إلى الآن لم يعرف أحد كثيرًا عن حياة الأب أفراهاط، الحكيم الفارسي، الذي يحتل مكانة رفيعة بين الكتَّاب السريان الأولين. لكن مقالاته تشهد لفكره الإنجيلي المتهلل.
لم يتأثر أفراهاط بالفلسفات، الأمر الذي يندر وجوده بين الآباء الأوائل الشرقيين. وجد عذوبة في الحياة الجديدة خلال بساطة الإنجيل، فقد تتلمذ على الأسفار الإلهية، وعاشها واقتبس الكثير منها، فحسب نفسه “تلميذ الكتاب المقدس.
مقالاته مع ما تحمله من طابع نسكي بكونه راهبًا، تتلمس فيها فرحه الداخلي أو قل ضحكات قلبه الروحية. فمن كلماته المفرحة: “يتكلم المتواضع فيليق به الكلام، وتضحك شفتاه فلا يُسمع صوت ضحكه”.
القدِّيس أفراهات أو أفراهاتس أو أفراهاط Farahad أو أفراحات أو الحكيم الفارسي the Persian Sage – كما كان يُسمى أحيانًا، هو أول كاتب سرياني كبير تبقى أعماله، ولا نعرف الكثير عن ظروف حياته.
كتب عنه ثيؤدورت أسقف قورش Theodoret of Cyrus، الذي قام بزيارته ونال بركته وهو طفل. ولكن في تقليد متأخِّر حُسب كرئيس لدير مار ماتاي Mar Mattai المشهور الموجود قرب مدينة الموصل في شمال العراق، وأنه كان أسقفًا لذات المنطقة. وفي عام 344 رأس مجمعًا لكنيسة مقاطعته حذياب Adiabene.
من الواضح أنه كان من الشخصيَّات الهامة في الكنيسة المسيحيَّة بمملكة فارس. ولقد حضر وشاهد بداية اضطهاد قادة الكنيسة بواسطة الملك الشوشاني Sasanian شابور الثاني Shapur II في أوائل عام 340م.
ونتيجة لهذا الاضطهاد قامت الحرب بين فارس والإمبراطوريَّة الرومانيَّة تحت قيادة حكامها الجدد الذي تحوَّلوا حديثًا إلى المسيحيَّة.
عاش القديس أفراهاط ناسكًا حقيقيًا، بفكرٍ مستقيم، في نسكه يتسع قلبه بالحب للكل، ويقابل الآخرين ببشاشة، مجاهدًا أيضًا من أجل حفظ الإيمان.
نشأته
وُلد في أواخر القرن الثالث أو بداية القرن الرابع الميلادي ببلاد فارس، وكان والداه من سلالة المجوس Magi من عبدة الأوثان، أما هو فمنذ صبوته لم يسترح لفكر آبائه وحياتهم المملوءة بالرجاسات. إذ التقى وهو في سن الرشد ببعض المسيحيين، وتلامس مع محبتهم ووداعتهم وعفتهم سألهم عن إيمانهم، فتحدثوا معه عن محبة الله الفائقة وعمله الخلاصي ووحدانية الله وتثليث الأقانيم الإلهية، فقبل الإيمان بفرحٍ شديدٍ واعتمد. دُعي يعقوب إما في عماده أو رهبنته أو سيامته أسقفًا مما سبب خلطًا بينه وبين يعقوب من نصيبين المتوفي سنة 338 م.
لا يزال الجدال قائمًا بخصوص أصله إن كان وثنيًا أم مسيحيًا. فالبعض يعتمد على عباراته عن الوثنيين حيث يقول: “نحن”. والآخرون يرون في معرفته الواسعة للكتاب المقدس بعهديه واقتباساته الكثيرة دليلاً على أنه من أصلٍ مسيحي.
