الأركيذياقون د. خوشابا كوركيس
مجمع أفسس السيء الصيت (مجمع اللصوص)
الجلسة الثانية لمجمع قورلوس: عقدت الجلسة الثانية لمجمع قورلوس يوم 10 تموز 431م، حيث تطلبت الضروة من فريق قورلوس أن يعقد جلسات أخرى لمجمعه بعد وصوا الانطاكيين وقيامهم بعقد مجمعهم المضاد لقورلوس وميمون. وأصبح الآن على قورلوس عدم محاربة نسطوريس وحده فحسب، بل أيضاً محاربة يوحنا الانطاكي الذي حرمه إضافة إلى ميمون من الكنيسة. الأمر الذي دعاه إلى عقد ست جلسات أخرى تحت رئاسته كي يصل إلى هدفه النهائي. هذا وكان مجمع قورلوس قد بعث برسالة بتاريخ 1 تموز 431م إلى الإمبراطورين، موضحاً فيها تقارير وجدول أعمال الجلسة الأولى ومسألة نزاعه مع نسطوريس، لأن التقارير التي كان يبعثها كانديديان إلى الإمبراطورين كانت ـ حسب قول هيفيل- منحازة إلى طرف واحد. وقد أعطى وصول المبعوثين الرومانيين1 لقورلوس الفرصة لعقد الجلسة الثانية من مجمعه. وبحضور جميع الأساقفة الذين حضروا الجلسة الأولى، عقدت الجلسة الثانية، وقرأ المبعوثون الباباويون رسالة البابا سلستين. وذلك بلغتها اللاتينية الأصلية اولاً، ثم بترجمتها اليونانية. ولما انتهى من قراءة الرسالة هتف الحاضرون قائلين: “إنه حكم عادل، شكراً لسلستين بولس عصرنا، ولقورلوس بولس عصرنا، شكراً لسلستين حامي ديننا”. وبعد ذلك طلب الأسقف بروجكتوس من المجمع المواقفة على الحكم الذي طالب به البابا. وقال رئيس أساقفة قبرص من القيصرية بما أن الجلسة الأولى من المجمع قد أقرت رسالة البابا إلى قورلوس، فإن ذلك يعني أن جميع الحاضرين في هذه الجلسة قد أيدوا وبصورة غير مباشرة قرار الحكم الذي اتخذه البابا بإدانة نسطوريس، وشكر المجمع مبعوث باباوي آخر هو القس فيليب الذي قال: “لقد التحق أعضاء المجمع الطاهرون برئيسهم الطاهر، مدركين حق الإدراك بأن بطرس كان رأس الإيمان ورأس جميع الرسل”. كما طالب المجمع أيضاً بتقديم القرار المتخذ في الجلسة الأولى إليهم. كي يمكنهم المصادقة عليه بالتخويل الموكل لهم من قبل البابا. هذا وقد انتهت أعمال الجلسة الثانية بعد الموافقة على ذلك.
الجلسة الثالثة 11 تموز 431م: في اليوم التالي عقدت الجلسة الثالثة وفي نفس المكان، وأعلن فيها المبعوثون الباباويون موافقتهم على مقررات الجلسة الأولى، والتي اطلعوا عليها في الليلة السابقة. ومع ذلك طالبوا المجمع بتلاوة تلك المقررات بحضورهم، ثم تحدث هؤلاء المبعوثون عن أهمية البابا كرأس للكنيسة الجامعة. ووقعوا بعد ذلك على جدول أعمال الجلسات الثلاثة. ووقع الأساقفة الحاضرون على رسالة المجمع الموجهة إلى الإمبراطور، والتي أدانوا فيها نسطوريس وطالبوا الإمبراطور بتعيين أسقف آخر للقسطنطينية.
الجلسة الرابعة 16 تموز 431م: عقدت الجلسة الرابعة بعد خمسة أيام من الجلسة الثالثة، والتطور المهم الذي حدث في هذه الجلسة هو إيفاد ثلاثة أساقفة إلى يوحنا الانطاكي لاستدعائه، إلا أن محاولتهم هذه باءت بالفشل. نتيجة عدم السماح لهم بمقابلة يوحنا، حيث كان مقر إقامة الأخير- حسب قول هيفيل- محاطة برجال مسلحين، الذين هددوا الموفدين بعبارات قاسية ومهينة لمجمع قورلوس، وحينما وصل هذا الخبر إلى المجمع، أعلن قورلوس أن ليوحنا الانطاكي ضمير شرير، وطالب أعضاء مجمعه بمعاقبته. لكن جوفينال أسقف أورشليم اقترح إرسال وفد ثان لاستدعاء يوحنا، إلا أن هذه الوفد الذي ضم ثلاثة أساقفة آخرين أخفق هو الآخر في مقابلة يوحنا وعليه أعلن المجمع بأن الإدانة التي وجهها مجمع يوحنا إلى كل من قورلوس وميمون تعتبر غير قانونية، كما قرر المجمع استدعاء يوحنا وللمرة الثالثة.
