الآيات الرئيسية
"ثم قال الرب الاله: ليس مستحسنا أن يبقى
آدم وحيدا سأصنع له معيناً مشابهاً له" تك18:2
"انها المرأة التي جعلتها رفيقة لي، هي التي
أطعمتني من ثمرة الشجرة فأكلت" تك 12:3
إنّ معرفتنا عن أسلافنا، كثيرا ما تقودنا
لأن نعرف أنفسنا، كان آدم وحوّاء أوّل الاسلاف، بمثابة تتويج لخليقة الله، والسبب
الأعظم وراء خلق الله للعالم، وقد خلق الله الرجل والمرأة كليهما على صورته، فلم
يخلق أيّ منهما أكثر شبها به من الآخر، فمنذ البداية نرى إن الكتاب المقدس يضع
الرجل والمرأة على قمة خليقته، فلا إنتقاص من قدر أي منهما.
فبالنسبة لآدم: لانستطيع ان نتخيل ما كان
عليه لكونه الشخص الأول والوحيد على الارض. فوجودنا في عزلة منفردين شيء يختلف عن
وجود آدم وحده، إذ لم يكن قد عرف أي إنسان آخر، لقد حُرِمَ من الكثير مما ننتفع به
الان، فلم تكن له طفولة، أو والدان، أو عائلة، أو أصدقاء. كان عليه أن يتعلّم أن
يكون انساناً من ذاته. ولكن الله لم يتركه يصارع طويلاً قبل أن يمنحه رفيقا مثالياَ
وشريكا لحياته، فمنحه حواء: وحالها حال آدم فلا نعرف عنها الا القليل، أول إمرأة
خُلِقت، فهي أُمنا جميعا، ولقد كانت آخر قطعة من اللغز المعقّد المذهل لخليقة الله،
لقد أصبح لآدم كائن بشريّ آخر، لتكون له شركة معه، شخص مساوٍ له في صورة الله. له
من الشبه بآدم ما يكفي للرفقة، وفي نفس الوقت مختلفة عنه بما يكفي للعلاقة ، فكانت
لهما وحدة كاملة بريئة منفتحة بلا ادنى خجل. وكانا معا أعظم مما يمكن لأي منهما أن
يكون هو وحده.
ولابد من انّ اوّل أحاديث آدم مع رفيقه
الجديد الممتع، كان عن القوانين في الجنة التي خلقهما الله فيها. وكانت الحياة في
الجنة شبيهة بالحياة في السماء، فكان كل شيء على أكمل وجه، حيث كانت معرضا يتجلّى
فيه الجمال الباهر الّذي أراده الله لخليقته، لقد كانت مكاناً للاستمتاع الكامل.
وقبل أن يخلق الله حوّاء، كان قد منح آدم حرية كاملة فيها مع مسؤولية العناية بها،
ولكن شجرة واحدة كانت ممنوعة عنه "شجرة معرفة الخير والشر" ولابد أن آدم أخبر حوّاء
بكل ذلك، فكانت تعرف ان ثمر الشجرة ليس للأكل. من هذا نفهم ان الله عندما وضعهما
هناك قال لهما في غاية الوضوح: ان الطاعة الكاملة ستُكافأ بحياة خالدة "الحياة الى
الابد في جنة عدن".. ولكن للأسف الشديد، فان دوام الحال من المُحال، فقد جاء
الشيطان بصورة الأفعى الى حواء وسألها عن مدى قناعتها بحالتها؟ وكيف يمكن أن تكون
سعيدة بينما مُنِعَت من أن تأكل من ثمر أحد الأشجار؟!.. وبكل سهولة إستطاع الشيطان
أن يجعل حواء تحوّل نظرها عن كل ما اعطاه الله لهما، الى الشيء الوحيد الذي أمسكه
عنهما. وكانت حواء على استعداد ان تقبل وجهة نظر الشيطان دون فحص الامر مع الله،
وذلك ما حدث فعلاً، فرغم علمها بوصية الله، قررت ان تأكل من الثمرة المحّرمة، ولم
تكتفي بذلك بل أعطت آدم البعض منها. ومن المؤسف ان آدم لم يتمهل للتفكير في
العواقب، بل اندفع واكل منها. وفي تلك اللحظة وصل مصير الخليقة الى الحد الفاصل، في
لحظة العصيان هذه، تحطم كل شيء عظيم جميل حر، خليقة الله الكاملة، لقد انفصل
الانسان عن الله نتيجة اشتهائه ان يتصرف حسب هواه. واصبح الخلق كزجاج تلك النافذة
الذي تحطم نتيجة لقذفه بحصاة او حجر كبير، تحول الى آلاف القطع التي لا يمكن اعادة
جمعها.
