سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

إيمان المرأة السامرية

إنجيل يوحنا - الاصحاح الرابع

 

الشماس بريخا ياقو أوراها

   

 

أراد الرب يسوع المسيح مغادرة اليهودية والرجوع مرة أخرى إلى الجليل، ولكن هذه المرة كان مزمعا أن يمر عبر السامرة التي كانت عداوة مع اليهود [1]. لكنّ دافع الحب والسلام اللذان حملت رسالته أرغماه للمضي قدما مُحطّماً كل القيود والمفارقات الإجتماعية والطبقية التي شوّهت عقول الناس العدائية وطمرت قلوبهم بخطايا الأحقاد والمعاصي.

ناسوت المسيح الذي تعب من مضن السفر وشدّة الحرارة وشعر بالإرهاق والعطش والجوع، ودعا الذين معه أن يسبقوه الى المدينة لجلب الطعام، بينما جلس الرب يسوع المسيح على بئر يُدعى بإسم بئر يعقوب [2] وكانت نحو الساعة السادسة حسب التقسيم الزمني اليهودي آنذاك (أي ما يُعادل الساعة الثانية عشر ظهرا أو منتصف النهار حسب التقسيم الزمني الحالي) [3]، لا نعرف بالتحديد كم من الوقت مضى على يسوع وهو جالس على البئر لحين قدوم المرأة السامرية من شوخار (المدينة السامرية التي لم يرد ذكرها في الكتاب المقدس إلاّ مرة واحدة هنا وكانت واقعة على الجانب الجنوبي من جبل عيبال [4] حيث تقع اليوم مدينة عسقار الى الشرق من مدينة نابلس وقريبة من شْكيم). وقد جرت العادة عند هذه الشعوب على أن النساء هنّ اللواتي يستقين الماء وعلى الأغلب صباحا أو مساءا لتفادي حرارة النهار الحارقة. (أنظر تكوين 24: 11)

فجائت إمرأة من السامرة لتستقي ماءً، فقال لها يسوع: "أعْطيني لأشرَبَ" لأن تلاميذه كانوا قد مَضَوا إلى المدينة ليَبْتاعوا طعاماً.

إندهشت المرأة السامرية عندما طلب منها يسوع ماءا ليشرب لأنها ميّزته بالطبع من كلامه وكذلك من ملبسه بكونه يهودي وردّت عليه بالقول "كيف تطلب منّي لتشرب، وأنت يهودي وأنا إمرأة سامرية؟ لأن اليهود لا يُعاملون السامريين." لأنّ ما أصابها من الذهول والإندهاش يُعوّل أولا على كونها إمرأة لأنّ المرأة كانت أصلا غير مُبجّلة عند القادة الدينيين، وثانيا كونها سامرية لأنه لا يليق أو يصلح ليهودي التكلّم أو مُخاطبة إنسان سامري وبالأخص إمرأة سامرية. لكن مهمة يسوع المسيح كانت أسمى وأعلى من كل هذه المُسَمّيات والفوارق، فنراه في مشهد آخر مُنتهرا تلميذيه يعقوب ويوحنا عندما طلبا منه أن يقولا أن تنزلَ نارا من السماء لتُفني قرية سامرية... لوقا 9 : 52 – 56. وأن مجيئه وتجسّده كان لأجل مصالحتنا مع الله نحن الخُطاة ليُعيدنا إلى ملكوته وهكذا يقول "إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطيء واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون إلى توبة". (لوقا 15 : 7)

أجابها يسوع بالقول "لو كنتِ تعلمينَ عَطيّةَ اللهِ، ومَن هو الذي يقول لكِ أعطيني لأشربَ، لطَلَبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءا حيا" [5]. يسوع المسيح هو عطية الله لنا نحن البشر الذي منه نستقي لأنفسنا ولأرواحنا المياه الحية التي بها نتبرر ونُخلَص من شوائب الخطيئة والآثام التي شوّهت صورتنا أمام الله بسبب استقائنا مشارب الفواحش من ينابيع الخطيئة. ونقرأ في رسالة بولس الرسول إلى أهل أفَسُس 2: 8 "لأنكم بالنعمة مُخَلَّصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله، ليس من أعمال كَيْلا يَفْتخِر أحد".

