قد
يكون الكثير منا قد قرأ قصة لوط وزوجته في العهد القديم واذا لم تكونوا قد قرأتم
هذه القصة فتستطيعون ان تقرؤها في سفر التكوين اصحاح 12- 19 . فلوط هو ابن اخ
ابراهيم، وقد ارتحل برفقة عمه من ارض اور الى الارض التي سيريها الرب لابراهيم
(تكوين 12) وظل لوط مرافقا لعمه الى حين افتراقهما حيث ضاقت بهما الارض لكثرة
املاكهم وغنمهم. فمنح ابراهيم لوط حق الاختيار اولا لكي يختار الارض التي سينتقل
اليها، ونحن يا اخوتي يمنحنا الله الآب يوميا حق الاختيار والحرية الكاملة لاتخاذ
القرارات وهنا سؤالي هو كيف سيكون اختيارنا وعلى اي اسس نتخـذ قراراتنا؟!
ورجوعا الى قصة لوط لنرى كيف فكر لوط وكيف اتخذ قراره ولنرى يا احبائي اذا كنا مثل
لوط ام نحن اكثر حكمة من لوط في اختياراتنا! لوط اختار الارض الخضراء والخصبة، حيث
كان انانيا في اختياره لانه فكر في نفسه فقط ولم يفكر في عمه ابراهيم الذي اهتم به
منذ صغره واعتنى به. فكم منا يا ترى يتخذ هكذا قرار دون التفكير بالله، وانما
الاهتمام فقط بالذات كما هو الحال مع لوط ومع الغني الغبي "واقول لنفسي، يا نفس
عندك خيرات كثيرة مخزونة لسنين عديدة، فاستريحي وكلي واشربي واطربي!" (لوقا 12:
19).
الخطأ الثاني في قرار لوط بغض النظر عن الانانية هو ان الارض التي اختارها لوط كانت
بجوار مدينة سدوم الشريرة، حيث ظن لوط انه كان حكيما في قراره، حيث الارض الخصبة
والمياه المتوفرة، متناسيا التأثير السلبي لمعاشرة الاشرار كل الوقت وتعرضه للتجارب
شديدة تكون كفيلة بتدمير عائلته لانه حتى اذا كان لوط قويا في ايمانه فقد يكون احد
افراد عائلته ضعيفا، وهنا يا اخوتي اريد ان اوضح هنا بانه لا اعني اننا سوف لا
نخالط الاشرار، بالعكس فالاشرار هم محتاجون لسماع كلمة الله، والمرضى هم بحاجة الى
طبيب ليعالجهم. ولهذا يجب ان نكون حذرين بمعاشرتنا للاخرين لكي لا نصبح على شاكلة
الناس الذين نريد ان نكرز لهم. فالانسان بحاجة الى شركة حقيقية مع المؤمنين
الاخرين.
الدروس الاخرى التي نتعلمها من قصة لوط هي ان رحمة الله وشفاعته كبيرة، حيث ان الله
قد قرر تدمير مدينتي سدوم وعمورة لشرهم ولعظمة خطيئتهم ولكننا نرى في حوار بين الله
وابراهيم (تكوين 18: 23- 33) ان الله سيعفو عن المدينة لو وجد عشرة ابرار، لكنه لم
يجد، فالله له طول اناة وينتظر ان نرجع اليه ونتوب ويمنحنا فرص جديدة . "فالرب اذن
لايبطئ في اتمام وعده، كما يظن بعض الناس، ولكنه يتأنى عليكم، فهو لا يريد لأحد من
الناس أن يهلك، بل يريد لجميع الناس ان يرجعوا اليه تائبين" (2 بطرس 3: 9) لذلك
ارسل الله ملاكين الى سدوم، الى بيت لوط، لينقذا لوط وعائلته من الدمار، فأخرج
الملاكان لوط وزوجته وابنتيه الى خارج المدينة وتم تدمير المدينة. وفي الطريق اوصى
احد الملاكين للوط وعائلته بأن لايلتفتوا الى الوراء ولايتوقفوا (تكوين 19: 17)
ولكن زوجة لوط التفتت الى الوراء فتحولت الى عمود من الملح، وهنا احب ان اقف لحظة
للتركيز على عمل زوجة لوط وكم منا يقوم بنفس العمل ربما يوميا! فزوجة لوط لم تفهم
كم هي كبيرة عناية الله لها ولعائلتها ولم تفهم نعمة الرب اللامحدودة التي خلصتها
من دمار المدينة، فهي كانت مازالت متعلقة برفاهية الماضي، متعلقة بالاموال
والممتلكات، ولم تكن لديها الرغبة في الرجوع تماما عن الخطية، فكم منا مازال لحد
الان متعلقا بالممتلكات وبالاموال متناسيا ان نعمة الله لنا هي اكبر من كل
الممتلكات والابنية !؟ ان الشيطان يجربنا يوميا يا اخوتي ويحاول اسقاطنا، انه يحاول
زرع النزاعات، الخلافات، الحقد والكراهية من خلال حب السلطة والمال والممتلكات،
وهذا الشئ ليس بالجديد على الشيطان، فقد حاول من قبل ان يسقط ربنا يسوع المسيح ."ثم
اخذه ايضا ابليس الى جبل عال جدا واراه جميع ممالك العالم ومجدها. * وقال له اعطيك
هذه جميعها ان خررت وسجدت لي. * حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان.لانه مكتوب للرب
الهك تسجد واياه وحده تعبد" ( متى 4: 8- 10) . فليكن جوابنا مثل جواب معلمنا وربنا
يسوع المسيح، للرب وحده العبادة وليس للاشخاص والابنية!
ورجوعا الى زوجة لوط التي خرجت من المدينة مع الملائكة، فهي قد تكون سمعت كلام الله
اولا ولكن حبها للرفاهية والمال جعلها تلتفت الى الوراء، الى الخطيئة، هذا الحدث
يذكرنا بمثل الزارع الذي رواه يسوع ( متى 13: 1- 24) فالبذار الذي يزرعه الزارع او
الله هو الكلمة ولكن الكلمة صار جسدا وعاش بيننا واليوم نجد كلمة الله في الانجيل،
فالبعض منا لايقرأ الانجيل، والبعض يقرأ الانجيل ولايفهم ما يقرأ، والبعض الاخر
يقرأ الانجيل ويفهم ولكن لايعمل به، والجزء الاخير هو من يقرأ الانجيل ويفهمه
ويعيشه يوميا ويعمل به، اي بمعنى آخر نحن البشر وقلوبنا انواع مثل الارض التي سقط
عليها البذار، يوجد الممرات، يوجد الارض الصلبة، يوجد الاشواك ويوجد الارض الصالحة
والجيدة التي تعطي ثمارا مئة، ستين والبعض ثلاثين.
وفي
الختام لنعمل كلنا جميعا ان تكون قلوبنا ارض صالحة، نعتني بها ونرويها ونعطيها
السماد المناسب من خلال الايمان والصلاة ومحبة الاخرين، مسامحين بعضنا البعض
ومقبلين بعضنا البعض بقبلة المسيح، نازعين عنا كل الاشواك التي تحاول خنقنا، رافضين
لكل خطيئة وشر، متذكرين ان دم ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي بذل من اجلنا نحن
البشر هو اغلى وازكى من كل الاموال والممتلكات، ولتكن نعمة ربنا يسوع المسيح مع
جميعنا..آمين. |