رغم العبودية
والذل والهوان، قد يقاوم البعض أوامر التقدم والتحرك للتخلص من تلك العبودية،
مفضّلين ظروفهم الحالية على الأوضاع الجديدة المجهولة. فليس من السهل استبدال الأمن
والراحة المعتاد عليها، بالمستقبل المجهول. ولكن ماذا يكون الحال عندما يأمر الرب
بالتحرك؟! ولو كانت الطاعة، هل يمكن تخيّل مدى صعوبة الموقف بالنسبة للشخص الذي
سيتولى مسؤولية قيادة ذلك التحرك في صحراء لمدة (40) سنة، لغاية وصوله الى الارض
التي وعد الله أن يمنحها لشعبه؟! وما هي ياترى المواصفات التي يجب توفّرها في ذلك
الشخص ليتمكن من تنفيذ تلك المهمة، خاصة اذا كانت مع شعب كبير العدد وصعب المراس
مثل شعب إسرائيل؟! ولكن من خلال أحداث عجيبة، يتدخل فيها الله لإنقاذ شعبه. يصبح
ولد عبراني اسمه "موسى"، هو ذلك القائد الذي سيتولى مهمة تحرير ذلك الشعب من
العبودية، وقيادتهم للوصول بهم الى ارض الموعد.
كان موسى من
نوع الناس الذين لايستطيعون الابتعاد عن المتاعب، فحالما ينشأ نزاع يبادرون الى
التدخّل فيه، فالمواجهة هي عملهم المفضل، فكان يبدو منجذبا دائما الى ما يحتاج الى
تصويب، فطوال حياته، سواء كان في أفضل حالاته اوأسوأها، يتجاوب مع النزاعات المحيطة
به، حتى حادث العليقة المتّقدة، كان صورة لطبيعته، فحالما شاهد النار ورأى ان
العليقة لاتحترق، أسرع الى فحص الأمر. فسواء في إقحام نفسه في مشاجرة، او في
محاولته أن يكون حكما بين اثنين من بني اسرائيل، فانه حالما يرى نزاعاً، كان يبادر
الى الزّج بنفسه فيه. ومن ذلك يتبين بانه لم يكن من السهل عليه ابدا تحريك ذلك
العدد الكبير من الناس دون ان يخضع لعملية تغيير كي يتجاوب مع الاحداث بصورة افضل،
خاصة وان اولئك الناس أثبتوا من خلال مواقفهم وتصرفاتهم مدى عنادهم وقساوة قلوبهم،
رغم ان الله قد امدّهم بكل حاجاتهم الجسدية والروحية، ورغم كل الأدلّة المتواصلة
على محبة الله وقوته، كانوا دائمي الشكوى، والتذمّر، وتواقين للعودة إلى أيامهم في
مصر. ذلك ما كان على موسى مواجهته عندما دعاه الله، فكان عليه ان يغيّراسلوبه في
التعامل، ليتمكن من انجاز تلك المهمة الصعبة، وكان الله قد أعدّه من خلال خطة مسبقة
لذلك الدور القيادي.
فمنذ البدء،
ومن الاحداث العجيبة التي أحاطت بولادة موسى، تتجلى عناية الله الفائقة وخطته
لإتمام وعده الذي قطعه لإبراهيم، باختيارشعبه ليكون بركة لكل العالم.. "وفيما كان
يقترب إتمام ذلك الوعد، كان الشعب في مصر يتكاثرون ويزدادون عددا حتى تجاوز
المليونين. ثم قام على مصر ملك جديد لم يكن يعرف أمر يوسف. فغدر بهم، وأساء
معاملتهم، حتى أجبرهم على التخلي عن أطفالهم ليموتوا" (أع19,17:7). ويورد سفر
الخروج الاصحاح الأول كيف كان فرعون مصر،يعامل العبرانيين ويسخرهم في اعمال شاقة،
وبعدها طلبه من قابلتين عبرانيتين بقتل كل مولود صبي للنساء العبرانيات، غير ان
القابلتين لم تنفذا الامر لخوفهما من الله. وبعد علم فرعون بذلك اصدر امراً لجميع
شعبه بطرح كل ولد عبراني في النهر(21:1). في تلك الفترة وفي خضم تلك الظروف القاسية
وُلِد موسى "من امه يوكابد وابوه عمرام" وكان جميلا جدا. أما ولادته فقد وردت في
الاصحاح الثاني من نفس السفر كالآتي: "وتزوج رجل من بيت لاوي فتاة ابنة لاوي. فحملت
المرأة وأنجبت ابنا، وإذ راقها جماله خبأته ثلاثة أشهر. ولما لم تستطع أن تخفيه
بعد، أتت بسفط من البردي وطلته بالحمر والزفت وأضجعت الطفل ووضعته بين الحلفاء على
ضفة النهر. ووقفت أخته من بعيد لترى ما يحدث له. وأقبلت ابنة فرعون لتستحم في
النهر، بينما راحت وصيفاتها تتمشين على ضفة النهر. فرأت السفط بين الحلفاء فأرسلت
وصيفتها لتأتي به. ففتحته ورأت الطفل وإذا هو يبكي، فرقّت له وقالت: هذا من أولاد
العبرانيين. فقالت أخته لابنة فرعون: هل أذهب وأدعو لك مرضعة من العبرانيات لترضع
لك الولد؟ فأجابتها ابنة فرعون: اذهبي؛ فمضت الفتاة ودعت أم الصبي. فقالت لها ابنة
فرعون: خذي هذا الصبي وأرضعيه لي، وأنا أعطيك أجرتك. فأخذت المرأة الصبي وأرضعته.
