ان
الخبز كما تعلمون يا اخوتي هو مصدر رئيسي للغذاء، وقد تم ذكر الخبز في اماكن عدة
في الكتاب المقدس. فمن خلال سفر التكوين نرى ان الله حين طرد ادم من الفردوس عاقبه
بأن يأكل خبزه من عرق جبينه بعدما كان كل شئ متوفر له، وكان يأكل بلا تعب وعناء.
ونرى ايضا كيف أن ابراهيم اكرم الزوار الثلاثة الذين اتوا اليه ليبشروه بولادة ابنه
اسحق من خلال طلبه لامراته سارة بان تعجن وتصنع خبزا للزوار. اما يعقوب ابن اسحـق،
فقد اشترى بكورية اخيه الاكبر عيسو بخبز وطبيخ عدس، واستمر يعقوب بالخداع، فخدع
ابيه اسحـق ونال البركة حين قدم لابيه الاطعمة والخبز.
وتستمر الاحداث في الكتاب المقدس ونصل الى ايام يوسف في مصر، حيث اصبح يوسف ذي سلطة
عالية في ايام فرعون، حيث ضرب الجوع والمجاعة جميع الارض واما مصر كان فيها الخبز،
لذلك نرى كيف اتى اخوة يوسف الى مصر من اجل شراء الخبز، ونرى الشعب ايضا قد اعطى كل
الفضة والاملاك والمواشي ليوسف من اجل الخبز، لأنه كما قلنا ان الخبز هو مصدر رئيسي
للغذاء والعيش.
وبعد سفر التكوين يأتي سفر الخروج و فيه نرى كيف ان الله اخرج شعبه من مصر من خلال
النبي موسى ولكن هذا الشعب بدأ بالتذمر لانه لم يكن لديهم شئ ليأكلون في البرية
وتذكروا ايام مصر، حينها كانوا يأكلون اللحم والخبز. نسوا كيف ان الله اخرجهم من
مصر وانقذهم من فرعون. فأنزل الله المن في البرية ليأكل الشعب. "فقال الرب لموسى ها
انا امطر لكم خبزا من السماء. فيخرج الشعب ويلتقطون حاجة اليوم بيومها. لكي امتحنهم
أيسلكون في ناموسي ام لا" خروج 16: 4 . فأكل الشعب المن والسلوى وشبعوا.
ويعلمنا الكتاب المقدس الكثير عن الخبز وكيف كان الشعب العبراني يقدم تقدمة الخبز
لله، بالاضافة الى القرابين لمغفرة الخطايا. ونقرأ الكثير عن الخبز في مزامير داود
وكتب الامثال لسليمان الحكيم . اما النبي اشعيا فيعلمنا درس رائع في الصوم، وذلك
بكسر خبزنا للجائع "امثل هذا يكون صوم اختاره. يوما يذلل الانسان
فيه نفسه يحني كالاسلة راسه ويفرش تحته مسحا ورمادا. هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا
للرب. اليس هذا صوما اختاره حل قيود الشر. فك عقد النير واطلاق المسحوقين
احرارا وقطع كل نير. اليس ان تكسر للجائع خبزك وان تدخل المساكين التائهين الى
بيتك. اذا رايت عريانا ان تكسوه وان لا تتغاضى عن لحمك. حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك
وتنبت صحتك سريعا ويسير برك امامك ومجد الرب يجمع ساقتك". اشعيا 58 : 5- 8
اما
في العهد الجديد فنرى ايضا ان الخبز قد ذكر في عدة اماكن، فنرى كيف ان الرب يسوع
حين يعلمنا الصلاة الربية بأن نطلب من الاب خبزنا كفاف يومنا (متى 6: 11)، ونرى
ايضا حين صام الرب يسوع اربعين يوما في البرية كيف ان الابليس حاول يجرب الرب يسوع
بأن يحول الحجارة الى خبز لكن الرب يسوع كان جوابه بأن ليس بالخبز وحده يحيا
الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله (متى 4: 3-4).
