من الواضح أنه
كان هناك نساء ضمن أتباع يسوع. ومن الواضح أيضا أن يسوع لم يعامل النساء حسب
التقاليد اليهودية التي اعتبرت النساء مواطنات من الدرجة الثانية، لهن بعض حقوق
الرجال، بل عاملهن بإكرام وعزّة ونبل كالأشراف. فبعد ان رأينا السيِّد المسيح يفتح
قلبه للجميع ليضم إلى صداقته الغرباء والخطاة، نراه الان برفقة نساء كثيرات كن
يخدمْنَه ويتجولن معه، فهو لم يقبل المرأة الخاطئة ويمتدحها أمام الفرِّيسي فقط،
أو يكتفي بشفاءهن ومراعاة حالتهن النفسية والروحية فحسب، ولكنه اهتم بمواهب المرأة
وقدّر إمكانيَّاتها كعضو حيّ في جسده المقدَّس. دون اي تمييز بين جنسهن وجنس
الرجال.
وقد ركّز
الانجيلي لوقا على الاهتمام الخاص الذي أولاه الرب يسوع للمرأة مع تعامله مع كل
الناس بنفس القدر من الاحترام، فقد سجّل في انجيله خمسة احداث تضمنت التعامل مع
النسوة، لم تُذكر في الاناجيل الاخرى، مشيراً الى ان رفقتهن قد قامت على أساس العمل
الخلاصي الذي قدمه لهن، فقد سمح الرب يسوع للنساء أن يتبعنه في تبشيره وترحاله،
وكانت تلك النسوة تساعدنه في خدمته باموالهن، حيث كنّ مدينات له بالكثير، فقد شفا
بعضهن من الارواح الشريرة والأمراض، وتذوق البعض الاخر لعذوبة كلمة الله منه. وقد
دامت تلك الرفقة طويلاً، فقد تبعن الرب يسوع حتى في لحظات الصليب، ومنهن من سبقن
التلاميذ عند الدفن وزيارة قبر المخلِّص، فصرن كارزات بالقيامة. وبعدها كنّ يرافِقن
التلاميذ في عبادتهم، وتمتَّعن معهم بعيد العنصرة كما جاء في سفر الأعمال.
اما قصة مريم
المجدلية فهكذا اوردها في انجيله "بعد ذلك أخذ يجول في كل مدينة وقرية واعظا ومبشرا
بملكوت الله وكان يرافقه تلاميذه الاثنا عشر، وبعض النساء اللواتي كن قد شفين من
أرواح شريرة وأمراض، وهن: مريم المعروفة بالمجدلية التي طرد منها سبعة شياطين"
(لو2,1:8)... كانت مريم المجدلية من أوائل من اتبعوا يسوع، وعلى الاغلب سميت
بالمجدلية نسبة الى محل اقامتها مجدل، وكامرأة نشيطة فيها اندفاع وحماسة ورعاية،
فإنها لم تتنقّل فقط مع يسوع بل أسهمت ايضا في سد احتياجات الجماعة. وتعد مريم
المجدلية مثالا للقلب الملتهب بالحب والشكر، فانها اذ استراحت من مملكة ابليس الذي
اقام في داخلها سبعة شياطين، بعد ان حرر الرب يسوع حياتها وانقذها بصورة اعجازية من
تلك الارواح الشريرة، نراها في كل لمحة تعبّر عن تقديرها لتلك الحرية التي وهبها
لها يسوع، والتي اتاحت لها.
اولا: الحضور
وقت الصلب، فقد كانت محبتها قوية كالموت، دفعتها للوقوف بجوار السيد المسيح حتى
موته على الصليب، حينما اختبأ جميع التلاميذ، ماعدا يوحنا، فقد ظلت قريبة من ربها
راكعة قرب صليبه خلال تلك الساعات الطويلة المرهقة والمفجعة في الجلجثة.
