هو ابن النبيل بسطوهماغ أحد أشراف بلدة كوفلانا (قبلان الحالية) الواقعة في مقاطعة
حدياب شمالي ماحوزا أريون. أبصر ايشوعياب النور في نحو سنة 580. ومنذ حداثته عكف
على ارتشاف العلوم في مدرسة نصيبين التي كان يشرف على إدراتها آنذاك حنانا
الحديابي. وسرعان ما ظهر في ايشوعياب الشاب ذكاء وقاد مقرون بميل شديد إلى التمسك
بآرائه الشخصية والدفاع عنها بكل ما أوتيه من الوسائل. وقد تحزّب لغريغور مطران
نصيبين ضد معلمه حنانا. ومن الغريب أن رجلا مثل ايشوعياب لم يزودنا التاريخ عنه
بمعلومات دقيقة تخص ولادته أو تسلمه المهام العظام في الكنيسة الشرقية. أما التاريخ
السعردي فيتوقف لدى وصوله إلى اسم ايشوعياب لكون المخطوطة مخرومة. فلا نعلم متى
أقيم أسقفاً على نينوى، ومن المحتمل أن ايشوعياب الثاني بعد عهده، أي عام 628،
أقامه أسقفاً على نينوى، وذلك مدة وجيزة قبل وفاة الربان يعقوب مؤسس دير بيث عابي،
كما يتضح ذلك من إحدى رسائله إلى رهبان هذا الدير. وبهذه الصفة رافق الجاثليق
ايشوعياب الثاني الجدالي في نحو سنة 630 في الوفد الذي أرسلته الملكة بوران ابنة
كسرى الثاني إلى هرقل ملك الروم. وقد ظل يشغل كرسيّ نينوى حتى قبيل سنة 637. ففي
هذه السنة التي فيها فتح العرب المسلمون هذه المقاطعة، أقيم مارامه أسقفاً على
نينوى. فلا بد ان ايشوعياب كان قد أقيم مطرافوليطاً على حدياب قبل هذا التاريخ.
ولمّا توفي الجاثليق مارامه سنة 649، انتخب مطرافوليط حدياب خلفا له، وظل يشغل هذا
المنصب إلى أن وافته المنية سنة 659.
وكان كاتبًا موهوبًا وإدرايًا حازمًا ومدافعًا غيورًا عن مصالح كنيسته. ففي نظره كل
من ليس من مذهبه يُعتبر هرطوقيًا ولا حق له في الحياة. فنراه، بتعصب شديد في مدة
أسقفيته على نينوى، يجاهد ضد المنوفيزيين الذين أرادوا أن يشيدوا لهم كنيسة في
نينوى، ويمنعهم من ذلك. ونراه يقاوم سهدونا ويحاول دحض أرائه ويرغمه على التخلي عن
أسقفية ماحوزا أريون، ويُنذر بالويل والثبور كل من تسوّل له نفسه بالمروق عن طاعته.
وما أكثر الرسائل التي تبودلت بينه وبين شمعون مطران رواردشير الذي رفض الطاعة له
بعد انتخابه جاثليقاً! ويقول المطران أدي شير إن حاكم المداين اضطهد ايشوعياب في
نهاية عمره، فاضطر إلى الهرب واللجوء إلى دير بيث عابي الشهير. وهناك وافته المنية
بعيدًا عن كرسيه البطريركي سنة 659، ودُفن بجانب الربان يعقوب معلمه.
كتاباته:
يقول عبد يشوع الصوباوي في فهرسه إن ايشوعياب الحديابي وضع كتاب دحض الآراء وألف
كتاب النصائح للمبتدئين واهتم بترتيب الحوذرة والعماد والغفران وتقديس الكنيسة
الجديدة والرسامات على مختلف درجاتها والألحان ومقالات ورسائل مع مداريش وتعازي
رائعة وجدالات ضد قوم من الناس.
