سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

عِيد  رفع  الصّليب

لِصَليبِك يا سَيّد نَسْجد

 

الاستاذ ميخائيل بولس

 

   

 

بعد أن أصْدر الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير المرسوم الشّهير المعروف بمرسوم ميلان سنة 313 "  Edikt of milan " أو مرسوم التّسامح "Edikt of taleration "الذي فيه أعطى الشرعيّة للدّيانة المسيحيّة بعدَ أنْ كانت مُحرّمة وممنوعَة.

فانتهى بهذا التّشريع عَصر الإضطهاد وأصبَح المسيحيّون يدينون بدين شرعيّ مُعترف به من السّلطات المدنيّة، ودَخلَت الكنائس في دَور جديد فتَمتّعت كلّ منها بحرّية العِبادة وحقّ التملّك واستَمتع رجال الإكليروس بالإمتيازات نفسها التي انتفع بها كهنة الأوثان الأمر الذي ساعد كثيرا في انتِشار المسيحيّة واكتساحِها لجميع العقائد والاديان الأخرى في الإمبراطورية الرومانيّة والعالم بأسره.

 

إكتشاف الصّليب المقَدّس سنة  326 م:

قام الإمبراطور قسطنطين في مطلع سنة 326 بزيارة روما {العاصمة الغربية للإمبراطورية} ليحتَفل فيها كما احتفل في نيقوميديا {العاصمة الشرقيّة للإمبراطوريّة الرومانية}، إذْ كانت مدينة القسطنطينية في طور البناء، وتقع في الطرف الشمالي الغربي لآسيا الصّغرى {تركيا اليوم} بعيده العشرين {أي مرور عشرين عاما على حكمه}، وكانت والدته القدّيسة هيلانة قد استقرّت في روما، وتمتّعت بلقب أوغسطة، أثرت ثراءً كبيراً، فعزمت في هذه السنة على القيام برحلة إلى فلسطين للتبرّك بزيارة الأماكن المقدّسة، فغادَرت روما في أواخر الصيف واتَّجهت شطر فلسطين بحرًا.وكان قسطنطين قد فاوض مكاريوس أسقف أورشليم في إقامة كنيسة لائقة بالسيّد المسيح في جلجثه تكون أفضل الكنائس، فاستحثّت القديسة هيلانة الأسقف على إتمام هذا العمل. وكان قد سبق للمسيحيّين أن أقاموا، في القرن الثالث، بناء مثمّن الأضلاع والزّوايا فوق المذود الذي وُلد فيه المخلِّص في بيت لحم. فأضافت هيلانة إلى هذا المثمّن باسيليكا فخمة، وفعلت مثل هذا عند كهف الصُّعود.

وعند أنتهاء القرن الرابع بدأ المسيحيّون يتناقلون خبرًا مؤدّاه أنّ القدّيسة هيلانة بعد تفتيش دقيق وعناء شديد، وجدت ثلاثة صلبان في جلجثة، وَوجدت الكتابة والمسامير على حدةٍ، وأنّها أحبّت أن تتعرّف إلى صَليب المخلِّص منها فلَمست بها جسد مريض شاب وانتقت منها ذاك الذي شفى المريض، وأمَرت بإشعال النيران في رؤوس الجبال لتنقل بذلك خبر نجاحها في إيجاد صلِيب السيّد المسيح إلى ابْنها قسطنطين، وقد أصبح إشعال النيران في السّاحات العامّة والخاصّة وعلى أسطح المنازل تقليدا جاريا منذ ذلك الوقت احتفالا بعيد الصليب. وممَّا تنوقِل أنَّها لدى عودتها أذابت أحد مسامير الصّليب في معدن خوذة قسطنطين ابنها، والآخر في لجام حصانه.كما أنّها وزّعت عود الصليب على كنائس عدّة.

ويقال أيضًا أن أحَد مسامير الصّليب يرصِّع تاج شارلمان "القرن التاسِع" ولا زال التاج محفوظا في كنيسة مدينة تريير في ألمانيا. وبعد اكتشاف الصليب ألغى الامبراطور قسطنطين عقوبة الصَّلب.

 

الملِكَة هيلانة واكتِشاف الصَّلِيب:

عن كتاب بروفينوس "أخبار الكنيسَة".