الا يبدو الأمر مألوفا؟ فكم من المرّات
تتحول انظارنا عن الكثير الذي لنا الى القليل الذي ليس لنا؟ الا يخامرنا الشعور
بأنه "لابد لنا من الحصول عليه".. ان تصرفاتنا الصغيرة والكبيرة من التمرّد على
الله تثبت لنا باستمرار بأنّنا ذُرِّية آدم وحواء، نكّرر اخطائهما، فما أسهل
التلاعب برغباتنا مثل حواء؟! متجاهلين اهمية ايداع انفسنا وكل ما لدينا بين يدي
الله ومنحه الفرصة في عملية صنع القرار دائماً، وكلمته، الكتاب المقدس، هي مرشدنا
في كل ذلك.
من كل ما تقدم ورغم الايجابات والفرص التي
كانت متوفرة لديهما لاستغلالها لسير حياتهما وفق الخطة والهدف الذي خلقهما الله من
أجلها باعتبارهما اول شخصين مخلوقين على صورة الله وامكانية عكس تلك الصورة في
حياتهما وتمتعهما بالشركة الشخصية الحميمة معه وامكانية التأثير الايجابي على
الخليقة العظيمة المُسَخّرة لخدمتهما وتمجيد الله في ذلك . الا ان حياتهما كانت
مليئة بالاخطاء التي اثّرت سلبا على الجنس البشري باكمله. ولمعرفة تلك الصفات
والاخطاء التي بها حاربهما الشيطان وانتصر عليهما، ولتلافيها والتغلب عليها سنلخصها
بما يلي:
1. عدم الطاعة: لما وضع الرب الاله أدم في
الجنة واعطاه مسؤولية العناية بها، وضع هناك شجرة معرفة الخير والشر ولكنه انهاه
عن الأكل منها، لماذا ياترى؟! لأن الرب اراد ان يكون ادم مطيعا لذلك منحه حرية
الاختيار التي بدونها كان ادم سيعيش اسيرا مجبرا على الطاعة، ومازال الله يعطينا
حرية الاختيار. واختياراتنا الخاطئة قد تسبب لنا الالم ولكنها يمكن أن تساعدنا على
ان نتعلم وننمو ونحسن الاختيار في المستقبل، فمواجهة نتائج اختياراتنا هي أفضل
السبل لنكون أكثر خبرة وحكمة وتحمّلاً للمسؤولية.
2. الشك في صلاح الله: جربت الحية "الشيطان"
حواء بأن جعلتها تشك في صلاح الله، فقد أوحى اليها الشيطان ان الله لايريد ان
تشاركه حواء في معرفة الخير والشر، وجعلها تنسى كل ما أعطاها الله وأن تركز نظرها
على الشيء الوحيد الذي لاتستطيع الحصول عليه. ومن هذا نتعلم بانه لابد أن نتعرض
للمتاعب عندما نركز أنظارنا على الاشياء القليلة التي ليست لنا، عوضا عن أن نركزها
على الاشياء التي لاحصر لها والتي منحنا اياها الله. وذلك يدفعنا الى النظر الى كل
عطاياه الجيّدة التي تؤكد صلاحه ومحبته ونشكره عليها. غير متناسين بان الرب هو
كفايتنا.
