اليوم تبتهج كل الملائكة وتفرح كل القوات
السمائية لأجل خلاص كل الجنس البشرى. فإن كان هناك فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب،
فبالأولى كثيرًا يكون هذا الفرح بخلاص كل البشرية.
اليوم تحرر الجنس البشرى من قبضة الشيطان وأُعيد الإنسان لي رتبته الأولى، إذ أن
المسيح انتصر على الموت. إنني لا أخاف بعد ولا أرتعب من الحروب الشيطانية. ولا أنظر
لي ضعفى، لكنني أتطلع لي قوة ذاك الذي صار لي سندًا وعونًا، أتطلع لي ذلك الذي هزم
الموت ونزع طغيانه. اليوم يسود الفرح والابتهاج الروحي كل المسكونة.
إذن، تأمل أيها الحبيب في مقدار هذا الفرح العظيم، حيث القوات السمائية تحتفل معنا
اليوم مبتهجين لأجل الخيرات التي تنتظرنا، لهذا فهم لا يخجلون أن يحتفلوا معنا..
ولماذا أقول هذا الكلام؟ لأن الرب نفسه يشتهى أن يحتفل معنا. وكيف عرفنا ذلك؟ أسمع
ما يقوله الرب "شهوة اشتهيت أن آكل الفصح معكم" (لو15:22). فلو كان قد اشتهى أن
يأكل الفصح، فمن الواضح أنه يشتهى أن يحتفل معنا اليوم.
إذن عندما ترى أن الملائكة وكل القوات السمائية، بل وملك الملوك نفسه يحتفل معنا
اليوم، إذن فماذا ينقصك لكى تفرح فرحًا عظيمًا؟
اليوم يجب ألاّ يحزن أحد بسبب فقره، لأن الاحتفال اليوم هو احتفال روحي، وألاّ
يفتخر الغنى بغناه لأنه ليس له أى فضل في هذا الاحتفال.
هناك احتفالات عالمية تُقام خارج الكنيسة مليئة بمظاهر الأبهة والموائد الغنية
بالأطعمة، وهى تُعثر الفقير الذي لا يستطيع أن يصنع مثل هذه الأمور. ومن الطبيعي أن
يتضايق ويحزن. فلماذا يرتدى الغنى ملابس زاهية ويقيم موائد مليئة بصنوف الطعام
المختلفة، بينما لا يستطيع الفقير أن يصنع هذا بسبب فقره؟
هذا ما يحدث بالخارج، بينما هنا داخل الكنيسة لا يحدث شيء من هذا كله، ولا يوجد هذا
التمييز، بل توجد مائدة واحدة للغنى والفقير، للعبد والحر.
هل أنت غنى؟ حتى وإن كنت؛ فليس لك أفضلية على الفقير. هل أنت فقير؟ إنك لست
أدنى من الغنى. فالفقر لن ينتقص من أفراح المائدة الروحية. لأن النعمة هي من الله
وهى لا تميز بين الأشخاص. هذه هي العطايا الروحية، التي لا تقسم المجتمع بحسب
المناصب، بل بحسب المستوى الروحي وبحسب استقامة أفكار كل أحد. ولهذا فإن الملك
والفقير يتقدمان معًا نحو الأسرار الإلهية بنفس الثقة وبنفس الكرامة، لكى يتمتعا
بالتناول منها. لأن لباس الخلاص هنا هو واحد للجميع أغنياء وفقراء، والرسول بولس
يقول "لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح" (غل27:3).
أرجو أن لا تستهينوا بهذا الاحتفال، ولتكن لنا رؤية لائقة بتلك العطايا التي منحتنا
إياها نعمة المسيح، وألاّ نسلّم أنفسنا للسكر والبطر. ما دمنا قد أدركنا المحبة
الإلهية وسخاء إلهنا مع الجميع للفقراء والأغنياء، للعبيد والأحرارـ إذ أعطى للجميع
نفس النعمة، فلنقدم المقابل لي ذاك الذي أظهر تلك المحبة نحونا، والمقابل اللائق به
هو السلوك المُرضى لله من نحونا، وأيضًا النفس الساهرة المتيقظة.
لنحتفل إذن بهذا العيد ـ عيد قيامة المسيح ـ لأنه قام وأقام كل البشرية معه. لقد
قام وكسر كل قيود الموت ومحا كل خطايانا.
أخطأ آدم ومات، والمسيح لم يخطئ ولكنه مات. أمرٌ غريب وعجيب لماذا مات المسيح وهو
لم يخطئ؟ حدث هذا لكى يستطيع الذي اخطأ ومات أن يتحرر من قيود الموت بمعونة ذاك
الذي مات، رغم أنه لم يخطئ.