رأى أفراهاط أن يترك بلده كإبراهيم ويذهب إلى أديسا (الرُّها) فيما بين النهرين ليتشدد بإيمان المسيحيين هناك. وإذ كان يميل لحياة الوحدة سكن في مكان قريب من المدينة، يمارس حياة العبادة النسكية بروح تقوي حقيقي، ففاحت فيه رائحة المسيح الذكية وجاء الكثيرون يسترشدون به ويطلبون صلواته. بعد فترةٍ ذهب إلى أنطاكية وقاوم الأريوسية.
يبدو أنه ترك موضعه وذهب إلى منطقة أخرى بسوريا حيث ازداد في نسكه، فلم يكن يأكل إلا خبزًا ويشرب ماء مرة في اليوم مع بعض الخضراوات غير المطبوخة عندما كبر في السن.
أفراهاط الأسقف
يبدو أنه كان أسقفًا، كما يظهر من حديثه الذي وجهه إلى الرعاة (مقال 14)، وعرضه للإيمان في مقالاته كما كان يفعل الأساقفة في ذلك الحين.
أفراهاط والاضطهاد
يؤرخ المقالة 14 سنة 655 للسلوقيين و35 لشهبور أو شابور، أي تقابل سنة 344م، وفي ختام مقالة 23 يظهر أنه كتبها عام 345م، نفهم منه أن الاضطهاد كان خفيفًا منذ خمس سنوات، ثم اشتد بعد ذلك، بالأخص بعد موت الجاثليق. ويرى البعض أنه ربما تنيح في تلك السنة. سجل المقالة 21 عن الاضطهاد في تلك الحقبة لكي يشجع المؤمنين في مواجهة الاضطهاد.
مع الوالي أنثيموس
افتقده تارة أنثيموس Anthimius والي أنطاكية الذي صار فيما بعد سفيرًا في فارس Persia. في طريقه عبر بأنطاكية عام 405م، وقدم للقديس أفراهاط ثوبًا جديدًا جاء به من بلاد فارس كهديةٍ من بلد هذا المتوحد. وإذ كان بطبعه لطيفًا وبشوشًا تقبل الهدية وشكره عليها. وبعد قليل سأله أفراهاط: “إني أستشيرك في قضية تحيرني وتبلبل فكري، وهي إنني منذ حوالي 16 عامًا عزمت أن يكون لي صديقًا واحدًا اخترته ليرافقني ويعيش معي. وكان هذا الصديق يعجبني جدًا ويعزيني ولم يحزنني قط، لكن جاء آخر من بلدٍ بعيدٍ وأراد أن يحتل مكانه، فأي الاثنين أقبل؟! أجاب الوالي: “الأول”. ابتسم أفراهاط وقال له: “إن الصديق القديم هو ثوبي يلازمني هذه السنوات الطوال، فكيف استبدله بآخر؟!” حينئذ ابتسم الوالي وأدرك أن أفراهاط يود الاعتذار عن قبول هديته بلطفٍ، فاسترد الثوب وهو متعجب من حكمته ولطفه، إذ لم يرد أن يجرح احساساته حتى في رفضه للهدية.
مع الملك فالنس
بقي القديس ملازمًا قلايته لا يخرج منها، وقد تحولت إلى مركز روحي قوي، يتعزى كل القادمين إليه بكلمات النعمة الخارجة من فمه، ويتمتعون ببركات عمل الله معه. إذ نفي الإمبراطور فالنس ملاتيوس أسقف أنطاكية، وأثار الاضطهاد على الكنيسة بسبب فكره الأريوسي، دخل أفراهاط مدينة أنطاكية، وكان يشجع المؤمنين، ويشددهم على الإيمان المستقيم، مبرهنًا لهم على لاهوت السيد المسيح. وكان الأريوسيون يعجزون عن مقاومته أو مجادلته من أجل النعمة التي وُهبت له خلال كلماته وحياته والعجائب التي كان الله يجريها على يديه. لذا كان الأريوسيون يهابونه ويريدون التخلص منه.