ولما كبر الولد، ردّته إلى ابنة فرعون فتبنّته ودعته موسى (ومعناه منتشل) قائلة:
إني انتشلته من الماء. (10,1:2 ).. وبذلك كانت للسنين الاولى التي قضاها موسى في
بيت ابيه وامه وتحت رعايتهما الدور الكبيرفي غرس بذور الايمان الاولى في قلبه،
والتي أثمرت فيه حباً ومعرفة ووثوقا بمواعيد الله. وبعد ان تبنته ابنة فرعون وربته.
"تثقف موسى بعلوم مصر كلها، حتى صار مقتدرا في القول والعمل. ولما بلغ الأربعين من
العمر خطر بقلبه أن يتفقد أحوال إخوته من بني إسرائيل، فرأى واحدا منهم يعتدي عليه
مصري، فتدخل ليدافع عن المظلوم، وانتقم له فقتل المصري، على أمل أن يدرك إخوته أن
الله سينقذهم على يده. غير أنهم لم يدركوا! وفي اليوم التالي وجد اثنين من إخوته
يتعاركان، فحاول أن يصلح بينهما، قائلا: أنتما أخوان، فلماذا يعتدي أحدكما على
الآخر؟ فما كان من المعتدي على قريبه إلا أن دفعه بعيدا، وقال: من أقامك رئيسا
وقاضيا علينا؟ أتريد أن تقتلني كما قتلت المصري أمس؟ وهنا هرب موسى من مصر إلى بلاد
مديان، وعاش فيها غريبا. وهناك انجب ولدين" (أع 29,22:20).
عندما ظنّ
موسى بانه يستطيع بقوته وذراعه أن يخلّص شعبه، مرتكبا جريمة قتل بحق المصري خاف
ولكي ينجومن العقاب، هرب الى أرض مديان، فاصبح نزيلاً في أرض غريبة، بعيدا عن بيته
وعائلته، ومكث هناك أربعين سنة اخرى في البرية، وبالطبع كان هناك فرقا شاسعا بين
حياة موسى كأمير مصري، وحياته كراعي غنم في مديان، حيث كان كل شيء طوع أمره كأمير،
اذ كان الابن المشهور لأميرة مصرية، بينما كان عليه كراع، أن يقوم بعمل كل شيء
بنفسه، فاذ عاش حياة الراعي البدوي عرف أساليب الناس الذين سيقودهم، كما عرف الحياة
في البرية، وهناك تعلّم التواضع، وادرك بانه وحده لايمكن أن يفعل شيئا بدون الله،
الذي كان يهيأه للقيادة في تلك الفترة، ولم يكن في قدرة موسى ان يرى ذلك بنفسه، ما
لم يعدّه الله لذلك. وبذلك اصبح مستعدا للخدمة، ومن هناك بدأت عملية التغيير..
والشيء المدهش في التغييرالذي حدث في طبيعة موسى، ليس أنه كفّ عن التدخل، ولكنه
تعلّم أن يتدخّل بطريقة صائبة. فكان التغير في الصورة مستمرّا كل يوم.. "وبعدما مضت
أربعون سنة كان موسى في صحراء جبل سيناء، عندما ظهر له ملاك الرب في لهيب نار من
عليقة تشتعل وأثار المنظر دهشة موسى، فاقترب ليستطلع الأمر، وإذا صوت الرب يناديه:
أنا إله آبائك، إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب! فارتعد موسى ولم يعد يجرؤ على أن ينظر.
فقال له الرب: اخلع نعليك لأن المكان الذي تقف عليه هو أرض مقدسة! إني رأيت العذاب
الذي يعانيه شعبي في مصر، وسمعت أنينهم، فنزلت لأنقذهم. والآن، هيا أرسلك إلى مصر!
فموسى الذي رفضه شعبه قائلين: من أقامك رئيسا وقاضيا علينا؟ هو نفسه أرسله الله
رئيسا ومحررا، يؤيده الملاك الذي ظهر له في العليقة! وقد أخرج الشعب من مصر وهو
يجري عجائب ومعجزات فيها، وفي البحر الأحمر، وفي الصحراء مدة أربعين سنة." (أع
36,30:7).. من هنا بدات مواجهات ومعاناة موسى، وهو يحمل في داخله كل ذلك الحب
المتقد غيرة على الهه وشعبه، فقد كانت حياته سلسلة لاتنقطع من الجهاد المستمر، وقد
ذاق المرار من قسوة قلب الشعب، حيث كانت قيادة نحو مليوني نفس في الصحراء تحدياً
كبيراً لقدرته. ففي أكثر الاحيان كان هو الوسيط بين الله والشعب، فمرّة كان يتجاوب
مع غضب الله لعناد الشعب وجحوده، ومرّة أخرى كان عليه أن يواجه مخاصمات الشعب
وتذمّرهم، ومرّة ثالثة كان عليه أن يواجه هجماتهم التي لا مبرّر لها.
فالقيادة
كثيرا ما تستلزم المواجهة. وتعلم المواجهة بأسلوب يتفق مع إرادة الله يستلزم
التعوّد على طاعته، وأفضل الأوقات لتعلم الطاعة المستمرّة، هي الأوقات التي تقلّ
فيها الضغوط. وعندما يأتي وقت الضغط، يكون رد فعلنا الطبيعي هو طاعة الله في مواجهة
المواقف الصعبة. وتلك كانت غلطة موسى الوحيدة، ففي موقف واحد من كل المواقف الصعبة
التي واجهته، فشل في الطاعة بسبب غضبه على تصرفات بني اسرائيل. فبعد تجوال (37) سنة
في البرية، نسوا أن تجوالهم كان نتيجة خطيتهم، ولم يقرّوا حقيقة انهم هم الذين
جلبوا المشاكل على أنفسهم، فلاموا موسى على حالهم، فتضايق موسى جداً، لِما وجده
فيهم من افتراء وتمرّد عليه وعلى الله. ورغم صبره وحلمه ارتكب غلطته الوحيدة التي
منعته من دخول أرض الموعد. عد(12,11:20).
