لماّ طبعت أول نسخة لـ(البسيطة) (فشٍيطتً)عام 1555 م كان عمرها أكثر من ألف سنة،
وكان يجب أن تمر ثلاثة قرون ونصف قرن حتى تجري أول دراسة علمية لهذا النص السرياني
للكتاب المقدس، فمن القرن السادس عشر حتى التاسع عشر لم تجر قط بحوث علمية لهذا
النص بسبب صعوبة الوصول الى المخطوطات الاصلية.
حصل
المتحف البريطاني (اليوم المكتبة البريطانية) على نسخ من (البسيطة) كان محفوطة في
دير السريان في وادي النطرون (مصر)، فضمها الى (المجموعة النطرونية) من مخطوطات دير
السريان هناك والتي عني بها و. رايت W.Wright إذاك أصبحت الدراسات العلمية
لـ(البسيطة) ممكنة، كما نرى ذلك في Tetraeuangelium Sanctum لصاحبيه ف. إ . بيوزيه
Ph.E.Pusey وج . هـ. غويليام G.H.Gwilliam عام 1901.
تظهر أهمية هذا الانجيل باللغة السريانية والمعروف باسم (فشيطتو) من خلال كثرة
إعادة طبعه في القرنين الماضيين وتعدد طبعاته نظرا الى ما يمثله من ارث مشترك بين
الكنائس ذات التراث السرياني! وإننا ننتظر طبعات جديدة منه في السنوات القليلة
المقبلة.
خصوصاً بعد تطور تكنولوجيا المطبوعات منذ الثلث الأخير من القرن الماضي مما سهل
أيضا عملية مقارنة النصوص وضبط ترجمتها.
هذه
الميزة استفادت منها (البسيطة)، بخلاف بقية الترجمات السريانية. وهذا الاهتمام
المطرد بها لا يعود فقط للعامل العلمي، بل لنشاط السريان الذين هجروا اوطانهم
واتجهوا غربا. فحبا منهم للحفاظ على لغتهم و تراثهم، بدأوا يعتنون بها أكثر
مستفيدين من الامكانات والوسائل والمعلومات الجديدة المتاحة لهم الآن في عالم
انتشارهم. فأكتسبت (البسيطة) أهمية خاصة لكونها رمزاً للإرث المشترك للشعب الآرامي
و كنائسه و السريانية المتفرعة عنه. ففيها تتحد اللغة الآرامية والحضارة السريانية
والإيمان المسيحي بوحدة غير قابلة للانفصام. وما يبرهن عن ذلك هو هذا العدد الكبير
من مخطوطات (البسيطة) في كل الكنائس ذات التراث السرياني، وهو يربو على الخمسمئة
مخطوط.
وما
يدهشنا أيضا هو أنها، على الرغم من كثرة عدد مخطوطاتها، متطابقة كلها. وهذا واقع
فريد من نوعه بين المخطوطات القديمة التي غالبا ما تختلف النسخة الواحدة عن اختها.
ففرادتها تكمن في أن النسخة القديمة منها والعائدة مثلا للقرن الخامس لا تختلف عن
مخطوط القرن الثاني عشر إلا بالخط فقط (الخط الاسترنجيلي و السرطو)!
أن
هذا العدد الضخم من المخطوطات، وهذا التطابق شبه التام بين مخطوطات هذه الكنائس
طوال القرون الطويلة (1500) سنة، يمنحان (البسيطة) شرعية وصدقية غير محدودتين،
فـ(البسيطة) تكون أنموذجا فريدا حتى على المستوى اللغوي، والحضاري، مقارنة مع بقية
مخطوطات الحضارات الاخرى. هي جزء لا يتجزء من هوية الكنائس ذات التراث السرياني،
يذكرها بماضيها وينعش آمالها بمستقبل زاهر. يمثل هذا الانجيل السرياني المرتكز
والاساس للاهوت وللحياة الليتورجية عند كل السريان: الشرقيين والغربيين و الموارنة
على السواء.
الاسم فشيطتو:
أول
من دعا هذه الترجمة السريانية باسم فشيطتو (فشٍيطتً) هو موسى بركيفا ( ┼ 903 م).