يصف لنا ثيؤدورت قصة لقاء البار أفراهاط مع الإمبراطور فالنس حيث كتب:
[على شمال نهر الأورنت Orontes يقع القصر. وعلى الجنوب يوجد رواق من دورين فسيحين، مبني على سور المدينة، وبه أبراج عالية من كل جانب. وبين القصر والنهر يوجد طريق عام مفتوح للمارة القادمين من المدينة، يقود الباب في هذا الحي إلى البلدة في ضواحيها. حدث أن كان البار أفراهاط عابرًا هذا الطريق العام في طريقه إلى ساحة تدريب الجنود ليقوم بعملٍ رعويٍ لشعبه. وإذ كان الإمبراطور يتطلع إلى أسفل من بهو القصر ورآه سائرًا مرتديًا عباءة عادية من جلد الماعز ويسير بسرعة بالرغم من تقدم سنة، أدرك أنه أفراهاط الذي التصقت به كل المدينة، فصرخ الإمبراطور: “أين أنت ذاهب؟ أخبرني”. بمهارة وسرعة بديهة أجاب “لأصلي من أجل الإمبراطورية”.
قال الإمبراطور: “كان الأفضل أن تبقي في مسكنك وتصلي وحدك كراهبٍ”.
قال الرجل القديس: “نعم، إني ملتزم بالعمل هكذا، وأنا دومًا أفعل هذا حتى الآن، مادام قطيع المسيح في آمان. لكن الآن إذ القطيع مرتبك وفى خطورة ومحنة عظيمة يتعرض للافتراس بالوحوش، يلزمني ألا أترك وسيلة لأعمل بها على إنقاذ الرضيع.
أخبرني يا سيد، لو أنني كنت فتاة أجلس في حجرتي وأنظر وإذا بوهج لهيب يسقط على البيت واشتعلت النار في بيت أبي، فماذا يلزمني أن أفعل؟
أخبرني، هل أبقي جالسًا في الداخل ولا أبالي بالبيت وقد اشتعلت فيه النيران، وأنتظر حتى تقترب إليّ النار؟ أم أترك موضعي وأجري هنا وهناك وأحضر ماءً وأحاول إطفاء النار؟
حتمًا ستقول لي الأمر الأخير، فإن هذا ما يليق أن تفعله الفتاة الجادة الشجاعة. وهذا هو ما أفعله الآن يا سيد. إنك تشعل النار في بيت أبينا، ونحن نسرع ساعين لإطفائها”.
هكذا قال أفراهاط هذا، فهدده الإمبراطور، لكنه لم يعد بعد يتكلم. هدد أحد حجاب القصر الإمبراطوري البار بعنفٍ شديدٍ، فكان مصيره الآتي. كان موكلاً إليه الاهتمام بالحمام. في الحال بعد المناقشة نزل ليهيئ الحمام للإمبراطور. وعند دخوله فقد صوابه ونزل في المياه المغلية قبل مزجها بالماء البارد، فلقي مصرعه.
جلس الإمبراطور منتظرًا إياه ليخبره بأن الحمام مُعدْ ليدخله. ولكن إذ طالت مدة انتظاره، أرسل بعض رجاله ليخبروه عن سبب التأخير. دخلوا وصاروا يبحثون عنه في الحجرة فاكتشفوا أن الحاجب ميتًا في الماء المغلي.
عرف الملك ذلك وعرف من معه قوة صلوات أفراهاط، لكنهم لم يتخلوا عن تعاليمهم الشريرة، إذ تقست قلوبهم مثل فرعون. وإذ عرف الإمبراطور المخبول لم يتعظ من المعجزة بل هاج جنونه ضد التقوى.]
لم يمض إلا وقت قليل ومات فالنس في حريق، فاستراحت الكنيسة من مقاومته.
نياحته
عاد القديس إلى توحده واختلى بها مقدمًا صلواته عن العالم حتى تنيح حوالي عام 345 م.