ولاننسى معجزات الرب يسوع، حين اطعم اربعة الاف رجل ماعدا النساء والاطفال من سبعة
ارغفة خبز (متى 15: 32- 39) وكذلك اطعم الرب يسوع خمسة الاف رجل من خمس خبزات
وسمكتان (يوحنا 6: 1- 15). وكان تلاميذ يسوع يأكلون الخبز دون غسل ايديهم كما كانت
العادة عند اليهود لذلك نرى ان الكتبة والفريسين كانوا يلومون يسوع بسبب تلاميذه
ولكن الرب يسوع يعلمنا درس جديد بأنه ليس ما يدخل الفم ينجس
الانسان، بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الانسان.
كل
هذه الاحداث التي ذكرتها عن الخبز في الكتاب المقدس هي من اجل الفائدة والتعلم، وان
هذا الخبز ليس هو خبز الحياة، بل هو خبز زائل، خبز نأكله عندما نجوع ثم نشبع لساعات
ومن ثم نجوع مرة ثانية. اما خبز الحياة فهو الرب يسوع، خبز الذي يأكل منه لا يجوع،
هذا الخبز لايتلف كما تلف المن في البرية، هذا الخبز الذي يـأكل منه لايموت كما مات
الشعب العبراني. فما سر هذا الخبز؟ لنتأمل يا اخوتي في كلمات يسوع في انجيل القديس
يوحنا (6: 48- 51) " *انا هو خبز الحياة *
اباؤكم اكلوا المن في البرية وماتوا.* هذا هو الخبز النازل من السماء لكي ياكل
منه الانسان ولا يموت. * انا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. ان اكل احد من هذا
الخبز يحيا الى الابد. والخبز الذي انا اعطي هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة
العالم" اذا السر في هذا الخبز هو جسد الرب يسوع، هذا الجسد الذي قُدم على الصليب
فداءا من اجلنا. هذا السر العظيم الذي لم يفهمه حتى تلاميذ يسوع.
ففي
خميس الفصح حين اكل الرب يسوع عشاءه الاخير مع تلاميذه الاثنى عشر، اخذ خبزا وشكر
وكسر واعطاهم قائلا هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكري. هنا يتكرر الحدث
ثانية مع التلاميذ! المسيح هو الخبز الحي الذي يبذل من اجل التلاميذ ومن اجلنا.
التلاميذ فهموا وامنوا بما قاله يسوع بعد صلب وموت وقيامة المسيح من بين الاموات.
وبعد القيامة نرى كيف ان الرب يسوع ظهر لتلاميذه عدة مرات، فظهر لتـلميذي عماوس ولم
يعرفوه الى حين جلس معهم وكسر الخبز، حينها انفتحت اعينهم وعرفوا انه كان الرب يسوع.
وظهر ايضا على سبعة تلاميذ عند بحر طبرية، حيث اكل معهم السمك والخبز. وبعد صعود
الرب يسوع الى السماء وحلول الروح القدس على التلاميذ، نرى كيف كان التلاميذ
يجتمعون مع بعضهم ويكسروا الخبز، عاملين بوصية الرب يسوع بأن يأكلوا جسده الذي هو
خبز الحياة .
ونقرأ ايضا في رسائل بولس رسول عن خبز الحياة. فالخبز هو شركة جسد المسيح والمؤمنون
يصبحوا واحدا في جسد المسيح لانهم يشتركوا في خبز واحد، ولكن الرسول بولس يحذرنا في
نفس الوقت من ان نأكل الجسد او نشرب من كأس الرب بدون استحقاق حينها نكون كمجرمين
في جسد الرب ودمه. وهنا نتذكر اقوال الرب يسوع "ان قدمت قربانك الى
المذبح وهناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك * فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب
اولا اصطلح مع اخيك. وحينئذ تعال وقدم قربانك" متى 5: 23- 24. نعم يا اخوتي لتكن
قلوبنا صافية ونقية، ووجوهنا مشرقة كالشمس حين نتناول جسد الرب، لنفهم هذا السر
العظيم، كيف ان الخبز يصبح جسدا، هذا الجسد الذي قُدم كقربانا عاى الصليب من اجلنا. |