المرأة السامرية تشجّعت أكثر لإعجابها بشخصية يسوع بالرغم من كونه يهودي وأدركت بإختلافه عن باقي اليهود، لكنها بدت مستمتعة بكلامه فأطالت الحديث معه وقالت "يا سيّد، لا دلو لك والبئر عميقة، فمن أين لك الماءُ الحيُّ. ألعَلَّكَ أعظمُ من أبينا يعقوب، الذي أعطانا البئرَ، وشرِبَ منها هو وبنوهُ ومواشيه"

أظهرت المرأة إحترامها ليسوع بمنادته بالسيّد لأنها تيقّنت كونه ليس بإنسانا عاديا ومع ذلك فأنها كانت حذرة لإعطائه ماءا ليشرب فسألته عن الدلو لأنها كانت عالمة بتقاليد اليهود بأنهم لا يتعاملون مع الغرباء وبالأخص السامريون بسبب العداء والنزاعات الدينية القائمة بينهم التي ولّدت عندهم شعائر وطقوس تُحَرِّم وتُنَجِّس بعضهم البعض. ولا يأكلون أو يشربون ما لم يغتسلوا، وأن إستخدام أواني الغُرباء يعتبرونها (اليهود) غير طاهرة. إقرأ إنجيل متى الإصحاح 15: 2  وإنجيل مرقس الإصحاح 7: 2 – 6.

فمن عوائد المسافر والرحّال أن يحمل معه دلو الماء الذي يساعده في تخفيف ظمأه من السفر والإرهاق، ويكون مصنوعا على الأكثر من جلد الحيوان. كان بإمكان يسوع إستعارة واحدة من تلاميذه، لكنه لم يفعل، لأنه جاء أصلا ليُزيل القيود عن تلك الأمور الدنيوية التي صارت أساسيات شريعة الكهنة وملافنها، ويُزيح الذل والظُلم عن الناس لا بل لإصلاح كل ما دمّره الإبليس في الإنسان، ولا فرق عنده بين الأفراد وقد أراد إظهار محبته للجميع بدون تمييز. فهو الذي جالس وخالط الخُطاة وأكل وشرب في بيوت العشّارين ولمس الأبرص والموتى و.. و.. وأخريات كثيرة لا تُعد ولا تُحصى بينما كانت محرمة ونجسة في ناموس الكتبة والفريسيين.

 وألمحته عن عمق البئر الذي يتطّلّب جُهدا إضافيا لإستخراج الماء منه، لأنها قد استقت مرارا من ذلك البئر، وهذا كل ما طغى على تفكيرها المادي وتركيزها على الماء الذي في عمق البئر ولم تفهم الحديث الروحي الذي كلّمها يسوع، (تماماً مثلما حدث مع نيقاديموس في يوحنا 3: 1)، بعيدة بقلبها وعقلها من المنبع الروحي الذي كان أقرب إليها والذي أعلن لها عنه يسوع (عن نفسه). وأن تعمّقها في الحديث لعلّها أرادت أن تتباهى بسَبطِها وعن تجذّرهم من يعقوب ويوسف لتعطي إنطباعا على أن السامريين أكثر أصالة من اليهود في مرجعيتهم. ونرى مقارنة مشابهة لسؤال المرأة السامرية، عندما حاور يسوع اليهود بأنّ لا أحَدُ يموت الى الأبد لو ثبت في كلامه (أي كلام المسيح) في الإصحاح 8 من إنجيل يوحنا الآية 53 فقالوا له "ألعَلَّكَ أعظَمُ من أبينا إبراهيم الذي مات؟ والأنبياء ماتُوا". فلوّحت بذلك الى وجه المقارنة بينه وبين يعقوب على أنّ يعقوب قد بنى بئرا لهم بعد شرائه الأرض في شِكيم من بني حمور (إقرأ الهامش 2)، وأرادت أن توضحَ ليسوع بأنه لا يجوز أو يصلُح أن يشرُب منه الغُرَباء. وكذلك عندما أشارت على مكان سجود آبائها الأوليين في الجبال القريبة والذي قصدت بالذات جبل جِرِزيّم [6] (أو جبل الطور) الذي يحدّ المدينة من الجهة الجنوبية، لتُعْطيه انطباعاً على أصالتهم. على هذا الجبل بنى السامريون هيكلا لإحتفالاتهم الدينية بعد رجوعهم من السبي البابلي. وعلى أنقاضه الباقية لا زال السامريون يمارسون احتفالاتهم  وطقوسهم الدينية حتى يومنا هذا. 

