الاركذياقون د. خوشابا كوركيس
هو إيليا الملقب أبو حليم أو ابن الحديثي. ولد في ميافارقين سنة 1108، ورسم مطراناً لنصيبين، ثم اختير بطريركاً ورسم في 24 كانون الثاني سنة 1176، وليس لدينا معلومات مفصلة عن هذا الاختيار، ولا يرد فيه أي ذكر لتدخل العلمانيين. إنما يبدو انه لم يكن بين الآباء من يماثله علماً وحكماً وكرماً وحسناً وبلاغة وفصاحة. وحينما عاد البطريرك الجديد إلى القلاية في دار الروم، رأى أنها في حالة يرثى لها من الخراب. فشرع في ترميمها وترميم الكنيسة. ورسم عدداً من المطارنة والأساقفة لمراكز كثيرة. وكذلك جدد كنيسة مار ماري في دور قني وغيرها من الكنائس والأديرة. ويضيف صليبا قائلاً ” وكان مع أوصافه الجميلة بحسن الخلق والخلقة، سخياً متلافاً للمال في عمل الخير مع الناس الضعفاء والمساكين ومع الأشرار الذين من غير الدين ومع الحكام المتولين، لأجل إقامة جاه ملك النصارى أجمعين. ومع ذلك كان مرتاضاً بالعلوم النحوية واللغوية والسريانية والعربية والعلوم الحكمية”.
وذكر مار عبديشوع الصوباوي في مقالته عن كتابات إيليا الثالث ” عمل تراجم ورسائل وأصلح وعمل صلوات المجالس والصباح ” . إلا أن معظم كتابات إيليا الثالث جاءت بالعربية، وما كتبه بالسريانية يقتصر على صلوات تقال في الطقس الشرقي قبل صلاة الصبح، وفيه الكثير من الخيال والألفاظ أو التعابير اليونانية. ويقول صليبا :” عمل كتب كثيرة من جملتها كتاب تراجيم الاعياد المارانية والذكارين (أي التذكارات). وقد نشر هذا الكتاب في الموصل سنة 1873. وعمل مواعظ كثيرة وكتاب الصلوات الحليميات ورسائل كثيرة في إثبات الأمانة والاعتقاد وصحة دين النصرانية، بالإضافة إلى خطب جنائزية.
توفي البطريرك إيليا الثالث في 12 نيسان 1190، وصلي عليه في الجمعة الثالثة من سابوع القيامة، ودفن في الباصلوث ببيعة سوق الثلاثاء، في بغداد مجاور قبر الجاثليق ايشوعياب الخامس. ويرري لنا صليبا أن هذا البطريرك العظيم أخذ يرثي نفسه قبيل موته وم جملة ما قاله هذان البيتان :-
أرونـــــــــي من يقوم مقامي إذا ما الأمر جل عن الخطاب
ومن تستصرخون إذا حثيتم بأنملكم علي مـــــــن التراب
وسوف ننشر هنا لقراء “كاروزوتا” الأعزاء الترجام الرابع لعيد الدنح الشريف .
الترجام الرابع لعيد الدنح الشريف
الحمد لله الذي علا عن المعارف والأذهان درك ماهيته. وجل عن تحديد الزمان بجوهره القديم وأزليته. وارتفع عن نهايات المكان بسابق قدمه وديمومته. ودق عن معرفة القلوب البشرية علم كيفيته. الناظم في النوع البشري ما تفرق في أقسام خليقته. المتشخص في الصورة الآدمية مثالاً دالاً على آثار قدرته. المتجسد في أواخر الزمان برحمته. والظاهر للعيون في أطهر العناصر والأبدان برأفته. نحمده حمداً يقضي حقوق عوارفه ونعمته. ونشكره على آلائه العامة للطبع البشري بميلاد مسيحه وصبغته. أيها المتسربلون بالحلة النورية. المتجلببون بالصبغة السرية. المختصون من الجسد البيعي بأشرف الأعضاء. والمستخلصون بالدم الايشوعي من آثار الخطآء. أضاء الله بنور الحكمة السموية خواطركم. وجلا بالنعم الروح القدسية قلوبكم وجوارحكم. ورقاكم بالمعرفة المسيحية إلى أشمخ الذرى. وجعلكم مصابيح نيرة يستضيء بها آفاق الورى. بشفاعة من نزه عقله في حدائق الملكوت. وتنزه لطيف فكرته عن علائق الناسوت. ورمق بالأبصار الغامقة الحديدة. شرف الأسرار الجديدة. الملك الهابط من السماء البري. يهتف في الفضاء القفري. يبشر الخلائق بقرب الملكوت. ويمهد الطرائق أمام هيكل اللاهوت. يعد قفار القلوب. أمام غفار الذنوب. يعمذ الخاطئين عماذ التوبة. ويجتذب التائبين بألفاظه العذبة. انظروا الحمل الحامل خطايا العالم. يظهر بالهدوء تجاه العوالم. المحوا