الأركيذياقون د. خوشابا كوركيس
في انقسام المذاهب المسيحية
بعدما أشرق نور المسيح، انقشع ظلام الضلال من العالم. وبفضل رسل المسيح الصادقين الأطهار أزيلت الأصنام ودكت الأوثان والمنحوتات، وتطهرت البسيطة من رجاسة الذبائح والعادات النجسة. وتعلم سكان الأرض الصلاح والقداسة والوداعة وخيمت معرفة الله على وجه الكون كما تغطي المياه البحر. لذلك اغتاظ الشرير وتذمر وفعل بنا كما فعل بآدم. وبعد وفاة الرسل القديسين وتلاميذهم وخلفائهم هيج المسيحيين، وألقى الفتن والانقسامات في صفوفهم، وزرع في كنيسة المسيح بدعا لا تحصى، حتى سعوا إلى قتل بعضهم بعضاً معتبرين الواحد الآخر كافراً ومستوجباً الموت. وما أكثر الكفر والنفاق والدمار الذي حصل عهد ذاك. كما يخبرنا بها أوسابيوس القيصري في تاريخه الكنسي1 فالتأم سنة 325 م بهمة الملك القديس قسطنطين محب المسيح مجمع مسكوني ضم 318 أسقفاً2 وبقوة الروح القدس وببراهين من الكتب الإلهية شرحوا ووضعوا صيغة الإيمان القويم وأثبتوه وأعلنوه. وأدانوا بدفاع متين وبمنطق علمي سليم جميع معلمي الهرطقات ورؤسائها. وحرموهم وفصلوهم عن جسم المسيح كأعضاء نخرة غير قابلة الشفاء. وطهروا الكنيسة الجامعة من دنس المذاهب الباطلة والمعتقدات الفاسدة. فأضحت الأرض كلها فكراً واحداً وكنيسة واحدة من مشرق الأرض إلى مغربها. ولكن بعد مئة سنة حصل نزاع بين قورلوس بطريرك الاسكندرية ومار نسطوريس بطريرك القسطنطينية حول عبارة “التجسد” في حين لم يحدث بين جميع المسيحيين جدال بشأن عقيدة الثالوث. لأن جميعهم يقبلون إيمان نيقيا القائل بتساوي الثلاثة في الجوهر والسيادة والسلطة والإرادة، واعترف الكل بالمسيح إلهاً كاملاً وإنساناً كاملاً وفقاً لما ورد في الإنجيل ورسائل مار بولس ومقررات الـ (318) أباً. أما الجدال القائم فهو حول نوعية الاتحاد والأسماء التابعة له. قورلوس يقول يجب أن نسمي البتول ” والدة الله” وكتب أثني عشر فصلاً يحرم فيها كل من يفصل اللاهوت عن الناسوت بعد الاتحاد. فرد عليه نسطوريس قائلاً هذا غير صحيح، لأن كلمة “والدة الله” لم ترد في الأنبياء ولا في الرسل. فالأنبياء تنبأوا عن مجيء المسيح. والرسل بشروا بأن المسيح الذي أعلن الأنبياء مجيئه إلى العالم هو عينه المولود من مريم وأثبتوا بأنه إله وإنسان. كما أننا عندما نقول “والدة الإنسان” فقط، نتشبه ببولس الشمشاطي وفوطينوس الغلاطي القائلين بأن الرب إنسان اعتيادي، كأي واحد من الأنبياء، لذلك حرما. ولو قلنا أيضاً “والدة الله” فقط، فنتشبه بسيمون ومناذروس القائلين بأن الله لم يتخذ جسداً من مريم، وإنما التأنس كان بالخيال لا بالحقيقة لذلك حرما أيضاً. أما إذا دعوناها “والدة المسيح” فهذه التسمية واردة عند الأنبياء والرسل، وتشير إلى الاتحاد الكامل. وحرم قورلوس في فصوله لكل من يفصل اللاهوت عن الناسوت إنما حرم الكتب المقدسة. إن الرسل والأنبياء حددوا الأفعال الطبيعية في هذا الشخص الذي يقوم عليه الجدال. ومنهم تعلم الآباء القديسون الإيمان بالمسيح إلهاً كاملاً وإنساناً كاملاً. شبه الله والعبد، ابن داود وابن العلي، الجسد والكلمة. ومن هنا نشأ من جديد انقسام في الكنيسة فالبعض أيدوا نسطوريس وانجر غيرهم وراء