أجابها يسوع وقال لها "وكُل مَن يشرب من هذا الماء يَعطُشُ أيضاً. ولكن مَن يشربُ من الماء الذي أُعطيه أنا فلَن يعطَشَ الى الأبد، بَل الماءُ الذي أُعطيه يصيرُ فيه ينبوعَ ماءٍ ينبَعُ الى حياة أبدية".

حقاً قال يسوع فأن الماء الذي نشفطه الى داخل أجسادنا وبمئات الألتار وبالأخص مع حماوة الطقس أو إشتداد قساوة الظروف وكثافة الجهود، لا يروي إلا قسطا ضئيلا من ظمأنا وعطشنا ولساعات قليلة وبعدها يعاودنا العطش بإستمرار وهكذا الحال على مدى العمر. وأن ما أشار إليه الرب يسوع المسيح هو عن الماء الروحي (الروح القدس)، الروح الذي كان المؤمنين به مُزْمِعين أن يقبَلوه "مَن آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بَطْنِه أنهار ماء حيّ" يوحنا 7: 38. هذا الذي غذّى أفكارها حتى أيقض ضميرها الميّت وروى جذور قلبها المتعطّشة روحيا للطهارة والبر من جرّاء أفعالها اللاأخلاقية السيئة والتي أصطادت بها قلوب الناس وأوقعت بهم في شِباك الخطيئة. وأن هدف يسوع هو أن يُعيدها ويردّها الى الطريق القويم لأنه جاء ليُرجع كل ما ضاع، ويجمع كل ما كان وأعطيَ له من الآب وأن لا يَضيعَ منه شيئا. فنقرأ في يوحنا الإصحاح 6 :37 فيقول الرب المخلّص "كُلُّ ما يُعطيني الآب فإلَيَّ يُقبِل، ومَن يُقبِل إلَيَّ لا أُخرِجُه خارجاً. لأنّي قد نزَلتُ من السماء، ليس لأعمَل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسَلَني. وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني: أنّ كُلَّ ما أعطاني لا أُتلِفُ منه شيئا، بل أُقيمُه في اليوم الأخير. لأنّ هذه هي مشيئة الذي أرسَلَني: أنّ كُلَّ مَن يَرى الإِبن ويُؤمن به تكون له حياة أبدية، وأنا أُقيمُه في اليوم الأخير".

قالت له المرأة "يا سيّد، أعطِني هذا الماء، لكي لا أعطَش ولا آتي الى هنا لأَستقي" لا زال تفكير المرأة مُصوّباً نحو الحياة المادية لأنها قد تعبت فعلاً من عملية الإستقاء وطلبت منه عمّا هو سهل المنال لحياتها المُرهَقة، بينما يسوع حاول تصحيح حياتها الروحية المُثقَلة بالآثام. وأراد أن يُسقِيَ بذور أرض قلبها المتعطشة روحيا بماء الإيمان الصحيح لترتوي وتَثْمُر في المحبة والبر والطهارة، بعيدا عمّا فكّرت به المرأة وأن يشفيها من آلام النواقص الروحية بدخوله هو بنفسه الى أعماق قلبها المتذمّر والمسحوق بالخطايا.

فعندئذٍ طلب منها وقال "اذهبي وادْعي زوجكِ وتعالَيْ الى هنا" ما أراده الرب يسوع منها هو أن يُبعِدُها تماما من أفكارها الدنيوية وأراد مساس وتحريك القلب والضمير وكل ما هو مظلم ومنطفيء في داخلها لأنه كان عالماً كل شيء عنها وإن هي لم تعرف شيئا عنه وبدت مُحرجة ومفزوعة أمامه بعد أن أحسّت بقوة جذبتها نحو الأعتراف بخفاياها، بينما أرادت تماسُك نفسها أمام الغريب ففكّرت بالتملص والهروب من واقع الحال الذي هي فيه. فأجابت مُرتعبة وقالت: "ليس لي زوج".