وجدوا ثلاثة صلبان وبما أنَّ الكتابة {الإعلان} الذي كان مكتوبا عليه "هذا هو ملك اليهود" وُجِد ملقى بعيدا عن الصّليب نفسه، مما جعل ملائمة صَليب المسيح الحقيقي أمرا صعبًا. فانتظرت هيلانة علامة من السّماء. وجاءت هذه العلامة بصورة امرأة من نبيلات القدس كانت على وشك الموت، فتقدّم مكاريوس أسقف أورشليم وأبْدى استعداده لشفائها، فجاء بالصلبان الثلاثة إلى المرأة وصلّى لله ليظهر له الصّليب الحقيقي الذي صُلب عليه السيّد المسيح من بين الصلبان الثلاثة.

وبعد أن فرغ من صَلاته أخذ صليبين ووضع المرأة فوقهما ولكن بدون نتيجة. أمّا الصّليب الثالث فشفاها، فعرفوا أنّه هو الصليب الحقيقي. وقامت هيلانة بعد ذلك ببناء كنيسة القيامة في ذلك المكان، كما أنَّها سلّمت المسامير إلى ابنها القيصر فرصّع بها خوذته ولجام حصانه وبعثت مع المسامير قطعة من خشبة الصليب أيضًا. ووضعت الصّليب الحقيقي في صندوق من فضَّة ووضعته في الكنيسة.

ومنذ القرن الخامس شاعت قصَّة أخرى {وردت في كتاب هيلانة أوغسطا لمؤلفه ديبريس} أشاعها يهوذا كرياكوس اليهودي، وهو الذي أرشد هيلانة إلى مكان الصليب الحقيقي، فعنْد وصول هيلانة إلى أورشليم شرعت في البحث عن الصَّليب، وكان من بين يهود المدينة {وكانوا قرابة ثلاثة آلاف نفس} شخْص اسمه يهود كرياكوس كان يعرف مكان الصَّليب الحقيقي الذي صلب عليه السيد المسيح، وكان أحد أجداده وهو "استيفانوس" قد رجم بالحجارة من قبل اليهود لأنَّه آمن بالمسيح، وكان أباه قد أوصاه بأن يكشف عن مكان الصّليب فيما لو طُلب منه ذلك، فرجاه اليهود بألا يفعل حتى لا تنتصر المسيحيَّة. إلا أنه أرشد هيلانة إلى المكان المسمّى جلجلة، فبدأوا يحفرون فوجدوا ثلاثة صلبان ولكي تتعرف هيلانة أيها هو الصّليب الحقيقي الذي عليه صُلب السيد المسيح، جاءوا بميّت محمولا في جنازة، وَوضعوا عليه الصلبان الواحد تلو الآخر فأقامه الصَّليب الثالث من الموت.

فقامت هيلانة بطلاء الصليب بالذهب ورصّعته بالحجارة الكريمة، ووضعته في خزانة مصنوعة من الفضّة. وبعد ذلك وجدوا المسامير. وبنَت هيلانة كنيسة في مكان الجلجلة ووضعت فيها الصّليب، وبعثت بالمسامير إلى ابنها الإمبراطور قسطنطين ليضع المسامير في لجام حصانه فلا يُغلب أبدا.

ثم أن يهودا اعتَمد على يد أسقف أورشليم وغيّر إسمه إلى كرياكوس ولم يلْبث أن أصبح بعد حين أسقف المدينة.

 

كَنيسَة القِيامة وَعِيد الصّليب:

عملاً ببرنامج الإحتفال بمرور ثلاثين سنة على حكم قسطنطين أمر الإمبراطور الأساقفة المجتمعين في صور سنة 335 بالإنتقال إلى أورشليم ليكرّسوا كنيسة القيامة التي أمر بأنشائها. فاجتمع في أورشليم لهذه الغاية عدد كبير من الأساقفة والتَفّ حولهم ألوف من المؤمنين. وفي الثّالث عشر من أيلول احتَفل الأساقفة والمؤمنون بالقدّاس الإلهي وصَلّوا لتأييد المملكة وسلام الكنيسة؛ وفي الرابع عشر من أيلول احتفلوا بارتفاع الصليب المقدّس {عيد الصليب}. ومنذ ذلك الحين يصْعد أسقف أورشليم في الرابع عشر من أيلول إلى أعلى الكنيسَة ويرفع الصّليب الذي مات عليه المخلِّص للشّعوب أجمعين ليشاهدوه مقدّمين له السجود والتكريم ذاكرين رفعه على يد القدّيسة هيلانة.

ولازلنا نرتّل معهم :

"الصّليب حافظ كلّ المسْكونة. الصَّليب جمال الكَنيسة

الصَّليب عزّة الملوك. الصَّليب ثَبات المؤمنين

 الصَّليب مجْد الملائكَة وجرح الشياطين

 اليوم يُرفع والعالم يَتقدّس

لما بسَطت يدَيك عليه اجتَذبت العالم إلى معْرفتك

فأهّل المتّكلين عَليك لمجدِك الإلهي ".

