من
يؤمن بابن اللـه له حياة دائمة، من يؤمن بابن اللـه لا تتعرقل خطواته ولو سلك في
النار لا يحرقه اللـهيب، من يؤمن بابن اللـه كما قال الكتاب: تجري من بطنه أنَهار
ماء حي.
الحطب الكثير ينمي اللـهيب ومخافة اللـه تكثر المعرفة في قلب الإنسان والعمل يحقق
العلم.
فق
كثيراً إذا كنت تزرع بزار سيدك لئلا يخلط فيه زارع الزوان شيئاً من بذوره لأنه له
عادة أن يعمل في الخير الشر، فلنطلب من الرب النعمة ليعطينا معرفةً وفهماً لنتيقظ
في كل شيء.
الكور يختبر الفضة والذهب ويصفيهما وتقوى الرب تُهذب أفكار الناس وتنقيها.
الصائغ الجالس وراء السندان يعمل أواني حسنة نافعة كذلك مخافة اللـه تجرد كل فكر
خبيث من القلب وتنظفه وتبرز ألفاظاً بمعرفة.
فلنعطِ مجداً لمن منحنا مخافته في قلوبنا لأنه هو الذي يفيد الإنسان علماً.
بدء
الحكمة تقوى الرب، والفهم صالح نافع لكل من يعمل به.
العبادة الحسنة للـه بدء حسن، الحكيم يحفظ وصايا المسيح ومن يسلك فيها لا يخزى إلى
الأبد، ومن يهملها فذاك جاهل ورجائه باطل.
من
يحفظها بتحقيق فذاك قد أنتقل من الموت إلى الحياة، ولا يعاين إلى الأبد ظلاماً، وفي
يوم وفاته يجد دالة ونعمة، وملائكة أتقياء يرشدون نفسه، وأساسه على الصخرة التي لا
تتزعزع ويصير وارثاً للحياة الخالدة.
هذا
هو المغبوط لأنه عرف أن يصنع مشيئة خالقه، إذا ضُربَ البوق يستعد الجيش للحرب لكن
في أوان الجهاد ليس الكل محاربين.
كثيرون عباد بالزي وقليلون هم المجاهدون. في وقت التجربة تظهر دربة العابد وخبرته.
قبل الوفاة لا تغيظن أحداً وقبل الموت لا ييأس أحداً. لا تقل عن ذاتك إنكَ صدِيق
ولا عيب لك قدام اللـه فإن الأشياء التي نسيتها أنت تلك ظاهرة قدام اللـه.
يجب
أن نتيقن إننا إن صبرنا له يكون لعملنا ثمر. أشاء أن أكون عاملاً وممدوحاً عند
الإخوة أكثر من أن أكون مخالفاً للوصايا ومرفوضاً عندهم.
من
يتعلم ويعرف كل كتاب ويعرض عن وصايا المسيح يُضرب جلدات كثيرة، ومن يعمل مشيئة الرب
فذاك يحسب رجلاً كاملاً، ليس المكان يجعل الإنسان تاماً بل الفرز ‘ الإفراز ’.
فليكن للضعفاء موضع معتدل الحد. من هو الرجل الكامل؟ هو من يحب الرب بالحقيقة
وقريبه كما يحب نفسه، أتقِ الرب فتجد نعمة لأن خشية الرب تولد أحوالاً وعادات تتقوم
بِها الفضائل، فأما عدم المخافة فتنتج غيرة مرة ومحكاً ونظائرهما.
مخافة الرب ينبوع الحياة، مخافة الرب تثقف عقلاً عاقلاً، مخافة الرب صيانة للنفس،
مخافة الرب تعطي للمتقي الرب نعمة في كل تصرفه، مخافة الرب مدبرة للنفس، خشية الرب
تضىء النفس، مخافة الرب تذيب الخبث تقوى الرب تنقض الآلام، مخافة الرب تنمي المحبة.
خشية الرب تجفف كل شهوة رديئة، مخافة الرب تقطع اللذة، خشية الرب مأدبةً للنفس
لأنَها تبشرها بآمال صالحة، مخافة الرب تقلد طرق السلامة، خشية الرب تملأ النفس من
الروح القدس وتعطيها لواء ملكوت السماوات.
ليس
في الناس أعظم قدراً من المتقي الرب، المتقي الرب يضاهي نوراً يرشد الأكثرين إلى
الخلاص، المتقي الرب يشابه مدينةً حصينةً موضوعةً فوق الجبل ومن قدام وجهه يتفرق
الجن الخبثاء، النفس التي تخاف الرب مغبوطة لأنَها تتقدم فتبصر أمامها القاضي
العادل كل حين، إن كنت تتقي الرب فأحفظ وصاياه فلا تخزى.
يوجد من يترك موضعه من أجل فضيلة ويوجد من يخلي مكانه التماساً للبطالة وعدم
الخضوع، ويوجد من يضطهد من أجل ميراث ويوجد من يفحص عن أشياء كثيرة مريداً أن يتعلم
الحكمة، ويوجد من يستفحص عن معجمات كثيرة ابتغاء للسبح الباطل.
ويوجد من يحاضر ويجاهد من أجل محبة المسيح ويوجد من يجري ويجتهد من أجل المجد
الفارغ، يوجد من يخضع ويطيع من أجل وصية المسيح ومن يخضع ويذعن من أجل درجة وفائدة
قبيحة.
يوجد من يمدح قريبه من أجل استرضاء الناس ومن يمدح قريبه من أجل وصية المسيح، يوجد
من يثلب قريبه من أجل نَهم البطن ومن يواضع ذاته من أجل وصية المسيح.
يوجد من يثلب ذاته من سفاهة، ومن يكون شديداً من أجل محبة الفضة، يوجد من يعمل
كثيراً من أجل الصدقة ومن يعمل في وقت لا يجب أن يعمل وفي أوان العمل لا يعمل.
يوجد من يرتل ويصيح في وقت لا يجب ذلك وفي وقت الترتيل يسكت أو يكلم قريبه كلاماً
بطالاً، يوجد من يسهر وقت لا يصلح السهر وفي وقت السهر يتذمر.