قورلوس. وتراشق الطرفان بالحرم. فحدثت انقسامات ولاقى الآباء أصنافاً من القتل والنفي والأسر والاضطهاد إلى عصر مرقيانوس محب المسيح، الذي سعى إلى عقد مجمع مسكوني كبير في خلقيدونيا3 ضم (632) أباً وأمر باجراء تحميص دعوى الطرفين وطرد من الكنيسة كل من لا يخضع لصحة الإيمان الذي يعلنه الآباء المسكونيون. لكي تكون للكنيسة كلها صيغة واحدة للإيمان الصحيح. إن هذا المجمع أيد عقيدة الطبيعتين في المسيح والتمييز بين خواص كل واحدة منهما. واعترف بوجود إرادتين أيضاً. وحرم كل من يقول بالمزج، الذي يشوه كلتا الطبيعتين. وإذ لا يوجد في اليونانية تمييز بين الأقنوم والشخص أقر المجمع بأقنوم واحد في المسيح. وبما أن أتباع قورلوس لا يسلمون بالطبيعتين وأتباع نسطوريس لا يقرون بالأقنوم الواحد صدر أمر ملكي يقضي بخلع كل من يرفض هذا القرار. فأجبر البعض وأرغموا على قبوله وغيرهم تمسكوا بمعتقدهم، ومن ثم انقسمت المسيحية إلى ثلاثة مذاهب:
الأول: يعترف بطبيعة واحدة وأقنوم واحد في المسيح وينتمي إليه الأقباط والمصريون وأهل حبشة طبقاً لتقليد قورلوس بطريركهم وقد سعى كثيراً لترسيخ هذا المعتقد بين السريان والأرمن معلم من سوريا يدعى يعقوب البرادعي4 لذلك يدعون أيضاً باليعاقبة.
الثاني: يقول بطبيعتين وأقنوم واحد ودعي أتباعه بـ (الملكيين) لأن الملك أقره بالقوة. وينتمي إليه الرومان أي الافرنجة وأبناء قسطنطينية اليونان وجميع شعوب الشمال والروس والايلانيون والجركانيون والاسياويون والجورجيون وسائر جيرانهم. بيد أن الافرنجة انفردوا عن هؤلاء بقولهم إن الروح القدس ينبثق من الأب والابن. ويقربون القربان فطيراً. ووافق هذان المذهبان على لقب مريم العذراء بـ ” والدة الله”. أما اليعاقبة فقد أضافوا إلى قانون “قدوس الله” عبارة “الذي صلب لأجلنا”.
الثالث: يؤمن بطبيعتين وأقنومين في المسيح وبنوة واحدة وإرادة واحدة وسلطة واحدة، ويدعى معتقدهم بـ “النسطوري”. أن الشرقيين لم يغيروا مطلقاً حقيقة معتقدهم ولكنهم حافظوا عليه كما تسلموه من الرسل. إلا أنهم رفضوا تحريم المعتقد النسطوري عندما طلب منهم ذلك، لأنه يعلم بطبيعتين وأقنومين في المسيح وإرادة واحدة وابن وحيد لله ومسيح واحد لأنه الإيمان القويم، أبوا التحريم قائلين لا فرق بين حرمنا لنسطوريس وحرمنا للكتب الإلهية والرسل والقديسين الذين منهم تسلمنا ما نؤمن به. هذا الإيمان الذي تذموننا عليه كذمكم لنسطوريس. ويرد النساطرة على هذه المذاهب قائلين:
أولاً: إذا كان وجب علينا الاعتراف بطبيعة واحدة وأقنوم واحد في المسيح بعد الاتحاد، فإما أن تزول الطبيعة والأقنوم البشري، وفي هذه الحالة يكون الهلاك وليس الخلاص. وإما أن تزول الطبيعة والأقنوم الإلهي، وهذا إجحاف لا يوصف. وإما الطبيعة والأقنوم اختلطا وامتزجا، وهذا هو الانحلال. إذ لا يبقى اللاهوت ولا الناسوت قائماً بذاته.
ثانياً: إن الطبيعة والأقنوم الإلهيين، روح أزلي غير مركبين في الاتحاد إما أن تزول الخصائص المميزة للطبائع والأقانيم في المسيح، بهذا يصبح “لا شيء” أو “شيئاً ” ليس الله ولا إنسان. وإذا لم يبطل الاتحاد الخصائص المميزة والأقانيم في المسيح فالمسيح يكون إذاً بطبيعتين وأقنومين يوحدهم شخص الابن.
