الزوان: حبوب لا يمكن تمييزها بسهولة عن الحنطة، في شكلها وحجمها، ولكنها عكسها في
ثمرها ومذاقها، فهي حبوب سامة إذا اختلطت بالطعام. وهذا ما عمله إبليس من البداية؛
إذ يكتب الرسول بولس في أوائل رسائله «لأن سر الإثم الآن يعمل» (2تسالونيكي 2: 7).
ففي ظلمة الليل وغفلة الأتقياء، زرع رسل كذبة وأنبياء كذبة ومعلمين كذبة وإخوة كذبة
وتعاليم كاذبة. والهدف إيجاد صورة زائفة لعمل الله «لهم صورة التقوى». ومن حكمة
الرب وطول أناته علي الأشرار أنه يترك الزوان والرديء مع الحنطة والجيد، يتمتعان
بنفس التربة والشمس والمطر لعلهم ينتبهون.
وأما مثل المسيح عن الحنطة والزوان في متى 13: 24 ـ 30 فيقول: "يُشبِهُ ملكوت
السماوات إنسانا زرع زَرْعا جيدا في حقله. وفيما الناسُ نِيامٌ جاء عَدُوُّه وزرع
زُوّانا في وسط الحِنْطَة ومَضى. فلَمّا طلع النَباتُ وصَنَع ثَمْرا، حينَئدٍ ظهر
الزُوّانُ أيضا. فجاء عَبيدُ رَبّ البيتِ وقالوا له: يا سيّدُ، أليس زرعا جيدا زرعت
في حَقْلك؟ فَمِن أين له زوان؟ فقال لهم: إنسان عدُوٌّ فعل هذا. فقال له العبيد،
أتريدُ أن نذهب ونَجمَعَهُ؟ فقال: لا! لِئَلاّ تَقْلَعوا الحنطة مع الزوان وأنتم
تجمعونه. دعوهُما يَنْميان كلاهُما معا إلى الحصاد، وفي وقت الحصاد أقول
للحَصّادين. اجْمَعوا أولاً الزوان واحْزِموه حُزَما لِيُحْرَق، وأمّا الحنطة
فأجْمَعوها إلى مَخْزَني".
في
هذا العالم الذي هو حقل الله، فيه أُناس مولودين من الروح القدس وهم حنطة المسيح
التي زرعها في حقله ليموتوا روحيا وتموت معهم خطاياهم وآثامهم ليعطوا ثمرا جيدا.
وأما الزوان فهم المولودين من روح الشيطان التي زرعها فيهم الأبليس العدو وألقاهم
وسط المولودين من الله ليفسدوا زرع الله. هم بنو إبليس، لأنه هو الشرير. ومع أنهم
لا يعترفون باسمه إلا أنهم يحملون صورته، يتممون شهواته، ومنه يتلقون تعليمهم. هو
يحكم عليهم، ويعمل فيهم. (فقال لهم يسوع :... "أنتُم من أبٍ هو إبليس، وشَهَواتِ
أبيكُم تُريدون أن تعملوا ذاكَ كان قَتّالاً للناس من البَدْءِ، ولَم يَثْبُت في
الحق لأنّه ليس فيه حقٌ. متى تكَلّم بالكَذِبِ فإنّما يتَكَلَّمُ مِمّا له، لأنّه
كذّابٌ وأبو الكذّابِ". يوحنا8 : 44) وقال بولص الرسول في رسالته ألى أهل أفسس 2: 1
ـ 3 ( وأنتُم إذْ كُنْتُم أمواتاً بالذُّنوب والخطايا، التي سَلَكْتُم فيها قَبْلاً
حَسَبَ دَهْرِ هذا العالم، حَسَبَ رئيسِ سُلطانِ الهواء، الرُّوح الذي يعمَلُ الآن
في أبناءِ المَعْصية.، الذين نحنُ أيضاً جميعاً تَصَرَّفنا قَبْلاً بينَهُم في
شَهِواتِ جَسَدِنا، عامِلين مَشيئاتِ الجسدِ والأفْكارِ، وكُنّا بالطَبيعَةِ أبناءَ
الغَضَبِ كالباقين أيضاً".)
وهم زوان في حقل هذا العالم. لا يصنعون خيراً، بل يصنعون شراً وأذى. هم غير نافعين
في ذواتهم ومؤذين للزرع الجيد، سواء بإغراءاتهم أو باضطهاداتهم. هم حشائش في
الحديقة، لهم نفس الأمطار، ونفس الشمس، والتربة، التي يتمتع بها الزارع الجيد،
ولكنهم غير نافعين لأي شيء.
هكذا خلطنا بين البذور فبينما كان قصدنا البذر الجيّد وخالص الحنطة، لكن خلطنا معها
بذار الزوان لأننا أغفلنا التدقيق والعناية والتركيز وكذلك نقص الخِبرة، فكان
اندفاعنا هذا عشوائيا وقبليا موروثا بعيدا عن تدابير الله والتعاليم الإيمانية التي
ينبغي على الزارع تطبيقها في حقل الرب
نَمَيْنا معاً في عائلة واحده، في بيت واحد، أبانا واحدا هو الله ومُعلمنا واحدا هو
المسيح، وكان هدفنا واحد وهو المضي قُدما في مسيرة البناء منهمكين بتنمية ما زرعناه
ليكون أساساً متينا وخصبا يُثمر لنا ثماراً جيدا ونافعا للأجيال اللاحقة مقاومين كل
المصاعب والمشقات ومُضحين بكل قدراتنا وأنفسنا لنكون الأبناء الأُمناء في بيت الرب
ونُنير هيكل الله بالإيمان والتعاليم المسيحية الحقيقية الصادقة ليمْتَليء بنعمة
السيح ومراحمه.... لكن مع الوقت لمّا بدأ الزرع بالنمو ليُعطي ثمار الأرواح
المزروعة، والذي لم يكن واضحاً أول الأمر ما بين المولودين من روح الله وبين
المولودين من روح الشيطان، عندها تجلى الأمر وصار واضحا للعيان بأننا زَرْعَنا حمل
معه زوانا. فبدت تتشابك الأفكار الإيمانية والحضارية. فما كان للمحبة والبغضاء
والتواضع والكبرياء والبرارة والشنعاء أن تستمر بالسكون في بيت واحد، فمصادرها
متناقضة مع بعضها. فإن قوماً منّا كانوا يقظين ساهرين على نمو الزرع فقاموا بتمييز
الأرواح ورأؤوا بأن الزرع الجيد قد نما بينه زوان المولودين من روح الإبليس، فطلبوا
من سيّدهم أن يأمرهم حتى يقوموا بقلعه لئَلاّ يُضعِف القمح ويُغْصِب مكانه. لكن
المسيح سيدهم منعهم من الفصل السريع، لأن هذا عمل الملائكة في الدينونة الأخيرة.
وإلى ذلك الحين علينا احتمال الزوان بصبر، حتى ولو أضرّ بنا واغتصب مكاننا وأضعفنا.
فإن ابن الإنسان المجيد سيرسل ملائكته في نهاية الأزمنة ويأمرهم ليفصلوا بينهم،
فيقلعون ويجمعون الزوان حِزَماً ليُحْرَق في أتون النار، وأمّا الحنطة فتُجْمَع إلى
مخازنه.
فهكذا كما يُجمع الزُوّان سيحترق بنو المعصية وكل فاعلي الإثم، وأبناء الله يظهرون
في جوهرهم، ويشرقون في سلامهم. فما أجمل الوعد: «حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في
ملكوت أبيهم». متى 13: 43. |