قد
كتب أن الجحيم والهلاك ظاهران عند اللـه فكيف لا تكون قلوب الناس ظاهرة عنده.
بدء
السيرة الصالحة الدموع في الصلاة أما استماع الكتب الإلهية فهو ابتداء العقل
المقسط.
ربوات كتب في أذان الجاهل تحسب لا شيء ومن هو الجاهل إلا المتهاون بمخافة الرب.
قد
كتب أن قلب الحكيم يقبل الوصايا، وأعطي الحكيم شيئاً فيكون أوفر حكمة، أعرف المقسط
المحق وعلمه فيزيد في قبولك. الابن المؤدب يكون حكيماً والجاهل يستعمل خادماً.
ذوو
الغنى العاجزون يصيرون محتاجين أما ذوو الجزالة فيتأصلون في الغنى، الحكيم إذا خشى
جنح عن الشر والجاهل إذا وثق بنفسه يختلط بالأثمة.
الحاد الغضب يبيع بغير مشاورة والرجل العاقل يحتمل أشياء كثيرة، أكرم الرب فتكون
مناهجك ممهدة، أكرم الكاهن والشيخ لتوافى إليك بركة أفواههما، أكرم الشيوخ لأنَهم
قد خدموا المسيح كثيراً، أكرم إخوتك لأنَهم عبيد المسيح لكي ما تُحَب منهم.
يا
أخي إن أحببت السكوت فستعبي غناك بسكون، من يهرب من سكوت قلايته يتخيل الأمور
الأرضية، والمهتم بالصناعة يشتهي الأشياء المعدة للقديسين في السماوات.
الرب قد تقدم فعرف أفكار العابد إذا اشتهى الكهنوت، فالكهنوت درجة عظيمة إذا أُكملت
بلا دنس.
الملك المحب للمسيح يُطَوَب لأنه خلف تذكاره للبركة ومدحه في السماء وعلى الأرض،
والملك الكافر لا يعرف في حياته حكمة وإذا توفي فقد ترك ذكره للعنة وعاره لن يمحى
إلى الأبد.
كرسي المؤمن مثبت إلى الدهر، القاضي المبتغي العدل تباركه أفواه الصديقين، والظالم
لا تُرحم نفسه لأنه لم يعمل على الأرض حُكماً عادلاً، قد كتب من يُغضِب فقيراً يصنع
لذاته أسواء كثيرة.
لا
تغضب فقيراً لأنه مسكين، ولا تشتم عليلاً أمام الباب لأن الرب يحكم حكومته لأنه قد
كتب أنقذ المأخوذين إلى الموت، ولا تُسلم عبداً إلى يدي سيده لئلا يلعنك فتبيد
وتَهلك، لأنه قد كتب من يشمت بالهالكين لا يتزكى ومن يتحنن عليهم يُبَارك.
المؤمن له العالم وأمواله أجمع، والغير مؤمن لا فلس له، من يرحم مسكيناً يقرض اللـه
ونظير عطيته يجازيه، فقد كتب ميزان كبير وصغير ومكاييل مثناه نجسة عند اللـه كلها،
من يحفر حفرة لقريبه يسقط فيها. أتقي الرب فينقذك في اليوم الشرير.
الملك الحسن التدبير يهتم بمواني البحر، والمجرب في الفهم لا يتوانى في حدود حصونه
والفريقان كلاهما يشرفان في الملك لكثرة تدريبهما ويقظتهما.
الملك المؤمن يتذكر كل حين الدينونة الدهرية، ومن يتذكر القاضي العادل لا ينسى حرية
النفوس التي في الشدائد والضيقات والمحصورة في المحابس والمنافي.
الطوبى للرجل الذي يقتني بالسلطان الوقتي المجد الباقي لأن من هو اليوم ملك غداً
يتوفى، ومن يعمل مشيئة الرب يثبت إلى الأبد، الطبيب الحاذق في تجربة الأمور يصير
مجرباً، التنعم الكثير يولد آلاماً وأمراضاً، والعمل المتعب فيه تعب في الحاضر وبعد
التعب ينتج عافية وصحة.
أيها العابد لا تشتهي لحماً ولا تشرب خمراً للسكر لئلا يتلف ذهنك ولا تفني منك
المهمات العالمية، أكسح النخلة فتسموا إلى العلا وأجتز من النفس الأمور العالمية
فتعلوا إلى الفضيلة.
من
يُقرَف أو يُظلَم فيحتمل فهو يشبه من قد حبس سبعاً في قفص، أما من يخاصم فيشبه من
يفسد ذاته.
أمر
حسن أن توجد في الصلاة الجامعة قبل الكل وتركك إياها من قبل انتهائها من غير اضطرار
ليس حسن، أصبر أيها الأخ وأسمع الكتب الإلهية لكي ما تنتفع لأن كما أن السائر في
الحر حلوٌ عنده كأس ماءٍ بارد هكذا الأقوال الإلهية تندي النفس.
إن
شئت أن تسمع فأصبر، وإن سمعت ستكون حكيماً، وإن كنت تحتمل بتثقل ثقل استماع الكلام
فكم بالحري العامل فمن هنا تعرف ذاتك إنك متوانٍ.
إذا
دخلنا إلى بيت اللـه فلا يكون ذهننا طموحاً يتنزه بل فليشتغل إنساننا الباطن بنظر
اللـه والصلاة، وإذا صلينا وقلنا يا أبانا الذى في السماوات فلنتحرز أن تخطر لنا
الأفكار شيئاً آخر فتزعج ذهننا وتكدره.
وإذا وقفت في الصلاة فأعرف بين يدي من أنت ماثل ولتكن نفسك وقلبك كله ناظراً إليه
تفهم ما أقوله، إذا أخذ إنساناً بيده صرة دراهم ومضى إلى الموسم ليبتاع بقراً هل
يتأمل الخنازير؟
وإن
أراد أن يبتاع حميراً، هل يتفرس في الكلاب؟ أليس كل فكره منتصب في الأشياء التي
يشتهيها لئلا يسخر به فيضيع الذي بيده باطلاً.