ثالثاً:- إن قول الإنجيل “وكان الصبي يسوع ينمو في القامة والنعمة أمام الله والناس”5. وقول بطرس هامة الرسل: “أن الإنسان يسوع الذي ظهر من عند الله بالقوات والعجائب والآيات التي صنعها الله بينكم على يده”6. وقول الرسول بولس باني الكنيسة: “واحد هو الوسيط بين الله والإنسان هو الإنسان يسوع المسيح”7. هذه الأقوال الثلاثة تؤيد وتؤمن بثبات ووضوح بأقنومين وطبيعتين في المسيح بعد الاتحاد. وكل من يخاصم في هذا الأمر لهو خال من الحق كله.
حرومات قورلوس الأثني عشر والحرومات المضادة لها التي أصدرها نسطوريس
ألحقت حرومات قورلوس الأثني عشر في نهاية رسالته الثالثة إلى نسطوريس8 وكان الغرض من هذه الحرومات هو كشف الخطأ في تعاليم نسطوريس. وفي نفس الوقت يبرز السؤال التالي: ألم تكشف هذه الحرومات الضعف الكامن في لاهوت قورلوس؟ يحتمل أن يكون ذلك هو السبب في عدم إلحاح قورلوس على الانطاكيين لتبني هذه الحرومات أثناء مجمع 433 م، هذا وكانت هذه الحرومات قد أقرت في مجمع الاسكندرية الذي عقد في شهر تشرين الثاني 430م. وإذا استثنينا منها الحرم السابع فإن جميع هذه الحرومات قد أوضحت في رسالة قورلوس الثالثة. ويقول بندلي عنها: “أنه ينقصها الشرح الموسع والذي تتباه به الرسالة نفسها. ويمكن اعتبار بنيتها خطأ فادح سواء في الجانب اللاهوتي منها أو السياسي إذا حكمنا عليها على الأقل من خلال نتائجها الآنية”. وقد أعطت هذه الحرومات الفرصة الذهبية لنسطوريس ومن بعده لثيودوريطس القورشي لكشف التعليم الهرطوقي لقورلوس على الأقل لحد قناعة مؤيديهما. حتى أن هيفيل يصف هذا العمل الذي قام به قورلوس، بوصفه هذه الحرومات بـ “الخطأ الفاحش” أما مضادات الحرومات التي وضعها نسطوريس فقد كان الهدف منها كشف ميولات قورلوس الأبولينارية، وفعلاً نجح نسطوريس في كسب دعم يوحنا بطريرك انطاكيا في نزاعه الشامل ضد “سايروس الأبوليناري” وهكذا يعلق هيفيل على حورمات قورلوس قائلاً:” لقد ساهمت في هزيمة المشروع الذي كان ينوي ترويجه”. ودعونا نتفحص كل من هذه الحرومات جنباً إلى جنب دون الخوض في التعليق على جدارة وتصور مضاداتها. هذا وأننا ندين بالشكر إلى ماريوس ميركاتور الذي حفظ لنا هذه الحرومات بترجمتها اللاتينية سوية مع الانتقادات التي علق عليها. إن مضادات الحرومات التي وضعها نسطوريس تصلح أن تكون مؤشر تصحيحي لإدراكنا اللاهوت المسيحي لدى نسطوريس. ولا يزال هناك ناتج جدلي حول هل أن رسالة قورلوس الثالثة وبضمنها هذه الحرومات الأثني عشر قد قرأت في مجمع أفسس 431م. ويعتقد برسينغال أن هذا الموضوع هو من اهتمام علمي الآثار والتاريخ فقط. وأنه من وجهة نظر علم اللاهوت لا يحمل أية أهمية. وعلى أية حال، فإنه من المؤكد أن جدول أعمال مجمع أفسس 431م، لا يعلمنا ما إذا حاول قورلوس قراءة هذه الرسالة مع الحرومات أم لا!!
((1))
قورلوس: كل من لا يعترف أن عمانوئيل هو الإله الحقيقي، وأن العذراء القديسة مريم هي “أم الله” (Theotokos) وبالقدر الذي ولدت الجسد فإن كلمة الله تحولت إلى جسد، كما كتب “جعل من الكلمة جسداً” يكون محرماً.