الجلسة الخامسة 17 تموز 431م: في اليوم التالي عقدت الجلسة الخامسة التي قدم قورلوس فيها تقريراً، قال فيه أن يوحنا قد روج وأشاع بين الناس خبراً عن تحريم كل من قورلوس وميمون، متهماً إياهما بالأبولينارية والأريانية واليونوفاتية. فبعث المجمع للمرة الثالثة والأخيرة ثلاثة أساقفة لاستدعاء يوحنا. وفي هذه المرة استقبل الموفدون من قبل رئيس كهنة يوحنا وسلمهم وثيقة قائلاً لهم:” يبعث المجمع المقدس لكم هذه الوثيقة”. فتردد الوفد في قبول استلام تلك الوثيقة. ثم قال رئيس الكهنة للوفد بعد مشاورته مع بطريركه، أن قرار مجمعهم (أي مجمع يوحنا) قد أرسل إلى الإمبراطور، الأمر الذي يستوجب مهم الانتظار لحين ورود توجيهات أخرى. وحينما حاول الأساقفة الموفدون من قبل فريق قورلوس تسليم رسالتهم، وفض رئيس الكهنة الإصغاء إلى الرسالة قائلاً: “بما أنكم لم تستلموا الوثيقة فإنني أرفض استلام رسالة مجمعكم”. وقد أعلن مجمع قورلوس في دورته الخامسة بعد الاستماع إلى تقرير الوفد حول تصرف يوحنا، أعلن عن قراره بطرد يوحنا مع أعوانه من الكنيسة وبتعليقهم من كافة صلاحياتهم الروحية، حتى اعترافهم بأخطائهم. وأرسل المجمع تقريراً بالإجراءات التي اتخذها إلى الإمبراطور، إضافة إلى إرسال نسخة إلى البابا. ولكي يتم استحصال موافقة الإمبراطور على شرعية مجمعهم، فقد جاء في تقريرهم: “باتأكيد سوف لن يعتبر الإمبراطور تجمع تلك الشلة من الخطاة مجمعاً. حتى أنه في مجمع نيقيا انفصلت أقلية صغيرة من المجمع الذي ضم 318 أسقفاً. ولم يعتبر قسطنطين العظيم تجمع تلك الأقلية الصغيرة مجمعاً، بل على العكس، فإنه قام بمعاقبتهم”. وأعلموا الإمبراطور: “بأنه من السخف الشديد أن يضع 30 شخصاً أنفسهم بمعارضة مجمع يضم 210 أسقفاً”. وفي موعظة له (يصفها قورلوس بأنها خطبة جميلة وقوية جداً) أهان قورلوس البطريرك يوحنا، أما في الرسالة التي بعثها المجمع إلى البابا، والتي على التاريخ التقويمي لمجمع أفسس، فقد أعلن عن إدانة البيلاجية في هذا المجمع.
الجلستين الأخيرتين 22 و31 تموز 431م: ترأس قورلوس بعد مرور شهر واحد بالضبط على الجلسة الأولى، الجلسة السادسة التي كانت مهمتها الرئيسية متعلقة بجارسيوس – أحد كهنة فيلاديلفيا- وليس لهذه الجلسة والجلسة اللاحقة أهمية كبيرة ومباشرة بموضوع البحث. لذلك ليس من الضرورة الدخول في نقاش تفصيلي حولها، أما الجلسة السابعة والأخيرة2 فقد نوقشت وأقرت فيها مسألة رئاسة أسقفية قبرص. هذا وقد بعث المجمع برسالة تعميمية إلى كافة الأساقفة والكهنة والعامة، أعلن فيها طرد يوحنا الانطاكي مع أعوانه من الكنيسة. الخلاصة: هكذا وبانتهاء أعمال مجمع أفسس 431م بخصام لم يحقق الجانبان طلب الإمبراطور الداعي إلى عقد مجمع مسكوني عالمي. ولم يتوصل الفريقان المتنازعان اللذان عقدا اجتماعاتهما في مدينة أفسس، إلى أي حل بل أنهما خلفا مشاكل أخرى. إذ أدى الشق الفاصل بين نسطوريس وقورلوس إلى بروز شق آخر بين يوحنا الانطاكي وقورلوس. هذا وأن ليوحنا الانطاكي تبرير مقنع لإجراءاته، حيث أنه أوضح في رسالته إلى الإمبراطور أسباب تأخره، منها طول المسافة والمجاعة، وشغب الناس، والموسم الممطر بغير عادته… الخ. إن عدم التحلي بالصبر الذي أظهره قورلوس، بالاضافة إلى الطلب الذي وقع عليه 68 أسقفاً قد أحاط هالة من الشك حول نية الشخص الذي ترأس المجمع.
