(1) صلاة. أيها الصالح الذي لا يغضب، يا من يحمل بواسطة طيبته كل سيئاتنا بدون كلل،
املأ قلوبنا سلامًا وحبًا بدون تمييز، والشرير لن يستطيع أن يعكرهما.
(2) شيطان الغضب هذا مظلم وفعله مرير. يذكر النفس بأعمال حصلت في السابق، أو بأعمال
ستحصل، أعني أنه يوقظ الغيظ ويسقي النفس الغضب ويُسكرها. فليس بهذا تتنجس النفس، إن
لم تخرجه إلى العلن بواسطة اللسان فيتعذب الإنسان، حتى ولو كان الشرير يؤلف الكلام
ليُسمع ويُعكر ، وحتى ولو كان يذكر بالأعمال لاستثارة الغضب. وأحيانا يخطف الشياطين
الذهن، ويجعلونه يتيه من قرية إلى قرية، ومن بيت إلى بيت، ويجعلونه يتذكر الجنس
والوجوه والكلمات والأعمال ويظهرونها لعقله. وليس بهذه يصيبه ضرر، إن يثبت في
الهدوء ولا يتيه بالجسد، بل إن النعمة والملائكة توحده بذاته وتنقي عمله.
(3) وأحيانا يسكبون على القلب الحزن والانعصار، ويحرّضون أفكاره: "أخرج لتتعزى
قليلا عند رفقتك، وخفف عنك الشدّة". طوبى لمن يلقي همه على الرب، ويرجو منه العزاء
في كل شدائده، ولا يروّح عن نفسه بتعزيات الأنس والتنزه مع الآخرين. فالعزاء الذي
من الرب لا يخلط نفسه بالتعزيات الخارجية.
(4) وأحيانا تمجدك الشياطين في أفكارك، وتزرع في قلبك الكبرياء، لأنك ترسخت في
الهدوء، ولأنك تدربت في القتال، ولأنك اكتسبت الفطنة ومعرفة الأفكار. وليس بهذا
ستحمل ثقلا وتتبلبل مثل غير المدرب. لكن ادع الرب لمساعدتك، وتذكر أنت نقائصك،
وواضح نفسك بالمعاملة القاسية، فينهزم المبغض وتتواضع أفكارك، وتقتني سلامًا
وديعًا، ويصفو قلبك.
(5) فإذا عرضت لك يا أخي واحدة من هذه الحروب التي وضعناها، لا تتعذب بسبب ترك
القوانين. عظيم هو أجر الثبات في الحروب أكثر من الأعمال الفاضلة التي تجد كمالها
في وقت الراحة. ولا تحتال لتطلب لك نزهة إلى الخارج، ولتهرب من الثبات في الجهاد،
الذي من أجله تعطى مواهب الروح. محاربة الأفكار الشنيعة بمواظبة حياة القلاية
النسكية خيرٌ من التقديس النقيّ خارجها وجمع الأفكار، لأن هذا يتبعه برودة الحركات
وموت النفس، في حين أن الأولى يتبعها الغلوة النارية وفرح القلب.
(6) وإن عرض لك، بدون إرادتك، أن تخرج من القلاية للاختلاط بالآخرين في الطريق أو
في أعمال معينة، انتبه من الدالة والرفقة، وكذلك من التنزه وطياشة الأفكار حتى
الفضلى والقديسة. إشفق يا أخي على نقاوة نفسك التي اقتنيتها بدمك على مر الزمان،
لكيلا تهلكها في ساعة واحدة، ويذهب منها صنيع الروح القدس بالكلام والتنزه. هدئ
لسانك عن الكلام، وحرك قلبك بعملك الخفيّ، إذ تحل النعمة عندما تفتقدك في قلايتك،
وعندما ترى ثباتك في موضع صعب التحفظ. فتهبك بهجة القلب أكثر من الهدوء في هذيذك.
احترس ألا تحل قلبك من ممارسة البكاء، قبل أن تحله النعمة من الأهواء. |