الكلمة رافعة الموت. واقفة بالخضوع أمام الصوت. مانح المنائح الروحانية. طالباً الصبغة اليوحنانية. معدن النور والرحمة. يلتمس الطهور من رسول العظمة. استعفى الملك المقدس. من عماذ المتأنس. صرفت سطوة بأسه. عن يده على رأسه. بدأ ناطقاً على الإرتجال. وصاح أمامه بصوت عال. يا مبدي الملح ومفيد المنح. ما الذي دعاك إلى هذا. وحذاك أن تقبل من عبدك عماذا. ما على انحطاطك من ذروة طورك. واستبدال بالأرض عن سدة نورك. كيف يدني التراب. يده إلى رب الأرباب. إن أعمذتك بالماء. تزلزلت أقطاب السماء. أنى يدنو الهشيم. إلى وقد النار العظيم. أنى تفتقر الشمس الوهاج. إلى وميض السراج. من ضياء شمسك تستمد النور. ومن سناء قدسك يستمطر الطهور. أيطلب الجوهر الثمين. ملكاً من خزانة صعلوك مسكين. قسماً يا ذا النعم الغزار. إني إلى الإعتماذ منك كثير الإفتقار. أترد أنت إلى عبدك. وتعود إلى جبلة يدك. ما هذا التواضع يا ذا الكبرياء. ما هذا التخضع يا ملك السماء. ما هذا الهوان أيها الجبار. ما هذا يا خزانة الأسرار. كيف أحدق بالعين البشرية. إلى الأشعة النورية. كيف لا أرهب من مزعج الأرض بلمحته. وموهج الجبال بسطوته. أجاب مسامح الأبرار. الصافح عن أقطار القفار. وارث الخلائق. لباث الحقائق. الكنز الرباني. الخازن الروحاني. حامل خطية العالم. المبشر به أمام العوالم. الملك الدياني. القدوس الروحاني. يا نسل الأخيار. ونجل الأشخاص الأبرار. أتجهل علة ظهوري. وتحدري من قلة طوري. أما الرحمة والصفاء والرأفة. لائحة على الخطاة منعطفة. كلا لا أبخل برحمتي. على من خلقته في الأرض كصورتي. رحمتي على جبلة يدي. أوجبت علي ظهوري. وردت لإبطال الخطية. وإزالة الموت بالحياة الأبدية. وردت لكشف الغطاء. عن الصورة التي صدئت بالخطاء. وردت لأطبع سبيكة الناسوت. بسكة المجد واللاهوت. أتيت لمسخ العوائد. وربح الدرهم البائد. أتيت لأعيد الخط إلى نقطته. وأنهض آدم من كبوته وسقطته. أتيت لأجيز النهر الأردني. إلى الفردوس العدني. أدره إلى موطن عزه . وأعيده إلى محلة الفردوس ومركزه. أوضح له منهاج الهدى. وأجلو عن صورته قتام الصدى. أجعل الصبغة الاختصاصية. مبدأ الطرق الخلاصية. لأنها الحشا الثاني. وبها المولد الروحاني. هي الجبلة التقى. وعلة الارتقاء. هي مشرعة الخلاص. ومدرعة الاختصاص. هي جلباب الوليمة. وباب الخيرات المقيمة. بها تثق القلوب. وتخف أثقال الذنوب. هي الختانة القلبية. القامعة للقوة الغضبية. بها تترنح الأجساد. وفيها مثال الموت والمعاد. هي الفاتحة أبواب السماء. والمانحة ذخيرة الأبناء. بها يتسربل الشص السعيد. بحلة الإنسان الجديد. هي منهاج إلى المحال الملكوتية والطريق. والمعرية الفساد عن الإنسان العتيق. ظاهرها صبغة مائية. وباطنها حكمة سماوية. بها تتجوهر المادة الرخوة. وتصير العبيد له رقة وأخوة. تكسب القلب نوراً وإشراقا. وتجعله مهذباً شفاقا. فدع الآن عنك دقائق الأعراض. فلست محيطاً بدقائق الأغراض. لا تبهرك هذه الحالة. فهكذا يجب علينا إتمام العدالة. دنا الملك المجسم. من سكينة النور المعظم. ووضع يده وارث الكهنوت. على هيكل المجد واللاهوت. عمذه بالرهب والفرح. وأعاد إليه المواهب والمنح. وأودع الدر في صدفه. وباع الجوهر الثمين على نقاده وصيرفه. إنفتحت أبواب السماء. وهبطت الملائكة من الذروة العليا إلى الماء. لمحت في الأعماق. شعاع النور والإشراق. رأت البحر اللجي. طائفاً على الموكب الموجي. طما الأردن بمائه. لمع النور من أراجه. قدحت الأنوار بموجه. لاحت الأسرار من لجه. رفرف الروح بعماذه. وألبسه حلة لاذه. ظهرت للعيون الآدمية. على الصورة الحمامية. حدق الأب من العلى. ونادى إليه من العالم الأعلى. ملأ بصوته آفاق الفضاء. شهد له