كتاباته
ترك لنا القديس أفراهاط 23 مقالة سُمِّيت المقالات أو البراهين Demonstrations، ولقد كانت أكثر هذه المقالات عن الحياة المسيحيَّة أو عن الأخطار التي تهدد الكنيسة بواسطة الميول اليهوديَّة بين المسيحيِّين. وهي تضم ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: تتكون من عشرة مقالات كُتبت حوالي عام 336/337م، عن الإيمان Faith، والمحبة Charity، والصوم Fasting، والصلاة Prayer، والحروب Wars، والرهبان Monks، والتائبين Penitents، وقيامة الموتى The Resurrection، والتواضع Humility، والرعاة Pastors.
المجموعة الثانية: تتكون من اثنتي عشرة مقالة، كُتبت حوالي سنة 343/344م أثناء الاضطهاد. موضوعاتها هي: الختان Circumcision، الفصح والاحتفال به في الرابع عشر من نيسان Passover، السبت Sabbath، الابتعاد عن الخصام، تمييز الأطعمة Divers Meats، دعوة الأمم Call the Gentiles of، يسوع المسيّا Jesus the Messiah، البتولية Virginity، العطاء Almsgiving، الاضطهاد Persecution، الموت والأزمنة الأخيرة Death and the Latter Times.
المجموعة الثالثة: تتكون من مقالٍ واحد، كتبت عام 345، عنوانها خصلة العنب Of the Grape.
إلى من وُجهت المقالات؟
وجَّه أفراهاط مقالاته إلى من دعاهم “أبناء العهد” أو “جماعة القيامة”. يبدو أن هذه الجماعة تعود إلى أصل يهودي، وبالأخص إلى رهبان قمران الذين عاشوا بالقرب من البحر الميت. وهم يضمون مجموعة من الإكليروس أساقفة وكهنة وشمامسة، بل ومنهم من هم من الشعب. هم جماعة بتوليون ناسكون يكرسون حياتهم للعبادة ولا يمارسون أعمالاً تجارية أو زراعية أو أية وظيفة تدر مالاً، ذابوا فيما بعد في التنظيمات الرهبانية. يوجه المقالة السادسة إلى “المتوحدين وأبناء العهد البتوليين والقديسين”.
سمات كتاباته
جاءت هذه المقالات إجابة على أسئلة موجهة إليه من صديق له أو جماعة من الإخوة يعانون من الضيق ويستفسرون عن بعض المسائل الإيمانية والروحية.
لم يذكر الكاتب اسمًا لأحد ولا موضعًا ما، ولا انتقد الرئاسات الدينية، حتى لا تحمل أي تحيز شخصي. حتى بالنسبة للشخص الذي يتعامل مع الملوك (مقالة 8:14) فيكتفي بالقول “ليسمع الحكيم ويفهم”، وكأنه يقول لا أريد أن أوضح أكثر من هذا، إنما يليق بالقارئ أن يدرك خطأه.
لما كان أصل الجماعة التي كتب إليها يهوديًا فلا نعجب من اقتباسه الكثير من العهد القديم، وقيامه بمقابلات بين شخصٍ وآخر مثل تقدمة هابيل وتقدمة قايين، وصوم موسى والصوم الذي فرضته ايزابيل. لكن ما يشغله بالأكثر المقابلة بين شخصية يسوع مخلصنا وكثير من شخصيات العهد القديم.
في اقتباساته من الكتاب المقدس لم يلتزم بالنص، إنما غالبًا ما كان يكتب النص من ذاكرته. وقد أحصت مارى جوزيف بيار هذه الاقتباسات سواء الصريحة أو بالتلميح فوُجدت أنها 2691 أما Wright فأحصى 794 نصًا من العهد القديم و446 من العهد الجديد.
الخطوط العريضة لبعض المقالات
المقالة الأولى في الإيمان
يقدم الإيمان بكونه بناءً، حجره الأساسي هو السيد المسيح، يكتمل هذا البناء ليصير هيكلاً للأب ومسيحه. أما مواد البناء فهي الأعمال الصالحة. يقدم أمثلة لإيمان شخصيات من العهدين القديم والجديد، وفاعلية الإيمان في حياتهم وخدمتهم.