3. سوء استخدام الحرية: بما ان الرب منحهما
حرية الاختيار في الاكل من الشجرة او عدمه، فقد ظنّا بانهم احرار، ويمكنهما فعل ما
يريدان، فلقد حصلا على ما أرادا، المعرفة الوثيقة بالخير والشر، ولكن باسلوب مؤلم
معوج وخاطيء. فلقد لوث الشيطان تفكيرهما باقناعهما بانهما يستطيعان معرفة الفرق بين
الخير والشر، بفعل الشر. واحيانا نتوهم بأن الحرية هي فعل أي شيء نريده، ولكن الله
يقول ان الحرية الحقيقية تتحقق بطاعته ومعرفة ما لايجب ان نفعله، والحدود التي
يضعها لنا انما هي لخيرنا لانها ترينا كيف نتجنب الشر.
4. الغاية تبرر الوسيلة: اي الوصول الى
الاهداف بطريقة غير مشروعة. فلقد استخدم الشيطان دافعا صحيحا لتجربة حواء فقال لها
"تصيران مثل الله". وأن نصير مثل الله هو أعظم هدف للبشرية، وعلينا ان نسعى
لتحقيقه. ولكنه في حالتهما تمكن من أن يضلل حواء عن الطريق الصحيح لبلوغ هذا الهدف،
فقد اخبرها انها تستطيع ان تصير مثل الله، اذا تحدّت سلطانه، وسلبت مكانه، وقررت ما
هو الافضل لحياتها، فتصبح هي اله نفسها. ولكن الكتاب المقدس يقرر بكل وضوح بان
التمثّل بالله ليس مطلقا بأن نكون نحن الله بل بالحري نعكس صفاته ونعترف بسلطته على
حياتنا. وكثير ما نشبه حواء ونضع امامنا اهدافا، ولكننا نحاول بلوغها بطريق خاطيء.
فان الهدف النهائي لتعظيم الذات هو التمرد على الله، فعندما نشرع في استبعاده عن
خططنا. فاننا نضع انفسنا في مرتبة أعلى منه، وهذا بالضبط ما يريدنا الشيطان ان
نفعله.
5. استخدام الحيلة لايجاد تسمية اخرى
للخطية: فلقد صور الشيطان ان ما يقومان به ليس بخطيئة، فهو مجرد معرفة للخير والشر
ولا ضرر في ذلك بل هو شيء صالح لهما. وعادة قد يختار الناس الاشياء الخطاْ، لانهم
قد اقتنعوا ان هذه الاشياء صالحة على الاقل بالنسبة لهم. فكثيرا ما لا تبدو خطايانا
قبيحة دائما امامنا. والخطايا اللذيذة هي اصعب الخطايا تجنبا. وهذا يعلمنا ان نكون
مستعدين للتجارب الجذّابة التي قد تعترض طريقنا. ونقراْ في (1كو13:10) وان كنا
لانستطيع دائما ان نمنع التجربة ولكننا نستطيع دائما ان نقاومها بقوة الرب.
6. العين سراج الجسد: لنلاحظ ما فعلته حواء،
نظرت، ثم اخذت، ثم اكلت، ثم اعطت، فكثيرا ما نخسر المعركة بالنظرة الاولى، وكثيرا
ما تبداْ التجربة بمجرد رؤية شيء نريده. فهي الخطوة الاولى نحو الخطية. والرؤية
الروحية هي قدرتنا على ان نرى بوضوح ما يريدنا الله ان نفعله في هذا العالم، ولكن
هذه الرؤية يمكن ان يكتنفها الضباب من افكارنا ورغباتنا، فما يخدم الذات من رغبات
ومنافع واهداف، تحجب هذه الرؤية، ويمكننا التغلب على مثل هذه التجارب لو اتبعنا
نصيحة الرسول بولس بالهروب من الاشياء التي تؤدي الى افكار شريرة ( 2تيمو22:2 ).