بمصداق البنوة والرضاء. هذا الأبن الحبيب. والمختار النجيب. هذا مخزن الأسرار. هذا قرصة الأنوار. هذا حجاب العظمة. هذا يدعى الكلمة. هو لاج بأنوار لاهوته. وهو جاء للوقار بناسوته. من أطاعه أطاع الأزل. ومن أضاعه أضاع نفسه وضل. دهشت الجموع. لما نصتت إلى الصوت المسموع. صبحت الخلائق. عند ظهور الحقائق. استبشر العالم. تطهر جنس آدم. انجلت الأكدار. انرحضت الأوضار. حم أصل الخطية. عم فضل العطية. نهج الطريق. إلى عالم التحقيق. انمحى صك الذنوب. بطل شك القلوب. اندرست الكهنوت الهرونية. بالعماذ والصبغة الأردنية. ظهرت الأوصاف. وعرفت الأسرار الشراف. انضح سر الأقانيم. انكشف الأمر العظيم. فتحت ذخيرة الأبناء. منحت حلة المجد والسناء. ظهرت العجائب. اشتهرت الغرائب. تجدد العالم بالمسيح. تجرد جنس آدم من الفعل القبيح. صار الماء سماء. والعبيد أبناء. دخلت الطين الرخوة إلى الكور. افتخرت عند الظهور. طربت الغبراء وما يليها. ابتهجت الجبال بأعاليها. سبحت أصناف الكاروبيم. تهللت لشرف هذا اليوم أجناد السارافيم. اشتركوا أيها المؤمنون مع كل البرايا. في الشكر عن ذي النعم والعطايا. واظبوا على التسبيح. واستعدوا بالادهان فقد آن وقت المسيح. انهضوا من أعباء الفرض. قبل ظهوره الثاني لمداينة الأرض. هذا زمان ذخائر الأرباح. وأوان الاستظهار بالدهن والمصباح. قبل أم تقبل المنية. وتفل شمس الحياة الزمنية. وينقطع حبل الرجاء والأمنية. ويهدم معول الفناء مشيد البنية. قبل أم تقص بمقراض الموت قوادم العزم وخوافيه. ويفرط بالحمام فلا يمكن تلافيه. فإحذروا على الجوهر النقي كي لا يكدر صافيه. فتمتنع حقائق الموجودات أن تنطبع فيه. افكروا في الحكم البوالغ. واشكروا النعم السوابغ. إلى سناء البنوة قدسكم. وعلى سدة النور أجلسكم. وإلى السماء أصعدكم. وفي الجانب اليمين أقعدكم. ومن الزلة الآدمية حرركم. وبالحلة العماذية طهركم. وفي كعر الماء والروح جوهركم. وذخيرة الأبناء أعطاكم. وبالنور والبهاء غطاكم. فانهضوا باسماع العقول. إلى يوحنا وهو يقول. يا أبناء الأضلال. من انذركم بالهرب. من الغضب المرتقب. اثمروا الآن ثماراً مستحبة. وأفعالاً لائقة بالتوبة. لا تظنوا أن مجرد الأنساب يؤلفكم لدى رب الأرباب. فإن لله من الإقتدار. أن يقيم لإبراهيم أبناء من الأحجار. ها فأس الإنتقام. وضعتها يد العدالة على شجرات الأجسام. فكل شجرة ناطقة تعقم عن صوالح الأثمار. تجذ من غاب الوجود وتلقى في سعير النار. ذلك الذي ملحاب نقد الجواهر. بيده لتصفية البيادر. يجمع بر الصالحين إلى أهراء سمائه. ويوقد تبن الرذائل في نار جفائه. أعاذكم الله من ظلام المحل الناري. وخولكم رتبة الشرف المقيم في خدر أنعام الباري. وأبعدكم من الأثمة أصحاب الشمال. وأقعدكم في الحضن الابراهيمي مع أهل اليمين بعز وإقبال. وابهجكم في ملكوته بالخير الأبدي. وفرحكم في عالم لاهوته بالنعيم السرمدي. وأحاط بكم من عنايته سياجاً وسورا. وجعل في قلوبكم ابتهاجاً وحبورا. ونظم لكم أقطار المسرة في أعيادكم. وأراكم المحاب في بيوتكم وأولادكم. بشفاعة الذين علوا عن الأكدار. وحذقوا بالعقول الثواقب إلى عالم الأنوار. ورعوا بالخواطر الوقادة في بروج الأسرار. وسطرت أقلام العناية أسماءهم في بيعة الأبكار. بصلوات جميع القديسين والشهداء والمرسلين. آمين.
المراجع : –
- 1) تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية. الأب ألبير أبونا. ج2 1986 بيروت/لبنان.
- 2) المروج النزهية في آداب اللغة الآرامية. القس يعقوب أوجين منا. المجلد الثاني. مطبعة الآباء الدومنيكان. الموصل / 1901
- 3) كتاب التراجيم السنية للأعياد المارانية/إيليا الثالث ابن الحديثي. مطبعة الآباء الدومنيكان. الموصل/1873.