فهو يسمي الترجمة السريانية للعهد القديم بـ(الفشيطتو) بينما يسمي الترجمة
اليونانية بـ(السبعينية) (نسبة الى الاثنين والسبعين مترجما) من دون أي تعليق، وذلك
لتمييز الاولى من الثانية. لقد تبنى هذه التسمية التي تعود على الارجح للقرن
الثامن. ففي هذا القرن بالذات بدأت الحاجة الى تمييز الترجمات السريانية (نستشف ذلك
من تسمية توما الحرقلي للكتاب المقدس السرياني إذ يدعوه بـ(النسخة الاولى) وكان ذلك
في بداية القرن السابع). كما تعود هذه التسمية لمدرسة دير قرقفتا.
لقد
شكلت (البسيطة) على وفق دراسة الماسوريين Massorétes ، أي العلماء اليهود المتحدرين
خصوصا من عائلة ابن آشير في طبرية. ويشتق اسمهم من كلمة (ماسوراه) Massorah
العبرية التي تعني (التقليد) أي احاطة الصوامت العبرية بمجموعة من العلامات
المختلفة والبارعة لتثبيت لفظها الصحيح بعد ان شوهته اللغة العبرية المحكية في
عصرهم. وقد واصلت مدرسة الماسورية في طبرية عملها التصحيحي بين القرنين الثامن و
العاشر، مستندة الى المعطيات الشفهية التقليدية، فثبت قراءة النص العبري للكتاب
المقدس. ولقد تأثر المترجمون السريان للكتاب المقدس بعمل الماسوريين حتى أن
(البسيطة) دعيت أيضا (الماسوراه السريانية).
لقد
آستحقت البسيطة اسمها بالمقارنة مع ترجمتي الكتاب المقدس (المعقدتين) نسبيا
والمعروفتين تباعا باسم (الهكسبلة السريانية)(1) و (الترجمة الحرقلية)(2)، فهي
ترجمة بسيطة ومفهومة من الجميع، علما أن بعض العلماء يترجمون (فشٍيطتً) بصفة
(المبسوطة) أي الواسعة الانتشار. هذه الترجمة للكتاب المقدس هي الوحيدة التي لا
تعرف اسما للمترجم بخلاف الترجمتين الآنفتي الذكر، فهي الانجيل الاول للكنائس ذات
التراث السرياني، والذي لا تساؤل حوله ولا اختلاف عليه: هو النص المقدس بجدارة،
فالترجمات اللاحقة هي في حاجة الى اسم مترجم يميزها. إن هذا التمييز لا ينحصر
بأشياء هامشية فقد صرح يعقوب الرهاوي، في بداية اعادة مراجعته لترجمة الكتاب المقدس
أنه استعان بـ (الكتاب) الذي هو عند السريان وبـ(الكتاب) الذي هو عند اليونان، وهو
يقصد (الفشيطتو) و (السبعينية) وبالفعل، فإن الترجمات الاخرى للكتاب المقدس تتميز
عن (الفشيطتو) بما تحويه في طياتها من نصوص تراثية مختلفة ففي الترجمة السبعينية
مثلا نجد نصوصا يونانية متمايزة، كما نكتشف تأثيرا لترجمات تيودوتيون Theodotion و
سيماخوس Symmachus و أكويلا Aquila المنوه عنها على هامش نص (الهكسبلة السريانية )
Syrohexapha . أما الحرقلية فهي تستعين بمواد مختلفة من عدة مخطوطات يونانية، و من
الترجمة (الفيلوسكينينة) التي بدورها تستند الى نسخة يونانية كانت موجودة في مكتبة
پامفيلوس Pamphilus البيروتي (310 ( الشهيرة في مدينة قيصرية، وفي النهاية إن اسم
(الفشيطتو) من ذلك النص (البسيط) للترجمة السريانية للعهدين القديم و الجديد،
كتمييز له من تلك الترجمة (المعقدة) نسبيا في التراث اليوناني.