نسطوريس: كل من يقول إن عمانوئيل هو الإله الحقيقي، ولا يقول “الله معنا” أي أنه وحد نفسه مع طبيعة، كطبيعتنا نحن، والتي استمدها من مريم العذراء، وأقام فيها. وإذا دعا أحد مريم العذراء باسم “أم الله” الكلمة، وليس أم عمانوئيل، وإذا استنتج أن الله الكلمة قد حول نفسه إلى إنسان الذي هو نفسه، كي يجعل لاهوتيته مرئية يمكن أن تشاهد في صورة إنسان، فإنه محرم.
((2))
قورلوس: إذا لم يعترف أحد أن كلمة الله الأب، قد اتحدت جوهرياً مع الجسد، وأنه مع ذلك الجسد، هو المسيح الواحد فقط، وهو إله وإنسان في نفس الوقت، فإنه محرم.
نسطوريس: إذا أكد أحد على أنه عند وحدة الكلمة مع الجسد، انتقلت ماهية الألوهية من مكان إلى آخر، أو أن يقول أن الجسد قادراً على استلهما الطبيعة الإلهية، وأنها اتحدت جزئياً مع الجسد، أو نسبها إلى الجسد من خلال مبررات استقبالها لله الذي هو امتداد للانهاية واللاحدود، أو أن يقول أن الله والإنسان هما واحد، ونفس الشيء في الطبيعة، فإنه محرم. وقد خلقت هذه التحريمة مشكلة فيما يتعلق بطبيعة الاتحاد، وهنا كان اسلوب قورلوس واضحاً للأنطاكيين. وبالإشارة إلى هذه التحريمة كتب ثيودوريط يقول “الذي هو بعيداً وغريباً عن الكتب الإلهية المقدسة وعن الآباء” فهل كان يعني بها قورلوس عندما مزج اللاهوت والناسوت في المسيح؟ مع ذلك فإن المشكلة هنا تعود إلى اختلاف المعنى المعطى إلى كلمة ” الأقنوم”.
((3))
قورلوس: إذا حاول أحد بعد الاتحاد الطبيعي، تجزئة الطبيعة الموجودة في المسيح الواحد، جامعاً أياهم تلك الرابطة لوحدها، والتي تجري وفق الأهلية أو حتى السلطة والقوة وليس من خلال مجيئها سوية (SUNODO) والتي جاءت نتيجة الاتحاد الطبيعي (henosinphusiken) فليكن محرماً.
نسطوريس: إذا قال أحد أن المسيح الذي هو عمانوئيل أيضاً هو واحد، ليس (فقط) في عاقبة الاتصال فحسب بل (أيضاً) في الطبيعة، وإذا لم يعترف بالتئام الطبيعتين، أن طبيعة الكلمة والطبيعة البشرية الظاهرة، في شخص الأبن الواحد، حيثما هو دائم دون امتزاج فليكن محرماً. إن هذه التحريمة حسب وجهة نظر قورلوس، تنكر الخطأ الجوهري لثيودوروس والآخرين من مدرسة انطاكيا، وبالتالي تقسم المسيح إلى شخصين. ولكن من الجانب الآخر، يكتب ثيودوريط القورشي مشيراً إلى كلمات القديس بولس من أن خلو النفس كان عملاً طوعياً حيث يقول:” مهما كان الذي يقوله قورلوس فعلى العكس يجب تجزأ الأقانيم وأن استعماله هنا جمع كلمة الأقنوم تظهر أنه يعرف بنفسه أن طل طبيعة هي متكاملة، وإن كليهما بثبات سوية في نفس الشيء. لذلك حين نعترف بالشخص الواحد، والإبن الواحد، والمسيح الواحد، والسلطة والإرادة والبنوة الواحدة، فإن ذلك ليس عبثاً – ولا هي ضرورية- في التمسك أن الطبيعتين المجزأتين هما شخصين منفصلين9.
((4))
قورلوس: إذا حاول أحد التفريق بين شخصين، أو بين كيان التعابير الموجودة في الكتابات الانجيلية والرسولية، والتي أطلقت على المسيح من قبل القديسين، وإذا حاول أن ينسب بعضها إلى المسيح، كانفصال الإنسان عن كلمة الله، وينسب البعض الآخر إلى كلمة الله الأب الوحيد، على أساس أنها ملائمة لتنسيبها إلى الله، فإنه محرم.