7. انتشار تاْثير الخطية: فبعد ان اخطاْت
حواء، اشركت ادم في خطيئتها، فعندما نخطىء في عمل شيء ما، كثيرا ما يكون اوّل ما
نبادر اليه لتخفيف الشعور بالذنب، هو اْن نشارك فيه شخصا اخر، فالخطيئة سريعة
الانتشار، فهي كالسم في مياه نهر، ويصبح من الصعب كبح جماحها. ومن الجيد انه لو
عرفنا خطيئتنا اْن نعترف بها لله لنوال راحة الغفران قبل ان نجّرب بتلويث المحيطين
بنا.
8. العصيان: اختار آدم وحواء طريق
(العصيان)، ومن ثم اختار الله طريقه.. ولانه اله قدوس ويكره الخطية لم يكن ليردّ
الاّ بطريقة تتفق مع طبيعته الادبية الكاملة، فلم يكن ليسمح للخطية ان تمر بلا
عقاب، واذا بدت عقوبتهما شديدة الصرامة امامنا، فلنتذكر بان خطيتهما هي التي زرعت
الميل الدائم لعصيان الله في العالم، وقد اثر ذلك في كل الخليقة حتى البيئة نفسها
وهذه هي العلّة في اننا نخطيء الان، فكل كائن بشري وُلِد في هذا العالم قد ورث
الطبيعة الخاطئة منهما، وهذا يبيّن مدى خطورة الخطية من اي نوع كانت في نظر الله.
10. الشعور بالذنب والهروب: بعد أن اخطأ آدم
وحواء شعرا بالذنب والضيق لعريهما، واحساسهما بالذنب وهذا جعلهما يهربان من الله
الذي يرى كل شيء ويعلم بكل شيء، محاولين الاختباء منه. انه لأمر يدعو للسخرية، فكيف
بلغا هذه الدرجة من السذاجة حتى ظنّا بانهما يستطيعان الاختباء؟ وهنا نتعلم بان
الضمير الشاعر بالذنب هو انذار وضعه الله في داخلنا، ينبهنا عندما نخطيء، وان اسوأ
ما نفعله هو ان نطرد الاحساس بالذنب دون ان نتخلص من السبب، وهذا شبيه باستخدام
مسكّن للألم دون علاج المرض نفسه. فما علينا الا باللجوء الى الله عند شعورنا باي
ذنب لنعترف به ونطلب مساعدته لنا في التخلص منه.
11. التنصل من المسؤولية والقاء اللوم على
الاخرين: عندما سأل الله ادم عن خطيته، القى باللوم على حواء، وهي بدورها القت
اللوم على الحية. وما اسهل ان نلتمس الاعذار لخطايانا، او ان نقع في شرك لوم
الاخرين او الظروف تبريرا لاخطائنا، ولكن الله يعلم الحقيقة، ويعتبر كل واحد مسؤولا
عما يفعل، فلنعترف بخطايانا ونعتذر عنها، ولانحاول الهروب من خطيتنا بالقاء اللوم
على الاخرين.
12: قطع الشركة مع الله: لقد خلق الله ادم
وحواء من حبه لهما واراد ان تكون لهما شركة دائمة معه وان يكون دائما معهما، ولكن
بسبب خطيئتهما خشيا اظهار انفسهما، فلقد قطعت الخطيئة شركتهما معه، وكذلك يمكن ان
تنقطع شركتنا نحن ايضا مع الله عند ارتكابنا لاية خطيئة مهما كانت صغيرة.. ولكن
الطريق انفتح امامهما كما هو مفتوح امامنا الان بواسطة يسوع المسيح ابن الله
لاستعادة تلك الشركة.
فما علينا سوى
ان نلجأ اليه لنشكره على خطته الرائعة لاعادة الشركة ونعترف به ربا على حياتنا
ليساعدنا على التغلب على كل مكائد ابليس وطرقه الشريرة فنثبت في الرب ونخلص له
ونعطي المجد الدائم لاسمه القدوس. |