وإن
كان الأخ الواقف إلى جانبك مريضاً بالجسم ويتفق له أن يسعل أو يبصق كثيراً فلا
تتضجر منه لكن اذكر أن كثيرين بذلوا ذاتَهم لخدمة سقماء ومجروحين.
وإذا كنت معافى في جسمك فلا تترفع لكن خف فإن كل إنسان في يدي يسوع المسيح مخلصنا
مثل معزفة كثيرة أوتارها في يدي الرجل.
وقد
كتب أن أنظار الأشرار دائماً تتقبل الأسواء، والصالحين فستكون كل حين في مناهج
الحياة التي فيها معقولات، الفقيه ليجنح عن الهاوية ويخلص، لأنه قد كتب أن الغير
مؤدب لا يحب اللذين يوبخونه ولا يخاطب الحكماء.
ومن
يشتم فقيراً يخطئ، ومن يرحم المسكين يطوب إذ قد كتب إن سقط عدوك فلا تشمت به ولا
تعجب بعثراته فإن الرب يبصر ذلك فلا يرضيه ويصرف نظره عنك. من يصم أذنه لئلا يسمع
الضعفاء سيستغيث ولن يوجد من يسمعه.
لا
تفتخر بالأمور التي في غد فإنك لا تدري ماذا يولد اليوم الآتي، لا تعمل سوءاً فلا
تدركك المساوئ، لا تحب أن تغتاب أحداً لئلا تنتزع فإنه قد كتب من يجاوب كلاماً قبل
أن يسمع فذلك سفاهة له وعار، لا يفرح الأب بالابن العادم الأدب، والابن المتأدب
يكون حكيماً.
الحكمة ليست بكثرة تعلم الكتب بل كما كتب بدء الحكمة تقوى اللـه، ومعرفة الشريعة
إنما هي العزم الصالح، الأمانة تنتج العزم الصالح والعزم الصالح يولد أنْهار ماء حي
ومن يقتنيه يشبع من ماءه.
بغير زيت لا يوقد السراج وخلواً من الأمانة لا يمكن أن يقتنى العزم الصالح لأنه قد
كتب من يقصي الأدب يمقت ذاته، ومن يحرز التوبيخات يحب نفسه.
لا
تتكردس بسرعة إلى الخصومة لئلا تندم في أواخرك، الاسم الممدوح مأثور أكثر من الغنى
الجزيل، والنعمة الصالحة أكثر من الفضة والذهب.
بغير صبر لا يبنى البرج وبلا معرفة لا تقتنى فضيلة، ليس للصبر وزن يعادله إن أمتزج
به التواضع، موهبة الصبر تعطى من الرب للذين يحبونه والذين يتمسكون بِها ينقذون من
غموم كثيرة.
الجاهل يكثر أقواله ومن يشفق على شفتيه يكون فقيهاً، العابد العاقل إذا بعث في خدمة
يذهب بزي جميل والذين يبصرونه يعطون للرب مجداً، والجاهل أو السكران يفضح زيه في
القرى بقباحة فيخجل رئيسه وإخوته.
عدم
التقوى يولد فكر الحداثة، وخشية الرب تجعل الشباب شيوخاً، أكرم الرب ولا تفتن
عالمياً، ماثل صموئيل النبي فإنه أرضى اللـه ونفع الناس، وأولئك الذين عدموا التقوى
سقطوا بالسيف.
لا
تعطي الشاب الجموح دالة ولا تطلق شيخاً أن يفعل أفعالاً غير واجبة فإن المتقي الرب
يهتم بشعبه.
التورع والتواضع والمحبة تعلي رأس العابد، وفي أوان افتقاده يلمع شارقاً، بغض أو
حسد مخبوء في ورع هو ماء مر في آواني ذهب فأطرح فيه عود الحياة فيحلوا لأن الماء
حليت من العود فيضمحل منه كل اغتيال الغاش.
بصليب مخلصنا يسوع المسيح تضئ المحبة عين الذهن ومن يحب العداوة والمحك فذاك يضاهي
من يدخل يده بمداومة إلى جحر أفعى.
الدودة في الخشب كالسبح الباطل في العابد وألم محبة الفضة في قلب الإنسان، لا تعلِ
ذاتك لئلا تسقط وتجتلب لنفسك هواناً لأن الرب يعضد الورعين ويذل الخطاة إلى الأرض،
من يعلِّ ذاته يصنع لنفسه هواناً، ومن يخدم قريبه بتواضع يشرف.
من
يتحنن على قريبه في يوم حزنه يتحنن الرب عليه في كل حين لأن رحمة الإنسان كخاتم
معه.
رُب
إنسان إذا ما استولى على شيء يظهر رحوماً ووديعاً ثم إذا نال سلطاناً ينتصب نشيطاً
يأمر ويوعز بلا تمييز فإن انتزعت منه الرياسة لا يستطيع احتمال الأوامر المأمور
بِها منه فذلك كجاهل لم يعرف ضعفه.
يا
أخي في كافة أعمالك تذكر أواخرك فلا تخطئ إلى الأبد، لا تعجب بكلامك ولا تتغطرس بل
واضع ذاتك فإن طائلة المنافقين نار ودود.
أقتني خشية اللـه لترهبك الشياطين لأن الأشياء المصنعة دائماً باطلة، إن آثرنا كلنا
أن نأمر ونترأس فمن هو المأمور والمطيع، إن اشتهينا كلنا الكرامة فمن يزرع الكرامة.
الرجل الحكيم يستعفي من أن يأمر لا من أن يؤمر مكملاً وصية القائل:
من
يشاء أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً، ومن يريد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم
عبداً، كما أن ابن الإنسان ما جاء ليُخدَم بل ليَخْدُم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين.