نشأ
الفشيطتو وعمرها
هناك تقليدان يخبراننا عن نشوء (الفشيطتو) نجدهما في (فشيطتو) العهد الجديد: الاول
يعيدها الى مار أدي و سائر الرسل، والثاني يعزوها الى مرقس الانجيلي نفسه.
يكتب مار ايشوعداد المروزي الشرقي (حوالي سنة 850) في تعليقه على العهد القديم ما
يلي: (يرى بعضهم ان الاسفار المقدسة ترجمت الى السريانية كالآتي: (التوراة)، و(يشوع
بن نون)، و(القضاة)، و(راعوث)، و(صموئيل) ، و(داود) ، و(الامثال) و(الجامعة) و(نشيد
الاناشيد) و(ايوب)، بناء على طلب احيرام ملك صور وذلك في عهد سليمان. أما ما تبقى
منها اضافة الى العهد الجديد فقد ترجمت كلها السريانية في عهد ابجر ملك الرها
باشراف اداي و باقي الرسل...).
أما
كتاب (جنة الاطياب) وهو تعليق على قراءات السنة الليتورجية كتب في القرن العاشر
فيقول: (حسب رأي بعضهم الانجيل مرقس نفسه هو الذي قام بترجمة اسفار (العهد القديم)
من العبرية الى السريانية وقدمها ليعقوب أخي الرب وباقي الرسل الذين يتأملوها
وتعمقوا فيها فارسلوها ليسلموها الى الناس في سورية).
في
كل الأحوال نستنج من هذين التقليدين أن الترجمة (البسيطة) للعهد القديم والعهد
الجديد تقيم بين العهدين علاقة غير موجودة في الترجمات اللاحقة عن اليونانية، وإن
(الفشيطتو) تكون ارثا مشتركا لجميع الكنائس السريانية ، إذ لا توجد كنيسة سريانية
واحدة تدعي الانفراد بملكيتها، ما يعني أنها وجدت قبل انقسام الكنائس السريانية.
وما ردها تاريخيا الى عهد الرسل والانجيل مرقس الا ليقولوا لنا أنها الارث المشترك
للكنائس ذات التراث السرياني.
وبما أنه تنقصنا شواهد تاريخية موثقة علميا عن نشوء (الفشيطتو) للعهد الجديد وعن
عمرها فأنه لابد لنا من اللجوء الى عمر المخطوطات نفسها. فأقدمها يعود الى القرن
السادس وقد يعود عدد لا بأس به للقرن الخامس.
لكن الانقسام الذي حصل في مجمع افسس (431 م). ثم في مجمع خلقيدونية (451 م )
يقتضينا وضع تاريخ سابق لهما لنشوء (الفشيطتو) ولكن ليس قبل عهد مار افرام السرياني
(373) أو افراهاط (343) لأنهما استعملا الـ(دياتسارون) وكتابا مقدسا سريانيا سابقا
لنص (الفشيطتو).
فـ(الفشيطتو ( يجب أن تكون قد ترجمت ما بين العامين 375 – 430 وعلى الاغلب في عهد
رابولا اسقف الرها (412 – 435). كما يمكننا القول ان ترجمة (الفشيطتو) كانت قائمة
انطلاقا من ترجمة اقدم منها، أي انها ترجمة حديثة او بالاحرى تدقيق جديد يحاول
المقاربة مع النص اليوناني. إنّ اعادة النظر في النص القديم لجعله متطابقا مع النص
اليوناني يعطي الصفة الرسمية لـ(الفشيطتو) حتى تصبح بموازاة الـ(دياتسّارون).
لكن
كل هذا لا يمنعنا من الاعتقاد بوجود (فشيطتو) ما قبل (الفشيطتو) او لنقل (فشيطتو
اولية) كانت بدورها ذات تراث سرياني و قديم. وما (الفشيطتو) هذه التي نعرفها إلا
ذلك (التدقيق الرسمي) في النص القديم لجعله اكثر انسجاما مع النص اليوناني. ففي
كتابات فيلوكسينس المنبجي (قبل 506 /7) نجد مقاطع نصوص (الفشيطتو) نفسها التي
نعرفها اليوم في المخطوطات. وهي في نظر يعقوب السروجي النص الرسمي و القانون
المعترف به في الكنيسة.