قال لها يسوع "حسنا قُلتِ: ليس لي زوج، لأنه كان لكِ خمسة أزواج [7]، والذي لك ِ الآن ليس هو زوجُكِ. هذا قُلتِ بالصدق".

توضّحت الصورة الآن أمامها بعد أن كشف الرب يسوع المسيح أسرار حياتها حيث وقفت أمامه مفضوحة ومذعورة وشعرت بأنها مذنبة ولم تَسْتَطِع التملّص من الحقيقة أو إنكارها لأن الكلمات التي إعترفت بها كانت حقيقية وأخرجتها من قلبها الذي انقلب لِيَكونَ منبعاً للصدق والأمانة. حينها أدركت بأن الذي وقف أمامها هو فعلا نبي بعد أن أخبرها عن خصوصيات حياتها بدون دراية سابقة لهما، فقالت "يا سيّد أرى أنّك نبي!" حيث سبق لها أن ألمحت أن يسوع ليس يهودياً عادياً لكونه: بدايةً قد طلب منها ماءاً ليشرب على الرغم من كونها إمرأة سامرية تنتمي الى قوم هم من أعداء اليهود، ومن ثُمَّ نظرته ورؤيته المختلفة للمرأة عن باقي القادة الدينيين الذين ذلَّوا واحتقروا المرأة وأخيراً كشف لها مسائل خاصة عن حياتها.

لمّا رأت المرأة نفسها مُحرَجة ومُرتَبِكة وأرادت الخروج والنفور من الموقف الذي حوصرت فيه، وبسبب الشكوك التي راودتها، إنقلبت الى موضوع لاهوتي وفتحت مسألة ذرّة الخلاف والشقاق الذي بينهم وبين اليهود فقالت:

"آباؤنا سَجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إنّ في أورشليم الموضِع الذي ينبغي أنْ يُسجَدَ فيه"

السامريون لا زالوا متمسّكين بتأصلهم ومكان عبادتهم وهم في خصام وعداء مع اليهود الذين يشككون في أصالة السامريين ويحتقرون مكان سجودهم وهيكلهم، هذا الذي دُمِّر كما أسلفنا عنه مسبقا من قبل الملك اليهودي يوحنا حيرقانوس سنة 110 – 111 ق.م واليهود يتذمّرون ولا يقبلون ببناء معابد وأماكن سجود خارج أورشليم. وكذلك نرى غضب واستياء بني إسرائيل من بني رأُوبَيْن وبني جاد ونصف سبط مَنَسّى عندما بَنَوا مذبحا للرب في أرض جلعاد في دائرة الأردن مُقابِل بني إسرائيل، فإجتمعت كلّ جماعة بني إسرائيل لمحاربتهم... إقرأ في يشوع 22 : 11 – 20.

فقال لها المسيح "يا إمرأة صدّقيني أنه تأتي ساعة، لا في هذا الجبل (المقصود هو جبل جرزّيم... أنظر الهامش رقم 6) ولا في أورشليم تسجدون للآب" عنى يسوع في كلامه بأن أماكن السجود الأرضية هذه ستزول وفعلا حدث ذلك وزالت ودمّرت. فأن المعبد الذي بنَوه السامريين كان قد دمّر أصلا قبل ولادة المسيح بأكثر من قرن، أمّا هيكل أورشليم فقد دمّر سنة 70 ب.م [8] من قبل الإمبراطور الروماني تيطّوس.

 "أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجُدُ لما نعلم. لأن الخلاص هو من اليهود".