وفي أيامنا
هذه، التي هبطت فيها المعايير الأدبية، نجد أنه يكاد يكون من المستحيل أن نؤمن أن
الله يعاقب موسى على المرّة الوحيدة التي عصاه فيها، هذا العقاب الصارم. وما نعجز
عن رؤيته هو أن الله لم يرفض موسى، بل أن موسى هو الذي جرّد نفسه من المؤهلات
اللازمة لدخول أرض الموعد، وقد غفر له الله ما قد صنعه، لكنه حتى اللحظات الأخيرة
وهو يدعوه للصعودالى جبل "نبو" حيث يموت هناك، يذكّره بضعفه ليبقى ثابتًا في
تواضعه، متذكرًا ضعفاته (تث52,48:32). وقَبِلَ موسى التأديب قبل موته، لكنه دخل أرض
الموعد عند تجلي السيد المسيح على الجبل (مت3:17; مر4:9; لو3:9). ولقد نظر الأرض
أيضًا قبل موته (تث4:34)، وتهللت نفسه إذ حسب ما يناله شعبه كأنما ناله هو.
قد نرى في
موسى شخصية بارزة شكّلها الله، ولكن علينا أن لانخطيء فهم ما فعله الله، فهو لم
يغير شخصية موسى أو طبيعته، بل استخدم موسى كما هو، فلم تتغير قدرات موسى وطاقاته،
ولكن تغير أسلوب موسى في استخدامها... هل معرفة ذلك تغيّر من إدراكك لإرادة الله في
حياتك؟ فهو يحاول أن يأخذ ما خلقه ويستثمره بالكيفية التي قصد هو أن يستثمرها بها
على الدوام. ففي المرة القادمة، عندما تتحدث الى الله لاتسأل: ما الذي تريد تغييره
فيّ؟ بل: كيف تريدني أن أستخدم ما أعطيتني من مواهب وقدرات لأتمم مشيئتك؟...
نقاط القوة والانجازات
- تعلّم عند
المصريين، وتدرب في البرية.
- أعظم قائد
في تاريخ بني إسرائيل، فهو الذي قاد عملية الخروج.
- نبي ومشرّع،
وهو الذي سجل الوصايا العشر.
- أوحى اليه
الله لكتابة التوراة ( الأسفار الخمسة الأولى في العهد القديم).
نقاط الضعف والأخطاء :
- لم يدخل أرض
الموعد بسبب عصيانه لله.
- لم يميّز
على الدوام مواهب الآخرين ويستخدمها.
دروس من حياته:
1- الله يُعدّ
الشخص ثم يستخدمه، ويمتد استخدامه لنا طول الحياة: من الأحداث التي رافقت حياة موسى
منذ ولادته، والتي اوجزناها اعلاه، يتضح كيف ان الله استخدم كل تلك الاحداث لإعداده
وتدريبه لمدة (80) عاما، من ضمنها السنين الاولى التي قضاها تحت رعاية ابويه، ومن
ثم تبنّي ابنة فرعون له، وبعدها اهم الدروس التي تعلمها في تلك البرية الشاسعة
الهادئة، والتي كان لها اثرها الكبير في اعداده وتهيأته لبناء اقوى علاقة صداقة مع
الله ليصبح اكثر التصاقا به واعتمادا عليه. مستمدّا من تلك العلاقة القوة والايمان،
مما دعته الى تغيير نظرته للحياة، وتغيير اسلوبه في التعامل، فهدأت نفسه وتعلم
الصبر والوداعة وتحلى بكل المواصفات المطلوبة للقيادة الحكيمة. فاصبح واحدا من اعظم
قادة إسرائيل، فكان الله معه دائما في كل انواع خدمته سواءً في القيادة، او النبوة
والتشريع، او كتابة الاسفار. ولم يكفّ موسى عن الخدمة حتى اللحظات الاخيرة من
حياته، فيذكر الكتاب ان "موسى كان قد بلغ من العمر مئة وعشرين سنة حين مات، ولم يكل
بصره ولا غاضت نضارته" (تث7:34).. ذلك يعلمنا ان كل ما يجري في حياتنا من أحداث،
حتى ولو تخيلنا بانها ليست في صالحنا، وان الاعباء والهموم تثقل علينا، حتى نكاد
نشعر بالهزيمة احيانا، ولكن كل تلك الاحداث يمكن ان تجعلنا اقوى وتنمّي فينا صفات
تؤهلنا للمستقبل.. "ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله،
الذين هم مدعوون حسب قصده" (رو28:8).. فرغم الشر السائد في عالمنا الساقط، فالله
قادر ان يحول كل شيء في النهاية الى خيرنا، ولكنه لايعمل كل الاشياء لنكون سعداء
بمقاييس العالم، بل لنتمّم غرضه، وان وعده ليس لكل انسان، ولكنه وعد يتمسك به فقط
كل من يحب الله ويتفق مع مشيئته، فتصبح له نظرة جديدة وفكر جديد من نحو الحياة،
فيتكل على الله وليس على كنوز الحياة، ويتطلع الى امنه في السماء وليس على الارض،
يتعلم تحمل الالام والاضطهادات على الارض دون امتعاض، لانها تجعله اكثر التصاقا
بالله. وذلك ما حدث بالضبط مع موسى.
