نريد غالبيتنا ان نعرف
خطة الله لحياتنا، ولكننا لانعرف دائما كيف نجدها. وأحد الافكار الخاطئة هو الظن
بان ارشاد الله يهبط علينا من السماء، ولاعلاقة له بما نحن منهمكون فيه، ولكن ان
كنا دائما نتطلّع الى الخطوة التالية من الله، فاننا نخاطر بتدمير ما نعمل فيه
الآن. ومن حسن الحظ أان الكتاب المقدس يشير الى نوع من الارشاد لايعرّض مشروعاتنا
الجارية للخطر. ففي وصف الكتاب لكيفية ارشاد الله لكثيرين من الناس، نستطيع أن نرى
ان دعوة الله جاءت بينما كان هؤلاء الناس منهمكين تماما في تحديات اللحظة. ونجد
مثالا طيبا لهذا الارشاد في حياة "جدعون". وقصته من أمتع وأصدق القصص التي تستدعي
قراءتها ووضعها أمام أنظارنا، ونحن نخوض كل يوم انواع شتى من الحروب الروحية التي
يشنها علينا العدو.
كانت لجدعون رؤيا
محدودة، لكنه كان ملتزما بها. فكان التحدي الذي أمامه هو الحصول على طعام لعائلته.
فمن سفر القضاة، الاصحاح السادس نرى ان دعوة جدعون جاءت في زمن كان فيه بني
اسرائيل وبعد ان استراحوا لمدة اربعين سنة، قد نسوا الرب وصنعوا الشر في عينيه،
فأسلمهم الرب ليد المديانيين للتأديب سبع سنوات، وهم جماعة من البدو من نسل إبراهيم
من زوجته قطورة (تك 2,1:25)، وكانوا مملوئين عنفًا حتى اضطر الإسرائيليون إلى الهرب
من جورهم إلى الكهوف في الجبال (قض 2,1:6). وقد استمروا على مضايقة الإسرائيلين،
فكلما زرع بني اسرائيل زرعاً قاموا بغزوهم واتلاف حقولهم مع سلب حيواناتهم، حتى لم
يتركوا لهم القوت الضروري للحياة.
ورغم كل ذلك
ورغم ان الغزاة الاعداء جعلوا من زراعة وجمع المحصول واعداد الطعام امرا شبه
مستحيل، الا ان جدعون كان واسع الحيلة، فضاعف من معصرة خمر بأن يحوّلها الى بيدر
دراس غائر في الارض. ورغم ان ذلك البيدر كانت تنقصه التهوية لتذرية التبن، الا انه
كان على الاقل مخفياً عن أعين المديانيين، وفي يوم وبينما كان جدعون منهمكا في
العمل في هذا البيدر ارسل الله اليه بدعوة خطيرة... "فتجلّى له ملاك الرب وقال له:
الرب معك ايها المحارب الجبّار" (قض 12:6). وكانت دعوة الله له بان يخلّص بني شعبه
من يد المديانيين... "فالتفت اليه الرب واجاب: اذهب بما تملكه من قوّة وانقذ
اسرائيل من قبضة المديانيين" ( قض 14:6).
لقد اندهش
جدعون مما طلب منه الرب ان يعمله. لم يشأ أن يسارع إلى عمل هو غير مستعد له تماما.
وكان على الملاك أن يتغلب على ثلاثة اعتراضات قبل أن يقتنع جدعون:
(1) مشاعره من جهة
مسؤوليته نحو خير عائلته فقد كان مملوءًا غيرة متقدة من جهة إخوته، فنراه بدافع
محبته وبقلب متسع يعاتب الرب نفسه، فيردّ على ملاكه عندما دعاه قائلا: "إن كان الرب
معنا، فلماذا اصابنا كل هذا البلاء؟" (قض13:6).