أما الدور الذي لعبه المبعوثون الباباويون، فيمكن النظر إليه من زاويتين مختلفتين، أحدهما من موقع كهنوتية كرسي الرسول بطرس، وأخرى كونهم ممثلي الكنيسة الرومانية من دون أية سلطة خاصة عدا موضع احترامهم. تحت هذه الظروف كان انعقاد المجمع المنافس ليوحنا الانطاكي أمر حتمي. حيث ساهم مجمع يوحنا الانطاكي في تجنب ضياع الكنيسة بالمرة. واضطر قورلوس في تلك الجولة الطويلة في الأخذ بوجهة نظر معتدلة، والتوصل إلى تسوية في عام 433م بين الاسكندرانيين والانطاكيين.
عواقب مجمع أفسس
أ. التدخل الإمبراطوري: حينما عقد مجمعا قورلوس الاسكندري ويوحنا الانطاكي في أفسس، كان هناك شغب عام حيث كان كل فريق متأهباً لمحاربة ودحر الفريق الآخر. وقد حاول يوحنا القيام برسامة أسقف جديد لمدينة أفسس ليحل محل ميمون الذي أدين مع قورلوس من قبل مجمع يوحنا. لكنه حينما حاول الأخير دخول الكنيسة عارضته الجماهير المجتمعة فيها. هذا وكانت جميع الكنائس قد أغلقت أبوابها بوجه نسطوريس ورفاقه. هكذا انتهى شهر حزيران 431م في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار. وكان نسطوريس واثقا من الدور الذي سيلعبه المبعوث الإمبراطوري وتأثيره على قورلوس. في حين كان قورلوس أيضاً واثقاً وبنفس الدرجة من أن التقنيات التي تعلمها من عمه ثيوفيلوس كانت ستجلب له النصر الحاسم. وأخيراً فإن حيوية قورلوس وسبات نسطوريس أديتا إلى للخروج بهذه النتيجة. ربما كان نسطوريس قد فقد شجاعته لمحاربة قورلوس بعد رؤيته أعمال مجمع قورلوس الذي جعل حتى من مرؤوسه ميمون أن يقوم بغلق الكنائس بوجه بطريرك القسطنطينية، وكان وقع هذا الإذلال كبير جداً على نسطوريس.
دور كانديديان: بعث الكونت كانديديا بتقرير إلى الإمبراطور. ومن المعتقد أن تقريره هذا كان لصالح نسطوريس. وقد زعم أن كانديديان منع وصول تقرير قورلوس وفريقه إلى الإمبراطور. حيث قام النساطرة في القسطنطينية – حسب هيفيل- بتفتيش جميع بوابات المدينة والطرق المؤدية إليها. وزاروا كافة السفن في محاولة منهم لمنع إيصال أية رسالة من جانب قورلوس إلى الإمبراطور. ومع ذلك أثبت قورلوس أنه كان ذكياً للغاية، إذ تمكن رسوله بعد تنكره بمظهر الشحاذ، من تهريب رسالة إلى القسطنطينية عن طريق إخفائها في عكازه. هذا وكان دلمانيوس الذي كان له سمعة جيدة، والذي لم يغادر ديره مدة 48 سنة. قد أعلم الإمبراطور بتعاطف كانديديان مع نسطوريس. لكنه حينما وصلت الرسالة المهربة إلى دلمانيوس، شعر بأن الله قد دعاه للذهاب ومناشدة الإمبراطور. حينئذ ذهب دلمانيوس إلى الإمبراطور وأخبره بأن فريق قورلوس عاجز عن إيصال التقارير إليه. وطرح إليه سؤال التحدي التالي:” هل الأحرى بك أن تسمع إلى صوت ستة آلاف أسقف [جميع أساقفة المسيحية الصائبة، أم إلى صوت شخص ملحد واحد [نسطوريس]”؟ وعليه لم يجد الإمبراطوري الذي كان يكن احتراماً كبيراً لدلمانيوس، أي خيار سوى السماح لفريق قورلوس بإرسال وفد إليه. في هذه الأثناء كان الكاونت أيرانيوس صديق نسطوريس (أصبح لاحقاً أسقفاً على تاير)، قد أوفد إلى الإمبراطور لتسليمه تقرير فريق نسطوريس، فأوضح أيرانيوس للإمبراطور المعاملة السيئة التي تلقاها كل من نسطوريس ويوحنا الانطاكي وأعوانهما على يد ميمون. وعليه نجح أيرانيوس وبصورة وقتية من كسب تأييد الإمبراطور إلى جانب نسطوريس. إلا أن سكان القسطنطينية كانوا ضد فريق نسطوريس، إذ تمكن سكرتير قورلوس وهو طبيب وكان يدعى يوحنا من كسب العديد من المسؤولين الرفيعي المقام إلى جانب قورلوس الاسكندري. أما الإمبراطور فكانت أمامه ثلاثة أمور ليبت فيها:-
- تأكيد قرارات كلا المجمعين.