إذ
اُنصبت مديراً فلا تشمخ بل صر بين الإخوة كواحد منهم. كرر التفكر في أتعابك القديمة
وأعرف أن أُولئك قد تصرفوا في مثل تلك الأتعاب ولا تتوانى بِهم بل أهتم فإنه قد كتب
أن شرف الملك بالأمة الكبيرة، وبنقص الشعب ينصحق المقتدر.
الإنسان الطويل الأناة كثير الحظ في العقل والصغير النفس جاهل جداً، نصلي أن نؤهل
لموهبة فإذا أهلنا لها نتهاون بِها، من يهتم بأخيه بتأديب الرب ووعظه تكون نفسه
حسنة الرضاء عند الرب، ومن يتهاون بحياته يخطئ إلى اللـه.
لا
تفرح بنقص أدب إخوتك لأنك لا تأخذ من الإهانة شرفاً، ولا تحسد نجاح إخوتك فإن
الكتاب يقول: ليس لي أعظم من هذا الفرح أن أسمع عن أولادي سالكون في الحق.
وقد
كتب: أن الذين لا سياسة لهم يسقطون كالورق. والخلاص إنما هو في المشاورة الجزيلة،
إن كان الأخ عالماً فلا تُحزن روحه إن سلك سلوكاً باراً لكن كما استبان ليعقوب وجه
لابان السرياني هكذا فليبصر وجهك.
أفأنت تدعي عالماً فأعرف ذاتك من أعمالك لأنه كما أن الجسم بغير روح مائت كذلك
العالم خلواً من العمل باطل، علامة السيرة أن الفضيلة في الشاب العابد هو الابتعاد
من كثرة النبيذ ومن إكثار الكلام بتواضع.
ومن
يحب هذين لا يكمل سيرة ذات فضيلة، لا تلزم أخاك أن يشرب خمراً للسكر وإن كان قد
ذاقه في مدة من الزمان، لأن المركب يصلح للسفر زماناً طويلاً وإذا صدم لحظة فيكسر.
ولتحب نفسك شاباً وديعاً لكن لا تضع عليه ثقلاً يفوق طاقته كي تنجى بالرب نفسه وإذا
ظهر رئيس الرعاة تأخذ إكليل المجد الذي لا يضمحل.
حصن
بيتك من كل جانب ولا تسمح أن ينقب في بدء تحصنك أياه لئلا يدخل اللص من النقب فيسلب
منزلك وتكون أنت سبباً لهلاكك.
أعطي المحتاج ولا تقل أنه لا يحتاج أهتم به لئلا تدان كالغير ودودين ولا رحومين.
فلنسمع يا إخوتي من القائل: إذ لنا قوت وكسوة فلنكتفي بِهما. فالذين يريدون أن
يستغنوا يقعون في تجربة وفي فخ، وفي شهواتٍ كثيرةٍ غبيةٍ ومضرةٍ تغرق الناس في
الفساد والهلاك لأن أصل الشرور كلها محبة الفضة.
بكل
طاقتك أكرم أباك ولا تجعل فرائض الذي ولدك بالرب منقوضة فإنه بِهذه الحال لا يتقوى
عليك الجن الخبثاء المتجبرون، واضع نفسك قدام الرب جداً فتجد نعمة فإن منازل
الشتامين يقتلعها الرب وينصب عوضهم الودعاء.
ولا
تعيرون إنساناً راجعاً عن الخطية، ولا تشتم رجلاً في شيخوخته لأن الشيوخ شاخوا منا،
ولا تتوانى عن عليل لأنه قد كتب: من يصم أذنه لئلا يسمع من المرضى يستغث ولا يجد من
يسمعه ويسير ممقوتاً في مسكنه.
من
يحمل قولاً من بيت إلى بيت فهو فاعل مخزي فالرجل العاقل يستعمل الصمت.
لا
تدخل إلى قلاية أخيك قبل أن تقرع بابَها فإنه لا يوافق الاضطراب للصمت.
المدبر الفهيم يدهن نفوس إخوته بوعظ الرب وتعليمه والمتهاون يخسر، أمنح الشيوخ
كرامة من أجل الرب ومن أجل أنَهم أوفر من الإخوة علماً، لا تلزم الشيوخ بالعمل
فإنَهم قد سحقوا بالنسك بشرة حداثتهم، الضمير يكفي لمن يتقي الرب.
من
يمكنه أن يعمل ويأكل باطلاً ليس بإنسان صالح إذ الرسول يقول: حفظت لكم ذاتي غير
مثقل وأحفظ. وقد كتب الطوبى للرحومين فإنَهم يرحمون.
لا
تظلم قريبك محتجاً بالمكان فإن الكنيسة ليست بالعُمْدَان بل بالناس لأنه قد كتب:
ويل لمن يحتشد لذاته أشياء لم يكن له منها شيء فإن الذين يثلبونه ينهضون بغتة
ويتيقظ عليه المغتالون ويصير لهم جدوى يختلسونَها.
من
يبني منزله من الظلم إنما يبني لِذاته شهادة الهلاك لأن القديسين مقتوا كل طريقة
ظالمة، عطب عظيم صبي في كنونيون " شركة " سيما إن كان ليست في الوسط سياسة وليس من
يربي.
مغبوط من يرضي اللـه، الراعي الذي ينام خارج حظيرة الغنم لا يسبب لذاته خسارة يسيرة
لأن فرح الذئاب رقاد الرعاة.
إن
تواضع الأخ تحت يدك فأفطن أنه ليس من أجل خشيتك تذكر إذاً الرب وما صبر من أجلك ولا
تسىء إليه، لا ترغب في ربح فيه خسارة للنفس لأنه ماذا أكرم من النفس قدراً.
عابد مسكين يسكن بتواضع أفضل من عابد موسر يتصدق بتكبر وتشامخ. لا تربطن ذاتك بعهد
مع الأخ بل فليكن لك ألفة بمخافة اللـه.
يا
عابداً أحذر أن تؤثر أن ترضي الذين يعقلون المعقولات العالمية فتضيع سيرة العبادة
بل كن موسوماً بمخافة اللـه طول النهار.
العابد المتذمر يخسر كثيراً ومن يحتمل بأناة يرث الفرح.