السجود التقليدي المنظور وتقديم القرابين والذبائح في المعابد لم تعُد فعّالة لإتمام مطالب الله ومشيئته، لأنّ الله قد ظهر لنا أخيرا مُعلنا اهتمام أبُوَّتِه بمَنْحِه الخلاص لأبنائه المؤمنين. فأنّ مكان السجود الحقيقي للمؤمن هو قلبه فيجب أن يكون بارا ونقيا لسكون روح الله فيه. فقد قال يسوع " ليس كل مَن قال لي، سيّدي سيّدي سيدخل ملكوت الله"

وما عناه هنا الرب بأن السامريين فعلا كانوا قد تأثّروا في عبادتهم بالأمم الوثنية التي سكنت مدنهم بعد سبيهم إلى بابل وآشور وأن إختلاطهم بتلك الأقوام بعد رجوعهم من السبي، تيَسَّرَ لهم تماما أن يبتعدوا وينحرفوا أكثر من طُرُق الرب ويتغاضَوا عن وعده ووصاياه. فأن سجودهم كان أقرب للوثنية وإن كانوا على معرفة بالله وبنَوا معبدا له. إقرأ سفر الملوك الثاني – الإصحاح 17 : 24 – 41  وما مذكور في الهامش 7.

ولمّا كان المسيح قد ولد في أورشليم اليهودية فالذي عناه هو أن الخلاص قد صار من بين اليهود وهذا لا يعني أن اليهود قد نالوا الخلاص وعلى الرغم بمعرفتهم الحقيقية لله وما صنعه الرب معهم فقد عصَوا الرب ولم يتّقوه وانحرفوا ولم يتمسكوا بوصاياه وعهده الذي قطعه معهم ومع آبائهم. إقرأ يوحنا 11:1 "إلى خاصَّتِه جاء، وخاصَّتُهُ لم تقْبَلْهُ". أما بالنسبة للسامريون قد سُبِيوا الى بابل وسكن مدنهم أقوام جيئت بهم من أماكن أخرى مع آلهتم التي صارت للسامريين أيضا من بعد رجوعهم من السبي.

"ولكن تأتي ساعة وهي الآن، حين الساجدون الحقيقيّون يسجدون للآب بالروح والحق لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجُدوا".

بعد أن تجسّد الرب وتجلّى فأن الأمور القديمة والممارسات الطقسية والتقاليد والرموز قد مُحِيَت  وزالت، فقد حان الأوان للسجود الحقيقي للآب الذي بإبنه صار حاضراً وحلّ بيننا والذي أعطانا مُعزِّيا ووسيطاً هو الروح القدس ليَسْكُن في قلوبنا ولِيُقوّينا على الإعتراف بالذي هو الحق. لأننا لم نعد نَسْلِك حسب مُبتَغَيات الجسد التي فيها معاصي وخطايا وموت، بل حسب ما يُنَمّيه الروح فينا من أعمال الحق والبر لنُميت ما هو للجسد. حتى نفهَم أمور الله، وَجَبَ حضور روح الله المُعَلِّم فينا. (اقرأ في إشعيا 66: 1 وميخا 6: 6-8 وأعمال الرسل 7: 48.)

قالت المرأة "أنا أعلم أن مَسيّا الذي يُقال له المسيح يأتي، فمتى جاء ذاك يُخبرنا بكل شيء". فهنا تَيَقَّنت المرأة تماما بأن الذي وقف أمامها وأخرجها من ظُلمات الخطية وأَيْقَظ ضميرَها وصار في قلبها وكشف أسرارها وغسل وطهّر آثامها بعد أن كشف عن نفسه لها وقال: "أنا الذي أُكَلِّمُكِ هو" والذي لم يَكُن بعد قد مَوَّه حتى لتلاميذه بمثل هذا الكلام الواضح. عندها زال كل ارتباكُها ومخاوِفُها وآمنت بأنه هو يسوع المسيح الذي انتظروه كأقرانهم اليهود لأجل الخلاص. فكانت لها فرحة كبيرة لا تُقاس لأنها فعلا لاقت المسيح المنتظر. ومن شدّة فرحتها هرعت مُسرِعة وتركت جرّتها ومضت الى المدينة لتخبر الناس.. "هلمّوا انظروا إنسانا قال لي كل ما فعلت، ألعلّ هذا هو المسيح؟"

