أراد
أحد الملوك، أن يزور قرية نائية في مملكته، تفصلها عن العاصمة الجبال والصحارى
والوديان والأنهار والطرق الوعرة الموحشة. فاجتمع سكان القرية وجربوا أن يبنوا
طريقاً عريضاً. لكن المسافة كانت واسعة، والأودية عميقة، والصخور صلبة. فأرسلوا إلى
ملكهم، يعلمونه بالأمور طالبين جرافة وديناميت وخبراء. ليسهلوا طريق استقباله، وهذا
ما كان. فأشادوا طريقاً عريضاً فخماً، يصل العاصمة بالقرية النائية. واستُقبل الملك
هناك استقبالاً عظيماً، لأنه منح للمنعزلين مستقبلاً زاهرا.
ونسمع
نحن اليوم صوتأً في برية عالمنا، يقول صارخاً «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ،
اٰصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً»(مرقس 1: 3). فهذه الدعوة ليس قصدها إنشاء شارع،
أو بناء بيت، أو إطلاق صواريخ عبر الفضاء. بل تغيير القلوب والتثبيت في الحق،
واتضاع المستكبرين والحياة في الصبر والجودة. وقد أدرك آباؤنا بحق، أن الشريعة هي
الطريق الصالح المؤدي إلى الله. لأن السلوك الطاهر والتقوى العاملة، ترضي الله.
ولكن يا للأسف لا يأتي القدوس إلينا، إذ أن خطيتنا صارت فاصلة بيننا وبين إلهنا.
فأودية عميقة من البغضاء تفصل الناس عن بعضهم. وقلوب متحجرة مضادة لرحمة الله،
ومستنقعات الدعارة تتربص بالشباب الجسورين لتبتلعهم.
ومن
يبدأ ببنيان طريق الله، بواسطة حفظ وصايا الناموس، يدرك بسرعة أنّ إمكانياتنا
البشرية، هي قليلة ومحدودة. وإننا لا نقدر أن نعد طريق الرب.بل كل عمل نقوم به
ينتهي بالفشل والذنب. فالبغضاء تطفو من قلوبنا. الأفكار النسجة تدفعنا إلى أعمال
شريرة.
طوبى
لمن يدرك أنه لا يقدر أن يبني الطريق الإلهي، ويعترف جهاراً بفشله، وطوبى للتائب
الذي يلتمس من الله بالتواضع. أن القدير هو بنفسه يبني طريقه من السماء إلينا
ويزورنا. فمن يصرخ إلى ربه بهذه الطريقة طالباً عوناً وخلاصاً وقوة يختبر في
الإنجيل أن الله قد أعدّ الطريق إلى البشر، وأرسل مسيحه، الذي هو الطريق والحق
والحياة. ولقد جعل الله المولود من روحه طريقاً، لا يتهدم وسبيلاً لا يتشقق، بل
يثبت إلى الأبد. إنّ المسيح هو الطريق المستقيم لكل الناس. وهو لا يكلمنا عن المحبة
فقط بل نفذها بنفسه. لأنه الطهارة المتجسدة والحق الملموس وقوة الله المخلصة. فعاش
بلا كبرياء، وأحب أعداءه كنفسه.
وهذا
المسيح، كان هو المقتدر أن يفجر صخرة ذنوبنا ويملأ أودية بغضتنا بمحبته. لقد رفع
الحاجز الذي كان بيننا وبين الله، ومات على الصليب لأجلنا. وغفر لنا خبثنا، ومنحنا
روحه القدوس، الذي يغيّر قلوبنا ويجدد أذهاننا.
فروح
المسيح، هو ديناميت الله، الذي يعمل المستحيل، وينزع ذنوبنا من قلوبنا، ويوحدنا مع
الله القدوس. فهذا الروح هو الله بالذات، ويحل في قلوب المؤمنين بواسطة غفران
خطاياهم بدم المسيح.
واليوم، هل ندرك أن الله يزورنا، ويأتي إلينا. لقد رسم لنا طريقه في الناموس، ونزع
بالمسيح ذنوبنا، كما تُنتزع الصخور من مقالعها. ويدخل اليوم إلى قلوبنا بواسطة روحه
القدوس. فهذا الروح المتواضع يأتي إلى كل الذين ينتظرون ويطلبون حلوله. فنطلب من
ربنا روحه، ليمتلكنا برحمته فنصبح جزءاً من طريق الله في عالمنا المقفر، لنطلب
خلاصه بواسطة روحه إلى كثير من الضالين.
والروح القدس، يعد اليوم المؤمنين وسط أدغال شعوبنا لمجيء المسيح الثاني. لأن ربنا
سيأتي قريباً في مجده العظيم، وسيعلن حياته على أرضنا الميتة. والروح القدس يحضّر
قلوبنا لظهور ملكنا وقاضينا، لكي نسلك بلا لوم في المحبة والسلام والفرح، ونتزيّن
بمواهب هذا الروح الصالح.
فنصلي لك
يا ربي راكعين أن تزرع الصلاح في روحنا المتعتشطة للثبات في طُرقك والعمل بحكمتك.
آمين في كل الدهور |