ثانيا:
وبالرغم من ان المحنة كانت شاقة ومنهكة، فبعد موته كانت تنوي ان تقدم كل اكرام
لجسده. فهي، كمثل كل أتباع يسوع والمؤمنين به آنذاك، لم تتوقع ابدا قيامته الجسدية،
فقد نهضت باكراً في اول يوم من الاسبوع وذهبت مسرعة الى قبره والظلام ما يزال
حالكا، حتى ان الانجيلي يوحنا اكتفى بذكر مريم المجدلية ولم يشر إلى النسوة اللواتي
ذهبن معها (يو1:20)، ربما لأنها كانت متحمسة جدًا لزيارة القبر، لتبكيه بمرارة،
وتسكب طيبًا وحنوطًا على جسمه. فقد تمتعت بمحبة الرب، حيث التصقت به في حياته
وخَدَمَتهُ من مالها واستمعت إلى عظاته. جاءت إلى القبر دون أية اعتبارات لما
تواجهه من مصاعب، فحبها للسيد المسيح نزع عنها كل خوفٍ من الموت أو من القبر، جاءت
والظلام باقٍ حيث أمكن لنور شمس البرّ أن يشرق في داخلها، وينير لها طريق القبر
الفارغ. كان الظلام لا يزال باقيًا، لكن الحب أضاء لها الطريق.
ثالثا: بعد ان
جاءت ووجدت الحجر مرفوعًا والقبر فارغًا لم تُدرك في الحال أنه قام، بل ظنّت أن
الجسد قد أُخذ من القبر، وإذ كانت مملوءة حبًا نحو سيدها، ركضت سريعًا إلى سمعان
بطرس ويوحنا (يو2:29)، جاءت إليهما تطلب البحث عن جسد المسيح، فإنها لم تنحصر في
الحزن على موته، إنما تطلب أن ترى جسده حتى بعد موته لتقدم علامات حبها بتطييبه.
رابعا: في
الوقت الذي عاد فيه التلميذان الى البيت بعد ان تاكدا من ان القبر فارغ
(يو10,3:20)، ظلت مريم المجدلية واقفة في الخارج عند القبر تبكي، وكانت لا تزال
تبحث عن الغائب عنها، فلم تكن حالتها النفسية قد تغيرت ولم يكن ممكنًا لها أن تفارق
القبر حتى ترى جسد السيد المسيح. وحتى بعد ان استجاب الرب لحبها ودموعها، بفتح
عينيها لترى ملاكين يشهدان للقيامة، الا ان ذلك لم يُشبِع قلب المجدلية، لانها كانت
تطلب الرب نفسه، وقبل أن يجيب أحد الملاكين عليها جاءت الإجابة عمليًا من السيد
المسيح نفسه الذي وقف وراءها ليتحدث معها ويجيب على سؤالها (يو18,11:20). كانت شهوة
قلب المجدلية أن ترى جسد المسيح الميت، لكنه وهبها ما هو أعظم، إذ ظهر لها "القائم
من الأموات". إنه يعطينا أكثر مما نسأل وفوق ما نطلب.
لم يكن إيمان
مريم المجدلية معقداً، بل كان مباشراً وصريحاً وصادقاً أصيلاً. فقد كان شغفها
بالإيمان والطاعة أكثر من اهتمامها بتفهم كل الأمور. وقد أكرم يسوع إيمانها البسيط
كإيمان الأطفال بأن شَرّفَها بأول ظهور له بعد قيامته، كما كلفها بأول رسالة عن
قيامته.. فالحب يدفع المؤمن للقاء مع القائم من الأموات في أول فرصة ممكنة، مريم
المجدلية التي التصقت بالسيد المسيح حتى آخر لحظات الدفن تمتعت بأول أخبار القيامة
المفرحة المجيدة، فكانت اول كارزة بالقيامة.