2- يتمم
الله عمله العظيم من خلال أناس ضعفاء: لو تمعنّا في توقيت الدعوة، نلاحظ ان الله لم
يدعو موسى وهو شاباً في مقتبل عمره واوج قوته وحكمته التي تعلمها من المصريين،
ولكنه دعاه وهو في الثمانين من العمر، حيث احساس موسى بعجزه قوياً الى الدرجة التي
لم يثق فيها في باديء الامر، في قدرة الله على معونته، فكان عليه مواجهة عجزه مرارا
ً عديدة. فنراه في بداية دعوته يعتذر لانه شعر بعدم أهليته للعمل الذي طلبه منه
(خر11:3)، رغم ان الله وعده بان سيكون معه. بعدها نراه خائفا نتيجة توقعاته
الزائدة، فقد كان قلقا من جهة كيفية استجابة الشعب له (خر1:4)، فدعمه الله بمعجزات
يجريها على يده. ورغم ذلك نراه في المرّة الاخيرة يتوسل الى الله ان يعفيه من تلك
المهمّة، لشعوره بالعجز لكونه ثقيل الفم واللسان (خر14,10:4)، مما احتدم غضب الرب
عليه.. فحتى لو كان رفض موسى في باديء الامر دليلاً على انه في اعلى مستوى اعداده،
لشعوره بأنه لاشيء، بعد كل ذلك المستوى من الكفاءة التي وصل اليها نتيجة لإعداد
الله الطويل له، مما يدل على تواضعه، لكن ذلك لم يكن عذراً له للرفض مهما كانت
الأسباب، ومهما كان شعوره بالفشل السابق مريراً نتيجة اعتماده على ذاته، خاصة بعد
ان اكد له الرب بانه سيكون معه، ساندا له بالمعجزات ومؤكدا له بانه هو الخالق لكل
شيء، فهناك فرق كبير بين التواضع وبين رفض الخدمة. ولكن كل ذلك لم يمنع الرب من
استخدام موسى، لانه نظرالى مشكلته نظرة مختلفة تماما، فقد راه في الصورة التي سيصبح
عليها، وليس في الصورة التي كان عليها، فكل ما كان موسى بحاجة اليه هو بعض
المعونة، ومن كان يستطيع اكثر من الله ان يعينه على قول وفعل الامور الصائبة؟!،
ولما لاحظ تردده وافق على ان يساعده اخوه هرون بأن يتكلم هو عنه.. ذلك يثبت لنا من
جهة، ان الله قد لايدعو الشخص حينما يكون قويا وذات مواهب عظيمة لكي لايتصور، اولا:
بانه بقوته الذاتية تمكن من القيام بالعمل وليس بحاجة الى الله، وثانيا: انه
لايستخدم فقط الاقوياء ولكن حتى الضعفاء المجتهدين والمنهمكين في اعمالهم. ومن جهة
اخرى ليثبت لنا انه متى ما دعانا الله لعمل معين فانه لا يرسلنا قبل تهيأة الظروف
واعداد كل الموارد التي تساعد في العمل.. فاذا دعانا الله يجب ان لا نتختبيء وراء
عجزنا، بل ننظر الى ما وراء ذواتنا، الى الموارد العظيمة المتاحة لنا، عندئذ نستطيع
ان ندع الله يستخدم اسهاماتنا الفريدة، واذا كان العجز يمتد الى احدى مجالات ضعفنا
فيمكننا ان نثق بانه سيمدّنا بالكلمات والقوة والشجاعة والقدرة حيثما نحتاجها.
3- الأيمان
يبدد الخوف ويساعد في تنفيذ خطط الله: ان ايمان العديد من الاشخاص الذين لعبوا دورا
في الابقاء على حياة موسى، وايمانه هو بالطبع، كان له اثرا كبيرا في انقاذ موسى
وتنفيذ خطة الله لحياته وحياة بني اسرائيل ومن ثم البشرية ككل، ففي البدء نجد كيف
ان ايمان القابلات العبرانيات بالله، منحهن الشجاعة للوقوف بجانب ما يعلمون انه
الحق، فقد أظهرت اولئك القابلات شجاعة عظيمة ومحبة لله، مجازفين بحياتهن بعصيان أمر
فرعون. وبعدها عائلة موسى، فقد وثق ابواه في الله بخصوص حياة ابنهما، مؤمنين بان
الله سيرعى موسى، وقد استخدم الله العمل الصغير الذي عملته امه بشجاعة للتغلب على
ظروف شبه مستحيلة من وجهة نظر البشر، حتى ذُكِرَ ايمانهم في(عب23:11). أما بالنسبة
لموسى فقد جاء في نفس الرسالة: "بالإيمان، موسى نفسه، لما كبر، رفض أن يدعى ابنا
لابنة فرعون. بل اختار أن يتحمل المذلة مع شعب الله، بدلا من التمتع الوقتي بلذات
الخطيئة. فقد اعتبر أن عار المسيح، هو ثروة أعظم من كنوز مصر، لأنه كان يتطلع إلى
المكافأة. بالإيمان، ترك أرض مصر وهو غير خائف من غضب الملك. فقد مضى في تنفيذ
قراره، كأنه يرى بجانبه الله غير المنظور. وبالإيمان، أقام الفصح ورش الدم، لكي لا
يمس مهلك الأبكار أحدا من أبناء شعبه. (28,24).. ان الخوف يمكن ان يضيّع الفرص التي
يعطيها الله لنا، والتركيز على الضغوط البشرية قد يشلّ حركتنا ويجعلنا غير قادرين
على رؤية طريق التخلّص من المتاعب. ولاسبيل للتخلص من ذلك الخوف الاّ بالايمان
بالله وبمواعيده الصادقة، فلنتكل عليه ليرينا طريق النجاة، لأن ذلك هو كل ما يحتاجه
ليبدأ العمل فينا. وكم من السهل الانخداع بالمنافع الوقتية للثروة والشهرة والمركز
والجاه والنجاح والانجازات، لتعمى العيون عن المزايا طويلة المدى والدائمة لملكوت
الله، فالايمان يساعدنا على ان نتطلّع الى ما وراء العالم لنرى القيم الأبدية لذلك
الملكوت.