ينتمي اسقف الرها رابولا، من الناحية التاريخية، الى الحقبة نفسها التي نشأت فيها
(الفشيطتو) لأن هناك مرجعين يربطانها بالعهد الجديد. من هنا يعد مؤرخو سيرة صاحب
(الفشيطتو) المجهول الهوية أنه (بواسطة الحكمة الالهية الحالة فيه كان قد ترجم
العهد الجديد من اليونانية السريانية بسبب التباينات الموجودة بينهما فأعاده الى
حلته الاولى) وفي كتاب رابولا (قواعد وإرشادات للكهنة والرهبان) Praecepta et
Monita ad Sacerdotes et Regulares نقرأ تنبيها: (يجب على كل الكنائس ان تحفظ نسخة
من الانجيل الموزع وذلك لاستعماله في القراءات). لكننا لا نعلم بالتأكيد هل كانت
(الفشيطتو) في صيغتها الاخيرة التي وصلتنا في هذه المخطوطات التي تكلمنا عنها آنفا
هي المقصودة بذلك أم كان المقصود هو النص ذو الطابع السرياني الأقدم والذي آستعمله
رابولا، منذ القرن الثالث أو الرابع، لانه من الصعب جدا أن تكون (الفشيطتو في
صيغتها النهائية، قد نشأت بعد رابولا، لأنها بقيت النص المعتمد للكنائس السريانية
حتى بعد الانقسام في النصف الاول من القرن الخامس. ولا يمكننا فهم هذا الا اذا كانت
(الفشيطتو) موجودة و مستعملة في عهده، في كل الكنائس الشرقية والغربية.
وتكون الرها بالتالي، هي المكان المرجح الذي دققت فيه بالتالي (الفشيطتو) في صيغتها
الثانية والنهائية وتم أيضا اعلانها رسمياً.
إن دراسة هذا المخطوطات تدعم النظرية القائلة إن لـ (الفشيطتو) تراثا أقدم من عهد
الاسقف رابولا إذ نجد فيها الكثير من المؤشرات التي تدّل على نصين الواحد منها أقدم
من الآخر. فنحن نكتشف الكثير من التطابق بين الصيغة النهائية وتلك الترجمات
(السريانية) القديمة. في ضوء هذه المعطيات يمكننا القول أن (الفشيطتو) ما هي إلا
الترجمة الجديدة و المبنية على نص سرياني أقدم. لا بل يمكننا التحدث عن ترجمة اعيد
تنقيحها لتصبح أقرب الى النص اليوناني للعهد الجديد.
هذه الخطوة تعد كمفصل تاريخي بالنسبة الى (الفشيطتو): لم يستبعد الارث ( السرياني
القديم) في (الفشيطتو) بشكل جذري من كل المخطوطات ولا من امكنة معينة موحدة، بل بقي
منتشرا فيها، ما يبرهن على وجود (الفشيطتو) اقدم او (فشيطتو أولية ) Ur- Peschitta
ذات طابع سرياني أقوى وكانت لا تزال موجودة حتى بدايات القرن الخامس. إن هذا
الانتشار يدل على طريق طويل عرفته (الفشيطتو) حتى وصلت الى صيغتها الحالية
والنهائية.
يقودنا هذا التدقيق وهذه العناية الكبيرة بـ(الفشيطتو) كي تصبح اكثر تطابقا مع النص
اليوناني. الى استنتاج قانونية نصها: فالترجمات (السريانية القديمة) تمت لتطابق
الأناجيل الأربعة القانونية بهدف نشرها في شرق أنطاكية لتحل مكان الـ(دياتسارون).
إلا أن كثرة التنوع في هذه الترجمات تبرهن على عدم وجود مركزية في الترجمة او في
اعلانها. لذلك بقي الـ(دياتسارون) صامدا حتى القرن الخامس بينما اكتسبت الصيغة
النهائية لـ(الفشيطتو) عناية رسمية واعترافا شاملا وهذا هو سبب وحدة نص كل مخطوطات
(الفشيطتو).