 

إستيلاء الفُرس على خشَبة الصّليب والإمبراطور الروماني هرقل يعِيده.

إشتعلت حروب كثيرة طاحنة بين أكبر دولتين آنذاك: دولة الفرس التي كان يحكمها ملوك من العائلة الساسانية وبين الدولة الرومانية الشرقية "البيزنطية" لأاجل الإستيلاء على سوريا ومصر.

وفي سنة 610 م كانت الإمبراطورية البيزنطية في حالة مِن الفوضى والإضطراب تدعو إلى القَلق الشّديد، فكتَب الإمبراطور الروماني هرقل إلى كسرى ابرويز ملك فارس يقترح عليه عَقد الصّلح وإعادة السِّلم بين الدولتين. إلا أنَّ الملك الفارسي كسرى {خسرو} ابرويز الثاني ابن هرمز الرابع {وهو حفيد كسرى أنو شروان الشهير الذي اعتلى العرش سنة 531 م} قرّر الإستمرار في القتال فقام بغزو بلاد الأناضول وسوريا ووصَل إلى مصر واحْتلَّ هذه البلاد التي كانت من أراضي الإمبراطوريّة البيزنطيّة وقد استمرّت هذه الحرب من سنة 610 م وحتَّى سنة 628 م.

وفي سنة 614 م بدأ الجيش الفارسي بقيادة شهربراز {حرزويه} في زحفه من مدينة قيصرية {قيصاريا} في فلسطين إلى مدينة أورشليم المدينة المقدّسة لدى أعدائهم الرومان.

كانت مدينة أورشليم مدينة كبيرة ذات تجارة رائجة وصناعة متقدّمة فكان التجّار يؤمّونها من كلّ الجهات والبلاد هذا بالإضافة إلى كونها المدينة المقدّسة الرئيسيّة لليهود والمسيحيّين.

حاصر الجيش الفارسي مدينة أورشليم مدّة عشرين يوما، إستعمل الفرس اثنائها المنجنيقات لهدم أسوارها وبيوتها وبعد أن نجحوا في فتح ثغرة في الأسوار بدأ هجوم شامل في 21 آذار سنة 614 م ونجح الفرس في احتلال المدينة عنوة وأعملوا السّيف في أهلها فقتَلوا وأسروا جموعا غفيرة من المسيحيّين {57 ألف قتيل و350 ألف أسير دفن معظمهم في مقبرة مميلا}.

واحْتمى النّاس في آبار المياه وفي الخنادق والكهوف والكنائس والأديرة وقام الفُرس بهدم الأبنية وتدميرها وأحرقوا جميع الكنائس والأديرة {300 كنيسة ودير} واحرقوا كنيسة القيامة {التي بناها جستنيان في القرن السّادس} وكنائس هيلانة والجسمانية وقسطنطين والاكرانيوم والقبر المقدس.

كما أحرقوا جميع كنائس فلسطين باستثناءكنيسة المهد في بيت لحم وذلك لأنّهم وجدوا رسومات المجوس على جدران المغارة التي وُلد فيها المسيح.

وكان من بين الأسرى البطريرك زخريا وهو البطريرك الثاني عشر على كرسي بطريركية أورشليم، ومات في الأسر. كما أنَّهم أخذوا معهم عود الصّليب الكريم الذي كانت الملكة هيلانة قد وجدته.

وفي سنة 622 م دارت الدائرة على الفرس وسَجّل هرقل نصرا مبينا وأنسحب الفرس من آسيا الصغرى فقطع هرقل أرمينيا وتوغّل في أذربيجان واتّجه نحو تبريز ليفاجىء كسرى في قصره. ثمّ اضطر إلى التراجع بسبَب خطر التّطويق من قبل جيش شهربراز.

علِم شهربراز بتراجع هرقل فعارض الرّوم بجيشه وقتل منهم عددا كبيرا وكتب إلى كسرى بذلك وأنفذ إليه من رؤوسهم شيئا كثيرا.

