قد
يحتار البعض بإختياري لهكذا عنوان لكن كما يقول الكتاب "إن كنا نصبر فسنملك أيضًا
معه". لقد اقتبست هذا العنوان "طماطمي الهوى" من استاذي في اللغة العربية عند
المرحلة الأخيرة في الإعدادية، فقد كان قد رتب لنا موضوعًا إنشائيًا كان يصفه بأنه
طماطمي الهوى لملائمته لأي موضوع إنشاءي كان ليأتي في الامتحان الوزاري آنذاك والكل
يعلم أية مواضيع إنشائية كانت قائمة في الثمانينيات والتسعينيات، فالطماطم ذلك
النبات المليء بالفوائد والنوافع الغذائية يمكن أكله طازجًا أو عصره، يمكن قليه مع
قليل من الفلفل والبصل، وكذلك يمكن شويه على الفحم. لذا فأنت تختار الطريقة التي
تناسب مذاقك والتي تهواها. هكذا كان موضوع استاذنا العزيز، تحل البركة والسلام عليه
أينما كان، تحل صياغته على أي شكل ترغب به.
ولعل سائل يسأل ما علاقة الطماطم بالإنجيل، لكن من يراقب ويتأمل قليلا في تفكيرنا
المعاصر يتفق معي بأن اجتهادنا في تفسير الإنجيل المقدس أصبح كالطماطم، حيث أننا
نختار ما يناسب هوانا وعصرنا ومجتمعنا ولغتنا وعملنا وحياتنا بمجملها. لقد استشهد
بولس بأن: "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب
الذي في البر" (2 تي 3: 16)، وهذا يعني بأن الأنجيل يناسب كل عصر وآوان وذلك لأنه
يتناول الخبر الطيب عن الخلاص بيسوع المسيح، وبما أن يسوع هو المسيح الحي القائم من
بين الأموات، لذا فالبشارة به قائمة وحيّة وتُحدّث وتُجدد دائمًا بقوة الروح القدس
العاملة في المؤمنين. لكن الحداثة والتجديد لا يعني ما نشهده من حالة اليوم في ضلوع
البعض بتلفيق وتسميم المجتمع بأفكار تخدم قضاياهم ومصالحهم، متناسين أن الإنجيل هو
عمود الإيمان وقاعدته، فراح العديد يجتهد كل من محله في تفسير ما يظنونه آيات في
الكتاب غافلين عن أن الإنجيل ليس كتاب يسرد تاريخ وأحداث وحسب، بل هو حقيقة حياة
يسوع المسيح وتعاليمه لتُكشف للبشرية خطة الله لخلاص الإنسان وكيف أنه أرسل ابنه
الوحيد ليفدي المؤمنين، ليتغاضوا ويهملوا النقطة الرئيسية في الإنجيل كما بشر به
بولس: "أن المسيح مات لأجل خطايانا، وأنه قام من بين الأموات" (1كو 15: 1-4). إنه
كتاب تاريخ علاقة الله بالإنسان، لذا يستحيل أن تتفق رؤيتين له في مجمل أحداثه لكن
هناك ضرورة توافق بعض المفاهيم الأساسية فيه وطرق تطبيقها في الحياة.
لقد
خطى الجهل واللامسؤولية بالكثيرين إلى التفوه بكل ما يرتأي به فكرهم ومخيلتهم في
تفسير الإنجيل ليرسوا لاحقا في ميناء الزيف، لتغيب النزاهة والصدق والأمانة عن
كلماتهم، وللأسف لا يؤثر هذا الفعل عليهم فقط بل يشدّ معه كل من لا تنم مقدرته عن
تعمق في كلمة الله وتغلغلها في النفس، فيصير في النهاية حجرة عثرة للآخرين، وويل
لذلك الإنسان الذي تأتي به العثرة.