لا
تسأموا يا إخوتي فأننا لا نريد أن نكون في هذا العالم دائماً، كل ما يصنعه الإنسان
من أجل الرب فهو ربح له لأن الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة واللـه يبطلهما جميعاً.
أيها العابد إن أصغيت إلى ذاتك فترحم ذاتك أولاً ثم تفرح الذين يحبونك لأن الحكمة
تقول: يا ولدى إن كنت حكيماً فستكون حكيماً لذاتك ولقريبك وإن ظهرت رديئاً فتعرف
المساوئ وحدك.
أيها العابد أفهم ما أقول لا يكن لك من خارج وفي القلاية هياج لئلا تشابه القبور
المبيضة التي تبين من ظاهرها بيضاء ومن باطنها مملوءة عظام الناس والنجاسة لأن في
كل مكان الإله الواحد الذي له المجد إلى أبد الدهور. آمين.
أطرح فكر الكبرياء قبل أن يذللك، أهدم فكر ترفع القلب قبل أن يهدمك، أحزن الشهوة
قبل أن تغمك، لا تعيرن أخاً لا جلوس له في قلايته لئلا تسقط في ألمه.
إن
جلست مع شيخ كبير لا تحدث بفضائله فقط بل تشبه بسيرته لأن هذا نافع لك.
أيها العابد أطل أناتك على مبتدئك فإن الأشياء كلها مستطاعة عند اللـه.
المبتدئ الذي ليس له أتضاع ليس له سلاح بإذاء المعاند ومن هو هكذا يتهشم كثيراً.
من
يشتهي راحة جسده يصطنع لذاته أوجاعاً كثيرة أما الطويل الروح فيخلص.
المدبر الفهيم لا يستحقر استماع مفاوضة المبتدئ مع من هو أعظم منه والعالم يستفحص
تحرير كلام المبتدئ إلى من هو أكبر منه.
من
يكثر أقواله في الكنونبون يكثر لنفسه خصاماً وبغضاً ومن يحفظ فمه يُحَب.
يا
أحبائي جليلة هي الطاعة الصائرة من أجل اللـه، فبهذا أعرف الطاعة التي يرضي اللـه
بِها، الطاعة الصائرة من أجل اللـه هي مملوءة قداسة.
جاهد إلى الموت عن ذاتك ولا تستحي من سقطتك فقد يجتلب خجل خطيئة وربَّ خجل يتجلب
شرفاً ونعمة.
يا
حبيبي إن سقطت في مرض فأذكر القائل: يا ولدي لا تسأم من تأديب الرب ولا تنحل إذا
وبخت منه فإن الرب يؤدب من يحبه ويجلد كل ابن يقبله.
مرض
أخ في وقت ما وقال في ذاته: ويلي أنا الخاطئ أنني عازم أن أصارع هذا الألم. ولما
صار معافى سقط أيضاً في ألم أخر أصعب من الأول، وقال ذلك القول أيضاً لكنه لم يظهر
سريعاً ألمه لإنسان بل كان يطلب من الرب رأفةً ليهب له عافيةً من المرض وقوة من
العلة.
إن
أتى إليك روح الضجر لا تدع له مسكناً عندك بل قاتله بالصبر، لا يقنعك الفكر قائلاً:
أنتقل من مكان إلى مكان فإنك إن تنازلت لهذا الفكر فلا تثبت في موضع قط، فقد كتب
بماذا يقوم الشاب طريقه؟ بحفظه أقوالك. بِهذا يخلص.
خاصة المتصرف مع إخوة بأن يقتني مخافة اللـه والعفة في نَهاية غايتهما اللتين منهما
تتولد المحبة والفرح والسلامة والطاعة وطول الروح والمسك والصبر وكل المناقب
اللائقة بالمسيحيين.
ويصير سريعاً إلى الاستماع بطيئاً في التكلم ممسكاً عن الغيظ لأن غضب الإنسان لا
يصنع عدل اللـه، ويكون بصيراً كمن لا يبصر إلى الأمور الغير نافعة ولا موافقة.
وسامعاً كمن لا يسمع الأشياء التي لا تغني، ويجعل ذاته أدنى وأخر الآخرين فيجد
راحة، لأن من يواضع ذاته يرتفع ومن يرفع ذاته يوضع.
إن
بدأت أن تأمر بأمر ولا تتعب بقدر طاقتك فسيصير لك تعباً عند الأواخر لأن ليس كل وقت
يهب هذا الريح نفسه لكن للرياح تغيرات وتنقل.
فلهذا نحتاج أن نعود ذاتنا على العمل لأننا لا نعرف ماذا ينتج اليوم الآتي، فليكن
قدام عينيك دائماً القائل:
لا
تدينوا لئلا تدانوا لأنه بالدينونة التي بِها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون
يكال لكم.
لِمَ تبصر العود الذي في عين أخيك ولا تتأمل الخشبة التي في عينك أيها المرائي أخرج
أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تبصر أن تخرج القذاء من عين أخيك، وبلا محال أنك ستجد
نعمة قدام الرب والناس.
لا
تطلق لعينيك أن تطمحا ولا تتأمل تَصَفح جمالاً غريباً لئلا يتناولك معاندك بعينيك.
لا تغاير سيرة المتوانيين بل سيرة المزينيين بكل فضيلة.
يا
أخي لا تتعربس فإن الأشياء الصائرة خارج مخافة اللـه ليس فيها شيء أخر إلا لؤم
وندامة، مغبوطة النفس التي تخدم اللـه بتحقيق فإنَها ستجد نياحتها من عند اللـه في
أواخرها.
توني قليل ينتج خطيئة عظيمة، ويقظة يسيرة تسترجع خسارة كبيرة، أمر مفضل أن تأكل
بالرب وتشكر له من أن لا تأكل وتدين الذين يأكلون ويشكرون الرب.
إذا
جلست على المائدة فكل خبزاً ولا تغتاب قريبك لئلا تأكل لحم أخيك بالاغتياب.