4- الاصرار
والمثايرة على اتمام دعوة الله: بعد دعوة موسى، وحين مباشرته بالعمل، واجهته الكثير
من الصعوبات وقوبل بالرفض من قبل فرعون مصر في البداية، وبعدها من شعبه ايضا. فلم
يهتم فرعون اطلاقا برسائل الله التي بلغه اياها موسى، بل قاومها بكل شدة، دافعة
اياه الى زيادة ظلمه للعبرانيين (خر11,3:5). ورغم محاولات موسى الكثيرة، وما اْجراه
الله على يده من معجزات، ورغم التحذيرات المتكررة، ظل فرعون يقابل كل ذلك بالرفض،
حتى جلب بعصيانه العنيد، الآلام له ولكل بلاده. ونتيجة لموقفه فقد اصبح شعب اسرائيل
نفسه، في حالة من صغر النفس، حيث لم يستطع الاصغاء، لانه في المرة الاخيرة التي
استمع فيها لموسى، لم يحصد الاّ معاناة اشد وزيادة في العمل (خر12,9:6). فلنتخيل كم
كان صعبا على موسى ان يبلغ رسائله لفرعون، بينما شعبه نفسه يجد صعوبة في الايمان
بها. ولعل موسى كان قد تعب، وأصابه الاحباط، حتى انه شكا من ان الله قد اساء الى
الشعب إذ لم يخلّصهم (خر23,22:5). ولكن الله ظل يرسله، وظل موسى يطيع الى أن تم
إطلاق الشعب. وحتى بعد ذلك في البرية، فقد عانى كثيرا من تمرّد الشعب وتذمّره
المستمر، واقترافه للكثير من الاخطاء، فكان يغضب احيانا، ويدعو الله للتدخل
احيانا، واحيانا اخرى يصلي ويتشفع فيهم، ولكنه لم يكّل ابداً، بل جاهد وبقي امينا
لدعوته حتى النهاية.. من ذلك نفهم بانه قد تأتي الصعاب احيانا نتيجة طاعتنا لله،
وقد يدفعنا ذلك للشعور بتعاسة حياتنا، لكن ذلك لايعني بأننا قد سقطنا من دائرة
عناية الله، بل اننا نعاني لاننا نفعل خيراً في عالم شرير، او قد تعقب رسالة واضحة
من الله، فترة لايحدث فيها أي تغيير في الموقف، وقد تجعل العقبات الظاهرية الآخرين
غير مستعدين لسماع صوت الله، او معرفة المزيد عنه. ولكن ذلك كله لايجب ان يكون
دافعاً لنا للاستسلام، او ترك العمل مهما كان. ولا ان ندع متاعبنا وآلامنا تُضعف
إيماننا او تثبط عزيمتنا، فالتركيز على وجوب طاعة الله، أكثر منه على النتائج التي
يمكن بلوغها، يجعلنا نرى ماوراء العقبات والعوائق الوقتية. "ذلك لأن ما يضايقنا
الآن من صعوبات بسيطة عابرة، يُنتِج لنا بمقدار لا يُحَدُّ وزنة أبدية من المجد. إذ
نرفع أنظارنا عن الأمور المنظورة ونثبتها على الأمور غيرالمنظورة. فإن الأمور
المنظورة إنما هي إلى حين؛ وأما غير المنظورة فهي أبدية." (2كو18,17:4). ولنتذّكر
دائما إنه من السهل على اي شخص أن يطيع الله عندما يكون العمل سهلاً ومؤيداً من
الجميع. ولكنّ من يمتلك الايمان الراسخ المثابر هو فقط الذي يتمكن من الطاعة عندما
يبدو العمل مستحيلا. وفي ذلك يحثّنا الرسول بولس قائلا: "لا تتكاسلوا في الاجتهاد،
بل كونوا ملتهبين في الروح، عبيدا خادمين للرب، فرحين بالرجاء، صابرين في الضيق،
مواظبين على الصلاة."(رو12,11:12).
5- بركات
الشركة مع الله الاب: بعدما اختار الله موسى وقربه اليه، كرس موسى نفسه تكريسا
صادقا لله، وقدس له حياته، مستبدلا كل حكمته ومعرفته وقدرته الذاتية بقدرة الله
الخالق اللامحدودة، وذلك ما جعله في علاقة حية وثيقة وشركة عميقة وفعالة معه. وقد
كان ذلك امتيازاُ خاصاً به، لم يكن في متناول سائر شعبه حينها، " فكان الله يكلم
موسى وجها لوجه كما يكلم الانسان صاحبه" (خر11:33)، وذلك كان سرّ قوته " الالتقاء
والحوار مع الله". حتى كان ذلك ينعكس على وجه موسى فيلمع، فكان الشعب يرى بوضوح
محضر ومجد الله منعكسا على وجه موسى كلما التقى به. ومن جراء تلك العلاقة، فاضت
نعمة الرب وبركاته على موسى وامتلأ من روحه القدوس الذي انعكست ثماره في حياة موسى،
فتميز باهم مواصفات القائد الروحي المتميز والراعي الصالح الذي يضع نفسه عن الخراف.
