طرحت إحدى الأخوات مؤخرًا سؤالا ارتأيت الإجابة عليه بموضوع قصير، والسؤال يخص موقف
الكتاب المقدس من وجوب دفع ضرائب العمل، والعمل غير الشرعي (ما يسمى باللغة السائدة
- العمل الأسود).
لقد دُوّن الكتاب المقدس على مر عصور مختلفة وعهود لم تتواجد فيها أنظمة سوق العمل
أو ضريبة العمل بالشكل الذي نراه اليوم ويسود في معظم الدول الأوربية، لهذا لم
يتحدث أو تناول شيء ما عن هذا الموضوع أو المفهوم بصورة مباشرة.
لكن هناك بعض الأحداث أو مضامين في الكتاب المقدس وخاصة في العهد الجديد نستدل منها
وبوضوح واجب الخضوع إلى أنظمة وأحكام المحيط الذي نعيش فيه والواجب اتباعه، لتكوّن
بعض الأسس الكتابية والمفاهيم السليمة التي تكفل عيش المؤمن بحسب روح الإنجيل من
ناحية ومراضاة القوانين العلمانية من ناحية أخرى. نلخصها كالآتي:
1. جاء قومًا من الفريسيين وفي غايتهم اصطياد الرب بكلمة تكون شهادة ضده عند هيرودس
فسألوه إن كان يجوز إعطاء جزية لقيصر أم لا؟ لكن الرب علم خبثهم وسألهم هو بأن يروه
عملة وعن الصورة والكتابة الموجودة عليها، وكان ردّه على سؤالهم بأن يُعطى ما هو
لقيصر لقيصر وما للـه للـه (متى 22: 15-22).
لقد أجاز الرب دفع الجزية إلى قيصر حتى وإن كان دفع الجزية إلى قيصر لا يشابه
تمامًا نظام الضرائب التي تتبناه الأنظمة الحالية. إن ما يدفعه المرء اليوم كضريبة
عمل وموارد الضريبة تستخدم لصالح العام كتكلفة المدارس، المستشفيات، الرعاية
والعناية الصحية والخدم الأخرى والبنى التحتية للبلد. أمّا ما دفعه المرء سابقا في
عهد قيصر قبل 2000 عام لم يتصور المرء مطلقا أن يعود إليه بشيء أو يسترجعه بطريقة
ما. يأمرنا الرب بأن نتمم ما هو للـه بالطريقة التي توافقه ومشيئته، وأن نتمم ما هو
لقيصر زماننا كذلك بالطريقة التي توافق اللـه.
2. في حادثة أخرى، لمّا جاء الرب وتلاميذه إلى كفرناحوم تقدم الذين يأخذون الدرهمين
إلى بطرس وسألوه إن كان الرب سيوفي الدرهمين، وبدت إجابة بطرس سريعة للوهلة الأولى،
لكن الرب أمره لاحقا بأن يلق صنارة والسمكة التي تطلع أولا يأخذها ويفتح فاها ليجد
استارًا ويعطها عنه وعن الرب (متى 17: 24-27). لقد خضع الرب مع تلاميذه لإيفاء
الجباية أو الجزية، ليؤكد مبدأ هامًا في حياتنا الإيمانية: أن أنتماءنا السماوي
يهبنا طاعة وخضوع لملوك العالم أو الرؤساء، فنلتزم بتقديم واجباتنا الوطنية، وأن
نحمل في داخلنا روح الوداعة والخضوع لحب الوطن وطاعته بروح الرضا والفرح والقناعة.
إن دعوتنا لأن نكون أولاد اللـه والتكريس لخدمة ملكوت اللـه لا يعني تجاهل الحياة
الواقعية، فعلى الإنسان الذهاب إلى البحر (العالم) وإلقاءه صنارته ليعمل حتى وإن
كان بقدر ضئيل ليجد أن اللـه قد أعد له استارًا في فم سمكة. لقد قدّس اللـه العمل
لكن دون أن يكون عثرة له أو يرتبك فيه، أو يتهرب خلاله من دفع ما هو مُستحق أو يدخل
به إلى روح الطمع.
3. أما الرسول بولس وفي رسالته إلى أهل رومية الاصحاح 13 يأمر كل نفس أن تخضع
للسلطة القائمة، لأنه ليس سلطان
إلا من اللـه والسلطان الكائن هو مرتب من اللـه
(رومية 13: 1)، وإن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب اللـه والمقاومون سيأخذون لأنفسهم
دينونة. ويحدثنا القديس يوحنا الذهبي الفم عن خضوع المؤمن لنظام الحكم كالآتي: "إن
كان يليق بنا أن نجازي الذين يضرّوننا بالخير فكم بالأحرى يليق بنا أن نطيع من هم
نافعون لنا؟... وأن هذه التعليمات تشمل الكل كالكهنة والرهبان وليس فقط الذين
يمارسون أعمالاً عالمية...".
لقد حوّل الرسول بولس ما يراه الكثيرون ثقلا إلى راحة، فإن كان الشخص ملتزم بدفع
الضريبة إنما هذا لصالحه، "فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزيّة لمن له الجزية، الجباية
لمن له الجباية، الخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام" (رومية 13: 7).
إن الخضوع والطاعة للرؤساء والسلاطين وأنظمة الحكومات في نظر الرب والكنيسة هو عمل
صالح. فحين يخضع المؤمن، إنما يفرح ويبتهج لأنه عمل أمرًا صالحًا، "ذكرهم ان يخضعوا
للرياسات والسلاطين ويطيعوا ويكونوا مستعدين لكل عمل صالح" (تيطس 3: 1).
4. هذه النقطة ليست لها صلة بالكتاب المقدس وإنما هي من نظرتنا الشخصية للموضوع، إن
العمل الغير الشرعي الذي لا يوفي نظام الضرائب حقه، إنما يحث ويشجع أصحاب العمل على
الاستمرار باستغلال طاقات العمّال بدفع أجور زهيدة مقابل ساعات عمل طويلة، وبذلك
تتقلص فرص العمل للآخرين. كما أن ما يدفعه المرء اليوم من ضريبة ستعود إليه في
المستقبل عند تقاعده من العمل.
كل الاشياء تحل لنا لكن ليس كل الاشياء توافق... والرب يبارك الجميع. آمين |