لأنه قد كتب: "الذين يأكلون شعبي في إغتذاء الخبز ولم يدعوا الرب".
إذا
كنت معافى بالأمانة فكل كل شيء يقدم لك بالرب، فإن قدم لك طعاماً ما لا تشتهي أن
تأكله فلا ترده إذا كان أكثر الجلوس معك يريدون أكله ويشكرون الرب.
وإذا جلست على المائدة فكل أكلاً لائقاً بالإنسان ولا تحول نظرك حولك كمن لا أدب
له.
قال
أخ لست أستعفي للصون من أكل اللحم لأن كل ما يراه اللـه جيد وليس شيء نجس إذا أخذ
بشكر لأنه يتقدس بقول اللـه والتضرع، لكن قد كتب لا يوافق للجاهل أن يتنعم.
وعدم أدب للعابد أن يأكل قرصاً صحيحاً والكسر موضوعة قدامه، لا تستحقر الكسر فإن
الرب قال لتلاميذه أن يجمعوا الكسر التي فضلت لئلا يضيع منها شيء.
أيها الحبيب إن أنغلب أخ وأنصرف من موضعه وبعد ذلك ندم وأراد أن يرجع فلا تمنعه بل
أولى بك أن تعزيه وتلاطفه ليعود لأنك لا تعرف ماذا ينتج اليوم الوارد، فلا يجب أن
تستحقر مثل هؤلاء كملعوب بِهم بل يجب بالحري أن تعتنق أمرهم أكثر من المعافين من
المرضى.
إذا
سكنت مع إخوة فلا تصر لأحدهم سبباً من أن يفارقهم لئلا تدان في ذلك العالم، وتحرز
جداً من أن تقلق أحداً فلا تفرز من ملكوت السماوات مع صانعي الشكوك.
إن
مرض أخوك فأتعب معه لتؤهل أن تسمع من الرب في ذلك اليوم: " إذ قد صنعت إحساناً بأحد
إخوتي هؤلاء الحقيرين فبي فعلته". من يتوانى بعليل يغيظ من أدبه، ومن يشمت بسقطة
أخيه سيسقط سقطة مذهلة.
لا
تقل اليوم أخطئ وغداً أتوب، لكن الأوجب أن تتوب اليوم لأننا لا نعلم إن كنا ندرك
الغد.
يا
أحبائي إذا أخطأنا فلنتب فإن الرب يقبل توبة التائبين بالحقيقة، أيها الأخ لا تقل
أن هنا قتال وضيقة وهناك راحة وعدم هم، من هو الذي يقاتلنا إن كنت تعرف؟ أليس هو
عدونا المحال.
أسمع منذ الآن ماذا يقول في خبر أيوب " قال الرب للمحال: من أين أقبلت؟ حينئذ قال
المحال للرب: من الجولان في الأرض ومن التمشي فيها".
فأعرف أن الشيطان موجود أينما مضيت وأثبت إذاً في المكان الذي دعيت إليه وناصب
المحال فيهرب منك، وأقترب إلى اللـه فيدنوا منك.
من
يحب الذهب لا يتزك ومن يحب الرب يبارك، من يتوكل على الذهب يسقط ومن يتوكل على الرب
ينج.
الويل لمن يدخله عدم الأمانة وفقد التقوى ونقص الرأي وقلة المعرفة والجهالة
والوقاحة فسيكون حظاً للثعلب.
مغبوطة النفس التي تسكن فيها خشية اللـه، من لا يرضى أن يخدم سيداً واحداً سيخدم
كثيرين، ومن لا يحتمل أن يخضع لرأس واحد سيخضع لكثيرين في أماكن متباينة، من لا
يثبت في عمل صناعة واحدة سيتهشم في أعمال مختلفة.
من
يزين ثيابه يضر نفسه، لأن الثياب الجزيلة أثمانِها تعيب نفس العابد والثياب الحقيرة
تنفعه.
إن
الكبرياء والجسارة وعدم الحس وفقد الخجل وعدم الإفراز تعيب العابد عيباً خبيثاً.
عيب العابد العين الطامحة لأن العابد الطامح يجمع أوجاعاً كثيرة لمن يتبعها.
إن
لم تمسك من أن تطمح بعينيك فلا تشق يمَّ العفة مستوية، عيب الرجل أن يسكر بالنبيذ
رأيت كثيرين ولم أشبههم به.
العابد المفتخر بقوته سيفه أول خزيه وعاره أن يفتخر بقوته لأن المفتخر ينبغي بالرب
أن يفتخر.
الجاهل في الضحك يعلي صوته، وأجهل منه من يمشي ويحرك كتفيه وساعديه معاً تحريكاً
بتألم.
وعلامة نقص الأدب في العابد أن يرفع جانب مزرته الأيسر رفعاً بألم، العابد المتأدب
يتورع في كل شيء.
الألم المبوق في الإنسان يعوده أن يحلف بفمه، لا تجعل لفمك عادة الحلف لئلا تتكاثر
جهالتك وعوض العدل تجمع لذاتك خطية.
شرف
العابد أن يتقي الرب ويحفظ وصاياه، شرفه أن يواضع ذاته للكبار والصغار، شرفه
الإفراز والتواضع، مجده عدم الحقد والصبر والتيقظ في كل عمل صالح.
لا
تحتقر شيخاً إن أراد أن يجىء إلى تعب العبادة لأن الرب لم يطرح الذين عملوا من
الساعة الحادية عشرة، فانك لا تعلم إن كان إناء مختار.
إن
أحببت الكبرياء فقد صرت من حظ الشياطين، إن أحببت التواضع فقد صرت من حظ السيد
المسيح.
إن
اقتنيت الفضة ستنصرف من هنا فارغاً، وإن أحببت عدم القنية فلا تعدم الغنى السماوي.
إن
أخفيت في قلبك ألم الحقد فقد صرت خزانة للغضب وعدم المعرفة والحزن ويستحيل منظر
وجهك لأنه قال: إن طرق الحقودين مؤدية إلى الموت. الرجل المترفع الرأي يحزن كثيراً
والمتواضع يفرح بالرب كل حين.