نسطوريس: إذا حدد أحد تعابير الرسائل الانجيلية والرسولية التي تلمح إلى طبيعتي المسيح، بطبيعة واحدة فقط، من إحدى هاتين الطبيعتين، وحتى إذا عزى المعاناة إلى الكلمة الإلهية، في كلا الطبيعتين الإلهية والبشرية، فإنه محرم.
إن لاهوت المسيح عند الأنطاكيين هو ضد أية فكرة تتضمن إرباك الطبيعتين الإلهية والبشرية. وقد استعمل قورلوس هنا كلمة شخص مرادفة لكلمة إقنوم. ويحتمل أنه حينما كتبت صيغة اتفاقية المصالحة عام 433 م، كانت هذه المحرمة في مخيلتهم عند اختتام المجمع. وجاء في الفقرة الأخيرة من تلك الوثيقة ما يلي:” بخصوص النصوص الانجيلية والرسولية التي تتعلق بالرب، فإننا نعرف أن اللاهوتيين قد قاموا بتسوية بعض الأمور حول الشخص الواحد، وميزوا أمور أخرى حول الطبيعتين التين تشرحان الله – الطبيعة الأسمى التي نسبت إلى لاهوت المسيح والأدنى إلى ناسوته”.
((5))
قورلوس: إذا تجرأ أحد على القول أن المسيح هو إنسان يحمل طبيعة إلهية وليس إله حقيقي، كإبن وحيد من الطبيعة ” لأن الكلمة صار جسداً” وله شركة في الجسد والدم كما نمتلك نحن فإنه محرم.
نسطوريس: إذا جازف أحد على القول، أنه حتى بعد انتحال الطبيعة البشرية، هناك فقط ابن واحد لله، أي الذي هو في الطبيعة (كلمة الله) بينما هو (منذ انتحاله شخصية إنسان) بالتأكيد عمانوئيل فإنه محرم.
يدعي قورلوس أن اسم (إنسان ذو طبيعة إلهية) هو تعبير نسطوري، مع ذلك فإنه لا يمكنه النكران أن بالسيل العظيم استعمل تعبير مماثل. حينما كتب “إنه جسد ذو طبيعة إلهية”. وعلية واستناداً إلى قورلوس لا يمكن إطلاق عبارة “طبيعة الإلهية” على أي قديس يقطن فيه الله. على أية حال لم يكن ذلك المعنى الذي أعطاه الأنطاكيون حينما استعملوا هذا التعبير للإشارة إلى المسيح. وقد استعانوا بالرسول بولس وأعلنوا بثقة أنهم لم يقصدوا بتعبي “إنسان ذو طبيعة إلهيه” بأن المسيح قد وهب فقط ببعض النعمة الإلهية كالتي تمنح للأنبياء، بل بكامل ألوهية الابن.
((6))
إذا تجرأ أحد على القول، أن كلمة الله الأب، هو إله المسيح أو رب المسيح، ولا يعترف أنه يملك في نفس الوقت كلا الطبيعتين الإلهية والبشرية، حسب الكتب المقدسة التي تقول: “وصار الكلمة جسداً” فإنه محرم.
نسطوريس: إذا دعا أحد بعد التجسد، أي أحد غير المسيح، بالكلمة، وتجرأ على القول أن هيئة العبد معادلة لكلمة الله، من دون أن تكون لها بداية أو خليقة، ليس بالأولى أنها خلقت من قبله كربها وخالقها والها، وانه وعد برفعها ثانية حيث قال: “انقضوا هذا الهيكل، وأنا أقيمه في غضون ثلاثة أيام” فإنه محرم.
لقد خاض قورلوس صراعاً مريراً لإلصاق تهمة الازدواجية بنسطوريس الذي أنكرها، ومن جانب آخر حاول نسطوريس أن يظهر قورلوس متلبساً بتهمة الأبولينارية التي رفضها الأخير.
((7))
قورلوس: إذا قال أحد أن يسوع كإنسان، استمد القوة فقط من كلمة الله، وأن مجد الابن الوحيد الذي ينسب إليه ليس له في الحقيقة. فإنه محرم.