كم منّا له الجرأة ليعترف بخطاياه عندما تُكشف وتُعلن أمامنا تماما مثلما فعلت المرأة السامرية. وألاّ ننكرها أو نحاول أن نخفيها بشتى الوسائل وبخلق المبررات لها

تركها للجرة، التي في طيلة فترة حياتها قبل لقائها بالمسيح، كانت في كل مرة تملأها من ماء البئر لتُسقي حياتها المتعطّشة المُشَوَّبة، لم تعد مفيدة وفاعلة بعد أن تيقّنت من ينبوع الماء الحي الذي إنفجر من داخلها والذي صنعه بها الرب المخلص يسوع المسيح بعد أن أعطاها وشرّبها وأرواها من كلماته الحية الأبدية. هذا الينبوع أرادت أن تقاسِمَه مع أهلها ولم تحتفظ به لنفسها فهرعت وهي ممتلئة إيماناً وفرحاً ومحبةً لتُدلي بشهادتها لكل أهل المدينة والتي أستطاعت ببرهانها النجاح في المهمة التي أوكلها الله في دعوة الناس للإقبال الى يسوع المسيح، بينما لم ينجح تلاميذه في مثل تلك المهمات آنذاك الذين كانوا منهمكين بجلب الطعام أو أمور أخرى، وعندما رجعوا إليه  ورأَوْه فرحاً لا علامات جوع أو عطش ظاهرة عليه، حينها ظنَّوا بأن أحداً قد جلب له طعاماً بعد أن سألوه قائلين: "يا مُعَلِّم كُل"، فقال لهم: "أنا لي طعامٌ لآكل لَسْتُم تَعرِفونَه أنتُم". كانت أفكار تلاميذه وتخميناتهم كلها دنيوية ولم يفهموا كلامه الروحي في مواقف كثيرة وحتى إيمانهم كان ضعيفاً ومشكوكاً على الرغم من المعجزات والأعمال الجبّارة التي صنعها أمامهم.    

ومع مكوث المسيح في المدينة وكلامه وتواجده مع أهل المدينة، آمنوا به كثيرون وعلموا وتيقّنوا بأنه هو هو حقيقةً المسيح مُخلِّص العالم 


 

[1]  إقرأ عن إحتلال السامرة في سفر ملوك الثاني الإصحاح 17 : 24. ونقرأ عن العداوة والكراهية التي كانت بين اليهود والسامريين في إنجيل يوحنا الإصحاح 8 : 48 وكذلك في إنجيل لوقا الإصحاح 9 : 52 – 56.

[2]  في بعض الترجمات مذكور ينبوع وجاءت تسمية بئر يعقوب بعد 300 سنة ب.م. لأن السامريين أعطَوا إنطباعا لليهود بأن نسبهم وأصلهم من يوسف ويعقوب لإثبات إنتمائهم الوطني في مساواتهم ومقارنتهم مع اليهود بعد رجوعهم من السبي البابلي. والعهد القديم لا يذكر بأن يعقوب حفر بئرا في الحقل الذي إشتراه وأعطاه لإبنه يوسف في شْكيم من بني حمور (أنظر تكوين 33: 18 ـ 19). وأن عظام يوسف التي أصعدها بني إسرائيل من مصر دفنت في هذا الحقل في شْكيم. (أنظر يشوع 24: 32)

[3]  إذا كان البشير يوحنا قد استخدم في حسابه الوقت حسب التقسيم اليهودي لليوم فأنّ الساعة السادسة التي قصدها هي الساعة الثانية عشر ظهرا، وإذا كان حسابه حسب التقسيم الروماني فإنه قصد إمّا الساعة السادسة صباحا وهذا الوقت لا يُعقل أن يكونوا قد وصلوا مبكرين إلى هناك ومرهقين. أو أنه قصد الساعة السادسة مساءا وهذا الوقت الأكثر مُعتادا للنساء اللواتي يستسقين ويجلُين الماء، ويكون يسوع ومَن معه فعلا مرهقين وعطاشة. (إقرأ في سفر التكوين الإصحاح 24 : 11 وكذلك في إنجيل يوحنا الإصحاح 1 : 38 – 39.