منجزاتها ونواحي القوة في شخصيتها
أسهمت في سد
احتياجات يسوع وتلاميذه
أحد المؤمنين
الأوفياء القليلين الحاضرين عند موت يسوع على الصليب
أول من رأى
المسيح المقام من الأموات
دروس من حياتها
الانسان
المطيع ينمو في الفهم: ان من يسمع عن القيامة للمرة الأولى قد يلزمه بعض الوقت
ليستوعب هذه القصة العجيبة المذهلة، وقد يمر مثل مريم بمراحل عديدة من التصديق
والايمان. فلما كان شغف مريم المجدلية بالايمان والطاعة أكثر من اهتمامها بتفهم كل
الامور لان ايمانها كان مباشراً وصادقا، لاحظنا كيف نمت تدريجياً في تفهم قيامة
المسيح، من خلال ردود افعالها تجاه صلبه ودفنه وقيامته. ذلك الرد النابع من محبتها
وشعورها بالامتنان لذلك الذي حرر حياتها. فبعد موته ولأن همها الوحيد كان الذهاب
الى القبرلتعبّرعن محبتها لسيدها بتطييب جسده، فانها لم تفكر حتى بالحجر الموضوع
على القبر وكيفية دحرجته، وبعدما وجدت الحجر مرفوعاً لم تدرك حتى وقتها انه قام،
رغم لمسات القيامة الواضحة والشهادة القوية، بل ظنت بان الجسد قد أُخذ، فلم يكن
ذهنها قد ارتفع لما فيه الكفاية لقبول القيامة من خلال البراهين الموجودة، حتى
جاءها صوت الرب ينادي باسمها، عندها تعرّفت عليه في الحال، وتجاوبت مع ذلك بالفرح
والطاعة في إخبار التلاميذ.. وفي كل ذلك نفهم كيف كان الرب يعلّم مريم درسا في
الايمان، لينفتح الباب امامها لتدخل شيئاً فشيئاً الى فهم القيامة. فاذ بحثت عنه
بغيرة متقدة ومحبة، وطلبته بدموعٍ وبقلبٍ منكسر، دون ان تدرك أنه قريب من منسحقي
القلوب (مز ٣٤: ١٨)، أقرب مما يظنوا. تأهلت ان تسبق غيرها في التمتع بصوته المفرح،
ويالها من نعمة تلك التي نمت فيها وتمتعت بها، فقد سرّ السيد المسيح أن يهبها فرح
قيامته لكي تشهد وتكرز بانجيل القيامة، فذهبت وفعلت حسبما أُمِرَت.. هكذا يليق بنا
حين نطلبه، أن ندرك أنه قريب إلينا جدًا، فوق كل تصورٍ بشري. فهو في داخلنا يود أن
يعلن ذاته لنا.
المرأة لها
دورها الحيوي في خدمة يسوع: ان كان العهد القديم لم يتجاهل دورالمرأة تمامًا، لكن
العهد الجديد رفع من شأنها، فقد قيل عن هذا العهد: "ويكون بعد ذلك أنِّي أسكب روحي
على كل بَشَر فيتنبَّأ بنوكم وبناتكم" (يوئيل 2: 28). ذلك ما تحقق فعلا في خدمة
يسوع، فاضافة الى ماذكرناه مسبقا من تركيز الانجيلي لوقا على اهتمام الرب يسوع
بالمرأة، فان الانجيلي يوحنا أورد مواقف كثيرة لنساء لهن دورهن القوي، ففي بدء
الآيات تظهر القديسة مريم أم يسوع شفيعة عن الحاضرين في عرس قانا الجليل. وفي
الأصحاح الثاني يلتقي السيد المسيح مع المرأة السامرية التي جذبت مدينة سوخار
بأكملها لتتمتع بشخصه بعد أن أعلن لها عن نفسه. وفي حادثة إقامة لعازر كان حضور
الشقيقتين مريم ومرثا بارزًا. والآن تظهر مريم المجدلية بأمانتها الداخلية العجيبة
المذكورة اعلاه. وفي حادثة الصلب والدفن والقيامة نرى دورا بارزا للنساء، فحتى لو
لم يكن في طاقتهن إلا عمل القليل، حيث لم يكن في مقدورهن أن يتكلمن أمام السنهدريم
دفاعاً عن يسوع. ولم يكن في مقدورهن أن يلجأن الى بلاطس، لم يكن في مقدورهن الوقوف
في وجه الجماهير أو التغلب على الحرس الروماني، ولكنهن فعلن ما قدرن عليه، فمكثن
عند الصليب بينما هرب التلاميذ، وسرن وراء جسد يسوع إلى القبر وأعددن أطياباً
لجسده. ولانهن أحسنّ انتهاز الفرص التي كانت متاحة لهن، كن أول من شاهد القيامة،
لقد بارك الله اخلاصهن واجتهادهن واصبحن كارزات بالقيامة. وتتطلَّع الكنيسة اليوم
إلي الفتيات والنساء كأعضاء في جسد المسيح يُشاركن الرجال عضويَّتهم، وقلوبِهن
مذبحًا للرب، وهيكلاً للروح القدس.