(2) احساسه
بعدم كفاءته لهذا العمل، فنراه في اتضاع يعترف بمذلّة عشيرته وبصغره هو شخصيا
فيجيب: "دعني أسألك ياسيدي: كيف انقذ اسرائيل وعشيرتي هي اضعف عشائر سبط منسّى،
وانا اقل افراد عائلتي شأناً؟" (قض15:6).
(3) شكوكه في
الدعوة نفسها، مما دعاه الى الطلب من الرب باعطائه علامة ان كان هو الذي يخاطبه.
(قض17:6).
عندما تأكد
جدعون من أن ملاك الرب هو الذي حدثه بعد اعطائه العلامة بقبول تقدمته (قض21:6).
نراه يشعر بالخوف لأنه راى ملاك الرب وجهاً لوجه ظنّاً منه بانه لن يعيش حسب قول
الرب "ولكنك لن ترى وجهي، لأن الانسان الذي يراني لايعيش" (خر20:33) ولكن الرب
طمأنه قائلا: "السلام لك، لاتخف، فانت لن تموت". وامام ذلك الحب الالهي، اقام جدعون
مذبحا للرب سمّاه "يَهْوَه شلوم" ومعناه "الرب سلام" لان الرب منحه السلام. وبعد
الدعوة طلب منه الرب ان يهدم مذبح البعل في المدينة، مما اثار غضب اهلها فتحالفوا
ضده مما دعاه الى المواجهة، فنراه مرة اخرى يتوجه بطلب علامات من الرب يجريها على
"جزة صوف" في البيدر مرة بان يكون طلّ عليها بينما الارض جافة ومرة بالعكس ان تكون
الجزة جافة بينما الارض كلها مبتلّة.
وفي الاعداد
الاخرى من السفر والتي تحكي قصة جدعون والعلاقة التي تكونت بينه وبين الرب، تتجلى
عناية الرب الفائقة واحتوائه بكل محبة للناس الذين يتم دعوتهم لتنفيذ خطته من
خلالهم وتفهمه لعجزهم البشري وكيفية تعامله معهم. ويتجلى كذلك ردة فعل جدعون نحو
تلك الدعوة والظاهرة في خوفه وشكه وتردده، ولكننا نراه حالما يقتنع، يطيع بكل حماسة
وحنكة وسرعة، فقد كرس الميزات والنواحي الايجابية في شخصيته لاله شعبه الذي اصبح
الان يعرفه معرفة شخصية.
وبالرغم من ان
جدعون كانت له لحظاته من الضعف والفشل والتي سنوردها لاحقا، لكنه ظل دائما عبداً
لله. فاذا استطعت أن ترى نفسك في ضوء النصف الاول من الجملة الاخيرة (الفشل)، فهل
تستطيع أن ترى نفسك أيضا في ضوء النصف الثاني منها (الطاعة)؟ اذكر جدعون كرجل أطاع
الله بتركيز انتباهه على العمل الذي كان بين يديه، ثم ركز انتباهك على الايمان بان
الله سيعدّك للغد، عندما ياتي ذلك الغد.
نقاط القوة
والانجازات:
- خامس قضاة
اسرائيل.
- قائد حربي
استراتيجي ماهر في المباغتة.
- احد اعضاء
قائمة ابطال الايمان في الرسالة الى العبرانيين (32:11).
- هزم جيش
المديانيين.
- خلع عليه
بنو اسرائيل لقب ملك.
- مع انه كان
بطيئا في الاقتناع، الا انه تصرّف حسب قناعاته.
نقاط الضعف
والاخطاء:
- خشي ان تمنع
محدودياته الشخصية، الله من ان يعمل.
- جمع ذهب
المديانيين وصنع منه تمثالا اصبح معبودا.
- من خلال
علاقة جنسية بدون زواج، ولد ابنا كان سبب حزن كبير وماْساة لعائلة جدعون وللامة
الاسرائيلية ايضا.