استعلاء الرأي يبتغي في كل حين إكراماً وتواضع الذهن لا يشمخ ولا يحزن من هوان لأنه
ينتظر الثواب من اللـه.
من
يخفي في قلبه حقداً يشبه من يربي حية في حجره.
لا
تعطي قلبك حزناً لأن حزن العالم يصنع موتاً والحزن الذي من أجل اللـه يصير سبب حياة
دهرية.
يا
حبيبي أطلب الرب بكل قوتك لتخلص نفسك، ولا تسكن الرذيلة في قلبك، وكما أن الحاجز
يرد نَهضة المياه هكذا الرذيلة ترد المعرفة من القلب.
إن
ابتغيت العدل تأخذه وتلبسه مثل تاج الشرف، العابد المشتبك بأمور العالم يخسر كثيراً،
ومن يصبر في الأتعاب النسكية لن يخسر أصلاً.
من
يعطف فكره إلى الأشياء العالمية بعد زهده ومفارقته إياها فلا يفضل شيئاً على غيره،
ومن يظن أنه يلعب بالأمرين جميعاً فإنه يخادع ذاته لأنه قد كتب أن اللـه لا يخادع.
لأن الذى يزرعه الإنسان إياه يحصد.
يا
عابداً لا تجل بنظرك في شوارع المدينة، ولا تطف في أسواقها لئلا يلتقيق عارض قتزلق
نفسك إلى الهلاك.
التشامخ يعمي عين الذهن، وأما التواضع بالمحبة فيضيئها، لأن الرب يعلم الودعاء طرقه.
يا
أخي لا تتورط في حمأة الطين، وأبعد ذاتك من إنسان سالك في عدم التقوى.
ردىء للرجل أن يتوكل على ذاته، ومن يتوكل على الرب يسلم، من يزين ثيابه وينظفها
متكبر، المتكبر نسر بلا جناح، المتواضع ساعٍ خفيف ومثل رامٍ يصيب الإشارة.
كما
أن الحديد يدق كل شيء ويضمره هكذا التواضع الذى من أجل اللـه يفني حيل العدو
ويبيدها.
كما
أن البوق للبوقي والسلاح للجندي هكذا هو التواضع للعابد.
أيها الأخ بادر أن تدخل مختاراً في الطريقة الضيقة قبل أن تدخل قسراً فيما هو أضيق
منها.
فخر
الإنسان العالمي أن يطوف متنزهاً، وفخر العابد أن لا يعبر فكره أسكفة بيته.
أسمع يا حبيبي إن المجاهد إذا جاهد يطبق فمه، فأطبق أنت فمك من الأقوال الزائدة
فتكون لك راحة.
قيل
من يجد الحكمة هو عظيم الشأن لكنه لن يفوق المتقي الرب.
المبتدئ شيء عظيم لكنه ليس مثل الصبور.
المحل الأول جسيم لكنه ليس مثل من يتمم.
لا
تحب الراحة البشرية لئلا تجد فيها خسارة روحانية.
لا
تفحص عن الأمور التي ليست لك لئلا تضيع التي لك.
لا
تكد ذاتك في عمل لا حد له لأن كل الأشياء التي تعمل بحد وترتيب نافعة حسنة.
من
لم يقتني مخافة اللـه في قلبه ولو أكل كل يوم لبناً وعسلاً لا يستطيع أن يسكت.
الإنسان المؤمن يحتمل بشهامة، أثبت في نير الرب الصالح لتفلت من نير هذا العالم
الفاقد الصلاح والثقيل.
لا
تداوم المضي إلى قلاية أخيك. إن كان لك كتاباً نافعاً وسمعت أن أخاً يريد أن
يستعيره فأعطيه إياه بلا حسد.
وإذا استعرت أنت هذا الشىء يا حبيبي فأحفظه باهتمام وأدفعه إلى صاحبه بسلام.
أن
استعرت من الكنونيون كتاباً فلا تطرحه في قلايتك متهاوناً به بل أحفظه وأطبقه
باهتمام بما أنه شيء للـه.
الجسور يُخجل رئيسه وإخوته، والعابد الحكيم يتورع.
النسك يذيب الجسد وكثرة الأكل يكثف الذهن.
لا
يكمل ترتيب العمل بغير حزن، إذ يعطى العابد صبراً في قلايته، لكن مخافة اللـه، وذكر
الموت، والتعاذيب، والعمل، والصلاة، ودراسة الكتب الإلهية، أفضل من أن يفني الساعات
ويشتغل بالكلام الباطل الذي منه تتولد الوقيعة.
لا
تجرب أخاك باختلاقك أقوالاً مضحكة لئلا تُدفع إلى الشدائد لأنه قد كتب من يماحكك
بأقواله لا يسلم من أن يجعل ذاته ممقوتاً برداءة عقله، ومن يحب الذين يحبونه أي
ثواب له إذ الرب يقول " أليس العشارون والخطاة يعملون هذا الأمر بعينه ".
الإنسان الجاهل يقلق نفوس الإخوة، والطويل الأناة يتقي الرب بمحبة.
لا
تستثقل بالتعب الشبابي، ولا توافق شيخاً لا فهم له، الشيوخ الفهماء هم بعد اللـه
عصمة الإخوة.
إن
مسك العينين والبطن واللسان هما تقويمة عظيمة.
الإنسان المتزايد في الرحمة يتلألأ كالمصباح.
كمن
يكنز لنفسه خيرات هكذا من يمدح قريبه في غيابه.
أتقِ الرب فتجد الخيرات.
لا
تسلك مناهج الخطاة بل أقتفِ طرق الصديقين.
إن
أحببت طريق العدل ستجد الحياة الدائمة.
إن
أحببت الصمت ستقطع سير مركبك بسكون.
إن
أحببت السكون صرت محبوباً من الكل.
إن
رددت عينيك لئلا تبصر أشياء غرارة ستجد أفكاراً نقية.
إن
ثبت على المسك والحمية فقد ألجمت شيطان الزنا.