والتي من اهمها مايلي: -)حبه الملتهب وغيرته المقدسة على الهه: لقد عرف موسى كيف
يتعامل مع الله بروح الاتضاع المصحوبة بالجرأة، منتهزا محبته اللامحدودة، ليدخل
اكثر الى الاحضان الالهية، مغتصبا لنفسه ولشعبه رحمة وحبا. وتتجلى تلك الرابطة
العميقة من الحب الذي ربطه مع الله ومع شعبه واضحة في الاصحاح (33) من سفر الخروج.
فبعد ان غفر الله خطية الشعب الشنيعة، بصناعة عجل ذهبي وعبادته (خر16,1:32)، وبعد
ان كانت مشاعره امام مشاهد التمرد المخزية قد غلبته، فكسر الواح الشريعة المحتوية
على الوصايا العشرة، وتعليمات لقيادة بني اسرائيل الى حياة القداسة العملية، بعد ان
وجدها وقد انكسرت في قلوب الشعب." عاكسا بذلك حيويته الروحية وغيرته، التي عبّرت عن
غضبه على الخطية". نراه يعاتب الله في جرأة مع اتضاع، وكأنه يذكّره بانه هو الذي
طلب منه ان يقود ذلك الشعب، ويطلب منه ان يرشده الى طريقه لكي يسلك حسب قصده، ويحظى
بمسرّته. وبعدها يطلب حضور ومرافقة الرب والاّ فلا يصعدهم من هناك. وبعد ان وافق
الرب على طلبه لانه قد حظى برضاه وانه عرفه باسمه، نراه يتشجع ويسأل الله طالباً
منه ما لم يتجاسر احد من قبله على طلبه، فاذ التهب قلبه بنار ذلك الحب، اراد ان يرى
الله. ولكن لان موسى سأل أمراً لايمكنه ان يحتمله، فبين الرب محبته من خلال مجده
الذي يُستعلن كاملا في "رحمته ونعمته وصلاحه وفي امانته وغفرانه وعمله. محبة الله
ورحمته هي اروع ما اعلن عن شخصه. وبتلك المحبة والرحمة استطاع موسى ان يواجه كل ما
مرّ به.
-) محبته
لشعبه وغيرته عليه: رغم كل الحب والغيرة التي كانت تملأ قلب موسى نحو الهه، الا ان
ذلك لم يتعارض ابدا مع محبته لشعبه وغيرته عليهم. بل بالعكس فانه بتلك المحبة التي
نهلها من ذلك الينبوع الذي لاينضب من الحب "قلب الله الاب" تمكن ان يتعامل مع ذلك
الشعب، فرغم تمردهم وعناد قلوبهم واخطائهم الكثيرة، الا انه لم يتخلّى عن حبه
الابوي، ورعايته الامينة لهم، فرغم غضبه عليهم، كان دائم الصلاة والتشفع من اجلهم،
لكي يغفر الله لهم ذنوبهم ولا يبيدهم في غضبه، الى الدرجة التي يرضى فيها ان يمحى
اسمه من الكتاب الابدي في حالة عدم الغفران لهم " والان ان شئت، اغفر لهم، والا
فامحني من كتابك الذي كتبت." (خر32:32). وكان الله يقبل شفاعته ويستجيب لصلواته،
واستمر موسى امينا في حبه لهم وتشفّعه فيهم حتى بعد ان تسببوا بعصيانهم وتذمرهم
المتواصل، في حرمانه من دخول ارض الموعد، وعمل جاهداً حتى اللحظات الأخيرة من حياته
ليجعل منهم شعبا مقدساً لله، يمثّلوا طرقه، ولكي يكونوا صورة للخلاص في العالم حسب
خطتة ودعوته. فيعلنوا اسمه العظيم بين كل الامم.
-) صبره
وحلمه: بينما كان موسى في بداية حياته سريع في ردود افعاله، وتدخله في الامور التي
تقابله، اصبح بعد تقابله مع الله، وتكوين تلك العلاقة الفريدة معه، يحمل الكثير من
صفاته ومنها حلمه. فقد اصبح حليماً جداً وطويل الأناة، حتى شهد الكتاب عنه بانه
"كان اكثر حلما من جميع الناس على وجه الأرض" (عد3:12). وذلك كان سرّ نجاحه في
قيادة ذلك الشعب بعناده المستمر. لقد حمل في قلبه حباً واتساعاً، إذ رفض كل مجد
ارضي لشخصه او مصلحة خاصة، وبذلك الحلم العظيم واجه كل ما تعرض له من تمرد وعناد،
وواجه ايضاً حسد بعضهم وانتصر عليه، وذلك يبدو واضحا من ردّ فعله على تذمر كل من
أخيه هارون واخته مريم، وانتقادهما له ( عد16,11:12) فنراه صامتا لايفتح فاه، حتى
ولم يعاتبهما، بل انه حينما سقطت مريم تحت تأديب الرب، شفع فيها لكي يشفيها الرب
(عد13,12). وعندما تسرّب التذمر الى بعض اللاويين ورؤوساء جماعة، متهمين موسى وهرون
بالترفّع على الشعب. وغضب الرب على تلك الجماعة واعلانه لموسى بانه سيفنيهم، انطرحا
هو وأخوه على وجهيهما مبتهلين اليه أن يرحمهم، وأن لا يسخط على الجماعة كلها من اجل
خطية رجل واحد. وعند تذمّر جميع بني اسرائيل على موسى وهرون بسبب تأديب الرب
للجماعة المتمرّدة، نراهم مرّة اخرى يبتهلون الى الرب، فيتراءى لهم مجده، ويشفع
موسى في شعبه طالبا من هرون ان يبخّر بسرعة وسط الجماعة ليتوقف الوبأ (عدد:16).ذلك
كان حلم موسى وقلبه المحب لحاسديه ومقاوميه ومضطهديه.