- فشل في ان
يجعل عائلته تسير في طرق الله، فبعد موته رجعوا جميعا الى عبادة الاوثان.
دروس من حياته
- اهمية اولوية اللجوء
الى الله في كل ظرف وزمان: من الفترة الزمنية التي ظهر فيها جدعون والحالة التي وصل
اليها بني شعبه نتعلم بانه مرة أخرى يضرب بنو إسرائيل رؤوسهم في الصخر، قبل أن
يرجعوا إلى الله. وكم من الآلام كان يمكن أن يتجنبوها لو أنهم اتكلوا عليه! وهي نفس
الصورة المتكررة لا في عصر القضاة فقط وإنما في حياة الإنسان اليومية، فنراه عندما
يستريح وعوضا من أن يشكر الرب ويسبحه إذا به ينساه فيسقط تحت مذلة الخطية التي
تتسلم سلطانًا عليه خلال تراخيه فتسطوا على حقوله الداخلية وتفقده حتى قوته
الضروري. فيجب ألا يكون الالتجاء إلى الله، هو الملاذ الأخير، بل علينا اللجوء إليه
طلبا للمعونة كل يوم وفي كل موقف نواجهه فلا تنتظر حتى نصل إلى نهاية قدرتنا، وقد
لايكون ذلك سهلا، فلابد من وجود صراعات، ولكن الله يمنحنا على الدوام قوة
لاحتمالها.
- يوسّع الله
القدرات التي اودعها فينا، ويستخدمها: لكي نفهم كيف فعل الرب ذلك في حياة جدعون
مقارنة بالحالة التي كان فيها عندما استدعاه، علينا ان نلقي الضوء قليلا على ما كان
يفعله وكيف كان يفعله. كان الدراس عملية لفصل حبوب القمح عن "التبن". وكان ذلك يتم
عادة في "مساحة كبيرة، فوق تل"، حيث يمكن للريح أن تدفع التبن الخفيف بعيدا عندما
يذري الفلاح الحنطة المدروسة في الريح. ولكن جدعون كان مضطرا أن يفعل ذلك في
"معصرة، في حفرة" مخفية عن الأنظار، ولا تثير الشك في أنها مكان يضع فيه الفلاح
محصوله، لكي لايكون هدفا سهلا لعصابات الغزاة الذين كانوا يجتاحون البلاد. ويمكننا
ان نتخيل صعوبة الحالة النفسية والروحية والخوف الذي كان فيه وهو عاجز عن رؤية
الامور بشكلها الصحيح لخوفه من المديانيين، ولكن الملاك مع ذلك يرى فيه محاربا
جبارا، وأن هناك قوى كامنة في داخله على وشك أن يكشفها له الله، الذي جاء اليه
ليرفعه من تلك الحالة، ويخرجه من تلك المعصرة التي اختبأ فيها ومن الظلام الذي
اكتنفه، ومن الندم الذي وصل إليه حتى عجز عن أن يدرك تلك القوة التي راها فيهه
الله. كم من المرات نشعر وكان ابواب الحجيم مفتوحة امامنا على مصراعيها نظرا للظروف
العصيبة التي نجتاز فيها، حتى بالكاد نتمكن ان نشعراننا مازلنا على قيد الحياة،
فاقدين كل مقوماتها متناسين بان الرب مطلع على كل تلك الامور ومجتاز معنا فيها،
وبمجرد تجاهلنا لكل تلك الظروف وتركيز انظارنا عليه، حتى نلمس وجوده معنا بمجرد
استجابتنا له كاشفا لنا كل نقاط ضعفنا ليساعدنا في التغلب عليها ومكامن القوة
لاستغلالها واستخدامها بالصورة التي تخدم اهدافه لصالح البشرية وتعطي المجد لاسمه
الكريم.