نسطوريس: إذا قال أحد أن الإنسان الذي ولد من مريم، هو الابن الوحيد الذي ولد من حضن الأب قبل أن يولد نجم الصباح، ولا يعترف بأنه قد حصل على تسمية الابن الوحيد بسبب مشاركته في الطبيعة للذي هو المولود الوحيد للأب، وإذا دعا أحد آخر غير المسيح بعمانوئيل ليكن محرماً.
عندما يتكلم بولس الرسول عن بني إسرائيل، ويقول لأن لهم التبني والمجد والعهود والشريعة والخدمة المقدسة والوعود. والذين منهم الآباء، ومنهم ظهر المسيح يضيف [في الجسد]، ليفصل الطبيعتين ويبين أن المسيح بطبيعته الإلهية، وحيد الله هو الله الكلمة المولد من الله من قبل الأزمنة الغير مخلوق. ولكي لا يتصور أحد أن المسيح بأخذه الطبيعة البشرية من بني إسرائيل ثلم مجده كأبن وحيد لله، يضيف [ليكون الله الذي هو فوق الجميع] 11. فإنه محرم.
يظهر من هذه التحريمة أن قورلوس متهم بالهرطقة الأبولينارية، لكنه يدافع عن قوله هذا، بأنه يحاول أن يمنع نسطوريس من تقسيم شخص المسيح إلى إبنين.
((12))
قورلوس: من ذا الذي لا يعترف بأن كلمة الله قد تألمت في الجسد، وأنه صلب في الجسد، وأنه ذاق الموت في النفس والجسد، وأنه أصبح أول من قام من الأموات، لأنه هو الله والحياة وأنه هو الذي يهب الحياة، فإنه محرم.
نسطوريس: إذا اعترف أحد بمعاناة الجسد، وينسب ذلك أيضاً إلى كلمة الله الذي ظهر في الجسد، ولا يميز بين كرامة الطبائع، فإنه محرم.
يتهم هنا قورلوس بالأريانية والتعليم بتألم الله (Patripassionism) حينما يقول أن الله الكلمة تألم. فإن الأنطاكيين يأخذون ذلك على أنها تعني تقريباً كالقول “لقد تألم الله”. أما ثيودوريط القورشي فإنه يقول “أن الحس هو الوحيد الذي يتألم، بينما الذي لا يتأثر بالحس فهو فوق الآلام”.
- أسقف قيصرية فلسطين (263 – 339) وهو أول من أهتم بكتابة تاريخ الكنيسة من عهد المسيح والرسل إلى أيامه. وهو أقدم مرجع تاريخي في حوادث تلك العصور
- هو أول مجمع مسكوني عقد في مدينة نقيا (تركيا) سنة 325 م حرم فيه الآباء المجتمعون آريوس الكاهن الاسكندري القائل بأن المسيح خليقة سامية، أدنى من الأب وغير مساو له في الجوهر. وأعلن الآباء بالإجماع: قانون الإيمان المعروف بقانون إيمان (نيقيا)
- مدينة قديمة على البسفور (تركيا) عقدت فيها عدة مجامع مسكونية أهمها المجمع المسكوني الرابع (451)
- هو يعقوب البرادعي، مطران الرها (541-578) أورفا الحالية في تركيا، نشر مذهب الطبيعة الواحدة في سوريا وبلاد بين النهرين ومصر
- لوقا 2 : 40
- أعمال الرسل 2 : 22
- 1 طيمثاوس 2 : 5
- يعلمنا هيفاد بأن المبعوثين الأربعة الذين حملوا الرسالة إلى نسطوريس كانوا أساقفة، إلا أن كيد يقول بأنهم كانوا أسقفين ( ثيوبنتوس ودانيال ) وكاهنين من الاسكندرية هم ( بوتامون ومكاريوس)
- لقراءة المزيد عن كيفية اتحاد الطبيعتين في المسيح دون اختلاط أو امتزاج طالع كتاب اللاهوت والناسوت لمار باباي الكبير رئيس دير إيزلا 609 – 628 م (مخطوط)
- The Commentary of Theodore of Mopsuestia on the Nicene Creed Cambridge, 1932, Page 176. انظر أيضاً رسالة بولس إلى أهل روما إصحاح 9 سطر 5 وما بعده [/efn_note
((8))
قورلوس: إذا تجرأ أحد على القول أنه يستوجب عباة الإنسان المنتحل سوية مع الله الكلمة، وتمجيده سوية معه كإله، ومع ذلك كشيئين مختلفين، الواحد عن الأخر، [تعبير سوية إضافة من النساطرة] لنقل هذا المعنى. ولا يعبد بعبارة واحد عمانوئيل ويمنحه المجد كما هو مكتوب (الكلمة صار جسداً) فإنه محرم.