أما كتاب دحض الآراء (ܗܘܦܟܼ
ܚܘܫ̈ܒܼܐ) ويسميه التاريخ السعردي ترديد الفكر، فهو موجه ضد الهراطقة وخصوصًا
ضد أتباع حنانا، كما يقول المطران أدي شير في التاريخ السعردي أيضًا، وقد وضعه
ايشوعياب نزولا عند رغبة يوحنا مطرافوليطا مدينة بيث لافاط. وورد ذكر هذا الكتاب في
رسائل ايشوعياب نفسه أما ما وصلنا من كتابات ايشوعياب الحديابي فهو:
أ- الرسائل: لقد وصلتنا 106 من رسائله في مخطوطة جميلة محفوظة في المكتبة
الفاتيكانية يعتقد أنها من القرن الثامن. وفضلا عن قيمة الرسائل الأدبية، فإنها
وثائق نفيسة تطلعنا على تاريخ كنيسة المشرق قبيل الفتح الاسلامي وفي العشرين سنة
التي تلت هذا الفتح. ونشر روبانس دوفال هذه الرسائل سنة 1904 بنصها السرياني ثم
بترجمتها اللاتينية، وهي مقسومة في المخطوطة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول يحتوي
على 52 رسالة كتبها ايشوعياب عندما كان أسقفا على نينوى. أما القسم الثاني فيحتوي
على 32 رسالة كتبها ايشوعياب بعد توليه منصب مطرافوليط حدياب. ويتضمن القسم الثالث
22 رسالة كتبها بعد ارتقائه إلى السدة البطريركية. ولكن أربع صحائف فقدت من بدء
المخطوطة الفاتيكانية. والجدير بالذكر أن هذا التقسيم لا يتفق مع القرائن الموجودة
في الرسائل ذاتها. ولعل دراسة دقيقة على هذه الرسائل تطلعنا على ما يتخلل هذا
الترتيب من الشوائب التاريخية. أما لغتها فهي من الفصاحة بحيث يعسر على غير
المتضلعين باللغة الآرامية الوقوف على معاني التعابير المستعملة فيها. ولقد نشر
القس يعقوب منا الكلداني بعضًا من هذه الرسائل في كتاب المروج النزهيّة.
ب- حياة "ايشوعسبران الشهيد": وصلتنا هذه "السيرة" في مخطوطة وحيدة من المكتبة
الفاتيكانية تحت رقم 161 وترقى إلى القرن التاسع. والقصة تشغل من الصحيفة 190 إلى
216 من المخطوطة. ويقول المؤلف في المقدمة إنه استقى ما يقوله في إيشوعسبران من
إيشوعزخا صديق الشهيد نفسه. وموجز القصة أن إيشوعسبران اهتدى من الديانة
الزرادوشتية إلى الديانة المسيحية، فسُجن في أربيل مدة 15 سنة. ثم قادوه بصحبة اثني
عشر من أقرانه إلى قرية "ديوردا" (بيث دوديري) الواقعة بجانب الجسر الفاصل بين
مقاطعة بيث كرماي وبيث لشفر. وهناك صلبوه عام 620م الموافق للسنة الثلاثين لحكم
كسرى الثاني أبرويز. وكتب ايشوعياب هذه القصة بينما كان مطرافوليطا على حدياب،
وأظهر فيها طول باعه في الأدب الآرامي الخالص، حتى أهلته أن يحتل موضع الصدارة بين
الكتاب الشرقيين. فلغته الآرامية فيها صافية ومحكمة السبك وأسلوبه أنيق وليس فيه
شائبة ولا دخيل من الألفاظ العربية، رغم الاسهاب الذي يتعمده شأن كثير من الأدباء
الشرقيين، حتى إن شابو لا يتردد في مقابلته بفيلوكسينس المنبجي الشهير. وقد نشر
الأب يوحنا شابو هذه القصة سنة 1896.
ج- الطقوس: كان لايشوعياب الحديابي ولع شديد في الطقوس الكنسيّة، وكان يصبو دومًا
إلى ترتيبها وصبّها في قالب جميل جذاب. فكتاباته الطقسية كثيرة وتنسب إليه غيرها
أخرى كثيرة. فهو الذي وضع طقس العماد ورتبة تكريس المذابح الجديدة ورتبة حل
المرتدين والهراطقة وحلّ الخطأة العلنيين ورتبة تقديس الماء والقسم وتجديد الخمير
ورسامات الشمامسة والكهنة والأساقفة.
وقد بذل ايشوعياب جهودًا جبارة في تنظيم كتاب الصلوات المسمى الحوذرة (ܚܘܕܪܐ)
أي "مدار السنة"، الذي أصبح أساسًا لكتاب الفرض الذي يستعمله الكلدان والأشوريون
الآن. فوضع هو نفسه قطعًا كثيرة طقسية في الحوذرة ونظم الصلوات. وتدل البحوث التي
أجريت على الطقس الشرقي أنه لم يطرأ عليه تغيير كبير خلال الأجيال، عدا زيادة بعض
الألحان والقطع القليلة وإضافة بعض أعياد مستحدثة، وحذف التعابير التي كانت تنجلي
فيها الفوارق المذهبية. ويقول توما المرجي: "إن ايشوعياب بدأ بتنظيم هذه الرتب وهو
ما يزال مطرافوليطا حدياب، أي قبل منتصف القرن السابع، وقد أرسلها في عهد بطريركيته
إلى جميع البلدان"، وذلك لتعميم هذه الاجراءات على كنيسة المشرق برمتها. ولا بد أن
الدير الأعلى الواقع على ضفة دجلة اليمنى شمالي الموصل قد اشتغل هو أيضًا وأجرى بعض
التنظيم على الطقوس. ولكن يظهر أن إصلاحه كان متأخرًا عن الاصلاح العظيم الذي حققه
ايشوعياب الثالث. وايشوعياب هو الذي وضع نظام السابوعات (ܫܒܼܘܥ̈ܐ)
في الطقس الشرقي ورتب السنة الطقسية حسب حياة المخلص وأعماله (ܡܕܒܪܢܘܬܐ).