لذا
كان من الضروري لمن يستقصي الحقيقة ويبحث عن إجابة على اسئلته، أو قبل أن يناقش
موضوعًا ما في الإنجيل، أو يفتي بمقولة أو تصريح، أو ينصح الآخرين روحيًا، أن يمتلك
بعض الخصائص والملكات لترشده روحيًا قبل أن يشرع في تفسير وتأويل ما يشاء:
1. التعرف على الكتاب
المقدس ودراسته بعمق بحيث يضع الإنسان كلام الإنجيل في مستوى اعلى من نفسه، محاولا
أن يخضع عقله للمعنى، بل ويجعل المعنى يتحكم فيه شخصيًا كقياس أعلى لا يدانيه آخر.
فيحل الله سيدًا في حياته وكخالق كلي للحكمة والمعرفة.
لقد
تعرفت في حياتي على أناس كان كل همهم هو إيجاد بعض الثغرات والمواضع في الكتاب
المقدس التي تخدم أفكارهم وتداعياتهم، ليخلقوا وينسجوا شبكة شيطانية يزينها بريق
العلم والمعرفة، ليصل المرء لاحقا إلى مرحلة الإستيحاء بإنجيل المسيح وبأنه قوة
الله للخلاص.
وبالطبع الإطلاع الأولي والبدائي على الكتاب المقدس لن يفي ولن يكفي بأن نصرّح
بمعتقدات نظنها صائبة وفي حقيقة الأمر هي مجرات اجتهادات لا تعدو أن تكون، وبل
أحيانا تتعدى لتكون تحريفات لفكر الله وحكمته. لذا وجب على من يرغب بالتعمق في كلمة
الله أن يطلع بعض الشيء أو يكون لديه إلمام بالشعوب القديمة وجغرافية الكتاب
المقدس، وهنا لا أعني بأن على الإنسان أن يكون عالمًا في الكتاب المقدس ومفسرًا
للكتب الإلهية لينشأ له رأيًا في نقطة ما في الكتاب المقدس، لكن الدراسة العلمية
والمنهجية للكتاب المقدس هي التي تفتح أفق المعرفة والحكمة لتصير كلمة الله سراج
للرجل ونور للسبيل.
2. أن يطلب الإنسان من
الله بالصلاة والتأمل الحكمة التي تنير ذهنه ومعرفته، ليس حكمة العالم بل الحكمة
التي أخفاها الله عن من زعموا أنهم حكماء وفهماء وأعلنها لأطفال. أن يطلب من روح
الحق أن يرشده إلى سبيل الحكمة وفعل الصواب.
3. إن الاطلاع البسيط على
العلوم الحياتية وعدم مواكبة العصر في تطوراته يضعف مقدرة الإدراك والفهم والوعي
الذين وجب توفرهم لدى من يبغي التوصل إلى التفسير التطبيقي للإنجيل، لذا على
الإنسان أن يصقل مواهبه بالإطلاع على الكثير من العلوم الحياتية الهامة كعلم
الأنطروبولوجيا، وعلم الأحياء، وعلم الكواكب، وهذا بالطبع لا يعني أن يصير خبيرًا
فيها ولكن أن تكون له الدراية الأساسية في أصولها والعلاقة بينها وبين الكتاب
المقدس.
أخي
وأختي في الرب... يستحي الكثيرون بأن يقولوا أنهم "لا يعرفوا" فيجرفهم كبريائهم
وغطرستهم إلى ساحل لا يمد بصلة حقيقية بالله وطبيعته. أن لا يعرف الإنسان خير من أن
ينطق بما لا يعرفه أصلا. وقد يتطلب معرفة أمرًا ما سنين عمرنا كلها، لكنها تستحق
بحق تلك السنين. لا نجعل من حياتنا معدن رقيق يكتسب الحرارة بسرعة ويفقدها بنفس
السرعة ولتتبدل في النهاية خصائصه، أو قطعة معدنية تستطيع أن تكتسب الخصائص
المغناطيسية بمجرد احتكاكها بقطعة مغناطيسية وتفقدها بمرور الزمن أو بالحرارة. بل
لنكون ألسنة من نار، تنطق فقط بما يخبرنا الله به. |