يسوع يتعامل
مع المرأة لأنه خالقها، فهي تعكس أيضا صورة الله: منذ البداية نرى الكتاب المقدس
يضع الرجل والمرأة على حد سواء، على قمة خليقة الله، دون انتقاص من قدر احدهما،
فكلاهما خلقا على صوررته (تك27:1). ولكن بعدما بدأت المعايير تختلف في الحضارة
اليهودية، التي كانت وكا ذكرنا سابقا تعتبر النساء مواطنات من الدرجة الثانية، لها
بعض حقوق الرجال فقط، ولم يكن مسموح لها بتلقّي التعليم على يد المعلمين، نرى ان
مجيء الرب يسوع رفعها من الانحطاط والعبودية الى الشركة والخدمة التي ظهرت جلية في
تعامله معها من خلال لقاءاته ببعض النساء وموقفه منهن وعلى سبيل المثال: اقامة ابن
الارملة من الموت (لو17,11:7)، المرأة الخاطئة التي دهنت قدميه بالطيب (لو7:
36-50)، السامرية (يو4: 2-7)، الزانية (يو9: 1-8)، شفاء المرأة الحدباء (لو13:
10-17)، شفاء ابنة المرأة الاممية (مر 7: 24-30).
أهمية
القيامة: إن قيامة الرب يسوع هي مفتاح الإيمان المسيحي، ويمكننا ان نختصر اهيتها
بما يلي: (1) تماما حسبما قال يسوع فإنه قام من بين الأموات. ومن ثم يمكننا أن نثق
في أنه يتمم كل وعوده. (2) إن قيامة يسوع بالجسد ترينا أنه المسيح الحى وليس نبيا
أو مدعيا. وأنه رئيس مملكة الله الأبدية (3) لأنه هو قام فإننا واثقون من قيامتنا
نحن أيضا. وليس الموت هو النهاية بل هناك حياة في المستقبل (4) إن قوة الله التي
أقامت يسوع المسيح من بين الأموات، متاحة أمامنا الآن لتقيم الموتى روحيا إلى
الحياة (5) إن القيامة هي أساس شهادة الكنيسة للعالم.. لذلك فمن المهم جداً أن نفهم
بانه لا أحد يقدر أن يقبل حقيقة القيامة إلا عند مقابلته ليسوع شخصيا (يو20: 16)،
حينها فقط، وبعد أن يقدم تعهده أمام الرب يسوع ويكرس حياته لخدمته يبدأ في الإدراك
التام لواقع حقيقة قيامته وحضوره الدائم معنا وحتى انقضاء الدهر.
بياناتها الاساسية
مكان اقامتها:
مجدل
وظيفتها: لسنا
نعلم، ولكن يبدو أنها كانت غنية موسرة
المعاصرون
لها: يسوع، التلاميذ الاثنا عشر، مريم أم يسوع، مريم ومرثا ولعازر
الاية الرئيسية
وبعد ما قام
يسوع باكراً في اليوم الأول من الأسبوع، ظهر لمريم المجدلية التي كان قد طرد منها
سبعة شياطين (مر 9:16).
وردت قصة مريم
المجدلية في (لو8، مر16,15). كما ورد الحديث عنها آيضاً في (مت28,27 ; يو20,19).
|