المقالة الثانية في المحبة
يوضح ارتباط الناموس والأنبياء بوصية المحبة، مؤكدًا أن الله إله الحب والرحمة والمغفرة. ويطالبنا بالمحبة نحو إخوتنا، مقتبسًا تسبحة المحبة التي أوردها الرسول بولس (1 كو 13). قدم السيد المسيح محبته لنا عمليًا قبل أن يدعونا لمحبة الله والقريب.
المقالة الثالثة في الصوم
الصوم الطاهر مقبول، وهو ليس مجرد الامتناع عن الطعام، بل عن الشر. قدم أمثله لأصوام أناسٍ قديسين وأخرى لأشرارٍ وردوا في الكتاب المقدس. وأوضح عظمة صوم يسوع، لأنه إن كان صوم دانيال أنقذ الشعب كله، فماذا يكون صوم السيد المسيح.
المقالة الرابعة في الصلاة
تتميَّز المقالة الرابعة لأفراهاط. بأنها من أقدَّم الرسائل المسيحيَّة الموجودة عن الصلاة. هذه المقالة أساسًا لا تدور حول الصلاة الربانيَّة كما في الأعمال المعروفة جيدًا عن الصلاة لترتليان وأوريجينوس والقديسين غريغوريوس النيسي وكبريانوس وأغسطينوس وغيرهم. وتتميَّز هذه المقالة بالآتي:
غنية بالأمثلة الإنجيليَّة التي تؤكِّد ضرورة نقاوة القلب كشرطٍ لقبول الصلاة. يتطلع الأب أفراهاط إلى الصلاة بكونها لقاء داخليًا للقلب النقي مع الله القدوس، فالصلاة هي حديث القلب، الذي لن يكون موضوع سرور الله القدوس ما لم يكن طاهرًا ونقيًا.
الصلاة هي تقدمة داخلية أو ذبيحة لله. يقبلها الله خلال نقاوة القلب ويعلن عن قبوله لها بنزول ملاك ناري يحملها كتقدمة مقبولة لدى الله، وقد كشف الله عن ذلك خلال نزول نيران من السماء تلتهم تقدمات مؤمنين الأبرار في العهد القديم. بهذا قدَّم لنا القديس أفراهاط التفسير التقليدي الجذاب ليشرح لنا كيف أن هابيل عرف قبول ذبيحته بنزول نار من السماء عليها، وعرف قايين رفض ذبيحته إذ لم تلمس النار السماوية ذبيحة قايين. وواضح أنه استعار هذه العلامة من العبارات الكتابية مثلما ورد عن ذبيحة داود (1 أي 21: 26) وذبيحة سليمان (2 أي 7: 1) حيث ذكر الكتاب المقدَّس نزول النار.
ليست هذه النقطة هي فقط التي تربط التقليد اليهودي بما كُتب في هذه المقالة. لكن مفهوم الصلاة كبديل لذبائح الهيكل، الأمر الذي كان منتشرًا في اليهوديَّة بعد تدمير الهيكل الثاني سنة 70م.
الصلاة هي سلم يعقوب، إذ بالصليب (السلم الإلهي) نلتقي بمخلصنا، ونتمتع بالسماويات، ونختبر الإلهيات.
الصلاة هي عمل داخلي يٌترجم خلال السلوك. الصلاة هي لغة حفظ الوصية، أو هي تحقيق الراحة الداخلية في الله، وراحة الله هي في إراحة المُتعبين (إش 28: 12) بممارسة أعمال الرحمة معهم. لذا لن يستمع الله لصلاة من تصلف قلبه وقسا على إخوته، سواء بعدم المغفرة لهم، أو عدم الاهتمام باحتياجاتهم. أكَّد ضرورة الاستعداد للصلاة بأن يهتم الإنسان بالسلوك الداخلي، وخصوصًا مسامحة الآخرين.
كل حياتنا صلاة، هذا لن يتعارض مع تخصيص أوقات للصلاة (صلوات السواعي) تسندنا لكي نحيا كل نسمات عمرنا صلاة دائمة.
