كيف تقف بعيدًا وأنت ترى الألم على وجهي...

متى تبدأ تشعر بيأسي وأنت ترقص ولا تهتم لأمري...

أين هي مبادئك التي تحدثنا مليًا عنها وعن أنك في استعداد لتقدم ذاتك فدية لأجلها...

ماذا جعلك تنسى وتصير فاترًا في كل شيء حتى إيمانك، أنت الذي ظننت أنا يومًا ما بأنك كلك قديس...

أدعوك اليوم أن تقترب من صديقك في وقت محنته، في بلية لم يُعرَف فجرها. فما الإيمان إلا أن ترى العريان والمعتاز وتكسيه وتشبعه...

صديقك لن يطلب منك شيئا تعجز عن إعطاءه، لن ينتظر أن تهب حياتك لأجله، بل أن تشاركه في الاعتراف بواقعه.

فتعال نبكي سوية... على أمة هذه حالها، شلّها الجهل وعماها الكبرياء وأذلّها الرياء. أمة تعيش في حضارة ماضيها وعراقة تاريخها ومجد أجدادها، بينما هي اليوم أقل الأمم حضارة ولم يبق لها أي عراقة والأقل بين الأمم في مجدها.

تعال نبكي سوية... على كنيسة هذا وضعها، تسيّرها إنشقاقات ونزاعات لا حصر لها، وكل شق يظن في نفسه بأن وجهة نظره هي الصائبة وكل ما حاد عنها هو خيانة وكفر.

تعال نبكي سوية على رعاة كنيسة، كل همهم أن يجمعوا الأموال ويلبسوا الارجوان ويتقلدوا الصلبان، وأن تُقبل أياديهم وتُفرش بالورود أراضيهم وتعلو في القمم أسمائهم. من انتقدهم كان خائنًا، ومن مدحهم كان لهم معاونا. ليس لك يا صديقي وأنت تعلم ذلك جيدًا أن تفتح فاهك بما تكنه في قلبك، فهم إلى الرشق بالحرومات مستعدين، وليس هناك أهون من طرد المؤمنين وأبواب الملكوت يكونوا عنهم صادين، لئلا يدخلوها من هم على شاكلتك. من إذن يتجرأ أن لا يوقر آباء كنيسته القديسين ومفاتيح الملكوت في أيديهم. وسمو قداستهم له علاقة وثيقة بطول لحاءهم، فبها يضعون القناع على أفعالهم، لئلا تظهر نجاسة عظام قبورهم.

تعال نبكي سوية... على كهنة كنيسة المسيح، الذين يستهزئون بخدمتهم ويخرج ما هو رذيل من أفواههم. من كهنة لله إلى حانوتيين ومتعهدوا أموات. تركوا المناداة بملكوت الله، وذهبوا كموتى يدفنون موتاهم. العبادة أصبحت عندهم عادة، لا حضور لله في تصرفاتهم، صلواتهم أصبحت ممارسات طقسية فقط يملؤها الملل والضجر. أعيادهم المقدسة أصبحت للمأكل والمشرب. أما نشاطاتهم وإنجازاتهم التي يفتخروا بها دومًا وتتناقلها وسائل الإعلام ما أضحت سوى أن تكون صلوات مساء وبركات طعام.

تعال نبكي سوية... على شعب مسكين أعمى، الذلّ أصبح رفيقه، والهوان خليله. لا يعرف الإنضباط سوى على إيقاع صخب النغمات. البعض بات همّهم إكرام الله بشفافهم، وقلوبهم مشغولة عنه بأمور العالم. أما ما بقي منه فلا يدرك غير التشرذم والتخبط ومنظومة العُقد التي تسيطر على عقله. يخنقه الرياء، فتراه ينتقد ويسب ويشتم من يشاء، وفي حضوره ينحني أمامه ويُسمعه ما طاب للأذن سماعه ويُسرع إلى تقبيل يده. شعب كنيستك يا صديقي، كتابه المقدس هو بركة يضعها تحت وسادته، والعماذ المقدس تعويذة لئلا يفزع طفله حديث الولادة أثناء نومه، أما تقديم القربان فهو فرصة لتناول وجبة فطوره مع الأقارب والأحباء.

ليس في غايتي يا صديقي أن تكلّ من البكاء عيونك، وأنت تنسحق من الحزن واليأس نفسك، لكن أعلمني بمن بقي الرجاء. أدري أنك ستنصحني بالتوكل على الرب الذي منه كل الرجاء، لكنه تنبأ مسبقا عن أزمنة تعاني من قلة الإيمان، ويملأ سماءها طيور تلتقط ما سقط من بذر على حافة الطرق. لعلنا كلنا فقدنا طريقنا، وبوصلة إيماننا ما عادت تعمل لتظهر لنا ما مسار الحق القويم. لذا إن كنت قد أخطأت في تصوري هذا، فقط أعلمني يا صديقي، فأنت بت لي فقط وسادة النجاة لئلا يصطدم وجداني بواقع القلوب المتحجرة، فيتهشم حتى ما بقي حيًا في هذه الذات.

أبعث لك هذه الرسالة يا صديقي، أينما كنت، ومتى ما كنت، ومن كنت... لأني أعلم أنك تشاركني في كربتي ولك نفس وزن مصيبتي. فإن صادفت رسالتي فما عليك إلا أن تصلي لأجلي ليمنحني الرب الصبر والسلوان.