- الصراحة
والجرأة في طرح مخاوفنا امام الله: وذلك ما عكسه لنا جدعون من رده على سلام الملاك
"ان كان الرب معنا فلماذا اصابنا كل هذا البلاء" وكانه يقول له لا اكاد اصدق هذه
الحقيقة، فما ان ساورته الشكوك وظن مخطئاً بان الله قد تخلى عنهم حتى باح بها امام
الله، وكم هو مهم جدا ان يكون الانسان صريحا وشفافا في علاقته مع الرب الذي يعلم كل
شيء ويكشف له عن كل شكوكه بدلا من التكلف والتصنع، شرط ان يكون ذلك الشك اولا
ايجابيا وصحيا يصب في تشديد الايمان وتثبيته وثانيا ان لاتكون للانسان رغبة في
التمسك بذلك الشك اوعدم التحول عنه مهما كانت البراهين واضحة امامه.
- ثبات الله
في مواقفه وتغير الانسان: كان جدعون قد سمع عن المعجزات العظيمة التي عملها الله
لأجل شعبه، ولكنه لم ير منها شيئا. فقد كادت تمضي سنوات طويلة منذ اخرمعجزة عظيمة،
فظن بالخطأ، أن الله قد تخلى عن شعبه، فسأله عن سبب المشاكل التي يواجهها هو وأمته،
وعن عدم معونتة الواضحة لهم. وبالرغم من ان سؤاله جاء بدافع تلك المحبة والغيرة
التي كلن يكنها لبني شعبه، ولكن ما لم يعترف به، هو هذه الحقيقة: أن الشعب هو من
جلب على نفسه الكارثة بتصميمه على عصيان الله وتجاهله، فبالرغم من انهم كانوا
يعرفون ما يريده الله منهم، إذ كانت شرائعه عندهم، ولم يعودوا في حاجة إلى معجزات
عظيمة برهانا على أن الله هو قائدهم، ففي الحقيقة كان الشعب هو الذي ترك الله. وإذا
كنا ننمو في الله كما ينبغي، فما أقل ما نحتاج إلى معجزات عظيمة. ولكن ما أسهل أن
نتجاهل مسئوليتنا الشخصية، ونلقي باسباب مشاكلنا على الله وآخرين!. فعندما تأتي
المشاكل، فأن أول ما يجب أن ننظر إليه هو داخلنا، وأول ما يجب أن نفعله هو الاعتراف
لله بخطايانا التي قد تكون أحد الأسباب التي خلقت هذه المشاكل.
- يستخدمنا الله رغم
محدودياتنا وفشلنا: قال الله لجدعون: "أنا الذي أرسلك!" ووعده أن يمنحه القوة التي
يحتاجها للتغلب على كل مقاومة. ورغم هذه الدعوة الواضحة والوعد الصريح بالقوة، نرى
جدعون يتساءل كيف يمكنه ذلك وعشيرته هي اضعف العشائر وهو اقل افراد عائلته شأنأ. هل
فشل جدعون في ان يرى كيف يستطيع الله ان يعمل من خلاله بابداء محدودياته وضعفاته؟!
أم بقوله انه الاصغر عكس مدى تواضعه ووداعته كاشفا حقيقة نفسه شأنه في ذلك شان كل
الابطال الناجحين مدركين حقيقة صغرهم امام عظمة السيد الخالق المسيطر على كل الكون
وسير احداثه، وطبقا لقول الرب يسوع "لان الأصغر فيكم جميعا هو يكون عظيما"؟!. مهم
جدا ان نكون متواضعين مثل جدعون ومدركين ضعفنا امام الخالق، ولكن دون ان يشكل ذلك
عائقا امام تنفيذ ما يطلبه الله منا مثلما لم يشكل عائقا امام جدعون، لانه ان فعلنا
ذلك رغم وعود الله بتوفير الوسائل والقوة التي نحن في حاجة إليها، فذلك يضعنا في
موقف تذكير الله بمحدوديتنا، وما يتضمنه ذلك من أنه لا يعلم كل شيء عنا، أو أنه قد
أخطأ في تقدير شخصيتنا. ولكي نتخطى ذلك علينا ان لا نصرف وقتا في الاعتذار، بل
نصرفه في عمل ما يريده الله منا.