- إرسال مبعوثين جدد إلى أفسس لحل الأمور المستعصية هناك.
- دعوة الأسقف الأرفع درجة كهنوتية لعقد مجمع جديد في القسطنطينية وبحضور الإمبراطور نفسه.
وقد تحمل الكونت كانديديان مسؤولية حجز نسطوريس. في حين تحمل الكونت جاكوب على عاتقه حجز قورلوس، أما ميمون فقد استدعي لاحقاً ووضع تحت حراسة الكونت جاكوب. يمكننا الاستنتاج بصورة قانونية، أن فريق نسطوريس كانوا مقتنعون بإلقاء القبض على قورلوس وميمون، والذي يمكن تفسيره أنه اعتراف بمجمعهم. ففي رسالتهم الثانية إلى الإمبراطور من خلقيدونية يعودون إلى التذكير بهذه الحادثة على الوجه التالي:” لقد أتينا في الحال، ولم ندع لأنفسنا التمتع بالراحة بعد وصولنا، بل قدمنا طلبنا إلى طاعتكم وإلى المجمع الموقر، قائلين أنهم سيتنازعون على الأسفار ويدخلون في نقاشات تخصها، أو أنهم ومن جانب آخر سيرفضونها على خلاف المعتقد الصحيح المستند إلى المعتقد الذي وضعه الآباء في نيقيا”. وفي نفس اليوم الذي ألقي فيه القبض على الزعماء، كتب الكونت جون إلى الإمبراطور يعلمه بالنجاح الذي حققه في حل قضية النزاع من خلال قيامه بإلقاء القبض على الزعماء الثلاثة. لكن الكونت جون كان متعاطفاً مع فريق نسطوريس. لهذا بعث الجانب الآخر برسالة إلى الإمبراطور مشتكيا فيها أولاً ضد الكونت جون، وثانياً على كل من قورلوس وميمون، وثالثاً مديناً نسطوريس وفريقه. وألحت هذه الرسالة على أن مجمع يوحنا لم يكن مجمعاً مسكونياً له صلة بروما أو بأفريقيا. وفيما يتعلق بالمرسوم الإمبراطوري فقد رأت الرسالة حقيقة أن أسماء يوحنا الانطاكي والأساقفة البيلاجيين كانت ضمن أسماء الأساقفة الذين وجه لهم المرسوم الإمبراطوري. وأعرب الموقعون على الرسالة عن اعتقادهم أن ذلك كان بفعل بعض السوء والخدع في البلاط. والتمسوا من الإمبراطور بإطلاق سراح قورلوس وميمون من “السجن” والسماح لهم بإرسال مبعوث عنهم إلى الإمبراطور بغية إعلامه بكل ما حدث في أفسس.