-) تواضعه
ووداعته: بعد ان ادرك موسى، بانه لاشيء بدون قدرة الله الخالق وحكمته، اتضع الى
الحد الذي لم يجد في نفسه الكفاءة لتلبية دعوة الله، لكونه غير مستحق لذلك، وكافأ
الرب تواضعه ذلك، بان يمنحه القدرة لان يتقدم من مجرد راعي متلعثم، لم يشأ أن يذهب
الى مصر لأنه "بطيء النطق" ليصبح قائداً قومياُ وخطيباً مفوهاً، فقال عنه الكتاب
"ولم يظهر بعد نبي في بني إسرائيل مثل موسى، الذي خاطبه الرب وجها لوجه وأقامه
ليجري جميع الآيات والمعجزات فى ديار مصر، على فرعون وعلى جميع عبيده. إذ لم يستطع
أحد أن يصنع العظائم المخيفة بقدرة فائقة كما فعل موسى أمام كل بني إسرائيل."(
تث12,10:34).كما ان شجاعته وتواضعه وحكمته صنعت من العبيد العبرانيين أمة. ولكنّ
موسى كان رجلا لم يدع النجاح يلعب برأسه، فإلى النهاية كان الله لموسى افضل صديق،
وكانت محبته واحترامه ومهابته لله في نمو يومي طوال حياته. لقد عرف موسى انها ليست
عظمته الذاتية التي حققت له النجاح، بل عظمة الله الذي آمن به....
اذاً كم نحن
مباركين، فان كل البركات والميزات التي نالها موسى من جراء تقابله وعلاقته الحميمة
مع الله الآب، والتي كانت امتيازاً خاصاً به دون شعبه حينها، هي الان
ونحن في عهد النعمة ليست بعيدة عن متناول ايدينا جميعاً، فيمكننا بناء أعمق من تلك
العلاقة بتكريسنا الصاق لله، من خلال الغفران الذي يمنحه لنا على اساس عمل المسيح
الكفاري، فقد خلقنا منذ البدء لتكون لنا شركة محبة معه، ولايزال يتوق الى تلك
الشركة، ولا يزال واقفا على الباب ويقرع "ها أنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد
صوتى وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معى" (رؤ 3: 20).. ومادامت الشركة مع
الله الحي هي جوهر العبادة بالحق والروح، فهي امر حيوي يتصل باعماق حياتنا، فلنحرص
على ان تكون لنا تلك العلاقة، التي بها نستطيع ان نعكس حضور الله في حياتنا، ومع ان
وجوهنا سوف لن تلمع لتضيء الاماكن التي نتواجد فيها مثلما حدث مع موسى، الا ان
الوقت الذي نصرفه في الصلاه وقراءة الكتاب والتأمل، لنعيش للمسيح، لابد ان يكون له
نفس ذلك التأثيرفي طريقة حياتنا وتصرفاتنا، والتي من خلالها سنقدمه لمن حولنا،
فنكون بذلك نور العالم الذي تحدث عنه الرب يسوع وقال: "هكذا فليضيء نوركم أمام
الناس، ليروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا اباكم الذي في السموات" (مت16,14:5).
6-) العظمة
الشخصية لاتعصم الشخص من الخطأ ومن عواقبه: مع ان موسى هو الشخص الوحيد الذي تكلم
مع الله وجهاً لوجه، ومع انه من اعظم انبياء بني اسرائيل كما عرفنا سابقاً، الا ان
هذا الرجل العظيم لم يُسمَح له بدخول ارض الموعد، لانه عصا الله. ففي إحدى المرّات
التي تذمّرفيها بني اسرائيل، لحد اشتهائهم للموت ولو بالوبأ كإخوتهم الذين اهلكهم
الرب (عد5,2:20)، ضاقت نفس موسى جداً وابتهل هو واخوه هارون الى الرب لمساعدتهم،
فتراءى لهم مجد الرب، كما كان يحدث في كل مرة يطلبانه فيها، وطلب منهما أن يكلّما
الصخرة أمام أعين الشعب، وموسى ممسكا بالعصا، لكنّ موسى عوض عن ان يكلم الصخرة
ضربها مرتين بالعصا. فقال الرب لموسى وهرون: "من حيث انكما لم تؤمنا بي حتى
تقدّساني على مرأى من بني إسرائيل فانكما لن تُدخِلا هذا الشعب الاض التي وهبتها
لهم" (عد12,6:20).. وهكذا سقط موسى وهارون تحت التأديب، ولم يكن كل ماضي موسى
النبي المجيد العظيم، ان يشفع له، ذلك الذي قضى كل رحلته يتشفع للشعب، لم يجد من
يشفع فيه حينها!.فهل كان قصاص الله لموسى اقسى مما يجب بعد كل تلك المعاناه من
الشعب ؟!. لقد كان موسى القائد والمثال للأمة كلها، وبسبب هذه المسؤولية العظيمة
بالنسبة للشعب، لم يكن ممكنا التهاون معه، فبضربه الصخرة عصى أمر الله الصريح،
واهان الله امام الشعب.. وكأن الله يقدم لخدام الكنيسة، خاصة من نال خدمة سامية،
التحذير، فان اعمالهم مهما كانت عظيمة وقوية لن تشفع لهم في سقطاتهم، ولابد ان
يخضعوا لتأديب الرب. وقد أدّب الله موسى بصرامة، ومع ذلك يدعوه "صاحبه". فلو شعرنا
بلسعة تأديب الرب، فلنفعل مثلما فعل موسى، نرجع الى الله بحب وفهم ورغبة في أن نصبح
أفضل، لا أن نبتعد في غضب وحيرة، او احساس بالفشل والعجز.