- ضرورة
النجاح في اختبار وامتحان ايماننا: بعد أن دعا الله جدعون ليكون منقذا لإسرائيل،
طلب منه، على الفور، أن يهدم مذبح البعل، وهو عمل لامتحان إيمانه وتسليمه لله.
والامتحان الحقيقي للإيمان هو مدى ثباته أمام الضغوط. ففي حالة جدعون كانت الديانة
الكنعانية ديانة سياسية جدا، فكان الهجوم على إله، كثيرا ما يعتبر هجوما على
الحكومة المحلية التي تؤيد ذلك الإله، ولو قبض على جدعون، لواجه مشاكل اجتماعية
خطيرة، ولتعرضت حياته، على الأرجح، للخطر. لقد جازف جدعون مجازفة عظيمة باتباعه
شريعة الله السامية، وبخاصة التي تقرر تحريم عبادة الأوثان (خر 20: 1-5). وبعد
اكتشاف ما فعله جدعون، أراد شعب المدينة أن يقتلوه. وكان الكثيرون منهم من إخوته من
بني إسرائيل، وذلك يعكس ايمان جدعون بما طلبه الله منه واصراره على تنفيذه من جهة،
ومن جهة اخرى، مدى الانحدار الروحي الذي وصل اليه شعب الله حينها. فقد قال الله في
سفر التثنية (13: 6-11) إن عبدة الأوثان يجب أن يرجموا حتى الموت، ولكن هؤلاء
الإسرائيليين أرادوا أن يرجموا جدعون لأنه هدم صنما، ولعبادته لله. وما اكثر
الحالات المشابهة في عالمنا اليوم بتلك الحالة!.
- اهمية
اختبار وجود الله في حياتنا والوسيلة المثلى للتحقق من ذلك: هل كان جدعون يمتحن
الله حقيقة، أم أنه كان يطلب من الله تشجيعا أكبر، فحسب؟!. في كلتا الحالتين، من
الواضح أن الدافع عند جدعون كان صائبا (أن يطيع الله، ويهزم العدو)، ولكن أسلوبه لم
يكن مثاليا تماما. فرغم ان جدعون عرف أن طلباته هذه قد تغضب الله (6: 39)، وعلاوة
على أنه كان قد شاهد، لا معجزة واحدة، بل ثلاث معجزات برهانا على إرساليته (6: 21،
38، 40). ظل مرتابا في ايمانه (6: 39). وفي الحقيقة، لكي نصدر قرارات صالحة، تلزمنا
حقائق. وكان لجدعون كل الحقائق، ولكنه ظل مترددا، وأجل طاعته لأنه كان يريد برهانا
آخر. وكان طلب علامات إضافية، دليلا على عدم الإيمان. ورغم ذلك فان جدعون دخل
بإيمانه ابواب التاريخ، وذكر اسمه كاحد ابطال الايمان في الرسالة الى العبرانيين
(32:11). وذلك يوكد لنا امران اولهما: ان جدعون اراد ان يمتلك ايمانا اختباريا
ناتجا عن علاقة مباشرة مع الله وليس ايمانا مبنيا على ما سمعه من ابائه واجداده .
وثانيهما: مدى طول اناة الرب وصبره وتفهمه لخليقته التي هي صنع يده ومدى ضعفها
وعجزها البشري.. وكثيرا ما يجعلنا الخوف ننتظر تأكيدا أكثر، بينما الموقف يتطلب
منّا ان نطيع. فالعلامات المنظورة غير ضرورية إذا كانت لمجرد تأكيد ما نعلم فعلا
أنه حق. وأعظم علامة، الآن، لإرشاد الله هي كلمته، فلسنا مضطرين للتصرف مثل جدعون،
ففي عهد النعمة والشركة التي ينبغي ان نعيشها مع الرب يسوع "الذي هو هو امس واليوم
والى الابد"، والذي قال لتوما: "الانك رأيت آمنت؟ طوبى للذين يؤمنون دون ان يروا".(
يو29:20).. ليتنا لانجعل اي شي آخر اثباتا لنا بديلا عن حكمة الله التي تواتينا من
دراسة الكتاب المقدس والشركة والصلاة.