التقليد المتوارث
قبل
النصف الاول من القرن الخامس وضعت (الفشيطتو) في صيغتها النهائية و لم تعرف بديلا
او تعديلا حتى يومنا هذا. ومن هنا لا يحق لنا التكلم عن تاريخ النص (لأن التاريخ
يعني التغيير و التطور)، بل نستطيع الحديث عن تاريخ التدقيق في النص أو تاريخ
مراجعته Révision الذي يبدأ مع الترجمات (السريانية القديمة) لنصل إلى نص
(الفشيطتو) فإلى (الترجمة الفيلوكسينية) (506-507) وصولا الى (الترجمة الحرقلية)
(615 – 616) ففي اعادة قراءة هذه الترجمات السريانية نلحظ فقط محاولات لتقريب نص
الانجيل السرياني من النص اليوناني على مثال (الفيلوكسينية) في (الفشيطتو)
القانونية، فمثلا لم تكن (الرسائل الكاثوليكية) و الرؤيا موجودة سابقا، ما استدعى
اضافتها من دون المس ببقية الاسفار الاخرى، لان نصها هو النص المقدس بجدارة في حياة
الكنائس ذات التراث السرياني، وبمعنى آخر ، لم تعرف (الفشيطتو) التغيير أبدا لإنها
النص المقدس أولا، والمتجذر في حياة السريان ثانيا، بسبب طابعه السرياني – الآرامي.
فالترجمتان اللاحقتان، أي (الفيلوكسينية ) و (الحرقلية) اللتان اعتمدتا النص
اليوناني لاسباب عقائدية و لغوية على انه هو النص الحقيقي Gæaca Veritas ، هما
بالتالي ترجمتان خاصتان، بينما تستمر (الفشيطتو) تعبيرا سريانياً مميزا. هي الهوية
السريانية التي لا تمس وما هذا العدد الكبير من المخطوطات الا تعبير عن هذا الواقع
وكل ما عرفته (الفشيطتو) في تاريخها الطويل من تطور هو تلبية الحاجات جديدة فقط،
كتوزيعها الى فصول وآيات من اجل استعمالها في القراءة الليتورجية و التعليمية
اللاهوتية ، او كضبط كتابتها و حركاتها او لفظها، اما النص فبقي هو.
لم
تؤد الانقسامات في الكنيسة السريانية الشرقية والغربية أي دور في نص (الفشيطتو) الا
في ما بعد عند تغيير اللفظ وإدخال الحروف الصوتية والحركات، اما الحرف الاسترنجيلي
فبقي هو هو، حتى الالفية الثانية في مخطوطات الكنيسة السريانية الشرقية الامر الذي
يعقد عملية البحث في اصول الكتابة.
واستعمل السريان الشرقيون النقاط في كتابتهم الاسترنجيلية ولو بقيت دون معنى
بالنسبة اليهم، أما الغربيون فأخذوا الخط المائل Serto ( سِرطًا) واستعملوا
المصوتات اليونانية A, E , I , O, OU (ِ
(
َ ِ ٍ ً ُ) على شكل حركات فوق الحروف او تحتها، وهذا التباين بين الشرقيين و
الغربيين بدأ بالظهور اعتبارا من القرنين السابق و الثامن. وذلك تبعا لتطور كل
كنيسة حسب موقعها الجغرافي.
نتساءل هل يوجد مخطوط ذو كتابة او خط مشترك بين الشرقيين و الغربيين؟ علينا
العودة لاعطاء الجواب الى مخطوطات القرن الخامس او السادس فبعضُ منها عرف فيما بعد
تصحيحات تتناسب و التقليد الجديد مع عقيدة كل كنيسة على حدة.
ويميل اليوم معظم الباحثين الى اعتبار نص (الفشيطتو) (فشٍيطتً) في الكنيسة
السريانية الغربية، النــص الاصــلي او اقله الاقدم على الرغـم من كونه قد تعرض
للتنقيح بسبب انفتاح الكنائس السريانية الغربية على الثقافية اليونانية. هذا
الانفتاح سوف يساعد الكنيسة الغربية على التحرر من روح الحرف في ما بعد، لأن
اساقفتها كانوا ذوي ثقافة يونانية و لغتهم الرسمية هي أيضا اليونانية بسبب انتمائهم
الى الشراكة الكنسية مع الكنيسة الجامعة (ساويروس الانطاكي وفيلوكسينس المنبجي).