7- العبرة من
اسرائيل في البرية: تلك كانت اهم الدروس التي تعلّمناها من حياة موسى وشخصيته
ومواقفه، اما ما تتضمنه أسفاره الخمسة من دروس وعِبَر فهي جديرة بكل اهتمام، فمنذ
قصة الخلق العجيبة، وبعدها سقوط الانسان وانقطاع شركته مع خالقه، وبالتالي الوعد
بالخلاص وتأكيده. ذلك كله كان رمزاً لما سيكون في العهد الجديد، من اعادة لتلك
العلاقة بدم المسيح المسفوك، للخروج من برية العالم والدخول الى أرض الراحة. وقد
لخّص الرسول بولس ذلك بقوله "وإنما حدثت هذه الأمور لتكون مثالا لنا، حتى لا نشتهي
أمورا شريرة كما اشتهى أولئك. فلا تكونوا عابدين للأصنام كما كان بعضهم، كما قد
كُتِب: جلس الشعب للأكل والشرب، ثم قاموا للرقص واللهو. ولا نرتكب الزنا كما فعل
بعضهم، فسقط في يوم واحد ثلاثة وعشرون ألفا. ولا نجرّب الرب كما جربه بعضهم،
فأهلكتهم الحيات. ولا تتذمروا، كما تذمر بعضهم، فهلكوا على يد الملاك المُهلِك.
فهذه الأمور كلها حدثت لهم لتكون مثالا، وقد كُتِبَت إنذاراً لنا، نحن الذين تناهت
إلينا أواخر الأزمنة. فمن توهم أنه صامد، فليحذر أن يسقط. لم يصبكم من التجارب إلا
ما هو بشري. ولكن الله أمين وجدير بالثقة، فلا يدعكم تجربون فوق ما تطيقون، بل يدبر
لكم مع التجربة سبيل الخروج منها لتطيقوا احتمالها" (اكو13,6:10).. فقد حذّرنا لكي
نتذكّر الدروس التي تعلمها الشعب عن الله حتى نتحاشى تكرار أخطائهم، كذلك يبين لنا
كيف يجب أن تكون علاقتنا بقائدنا في العهد الجديد "مخلّصنا يسوع المسيح" الذي هو
أعظم من موسى، فكما أخرج موسى بني اسرائيل من مصر وخلّصهم من العبودية، كذلك أخرجنا
المسيح من عبودية الخطية وخلّصنا منها، فيقول في ذلك: "إلا أنه (يسوع) يستحق مجدا
أعظم من مجد موسى، إن موسى كان أمينا في كل بيت الله، ولكن بصفته خادما. وكان ذلك
شهادة لما أعلنه الله في ما بعد. أما المسيح، فهو أمين بصفته ابنا يترَأس على
البيت. وهذا البيت هو نحن المؤمنين، على أن نتمسك بالثقة والافتخار برجائنا تمسكا
ثابتا حتى النهاية. لهذا، ينبهنا الروح القدس إذ يقول: اليوم، إن سمعتم صوته، فلا
تقسّوا قلوبكم، كما حدث قديما، حين أثار آباؤكم غضبي، يوم التجربة في الصحراء. هناك
جربوني واختبروني، وقد شاهدوا أعمالي طوال أربعين سنة. لذلك ثار غضبي على ذلك
الجيل، وقلت: إن قلوبهم تدفعهم دائما إلى الضلال، ولم يعرفوا طرقي قط! وهكذا، في
غضبي، أقسمت قائلا: إنهم لن يدخلوا مكان راحتي! (عب 11,5,3:3).. فلنحرص إذاً على
طاعة كلمة الله ولا نسمح لقلوبنا بان تتقسى، كما كانت قلوب بني اسرائيل حين عصوا
الله بدخول ارض الموعد. فالله يريد منا ان ندخل الى راحته، واذا كانت الراحة في عهد
موسى هي أرض الموعد، فبالنسبة لنا هي السلام مع الله الآن، والحياة الابدية في
أورشليم السماوية فيما بعد. ولسنا بحاجة الى الانتظار حتى الحياة الاتية لنتمتع
براحة الله وسلامه، بل يمكن أ ن ننال ذلك الآن يوميا. فلا تنتهي بالموت راحتنا
اليومية في الرب بل تنضج إلى ان تكتمل الراحة الأبدية في المنزل الذي يعده لنا
المسيح.
بيانات أساسية:
المكان: مصر،
مديان، صحراء سيناء.
المهنة: أمير،
راع، قائد لبني إسرائيل.
الأقرباء:
أخته مريم ; أخوه هرون ; زوجته صفورة ; إبنه جرشوم.
الآية الرئيسية:
بالايمان ترك
أرض مصر وهو غير خائف من غضب الملك. فقد مضى في تنفيذ قراره، كأنه يرى بجانبه الله
غير المنظور (عب27:11).
ونقرأ قصة
موسى في أسفار الخروج واللاويين والعدد والتثنية. كما يرد ذكره أيضاً في
(أع44,20:7) ; عب 29,23:11). |