- الاعتماد
على الله وعدم الاكتفاء بالذات: يصبح الاكتفاء بالذات عدونا، عندما يجعلنا نعتقد
أننا نستطيع دائما أن نفعل ما يلزم فعله، بقوتنا الذاتية. ففي المعركة التي كان على
جدعون خوضها، نرى بان الله يطلب منه ان يختصر عدد جنوده من اثنين وثلاثين ألفا إلى
ثلاثمائة (قض7:7)، وبالتاكيد في موقف كهذا، وبمثل هذا الجيش الصغير لا يمكن أن يكون
هناك أدنى شك في أن النصرة كانت من الله وان لافضل هناك لجنوده، فقد أراد الله أن
يبين لإسرائيل أن النصر لا يتوقف على القوة أو العدد، بل على طاعته والتسليم له.
وعلينا أن ندرك، مثل جدعون، خطر القتال ضد معارك الحياة بقوتنا، فلا يمكن أن نكون
واثقين من النصر إلا إذا وضعنا ثقتنا في الله، لا في أنفسنا.
- ان ما
يدخلنا الله فيه من مواقف ورغم خطورتها قد تكون لصالحنا: لقد خاف جدعون من مواجهة
قوات العدو الساحقة. وعرف الله خوفه، ولكنه لم يعف جدعون من مهمته، بل بالحري سمح
لجدعون أن يتسلل إلى معسكر العدو، وينصت لحديث بث فيه الشجاعة (7: 12-15). ان كنت
تواجه معركة من اي نوع، تذكر ان الله يستطيع أن يهبك القوة التي أنت في حاجة إليها
في أي موقف، فلا ترفض الطريقة التي يساعدك بها، بل عليك، مثل جدعون، أن تصغي له،
وأن تكون مستعدا لاتخاذ الخطوة الأولى، فلن تجد لديك الشجاعة للتقدم، إلا بعد أن
تشرع في طاعة الله.
- ليس لكل عمل ضروري،
دور قيادي بارز: عندما شعر قادة أفرايم بأنهم أُهمِلوا لأن جدعون لم يدعهم
للانضمام إليه في المعركة، بل وضعهم في موقع لاصطياد المديانيين الهاربين. بين لهم
جدعون بلباقته، اهمية دورهم في كسب المعركة (قض3,1:8). مؤكدا بذلك من جهة ضرورة
تميز القادة بالحكمة واللباقة في ايجاد الحلول لكل موقف يمرون فيه، ومن جهة بان ما
نقوم به من اعمال لخدمة الرب هي مهمة واساسية مهما كانت بسيطة وثانونية. وقد يدفعنا
الكبرياء إلى السعي وراء الادوار القيادية التي تاتي بالشهرة دون ان نكون مؤهلين
لها في حين نتجاهل اعمال اخرى اساسية وحيوية لانجاز ما يطلبه الله. فهو لا يهتم
بنوع العمل الذي تقوم به، ومقدار ما فيه من عظمة وجلال ومجد، قدر اهتمامه بطريقة
اداءه وما يتطلبه ذلك من أمانة وجد وإخلاص، مهما بدا العمل صغيراً ومتواضعا.