وبالنظر الى نص (الفشيطتو) قبل الانقسام نميز هنا بين النص التقليدي و الارث. فمع
دخول الصراعات السياسية ومحاولات الوحدة، خصوصا تلك التي قام بها القيصر هرقل (575
– 641 : منذ عام 610) وعلى الرغم من رفض هذه المحاولات حافظ السريان على اعترافهم
بقدسية الكتاب المقدس باللغة اليونانية وبكتابات آباء الكنيسة.
وبعد الغزو الاسلامي وانهيار الامبراطورية البيزنطية تكرس الانقسام بين الكنائس
أيضا ففقدت الشراكة، ومعها فقدت الكنائس السريانية دينامية مراجعة النصوص المقدسة و
تحليلها.
وتطورت بدلا منها الدراسات اللغوية ودخلت الحضارة السريانية مرحلة الحفاظ على ما
وصلت اليه من ثقافة ونصوص مقدسة كجزء من هويتها القومية. ومع ذلك لم تعرف
(الفشيطتو) الانقسام وبقيت النص المقدس بجدارة و الرمز القومي لكل السريان بخلاف
(الترجمة الحرقلية) رمز العالم اليوناني.
النص الشاهد
لقد
وصلنا نص (الفشيطتو) للانجيل بواسطة ثلاث طرق: النص الانجيلي نفسه، كتب القراءات و
(المدرسة الماسورية)
والقسم الاعظم من المخطوطات وصلنا:
من
دير السريان في وادي النطرون بمصر
ومن
دير القديسة كاترينا في سينا
ومن
دير الزعفران قرب ماردين (تركيا) في القرن الثامن عشر وصلت بعض مخطوطات دير السريان
في وادي النطرون الى اوروبا والقسم الأكبر منها محفوظ في المكتبة البريطانية والقسم
الأصغر في مكتبة الفاتيكان وبقيت مخطوطات دير القديسة كاترينا محفوظة هناك.
وتوزعت مخطوطات دير الزعفران بين ماردين و حمص و دمشق.
وأغلب مخطوطات العهد الجديد في اللغة السريانية هي (الفشيطتو).
هناك مئة مخطوط منها في المكتبة البريطانية من دير السريان منها مثلاً 60 مخطوط
تعود لما قبل القرن العاشر وثلاثون تعود للقرنين الخامس و السابع.
هذا
ويراجع القارئ في النسخة الاجنبية من هذا الكتاب عرضا باسماء اهم المخطوطات التي
تعود للقرن التاسع (مخطوطات كنيسة المشرق دونت بالخط المائل).
الهوامش:
1.
Syrohexapla : كلمة مركبة من Hexaploos اليونانية = السداسية و syro =
السريانية، في الاصل، الف اوريجان السداسية على الوجه الآتي: قسم الصفحة الى ستة
اعمدة وكتب في العمود الأول النص العبري للكتاب المقدس و في الثاني لفظ كلماته، ثم
اربع ترجمات يونانية له قام بها تباعا اكويلا Aquila وسيماخوس Symmachus و
(السبعينية) Septante وتيودوتيونTheodotion
2.
Harklensis هي الترجمة التي قام بها فيلو كسينوس المنبجي للعهد الجديد وراجعها توما
الحرقلي (627)؟ مع بعض معاونين ، فنسبت اليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
أندرياس جوكل Andréas JUKEL
حائز على دوكتوراه في الفلسفة وعلوم الشرق المسيحي. مسؤول عن الدراسات السريانية في
معهد ابحاث نصوص العهد الجديد في جامعة مونستر. له أبحاث عديدة حول اللغة
السريانية.
(*)
عن كتاب: يانبيع سريانية: جذورنا: مقدمات عامة (بيروت: مركز الدراسات والابحاث
المشرقية، 2005 ص 97-104) |