[4]  جبل عيبال Ebal يقع من الجهة الشمالية  لمدينة شكيم يقابله من الجهة الجنوبية جبل جِرِزّيم، وعلى هذا الجبل (عيبال) بنى يشوع بن نون خليفة موسى مذبحا للرب إله إسرائيل كما أمر موسى بني إسرائيل بالوصايا – أنظر تثنية 11: 29 (...فأجعل البركة على جبل جرزيم واللعنة على جبل عيبال.) و 27: 13 (وهؤلاء يقفون على جبل عيبال للّعنة...). وكذلك في يشوع 8: 30 – 35.

[5]  تعبير الماء الحيّ المستخرَج من الآبار أستخدم عند الأولين لأجل تمييزه عن الماء الذي كان يُجمع من الأمطار في أحواض، بينما يسوع كان مقصده الجانب الروحي. أنظر تكوين 26 : 19 و لاويين 14 :5 وكذلك إنجيل يوحنا الإصحاح 7 : 38.

[6]  جبل جِرِزّيم (Gerissim) أو (Gerizim) أو جبل الطور الذي نقرأ عنه في سفر التثنية – الإصحاح 11 : 29 والإصحاح  27 : 11 ما أوصى به موسى شعب إسرائيل ليقيموا على الجبل مذبحا للرب لأجل البركة والنعمة ليسمعوا وصايا الرب بعد عبورهم الأردن. وكذلك نقرأ في سفر يشوع الإصحاح 8 : 30 بناء المذبح حسب أوامر موسى لهم. لكن الأهم من هذا هو بعد الرجوع من السبي البابلي بنى السامريين هيكل للرب على هذا الجبل والذي دمّر سنة  111 - 110 ق.م (أحد المراجع يذكّر بأنّ تاريخ التدمير هو بين سنة 128 – 129 ق.م) من قبل قائد ورئيس الكهنة المكابيين (الحشمونيين) يوحنا حيرقانوس (134-104 ق.م) وهو إبن شمعون المكابيني وإبن أخ يهوذا المكابيني – إقرأ في سفر المكابين 1و2. وأن سبب تدمير معبد السامريين في جبل جِرِزّيم كان لكسب ود وولاء بعض النخبة الدينية المتزمتة وعامة اليهود البسطاء الذين مقتوا المعابد اليهودية المبنية خارج اورشليم.

[7]  هناك تفسير آخر لكلام الرب يسوع المسيح عن "الأزواج الخمسة" التي كانت للمرأة السامرية فيقول بعض المفسّرين بأن هذا الكلام على الأغلب يُتَرجَم رمزيا وأنّ ما قصده يسوع هو الآلهة الخمسة التي صارت لهم والتي كانت للأقوام الخمسة التي أتى بهم شَلْمَنَاصّر (ملك آشور) الى مدن السامرة وأسكنهم فيها بعد إحتلال السامرة وسبا بني إسرائيل الى آشور. وبعد رجوع إسرائيل من السبي كانوا قد إتّقَوا الرب وعبدوا آلهتَهُم كعادة الأمم الذين سَبَوْهُم الى هذا اليوم. إقرأ سفر الملوك الثاني – الإصحاح 17 : 24 – 41.  

[8]  الهيكل بناه الملك سليمان بحدود القرن العاشر قبل الميلاد، الذي دمّره نبوخذ نصّر الملك سنة 586 ق.م في فترة السبي البابلي (إقرأ ملوك2 إصحاح 25). بعدها قام زربابل ببناء الهيكل 537 ق.م بعد رجوعهم من السبي (إقرأ عزرا – إصحاح 1- 3 )، حتى مجيء هيرودس الملك الذي قام ببناء وإتمام الهيكل بعد الزحف الروماني سنة 63 ق.م. وبسبب ثورة اليهود على الرومان قام الإمبراطور تيطّوس بتدمير الهيكل تدميرا كاملا سنة 70 ب.م. وبعدها وبسبب الثورات اليهودية المتلاحقة ومشاغباتهم قام الإمبراطور أدريانوس سنة 135 ب.م بتدمير مدينة أورشليم وبنى معبدا لـ (جوبيتر) على أنقاض الهيكل. 

 

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English