(1)
فم العفيف يتكلم بالطيبات، فيلذذ صاحبه ويفرح سامعيه. من كلامه مرتب وعفيف، ومن هو
طاهر القلب هو ابن ميراث المسيح. أما من كلامه ساخط وعكر بسبب الغضب فهو شيطان ثان.
فم طاهر النفس يتكلم كل وقت على خالقه. ومن يسمعه بفرح، يتخذه مثالا له. فم الجاهل
يتفجر مرارة ويقتل صاحبه ويُسكر الذي ينصتون إليه. وحسنًا فعل سليمان عندما لقبه
بالخنزير. سيدي نجني من لقائه. من يترحم على إنسان، فباب الرب مفتوح كل وقت
لطلباته. العاقل يشتري لنفسه الملكوت بكسرة خبز. من يفرق ماله بدون تمييز باطل هو
عمله. من يُكثر كلامه ويرفع صوته ويثرثر هو ناقص الرأي.
(2)
من يلطف كلامه ويتماكر للإضرار هو شيطان ثان. من يصنع سلامًا بين الغضوبين ابن الله
يدعى. ومن يشوش ويهيج وينقل كلامًا شريرًا من واحد إلى آخر هو ملاك الشيطان. هذا
تبيده النار. من يبدل بكلمات شريرة كلمات صالحة ويزرع سلامًا بين الإخوة يكتسب
الحياة لنفسه. من يفرح بحسنات كل إنسان تفض عليه من عند الله كل الحسنات. ومن يحسد
حسنات الآخرين، لا تعزه السيئات، وسريعًا يحصل إنكساره. من يرد بالحسنات بدل
السيئات يبهج الملائكة ويُسر سيدهم، إذ إنه يتخذ له مثال الصانع. من يرد السيئات
بالسيئات تحل عليه السيئات أقبح من أخرى.
(3)
من يتب عن سيئاته ولا يعد إليه أيضًا، حتى لو كانت قبيحة وسمجة وعظيمة جدًا أكثر من
كل خطايا السادوميين، ويظهر نحوها وجع القلب وندامة شديدة ودموعًا بالجملة، يقطع
منه الشرور، ويولد لساعته من الروح القدس، وتحبه الملائكة، ومعهم يختلط بالنور،
ويصبح من خاصة الله وبدالة يتخذ طهارة تحرر من خزي السفلة وتعاد إليه بتولية لا
تتدنس ويدعى زرعًا إلهيًا لا يخطئ، ويُحسب ابنًا في أسرار الله، ويكتسب ثقة مفرحة،
ويقبل في قلبه عربون الملكوت لتوطيد رجائه. ومصدر الإيمان بهذه الأمور هو الصالح
الذي يخدع البتة. ومن اختبرها، يكن شاهدًا على كلمتي. لا تشك أيها المائت: إنه إذا
بلعك الموت وأنت في الشر، تكون محرومًا الحياة.
(4)
والآن، بما أنك وُلدت بالتوبة إلى الحياة، فأنت بعيد عن كل عيب ووُلدت طاهرًا من
الأم المباركة، والدة البتولين الأطهار، أبناء الملكوت. أما الذي يحتقر معرفة الله
ويخطئ تجاه الرجاء الذي يأتي من التوبة وتجاه الرحمة، فتوبته لا تقبل والرحمة لا
تفيض عليه، لأنه إذ يهوى ممارسة أهوائه القبيحة، يستهين بدينونة الله العالم بكل
شيء، بانتظار التوبة. وبما أن هذا "لن يُعد له ذبيحة لغفران خطاياه"، على حد قول
كلمة الطوباوي بولس، فلا يعطيه الرب مجالا للندامة إلى حين انتقاله من هذه الدنيا.
وإلى هذا، "حتى لو قام آخرون يطلبون مكانه، فإنهم لن يُستجابوا"، بحسب قول يوحنا،
الخبير بأسرار معلمه.
(5)
أما الذي لانعدام خبرته أخطأ وكان جاهلا، أو هيأ إرادته لممارسه الفضيلة والتدبر
بنقاوة، فإنه ينزلق ووقع لضعفه أمام بصيرة الشياطين وشدتهم، أحيانًا، في أي نوع من
الخطايا. وعندما تعذبه إرادته جليًا وتبكته بسبب سيئاته، فإن ما يحصل له لم يكن
بسبب استعداد إرادته، بل من قلة المعرفة أو من الضعف وقساوة الشياطين النجسة. هذا
إن هو قطع الشر من أصله، فيثبت في التوبة، وهو يصرخ إلى الله، وينوح بمرارة، ويسأل
الصفح بألم القلب ووجع النفس القاسي. فلهذا تقبله الرحمة الأبوية وتمنحه الثقة لكي
لا يخطأ من بعد، بتوكل حقيقي وبنسيان الخطيئة نسيانًا عميقاً من قلبه كأنها لم تكن.
(6)
أيتها الرحمة الفياضة التي أعطيناها، نحن الموتى، الموتى بالخطيئة! أيها الرحم
القدوس الذي هو التوبة، الذي يلد البنين الجدد من القدماء، الأطهار من الأنجاس،
النيرين من المظلمين، والطيبين واللذيذي الرائحة من النتنين، والشهيين والمتشبهين
بأبيهم الذي من السماوات من الأردياء والسمجين الشبيهين بالشيطان مُستعبدهم النتن
المظلم. من لا يتعجب من غيرتك يا ربنا ويشكر نعمتك، أنت يا من أتى ووُلد ليولدنا
على شبهك من حضن التوبة التي تلدنا على شبهك كما ولدتك مريم.
(7)
المجد لك أيها الآب، أب الكل، الذي وهبت لنا أمًا جديدة للميلاد الجديد قبل المولد
الكامل من حضنك، لأنه بقلة المعرفة تنجسنا بكل نجاسة! هي التي ترقق وتنقي وتجمل
وتغطي تحت اطرافها، مثل المربية، الذين وُلدوا منها حتى يصلوا إليك محبوبون
ومستنرون وأحباء، فيكونون آلهة وملوكا، أبناء ربوبيتك، ويتنعمون واثقين في حضنك
باستنشاق روح قدسك. وبمجدك يستضيئون ويرون صورتهم في صورتك ويتبدلون بروحك إلى مجدك
مثل كلمة محبك، وسيط أسرارك. لك المجد من الكل، لأنه رحمتك التي تُشرق على الكل، لا
أحد ينطق بها. وعلى قدر استعداد إرادة كل واحد هي تشرق على الناطقين أو تمتنع عنهم.
أعطنا لنستحق قبولها مع محبيك في كل وقت. آمين.
|