- عدم
المغالاة في الاهتمام بالنفس: عندما طلب جدعون مساعدة قادة سكوت رفضوا خوفا من ثأر
مديان، في حالة فشله (قض6:8)، وكان عليهم أن يتحققوا من أن النصر أكيد لأن الله كان
مع جدعون، ولكنهم كانوا شديدي الاهتمام بإنقاذ أنفسهم، حتى إنهم لم يفكروا في قدرة
الله على الخلاص. وبسبب الخوف أو الاهتمام الزائد بأنفسنا، قد نفشل في إدراك وجود
الله في حياة أناس آخرين، أو في مواقف آخرى، وهكذا نخسر مشاركة الآخرين في النصر
الذي يصنعه الله. وذلك يضعنا في مواجهة العواقب التي كثيرا ما تكون مرّة، لفشلنا في
الانضمام إلى الجماعات التي اختار الله أن يعمل بها عمله. وحيث أن عمل الله لابد أن
ينجح سواء بنا او بدوننا، فلنكن ايجابيين في المبادرة إلى الانضمام للآخرين
القائمين بعمل الله حال وثوقنا بان الله يعمل من خلالهم، مساندين لهم بوقتنا
أومالنا أووزناتنا أوصلاتنا..
- حتى الذين
تقدموا روحيا تقدما كبيرا، يمكن ان يقعوا بسهولة في الخطيئة ان لم يثابروا باستمرار
على السير وراء الله: ان اخر ما تخبرنا به قصة جدعون هو مواجهته للتجارب وهو في قمة
انتصاره، فرغم انتصاره في التجربة الاولى برفضه ان يتم نصبه ملكا على الشعب (23:8)،
مؤكدا لحقيقة ان مفتاح الحياة، سواء لأمة أو لفرد، هو وضع الله أولا في الحياة.
ولكنه فشل في مواقف اخرى وهي: (1) قيامه بعمل افودا ذهبيا. فبالرغم من اننا لا نعلم
لماذا فعل ذلك، فربما كانت لديه دوافع طيبة لصنعه "كونه تذكار منظور لإحياء ذكرى
النصر"، الا انه من سوء الحظ اصبح ذلك فخاً له ولبيته ولشعب الله، فبدأ الشعب في
عبادة الأفود صنما لهم. وللأسف كثيرا ما تكون للقرارات الصادرة عن دوافع طيبة،
نتائج سلبية. لذلك فمن المهم التمهل ودراسة كل خطة او قرار قبل اصداره لكي لا يتحول
الى مشكلة كامنة.. (2): اقام علاقة بينه وبين سريته كانت ثمرتها ولدا فرّق عائلة
جدعون، وجلب مأساة على الأمة. وبذلك كان جدعون خير مثال لحقيقة أن الأبطال في الحرب
ايا كان نوعها، ليسوا دائما أبطالا في الحياة اليومية. فقد قاد جدعون الأمة، لكنه
لم يستطع أن يقود عائلته. فمهما كنت أو كانت حالتك فإن التساهل الأخلاقي يؤدي إلى
نتائج خطيرة، فان الانتصار امام معركة لايعني بالتاكيد الانتصار في المرات القادمة،
وذلك يتطلب منا أن نكون يقظين باستمرار للتجربة وان نميز هجمات الشرير ونختاربمعونه
الرب رد الفعل المناسب لها.
بيانات
اساسية:
- المكان:
عفرة، وادي يزرعيل، عين حرود.
- المهنة:
فلاح ومحارب وقاضي.
- الاقرباء:
ابوه: يواش، ابنه: ابيمالك.
- معاصروه:
الملك زبح والملك صلمناع.
الايات
الرئيسية:
"فأجاب جدعون:
دعني أسألك يا سيدي: كيف أنقذ بني اسرائيل وعشيرتي هي أضعف عشائر سبط منسي، وأنا
أقل أفراد عائلتي شأناً؟ فقال له الرب: سأكون معك فتقضي على المديانيين وكأنك تقضي
على رجل واحد" (قض16,15:6) ونجد قصته في (قض 6-8 ، كما ذكر في عب32:11). |