1)
سألتني، يا أخي، كيف يكون الله كله في أي موضع، وهو غير محدود بموضع. فبقدر ما
أعطتني نعمة المسيح جابلي بمعونة صلاتك، إسمعني أخبرك بمثل صغير كيف يختفي سر القوة
الضابطة الكل، بقدر ما يستطيع ضعف ذهني الذي لا يستحق هذه الأشياء.
2)
تأمل يا اخي ناظرًا بفهم كيف أن طبائع العالم كلها هي ممتلئة من النار وكيف أن هذه
هي مخفية فيها بغير تأثير علني بينما هي في كل موضع تشاهد دون أن تحد. النار مخفية
في حصاة صغيرة ولا ترى. ومعها أيضًا كل القوى المتحدة بطبيعتها. وإن أراد إنسان أن
يُخرجها منها، تر لحظة ثم تخرج وهي ثابتة فيه دون نقصان. وإن أعطيت مادة، أحرقت
غابات كثيرة وجبالا وبراري وكل ما يصلح للوقود. حينذاك تظهر قوة كلية طبيعتها وكيف
أنها مخفية في جسم صغير وحقير مع شرارات إشراقها وحرارتها. ولا نجدها بشكل محدود،
بل هي هنا كلها مع قوتها، بقدرة كليتها، إذ لا شيء يستطيع حدّها. وكليتها لم تضعف.
وتظهر شدتها بفعلها جُملة، مختفية ههنا في الأجسام الحقيرة، ومنها تراءت لنا كلا في
كل موضع دون أن تكون محدودة بموضع.
3)
أنظر يا أخي كيف تتعرف، من حصاة صغيرة، إلى هذه الطبيعة المُمجدة التي هي مختفية
كليًا في كل موضع من دون أن تكون محدودة بموضع. تبصر يا أخي عقليًا بهذا المثل،
ببصر يجاوز كل شيء وينفذ إلى ما هو فوق كل شيء، ويزيل كل ما هو أمامه ويقوم في وسط
النور. بخصوص الطبيعة الممجدة والطوباوية التي خلقت الكل في الكل وتسكن فيه بلا
حدّ، إذ هي كلها في كل موضع والعوالم كلها لا تحدها، اسمع ما تقوله الكلمة عن هذه
الطبيعة التي لا ينطق بها، أعني: "إنها تسكن في قديسيه"، وفي كل واحد منهم، كلها
بكليتها مع الأشعة التي وردت من حضنه، وهي قواته التي لا توصف. وحينذاك، هي تفعل
قوتها كلها وتظهرها هناك بدون أن تكون محدودة. آه! ماذا أقول أنا ههنا؟ قطع الدهش
ذهني من مسيره، وضعفت يميني، وسقط القلم حالا. ومنعني من القيام بما تستعد له
مشيئتي، عندما أومأ إلي هنا بأن السكوت أصلح.
4)
أنزل نعمتك عليّ أيها الصالح لأتكلم عن عظمتك بمقدار ما تأذن أنت، لا بمقدار
الموهبة التي تعطيها للرؤية الذهنية. فها التعجب والإعجاب والانذهال لا تسمح
بالخروج إلى عالم الظل. المجد لك! مع أنك كلك في كل موضع، فإنك تحتوي الكل ولا
يحتويك شيء. تسكن بنعمتك في الكائن الناطق، مُحبك، وفي تظهر مجدك كله، وقوتك كلها،
ومعرفتك كلها، ولكن لا مجدك، ولا طبيعتك، ولا معرفتك، ولا قوتك الضابطة الكل
والمحيية الكل محدودة بشيء، أو بلا شيء. أما جمال مجدك، فبالاندهاش يقيم عوالم
قدسك، وبالسكر يسكت حركاتهم ويوحدها به.
كما
أعطاك ههنا الإيماءة الخفية لإدراك ما له، لم يأذن لي أنا النجس كليًا أن أزداد
تقدمًا! إذ منعني أن أتمم بجرأة ما كنت أريده. مع هذا، من الممكن أن تتعرف بواسطة
هذه الأشياء إلى تلك التي لا ينطق بها.
|