صلاة المحبة التي تتحقق باجتماع اثنين أو ثلاثة باسم ربنا يسوع مستجابة. لكن أن وُجد المؤمن وحده كما كان دانيال في الجب ويونان في الحوت… فقد لا نجتمع مع الغير جسديًا لكننا نجتمع معهم بمشاعر الحب! فهم أفراهاط “المخدع” (مت 6: 6) مثل العلامة أوريجينوس، وهو أن مكان الصلاة يجب أن يكون في الداخل، في قلب الإنسان. هذا المفهوم نقابله مرة أخرى مع مار أفرام في “أناشيد عن الإيمان”.أخيرًا يحذرنا الأب أفراهاط من تقديم الصلاة بيدٍ ملطخة بالدم!
مقالة أفراهاط عن الصلاة أوضحت كيف شهد القديس عن غنى التقليد الشرقي عن روحانيَّة نقاوة القلب وقدم عدَّة أفكار صارتمشهورة فيما بعد.
ومن الواضح أن تأثير أفراهاط المستمر على الروحانيَّة السريانيَّة استمر خصوصًا خلال القرون السادس والسابع والثامن. حتى اقتبس عدد من الكُتَّاب الكثير من مقالاته، وتُرجمت أعماله في عصر مبكِّر إلى اللغة الأرمنيَّة وانتشرت في وقت معاصر له باسم القدِّيس يعقوب النصيبي. كما ترجمت بعد مقالاته إلى العربيَّة (ونُسبت إلى مار افرآم) وكذلك ترجمت إلى الإثيوبية ولغة جورجيا بروسيا.
المقالة الخامسة في الحروب
في المقالة الخامسة عالج الأب أفراهاط موضوع (الحرب) وقد قدم أمثلة كثيرة للحروب على كل مستويات منذ أيام قايين قاتل أخيه حتى رؤى دانيال عن الحروب بين الممالك المتوالية إلى مجيء السيد المسيح، وأيضًا مقاومة ضد المسيح للكنيسة. وقد استطرد في شرح رؤى دانيال النبي.
ركز الأب أفراهاط على الكبرياء كعلة الحروب، وأن هذه الحروب لن تتوقف حين يتم مُلك السيد المسيح – ابن الإنسان – في مجيئه الأخير.
المقالة السادسة عن الرهبان
إذ يكتب عن الرهبان بكونهم مسيحيين جادين ومثاليين في التمتع بالعهد الجديد والحياة المقامة، يركز الأب أفراهاط على النقاط التالية:
التوبة هي طريق الملكوت، لذا يليق بالراهب أن يمارس التوبة في جانبها الإيجابي والسلبي، كالسهر ومحاربة الشر وممارسة أعمال المحبة والوحدة.
أوضح أن الرهبنة هي حياة عرس مُفرح لا ينقطع، يليق بالراهب أن يحفظ ثوب العرس طاهرًا.الرهبنة هي معركة مستمرة ضد قوات الظلمة، وضد الشهوات الجسدية، لذا يليق بالراهب ألا يختلط بالنساء، فقد سقط جبابرة خلال التهاون في هذا الأمر.
للمرأة دورها الإيجابي في الخلاص، ويليق بالراهبات أن يتشددن في جهادهن.
يحتاج الراهب إلى روح التمييز، فيميز كل روح ويتعرف على حيل إبليس.
يقدم مقارنة بين آدم الأول وآدم الأخير واهب القيامة.
المقالة الثالثة والعشرون عن بركة في عنقود
في المقالة الثالثة والعشرين يتحدث عن “بركة في عنقود”. فالصديقون هم بركة العالم، إن زالوا منه زال العالم. وإن كانت صلوات الأبرار أحيانا لا تُستجاب في بعض الظروف، لكن يبقى دومًا أبرار في العالم كغنى له. بموت السيد المسيح انتزعت الخصلة من العنقود، فدُمرت أورشليم، وانتقلت البركة إلى الشعوب بالمسيح. هذه هي البركة الإلهية أو عطية الله للشعوب ألا وهي حضور المسيح واهب السعادة الحقيقية.