانوا كالسنابل والملوك حصدوهم، والرب جمعهم في مخازن ملكوته.
مجيئا يجيء بالترنم.
يخرج الشهداء والكهنة القديسين، لملاقاة الرب يوم مجيئه.
وبخ ملوكا لأجلهم.
كم كان لائقا للصبيّ قورياقوس، عندما وبخّ الملك الأثيم.
بيت ام
اولاد
فرحانة.
شموني المؤمنة تشجع بنيها، "يا أبنائي الأحباء إمضوا بسلام".
اطلب الرب وصلي أمامه.
اسأل لنا من سيدك أيها الشهيد كوركيس، الحنان والرحمة ومغفرة الخطايا.
ملوك الأرض وكل الشعوب.
تطوّب جميع الأجيال، العذراء مريم والدة المسيح.
المجد للأب والابن والروح القدس.
السلام معكم أيها الشهداء القديسين، زُرّاع السلام في كل المعمورة.
من الأزل وإلى الأبد آمين وآمين.
تذكارك أبينا على المذبح المقدس، مع المستقيمين المضفورين والشهداء المتكللين.
يقول كل الشعب آمين وآمين.
بيديك يا إلهنا الرحيم، يكون تأديبنا وليس بيد البشر.
تعال يا رب لعوننا
وقوّي ضعفنا، فعليك رجائنا بالليل والنهار.
أيها المسيح الذي لا
تغفل عن من يناديك، برحمتك لا ترذل طلبات ساجديك.
نحوك تتطلع وتتمعن
عيونهم، لتغفر زلاتهم وتمحو آثامهم.
ربنا بيمينك ادحض
ابليس، الذي يُسكر بلا خمر ويُزلق بلا طين.
مع العشّار نسأل
المراحم، تحنن علينا يا الله وارحمنا.
صليبك خلصنا صليبك
يُخلصنا، صليبك يكون سورًا لأنفسنا.
الحروب تبُطل والنزاعات
تهدأ، وسلامك يملك على كل المعمورة.
يا رب احمينا فنحن
كغنم، وسط ملعونين أقسى من الذئاب.
ازرع يا رب أمانك
وسلامك في المسكونة، وأبعد عنّا قضيب التأديب.
بارك يا رب جمعنا
واحميه، وأبسط فيه أمانك وسلامك.
يا رب اصنع سلامك في كل
المعمورة، وأبطل المضطهدين المخاصمين لنا.
يا رب اغلق أفواه جماعة
الاثمة، كي لا ينطقوا بالشر على أبناء الكنيسة.
|