وكتب قورلوس أيضاً من سجنه رسالة إلى كهنة وسكان القسطنطينية، قال فيها أنه من الخطأ الاعتقاد – كما حصل في المرسوم الإمبراطوري- أن قورلوس وميمون قد طردا من منصبيهما من قبل المجمع، لأن قورلوس وأعوانه لم يعترفوا بتجمع يوحنا الانطاكي بكونه مجمعاً. وشدد قورلوس في رسالته على ضرورة رفع التقارير الصائبة للإمبراطور. كما وجه رسالة إلى الأساقفة الثلاثة ثيوبمبتوس وبوتمان ودانيال الذين أرسلوا إلى القسطنطينية من قبل الكونت جون حثهم فيها على المساعدة في إطلاق سراحه. وفي رسالة لهم مؤرخة 13 آب عبر أساقفة القسطنطينية عن تعاطفهم مع أخوتهم في أفسس، حيث جاء في هذه الرسالة أنهم يعملون من أجل قورلوس وذلك بكسب عواطف الكثيرين إلى جانبه. فعبر المجمع في رده على هذه الرسالة عن شكره لذلك التعاطف. وطالب الأساقفة بالبقاء في القسطنطينية، وبعد ذلك طلب الأساقفة القادة من رجال الدين المتواجدين في القسطنطينية، الالتماس لدى الإمبراطور لضمان إطلاق سراح قورلوس وميمون، إضافة إلى منح الحرية لجميع الأساقفة في أفسس التي أصبحت كالسجن الذي أغلق حولهم لمدة ثلاثة أشهر. وبعد ذلك قدم رجال الدين في القسطنطينية طلباً إلى الإمبراطور ناشدوه فيه بإصدار إعلان يقول فيه ما معناه:” أن تنحية كل من قورلوس وميمون كان عملاً غير قانونياً “. ومن المحتمل أن دالماتيوس قد بذل محاولة أخرى للتأثير على الإمبراطور الذي حث أيضاً من قبل إيزودور من بلسويم، على الذهاب شخصياً إلى أفسس وإيجاد حل لكافة القضايا المتعلقة هناك3.
إضافة إلى هذه المحاولات يحتمل أنه كانت هناك محاولات أخرى لكسب رضى الإمبراطور ورغم أن الجانبين بذلا محاولات لتحيز قرار الإمبراطور كل لصالحه، فإن رأي دوشتز هو أن أصدقاء قورلوس قد بذلوا محاولات أكثر نشاطاً من الجانب الآخر في سبيل تحقيق تلك الغاية4.
(1) استدعاء المبعوثين: وأخيراً وافق الإمبراطور على استقدام مبعوثي الجانبين لبحث القضية ثانية. الأمر الذي أعتبر نصراً من قبل مؤيدي قورلوس في القسطنطينية، والذين شعروا بأنهم تمكنوا من إقناع الإمبراطور لإطلاق سراح قورلوس وميمون وبكسب تأييده بشكل عام إلى جانبهم. هذا وقد دعي ثمانية ممثلين عن كل جانب. ولم يكن قرار الاستدعاء موسعاً، وعلى أية حال أعطي تخويل إلى ممثلي فريق قورلوس الذين اختيروا من قبل مجمعه لمقابلة الإمبراطور وقد حدد لهم المجمع الاتجاه الواجب اتخاذه فيما يتعلق بموقف خصومهم.
حيث قيل لهم: “عليكم قبل كل شيء الاقتناع بعدم إجراء أي اتصال مع يوحنا الانطاكي ومجمعه الخارج عن العقيدة بسبب رفضهم التعاون كلياً معنا في سبيل تنحية نسطوريس لكونهم زبانيته لحد وقت مغادرتكم، لأنهم غامروا – وبالضد من جميع الكهنة- بالقيام بإدانة قورلوس وميمون، إلا أنهم لا يزالون ولحد اليوم بوجه خاص يدافعون عن مباديء نسطوريس. إضافة إلى أن عدداً كبيراً مهنم هم من البيلاجيين، لهذا السبب تم طردهم من مناصبهم وأخيراً بسبب عدم احجامهم بالصاق تهمة الهرطقة بالمجمع العالمي الشامل5.