وفي 11 آذار سنة 628 م عسكر هرقل في تبريز وقبل ذلك بقليل كان شيرويه إبن أبرويز قد تمرّد على والده وجلس على العرش في 28 شباط سنة 628م، وكتب إلى هرقل يطْلب الصّلح فصالحه على شروط أهمّها:

العودة إلى الحدود القديمة وإطلاق سراح الأسرى وإرجاع خشَبة الصّليب من منبج في شمال سوريا وأعادها إلى أورشليم {جاء في تاريخ أنطيوخوس القائد أن أبرويز أودع الصّليب زوجته المسيحيَّة فحفظته في مكان أمين في طيسفون. ويروي المؤرخ ميخائيل السرياني أن الفرس سلّموا الصليب المقدّس إلى الروم في منبج وأنه نُقل منها إلى حَلب فحِمص فدمشق فطبريا وأنّ هرقل أدخل الصليب إلى المدينة المقدّسة في موكب باهر الجلال ظاهر الأبّهة ملأت هيبته الصدور وتخشّعت أمامه العيون. ويضيف المؤرّخ نيوفاتس أنّ هرقل أمر بإخراج اليهود من المدينة قبل وصوله إليها وأنَّ البطريرك زكريا اشْترك في هذا الموكب المهيب} في 14 أيلول سنة 629 م وهو موعد عيد الصّليب عند المسيحيّين، ورافق عملية إرجاع الصّليب إلى أورشليم احتفال كبير إذ كان هرقل قد نذر نذرا على نفسه أن ظهرت الروم على فارس أن يسير حافيا وحاسر الرأس من القسطنطينية إلى إيليا وهو الإسم {الروماني} الذي كانت تعرف به أورشليم أنذاك، وهكذا حصل، وسار برفقته عدد كبير من الجند الروماني {100000 جندي} أكثر من عدد الجند الذين كانوا معه في بلاد فارس وكان النّاس يفرشون أمامه الفراش وينثرون الورود في طريقه حتى وصَل إلى أورشليم ووفى بنذره. ورَفع الصّليب مرة أخرى وإلى الأبد فوق كنيسة القيامة.

 

أوسابيوس أسقف قيساريا والصَّليب

من الطرافة بمكان الاّ يذكر أوسابيوس اسقف قيساريا {قيصرية} والمؤرّخ الشخصي للامبراطور قسطنطين وتاريخ الكنيسة، والذي واكب نشوء الكنيسة وتطوّرها وارتقائها، حادثة اكتشاف خشبة الصَّليب على يد القديسة هيلانة أم القيصر. وسبَب ذلك هي تلْك المنافسة الشديدة بين قيساريا وأورشليم على كرسي الأسقفية.

فقيساريا كانت هي عاصمة فلسطين منذ أيام هيرودس الكبير بانيها، والآن تحوّل مركز الثّقل نحو أورشليم المدينة التي تألَّم بها السيد المسيح وفيها صُلب وقام من الموت، فأضحت أورشليم بقرار من المجمع المسكوني هي الأسقفيّة الرئيسية وأسقفها ومن ثم أصبح بدرجة بطريرك وصارت قيساريا تابعة لأورشليم.

 

ظُهور الصّليب في سَماء أورشَليم

في السّابع من أيّار سنة 351 ظهر في سماء أورشليم، حوالي السّاعة الثالثة {أي التاسعة صباحًا} صليب كبير جدا من نور في سماء الجلجثة وامتدّ حتى الجبل المقدّس - جبل الزيتون.

وبهذه المناسبة أرسل البطريرك الأورشليمي، كيريليوس رسالة إلى الإمبراطور قسطنطين الثاني سنة 351 يخبره فيها بالحدث العظيم، وجاء فيها:

"في هذه الأيّام المقدّسة - العنصرة {عيد الصُّعود وحلول الرّوح القدُس على التلاميذ}، في السّابع من أيَّار، حوالي السّاعة الثَّالثة، ظَهَر صليب كبير من نور في سماء الجلجثة وامتدّ إلى الجبل المقدس - جبل الزيتون.

ولم يشاهد هذا الظهور فلان أو فلان فقط، إلاَّ أنَّه كان ظاهرا بوضوح شديد جدا أمام أعين جميع سُكَّان المدينة، ولم يكن هذا ظهورا عابرا، أو مجرَّد تخيّلات، كما يمكن أن  يفكّر البعض، بل أنّه ظهر واضحا أمام أعيننا لساعات طويلة، وقد فاق نوره نور الشّمس بصفائه وشدّة لمعانه، وبالحقيقة كان من الممكن أن يطفى نور الشمس ويخفي هذا الظهور وكأنه أنهزم من قبلها، لولا أنه ظهر للناظرين بنور أشدّ سطوعا من توهّج الشمس. وأدّى هذا الظهور بجميع جماهير المدينة لأن يُهرولوا مُسرعين إلى الكنيسة المقدّسة يشملهم خوف عظيم مشوبا بفرح لهذه الرؤيا الإلهية، وضمّ هذا الجمهور الشباب والشيوخ، الرجال والنّساء من كلّ الأعمار، حتى العرائس من مخادعها، وتألّف من السّكان المحليّين ومن الغرباء، من المسيحيّين ومن عبدة الأوثان، تجمّعوا كلهم من مختلف الأماكن، وهَتفوا جميعا بفمٍ واحد مسبّحين وممَُجِّدين يسوع المسيح صانع العَجائب".