فمثلاً يحدث مرات كثيرة أن يكون أحد مديونًا بمبلغ من المال لشخص آخر ثم يعجز عن
السداد، فيأتى شخص ثالث لديه القدرة علي تسديد هذا الدين، وعندما يدفعه فإنه يحرر
هذا المدين. هذا ما حدث لآدم إذ كان محكوماً عليه بالموت، فآتي المسيح و حرره من
قيود الموت مع أن المسيح لم يكن مداناً بأي شيء. أرأيت مفاخر القيامة؟ أرأيت محبة
الله للبشر؟ أرأيت مقدار العناية العظيمة؟.
اليوم يجب أن ننشد مع داود النبي "من يتكلم بجبروت الرب. من يخبر بكل تسابيحه؟"
(مز2:106).
لقد بَلغَنا الاحتفال الخلاص الذي كنا نشتهيه. إنه يوم قيامة السيد المسيح، يوم
السلام و المصالحة، اليوم الذي فيه بطل الموت و أنهزم الشيطان. في هذا اليوم انضم
البشر لي الملائكة. اليوم يقدم البشر تسابيحهم مع القوات الروحية. اليوم أبطلت
أسلحة الشيطان وأنفكت قيود الموت وأُبيد جبروت الجحيم.
اليوم سحق ربنا يسوع المسيح الأبواب النحاسية وأزال شوكة الموت. اليوم نستطيع أن
نقول مع النبي "أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية" (1كو55:15).
لقد غيّر حتى اسم الموت، فلا يدعى بعد موتًا، بل نومًا ورقادًا. كان اسم الموت
مُخيفًا قبل ميلاد المسيح وصلبه، لأن الإنسان الأول عندما خُلق سمع "يوم تأكل من
هذه الشجرة موتًا تموت" (تك17:2). وداود النبي يقول "الشر يميت الإنسان" (مز21:34).
كما كان انفصال النفس عن الجسد يُدعى موتًا وهاوية، ويقول يعقوب أبو الآباء "تنزلوا
شيبتي بحزن لي الهاوية" (تك38:42). وإشعياء يقول "وسعت الهاوية نفسها و فغرت فاها
بلا حدود" (إش14:5). وأيضًا "لأن رحمتك عظيمة نحوي وقد نجيت نفسي من الهاوية
السفلي" (مز13:85). هذا المفهوم عن الموت نجده في مواضع أخرى كثيرة من العهد
القديم، غير انه منذ أن قدم المسيح ذاته ذبيحة من أجل كل البشرية، وقام من الموت
ألغي كل هذه الأسماء وقدم للبشرية حياة جديدة لم تعرفها من قبل، فلا يُسمى بعد،
الخروج من هذا العالم، موتًا بل نومًا أو انتقالاً.
من أين يتضح هذا؟ اسمع المسيح يقول: "لعازر حبيبنا قد نام لكني أذهب لأوقظه"
(يو11:11).
فكما هو سهل بالنسبة لنا أن نوقظ نائمًا، فإنه سهل بالنسبة للمسيح أن يُقيم ميتًا.
ولأن كلامه هذا كان غريبًا وجديدًا فإن التلاميذ أنفسهم لم يفهموه.
ومعلم المسكونة القديس بولس يكتب لي أهل تسالونيكى "ثم لا أريد أن تجهلوا أيها
الاخوة من جهة الراقدين لكى لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم" (1تس13:4).
ويقول أيضًا: "إننا نحن الأحياء الباقين لي مجيء الرب لا نسبق الراقدين" (1تس15:4)،
وأيضًا "لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله
أيضًا معه" (1تس14:4).
أرأيت أن الموت يُسمى رقادًا أو نومًا؟!. إن الموت الذي كان له اسمًا مخيفًا صار
الآن محتقرًا بعد القيامة. أرأيت بهاء مجد القيامة؟!
بالقيامة اكتسبنا خيرات غير محدودة. بالقيامة أُبيدت حيل الشياطين وخداعهم.
بالقيامة انتزعت شوكة الموت. لذلك، فالقيامة تجعلنا لا نتمسك بالحياة الحاضرة
ونشتهى بكل قلوبنا خيرات الدهر التي.
القيامة جعلتنا في مستوى لا يقل عن القوات الروحية مع إننا موجودون في الجسد. إذن
فلنفرح كلنا ولنبتهج، لأن هذه النصرة، نصرة المسيح على الموت، هي نصرة لنا، لأنه
صنع كل هذا لأجل خلاصنا.
|