نسطوريس: إذا قال أحد أنه يجب تقديس هيئة العبد مشيراً مجرد إلى طبيعته، ولا يقدسه على أساس اشتراكه المجد مع البن الوحيد، تاركاً طبيعة المولود الوحيد من الله، فإنه محرم.
إن هذه التحريمة تدين كل من يؤكد أن العبادة المشتركة، هي للإنسان الذي ينتحل من قبل الله الكلمة وتظهر جلياً، في هذه التحريمة الهرطقة الاوطيخية التي اتهم بها قورلوس.
((9 ))
قورلوس: إذا قال أحد أن الرب الواحد يسوع المسيح قد مجد بواسطة الروح القدس، بحيث استعمل من خلاله سلطة لم تكن سلطته واستلهم مهن سلطة على الأرواح الشريرة وسلطة لصنع المعجزات أمام الناس، ولا يعترف أنها كان روحه هو التي من خلالها صنع هذه الآيات الإلهية، فإنه محرم.
نسطوريس: إذا قال أحد أن طبيعة العبد هي مثل طبيعة الروح القدس، ولا يقول أنها قد اتحدت مع الكلمة التي تواجدت منذ الحبل به، والتي من خلالها صنع المعجزات الهائلة بين الناس، وامتلك قوة طرد الشياطين، فإنه محرم.
يمكن هنا ملاحظة تمييز الطبيعتين، وأن الأنطاكيين لا يتقبلون انبثاق الروح القدس من الأب وأيضاً من الابن. بل الروح القدس ينبثق من الأب فقط.
((10))
قورلوس: الذي يقول أن الكلمة الإلهية لم تكن هي نفسه، حينما تحولت إلى جسد واصبح إنساناً مثلنا، لكنه إنسان آخر ولد من امرأة مختلف عنه الذي أصبح كاهننا ورسولنا الأعظم والأسمى، أو إذا قال أحد أنه منح نفسه قرباناً لنفسه، وليس لنا نحن، حيثما هو بلا خطيئة، ولم يكن بحاجة إلى تقديم القربان فإنه محرم.
نسطوريس: إذا أقر أحد أن كلمة الله الأزلية، أصبح كاهننا ورسولنا الأعظم، ووهب نفسه لنا، بدلاً عن القول أن عمل عمانوئيل، أصبح كالرسول، وإذ جزأ أحد التضحية بين هو الذي اتحدت الكلمة معه، وبين الذي هو اتحاد مع الناسوت مشيراً بها إلى بنوة مشتركة، غير معطياً ما لله، لله وما لإنسان، لإنسان فإنه محرم.
إن قورلوس يهاجم وجهة النظر القائلة، أن المسيح هو حالة سامية لإنسان تجاه الوحدة الكاملة مع الكلمة، ومن الواضح أن نسطوريس لم يحمل مثل هذه الفكرة، إذ أنه تمسك بافتراضه الأساسي، وهو أنه تواجدت طبيعتين ثابتتين في يسوع المسيح كاهننا العظيم.
((11))
قورلوس: من ذا الذي لا يعترف أن جسد ربنا أعطى الحياة، لأنه تعلق بكلمة الله الأب، بل يتظاهر بأن الجسد يعود إلى شخص آخر اتحد معها (أعني الكلمة) والذي خدم بالعمل كمقيم في الثالوث المقدس، ولا يعترف كما نول نحن: “أن الجسد وهن الحياة بسبب كونه من الكلمة التي تهب الحياة إلى الجميع”. فإنه محرم.
نسطوريس: من يقر أن الجسد الذي اتحد مع الله الكلمة، هو من خلال سلطة طبيعية الواهبة للحياة، فإنه محرم. وإذا قال أحد أن الله الكلمة أصبح جسداً في صفة عادية وشهوانية، ويصر على هذا بالإشارة إلى الرب المسيح، الذي هو بنفسه قال لتلاميذه حينما قام من بين الأموات “انظروا إلى يدي ورجلي، أنا هو بنفسي. المسوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم ولا عظم كما ترون لي”10 لوقا 24 : 39