إن
أحببت المسكنة فقد طرت شيطان محبة الفضة.
من
يكنز ذهباً في قلايته إنما يكنز آلام استعلاء الرأي وعدم الطاعة.
من
يخزن لذاته صلوات وصدقات يستغنَ لدى اللـه.
إن
قوماً آخرين اكتنزوا لذاتِهم أموالاً، فأنت أخزن لنفسك صلوات وصدقات.
آخرون يفرحون بالأصوات والأغاني الموسيقية، فأفرح أنت بالترنم والتهليل وبالتمجيد
للرب.
آخرون يسرون بالبطر والسكر، فأجذل أنت بالمسك والقداسة.
آخرون يطربون باللذات، فأفرح إذا صنعت مشيئة الرب.
آخرون يسرون بشرف فارغ، فأبتهج أنت بالرب الذي أعد لك وللذين يحبونه إكليل المجد.
الإنسان المحب للمسيح هو برج لا يحارب، والتام في المحبة هو سور لا ينقب.
إن
أردت أن تدرس ماشياً فأدرس صامتاً فيهرب السبح الباطل.
جيد
هو تقويم من يغلط ولا يضحك عليه.
الرياح القبلية تخبط البحر، والحمق يزعج فكر الإنسان.
الطويل الأناة يطرد الغضب، وحيث يوجد غضب فقد سكن الغيظ.
يا
حبيبي إن لم تشأ أن تبني فلا تنقض المناقب المبنية. إذا لم تريد أن تنصب فلا تقلع
الغروس المنصوبة.
يا
أخي إن لم تشاء أن تسكت فلا تقلع رأي الذين يسكتون.
يا
أخي إن لم تريد أن ترسل للرب تسابيح فلا تبطل الذين يسبحون.
الغني إذا تكلم يصمت الكل ويرفعون كلامه إلى السحب، واللـه يخاطبنا بالكتب المقدسة
فلا نريد أن نسكت ونسمع لكن واحد يتكلم وأخر يتناعس وأخر تجول أفكاره خارجاً، فماذا
يقول الكتاب؟ " من يرد مسامعه لئلا يسمع شرائع العلي فصلاته ترفض ".
المتواني يستعجل في الصلاة ليسمع آمين، والمتيقظ إذا صلي لا يضطرب، فليكن بعيداً
منا المقول بالنبي: " أنت قريب من شفاههم بعيد من قلوبِهم ".
لا
تُقلق أخاً ولا توافقه في خطيئة لئلا يسخط الرب عليك ويسلمك في أيدي الأشرار.
الطوبى للإنسان الذي لا يفتن على قريبه ولا في أمر واحد من الأمور فإن ثوابه كثير
في السماوات.
من
يتجسس بلا تمييز ولا إفراز يشكك كثيرين.
إن
لم يضع الإنسان أولاً خطاياه بين عينيه في كل موضع فلا يمكنه أن يسكت.
الطوبى لمن يبتدئ بسيرة جيدة ويكملها بمرضاة الرب فقد كتب: " من يكرم أباه يسر
بأولاده وفي يوم صلاته يسمع منه ". من يشرف أباه تطول أيامه وفي يوم وفاته يجد
نعمة، أكرم أباك بالقول والفعل لترد إليك البركة منه، لا تتشرف بإهانات أبيك فلا
يكون لك من الهوان شرفاً.
إن
شرف الإنسان إنما هو من إكرام أبيه، وعار الأولاد أم ذات هوان.
أيها العابد عوض والديك بالجسد لك من ولدوك بالرب وبالروح، الذين يرشدونك إلى
الحياة الدهرية.
يا
أخي أسمع القائل: يا ولدي تمم أعمالك بوداعة فتُحب من الإنسان المقبول، بمقدار ما
أنت عظيم بمقدار ذلك واضع ذاتك فتجد لدى الرب نعمة لأن قدرة الرب عظيمة، ومن
المتواضعين يشرف ويمجد، مصيبة الكبرياء ليس لها شفاء لأن نصبة الخبث قد تأصلت فيها.
ثلاثة أنواع تكثر الضلال والغرور والرابع ليس صالحاً:
(1)
عدم الطاعة للشاب.
(2)
وشيوخ يحسدون نجاح الشاب.
(3)
والمتورع إذا جنح إلى الأشياء الظالمة.
(4)
والرئيس إذا أحزن نفوس الإخوة بغير معرفة.
أربعة أشياء تكنز شرف المناقب والخامس صالح قدام اللـه والناس.
(1)
ألفة الإخوة بوداعة وعدل.
(2)
وأخ يعظ أخاه بمخافة اللـه.
(3)
وشاب يخضع للشيوخ مثل أسياد له.
(4)
ورئيس يحب إخوته كما يحب ذاته.
(5)
ويهتم بخلاص نفوسهم.
بالحقيقة إن الكبرياء رديئة للرجل، على كل حال يا حبيبي لا تحب الكبرياء فليست فيها
منفعة، كل ألم إذا أُهتم به ينال البرء أما ألم الكبرياء هو شر صعب الشفاء لأنه
يطرح دواء البرء ويركب لذاته سماً قاتلاً لا يوجد في عبيد السيد المسيح.
فخر
العابد الكلام الصادق المرتب حسناً، ومن يحب المزاح والخلاعة فهو جاهلاً.
عيده حفظ وصايا المسيح وعزاؤه اجتناب فعل الشر، فرحه السفر إلى الرب، وفخره مخافة
الرب.
ما
أمكنني أن أشارك فلسفة العالم بل أسأل الرب أن يمنحني نعمة مع غفران الخطايا أفضل
من الزبرجد والياقوت، وأجل قدراً من خوابي مملوءة ذهباً، وأرفع سمواً من كثرة علم
هذا العالم.
أشكرك أيها الرب فأنك لم تعدمني طلبتي ولم تعرض عن ابتهال عبدك العاطل لأنك أنت هو
رجاء اليائسين ومغيث الذين لا عون لهم.
فليكن اسم عظمتك مباركاً
إلى
دهر الدهور
آمين |