(2) تأكيد قرارات التنحية: أكد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني الذي دعا إلى عقد مجمع أفسس، على قرارات تنحية كل من قورلوس ونسطوريس وميمون. وأرسل أمين سر خزينة الدولة الكونت جون إلى مدينة أفسس، لنشر قرار حكمه هذا، إضافة إلى توطيد السلام والاستقرار بمصالحة الفريقين. وقد وجه هذا المرسوم إلى كافة الأساقفة البارزين الذين وجهت لهم الدعوة أصلاً لحضور المجمع. وبضمنهم أوغسطين الذي وافته المنية في 28 آب 430 م. ويعتبر قرار الإمبراطور هذا اعترافاً منه بالمجمع المنافس، أي مجمع يوحنا الانطاكي. من خلال تنحيته لكل من قورلوس وميمون. وشكل هذا مشكلة لفريق قورلوس. ويفسر هيفيل هذا الإجراء بقوله:” أن الإمبراطور نفسه كان أحوج إلى كافة السمات الضرورية في جميع جوانب تلك المسألة اللاهوتية، وإلا فإنه ما كان يصنع نسطوريس تحت حمايته، ومن ثم – كما سنرى في وقت لاحق – معارضة يوتيكس”. لذلك يعتبر هيفيل إلقاء القبض على قورلوس وميمون ” خطأ” اقترفه الإمبراطور. ويتساءل ” ما يثير الدهشة هو، هل أن الإمبراطور اللامبالي دوماً ثيودوسيوس الثاني، قد اقتيد لارتكاب الخطأ، خصوصاً كما فعل مبعوثه كانديديان، حينما انحاز كلياً إلى جانب الانطاكيين”. وبوجه عام، هناك من يميل إلى الاعتقاد بأن الدور الذي لعبه الإمبراطور خلال هذا النزاع اللاهوتي، كان في سبيل الخروج بقرار سلمي من ذلك النزاع. وتعطينا ألس جاردنر المؤشر الصحيح لهذه النظرة في تقييمها غير المنحاز لهذه القضية، حيث تقول:” بأن مشيد جدار ثيودوسيوس ومعلن الدستور من الصعوبة أن يكون ضعيفاً كما يتصور المؤرخون، ويبدو أنه كان رجلاً ذو حيوية ومسيرة حسنة، رغم أنه لم يكن يملك القوة على تنفيذ سياسة معينة حتى النهاية.
(3) مهمة المبعوث الجديد: في بداية شهر آب 431 م وصل المبعوث الجديد الكونت جون إلى أفسس. ودعا إلى عقد مجمع جديد يضم كلا الطرفين. وقد حضر هذا المجمع كل من نسطوريس وقورلوس، وغاب عنه ميمون الذي يبرر غيابه بعذر غير مقنع حينما استجوبه الكونت جون فيما بعد. وعلى أية حال لم يكن هذا المجمع هو الآخر مسالماً، إذ سعى أعوان قورلوس إلى محاولة منع نسطوريس من الحضور. بسبب تنحيته من ننصبه – حسب زعمهم- إضافة إلى منعهم قراءة رسالة الإمبراطور المقدسة بحضور الانطاكيين. من جهة أخرى طلب الانطاكيون عدم دعوة قورلوس لحضور المجمع، بسبب طرده من الكنيسة مع ميمون. وأخيراً تمت قراءة الرسالة، وأفلح الكونت جون في عقد المجمع باستعمال لغة الإقناع بالقوة.
- وهم الأسقفان أركاديوس وبروجكتوس والقس فيليب
- بالاستناد إلى جدول أعمال المجمع، فإن الجلسة الأخيرة عقدت في 31 آب، في حين أن جارتر يذكر أنها عقدت في 31 تموز
- كتب إيزودور – أحد أصدقاء قورلوس القدامى- إلى قورلوس طالباً منه أن يكون معتدلاً، حيث قال (لا يمكن للعاطفة أن لا ترى بوضوح، لكن الكراهية لا ترى على الإطلاق، فلو تجنبت كلا هذين العيبين، فلن تكون هناك أحكام قاسية ضدك. بل ابحث في الأمور بإنصاف، حيث أن العديد من هؤلاء الذين في أفسس يتهمونك بالسعي وراء نزاع شخصي، بدلاً من البحث وبروح مستقيمة عن الأشياء التي تعتبر صائبة)
- يقول دوشتز: “لم يكن لقورلوس أي تردد لتوظيف كنوز مصر كلها من أجل قضيته الكبيرة”
- هناك رأيين حول قيام الإمبراطور بتغيير موقفه، حيث يعود سبب هذا التغيير – استناداً إلى بارونيوس- إلى اندحار أسبر – أحد قواده- في حربه مع قبائل الوندل الهمجية في أفريقيا. ومع ذلك يقول تلمونت أنه لم يكن لاندحاره في أفريقيا له أي شأن في هذه القضية. إذ من المحتمل أن هذا قد حدث في نهاية آب 431 م أو بعد ذلك بقليل. ولم يكن معقولاً أن تصل أخبار هزيمة جيشه بتلك الشرعة إلى القسطنطينية. ويضيف تلمونت قائلاً بأن السبب الوحيد لقيام الإمبراطور باتخاذ ذلك الاتجاه المعادي يعود إلى جهله بالأمور، ولكنه عاد وغير رأيه حينما تمكن من الاطلاع على الأمور بشكل أفضل