وبالإضافة إلى ذكر هذه المعجزة، ذكر البطريرك أيضًا في رسالته، الصَّليب الحقيقي الموجود في أورشليم، مشيرا إلى الاحترام العظيم الذي أسبغه الإمبراطور قسطنطين الكبير {والد قنسطنطين} على كنيسة المدينة {كنيسة القيامة}. ولم يلبث خبر ظُهور الصّليب في سماء أورشليم أن شاعَ شيوعًا في كلّ أرجاء العالم المسيحي، ووَرد ذكره في كتابات مؤرّخي الكنيسة من أبناء القرن الخامس يذكرون فيها حقيقة هذه المعجزة بدون شكّ أو جدل. وكان لهذا كلّه أثر دينيّ عميق، وأصبح تاريخ الظّهور، منذ القرن الخامس، حدثًا بارزا في التقويم الكنسي {الليتورجي} لكنيسة أورشليم، وكانوا يقرأون في احتفال السّابع من أيّار رسالة البطريرك هذه.

 

الصّليب في كُتب الرحّالة

رحلة إجريا EGERIA

منذ سنة 330 من اكتشاف الصّليب الكريم، أضْحت أورشليم محجًّا للعديد من المؤمنين. ففي القرن الرابع {381-384} زارت الحاجّة إجريا مدينة أورشليم. وكتبت تصف رفع الصليب في يوم الجمعة العظيمة، تقول:

"عندها {أي في يوم الجمعة العظيمة} يوضع كرسي الأسقف في الجلجثة وخَلف الصّليب المرفوع هناك في ذلك الوقت، يجلس الأسقف على كرسيّه ويضعون أمامه مائدة مغطّاة بملاءة، وحول هذه المائدة يقف الشَّمامسة يحمِلون خزانة من ذهب وفضَّة في داخلها الصليب المقدَّس، ويعرضون ما فيها على المؤمنين {المصلّين} ثمَّ يضعون خشَبة الصليب على المائدة مع الإعلان الذي أمر بيلاطس بكتابته على الصَّليب: "هذا هوَ ملك اليهود".

وتستطرد إجريا في وصفها فتقول:

"وبعد أن يتمَّ وضع الصليب والإعلان على المائدة، يجلس الأسقف ويمسك بيديه طرفي الخشبة ويقف حوله الشّمامسة ويراقبون. وهكذا تتمّ المحافظة على الصّليب المقدّس، لأنّه من عادتهم أن يتقدَّم المؤمنون {المصلّون} واحِدا تلو الآخر، ويحني المؤْمن رأسه في اتجاه المائدة ثم يقبّل الخشبة المقدسة ويبتعد تاركا مكانه لمؤمِن آخر.

ومما يُروى أن أحدهم، لا أعرف متَّى، قضَم الخشبة المقدّسة بأسنانه، وسرق منها قطعة، ولذلك يقوم الشّمامسة الآن واقفين حول المائدة لئلا يتجرّأ أحد الموجودين من القيام بذلك ثانية".

وفي أواخر القرن الرابع صار بطريرك أورشليم {كيريليوس} يُعرف ب "حارس الصَّليب المقدَّس"، ثم صاروا يعيّنون لهذا الغرض راهبا آخر برتبة أرشمندريت.

وهكذا لم يلبث الصّليب المقدَّس حتَّى أضحى رمزًا للكنيسة الجامعة، موحِّدا لكلّ المؤمنين.

++ هذه المادة مقتبسة من كتاب " الاعياد السيدية _ الجزء الثاني" من سلسلة دراسات مسيحية من تاليف الاستاذ الفاضل ميخائيل بولس واصدار جمعية ابناء المخلص في الاراضي المقدسة.

وهذه الايام تعمل الجمعية على طباعة الجزءين الثالث والرابع "تفسير اناجيل الآحاد" تاليف الاستاذ المعطاء ميخائيل بولس واصدار الجمعية.

 

يوسف جريس شحادة - مدير الجمعية والموقع الديني

www.almohales.org

 

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English