ويقول الربان بريخيشوع براشكافي رئيس دير بيث قوقا إن الطوباوي ايشوعياب الجاثليق
البطريرك باشر تدبير المسيح مخلصنا من البداية، أي من اللحظة التي فيها بشر الملاك
جبرائيل مريم بالحبل بالمسيح. ووضع لكل حقبة أي سابوع عونياث أي تراتيل وصلوات
تلائمها. ودونك السابوعات التي تنقسم إليها السنة الليتورجية الشرقية حسب إصلاح
ايشوعياب:
1) سابوع المجيء (ܣܘܒܪܐ)
وهو أربعة أسابيع والصلوات فيه تدور حول موضوع البشارة بميلاد المسيح المخلص
والنبوءات التي أشارت إليه في العهد القديم وما جرى قبل ميلاده – ثم يكمل الميلاد
بأحديه هذا السابوع فيشكل ستة أسابيع.
2) سابوع الدنح (ܕܢܚܐ)
وهو سبعة أسابيع أو أكثر (حسب عيد القيامة) ويُشير إلى عماد المسيح وظهوره في
الحياة العلنية.
3) سابوع الصوم (ܨܘܡܐ)
وهو سبعة أسابيع ويُشير إلى صوم المسيح وإلى التوبة اللازمة لكل من يريد اقتفاء
آثار المسيح والتغلب على الشيطان والسيطرة على الجسد وقمع أهوائه.
4) سابوع القيامة (ܩܝܡܬܐ)
وهو سبعة أسابيع مع الأحد الذي يتبع الصعود، ويتكلم عن حياة المسيح بعد قيامته وعن
ظهوراته وانتصاره على الموت وعن تهيئة الرسل لتسلم مهامهم الكبرى.
5) سابوع الرسل (ܫܠܝܚ̈ܐ)
وهو سبعة أسابيع ويكلمنا عن حلول الروح القدس على الرسل وانطلاق هؤلاء إلى مختلف
أنحاء العالم لينادوا بالبشرى الخلاصية السارة، وعن الاضطهادات التي شنها عليهم
أعداء المسيح، وعن انتشار الإيمان الصحيح بسرعة فائقة.
6) سابوع القيظ (ܩܝܛܐ)
أو الصيف وهو سبعة أسابيع ويسمى بسابوع (ܚܠܠܝܢܝ)
وهو منهاج للتوبة يدعونا إلى التوغل في التأمل في عواقبنا الأخيرة فنندم على
خطايانا ونصحح مسيرة حياتنا.
7) سابوع إيليا (ܐܠܝܐ)
وهو سبعة أسابيع ويعرض أمامنا انتشار الإنجيل في الخليقة ورجوع الأمم إلى الإيمان
على أيدي الرسل، ويذكرنا بأن الرب سيرسل في الأخير إيليا النبي الغيور فيخزي
الشيطان ويفضح حيله ويبيده، ثم تظهر آية المسيح المنذرة ببدء الدينونة العامة. لهذا
فإن سابوع الصليب – وهو مكون من أربعة أسابيع – يتخلل سابوع إيليا.
8) سابوع موسى (ܫܒܼܘܥܐ
ܕܡܘܫܐ) وهو أسبوع أو أسابيع بعد سابوع إيليا والصليب وقبل سابوع تقديس
البيعة ويُشير إلى أن الأرضيين لا معرفة لهم بيوم مجيء المسيح الذي يكون مجيئاً
مفاجئاً.
9) سابوع تقديس البيعة (ܩܘܕܫ
ܥܕܬܐ) وهو أربعة أسابيع. فبعد مجيء إيليا وإبادته لابن الهلاك، يظهر المسيح
ويُصعد الصالحين إلى السماء ويُدخل الكنيسة عروسه إلى الخدر السماوي ويُجلسها عن
يمينه. وهكذا تنتهي الدورة الليتورجية مع رموزها البديعة وينتهي كل شيء بتمجيد
المختارين.
..... إننا لا ندعي طبعًا أن ايشوعياب هو أول من فكر في هذا الترتيب البديع وصممه.
فمن هذه الطقوس ما كان موجودًا قبل ايشوعياب، ومنه ما أكمل بعده، في الاصلاحات
اللاحقة التي أجريت على الطقوس النسطورية ثم الكلدانية. غير أن اسم ايشوعياب سيظل
مقروناً بالطقس الشرقي لكونه هو الذي جمع معظم أجزائه وهو الذي كان العامل الأكبر
في وضعه موضع التنفيذ في الكنيسة الشرقية عامة. |