1) أنا متعجب من حُسن حبك الذي يستر الرذائل! إذ لم يمقت ذاك الذي مقته العالم
المقيت، ولم يرفضه، ولم يطرحه عنه كأنه لم يعد يطيق لا رؤيته ولا تقلبه المنافق
لئلا يتدنس به. ولربما لم يهبط ذهنك من البلد العالي الذي عند العلي ليتلمس طريقه
في البلد المظلمن وليقف على تقاليبي المظلمة. أو انه اتخذ مثالا الشمس العظيمة، شمس
كل العالمين، ليشرق ببهاء نعمته على كل الذين يقبعون في الظلمات[1].
وإن لم يكن لي أن أثيبك جزاءً لما تأتيه تلك النعم تجاه شرّي، فليثبك الصالح جزاءك
بزياراته لك حيث يهبك ما تشتيه من أشياء لا يزول الشوق عنها. آمين.
2) إنك تذكرني "بألا تنساني لئلا أنساك"[2].
وإذا نسيتك، أصبحت بحق من الضالين. لكن ملجأك ضعيف إذ إن السابي – لا ذاك الذي يسبي
بحسنه كل ما يقتنيه كما تقول – سبى عقله. لكني مؤمن بأن ما تبتغيه، سيهبه لي الذي
وعد بألا يخيب رغبة من يطلب الطيبات[3].
3) إن يميني لعاجزة عن تصور من أكسب كل شيء صورة بحيث يرى في الصور. إرفع كل شيء
من أمامك لكي يظهر وحيدًا لبصرك ذاك الذي يختفي في داخل كل شيء. طوبى لمن ارتفعت
الأرض والدته من أمام بصره ليكون لازدواجيته سلوك سهل على والده[4].
4) يا للسرّ! فالانذهال يقيم العجب الذين يسلكون في النور، في الرب، البلد النقي
والحسن! فإلى أي رحلت كل الأشياء من أمامي؟ فرب كل الأشياء منظور فقط! فأين أنا؟ لا
أعرف. فحُسن الحَسن سبى قلبي.
5) طوبى لمن عانقك ونام واستنشق رائحتك اللذيذة! طوبى لمن جلس وأبصر إشراقك متحدًا
به كشعاع الشمس بقرصها! طوبى لمن يرى مأكله وقد تبدل إلى صورة لك، يتذوقه بحنكه،
ويتحول إليه تلذذا بعذوبيتك! طوبى لمن يراك ممزوجًا في شرابه فيرتوي ويبتهج قلبه
بمحبتك! طوبى لمن يدخل إلى نفسه ويراك رؤية عجيبة وينذهل بحُسن أسرارك التي تنبع من
داخله!
6) احتد قلبي على القلم وسأكسره لأنه عاجز هنا عن رسم الحُسن المذهل. فإني أرى
أنهارًا من ماء الحياة تجري من ينبوع الطوبى[5]،
وهي مكسوة ومخبأة بالسكوت عند ظهورها. لا تلمني لأن الجنون أدركني ههنا من غليان
النبيذ المفرح للكل، ونسيت ذاتي. فكل ذهن متواتر الكلام يلتجم عن الكلام والحركات
بالسكوت من التعجب بالأسرار إذا دخل إلى هذا البلد. هنا، يرى الله حسنه لمحبيه.
هنا، تبصر النفس ذاتها والمسيح الذي يشرق فيها فيبهجها برؤيته[6].
هنا، تبصر النفس ما للملائكة القائمين في عجب مجد محيي العالمين من حسن عجيب. هنا
يظهر الثالوث الأقدس ذاته سريًا وتتراءى أقانيمه للذهن العاري. عظيم هذا السر الذي
يتراءى للذهن الصافي فقط. هنا، يظهر العالم العتيد سريًا للذين رقدوا في المسيح.
هذا يعني أن الله يتجلى. هو عالم العالمين، العالم الجديد، خالق العالمين وبلد
الخليقة الناطقة. فالكلمة مأكل لها، ومشربه فرح لها. وشمسه شمس لها. وثوبه ثوب لها.
ورؤيته بصر لها. أما معرفته فهي غاية معرفتها، وشبهه هو شبه لها بالنعمة، والخليقة
تجد ذاتها في الخالق خالقا لذاتها[7].
7) كل من يجد هذه كلها، يجد القيامة الأولى[8]
وكل من لم يرها بعد هو في عداد الأموات.
[1] راجع اش 9: 19 و 42/7.
[2] الأصل في السريانية "طعا" يعني "نسي" و "ضلّ".
[3] راجع متى 7: 9-11 ولو11:11-13.
[4] النص السرياني غير واضح بصورة كافية لتوضيح المعنى.
[7] المشرب والشمس والثوب والرؤية والمعرفة والشبه هم خاصة
الكلمة أي الابن. ومن الممكن القول إنهم يتحولون إلى الخليقة.
[8] راجع اف 2: 6 وقول 2: 12.
|