• 21 December, 2024 18:14

Karozota.com

Sweden

عن الموت والازمنة الأخيرة

Bykarozota.com

Jul 10, 2009

القديس أفراهاط الحكيم الفارسي

رجاؤنا بعد الموت!

الأبرار والمستقيمون والصالحون والحكماء لا يخافون عند الموت ولا يرتعبون منه، من أجل عظم الرجاء الموضوع أمامهم. وهم في كل حين يفكرون في الموت، وفي خروجهم، وفي اليوم الأخير الذي فيه يُدان بنو آدم.

سلطان الموت قبل موسى

يعرف (الصالحون) أنه إذ صدر الحكم بسبب عصيان آدم ملك الموت، وكما يقول الرسول: “ملك الموت من آدم إلى موسى، وذلك على الذين لم يخطئوا. هكذا اجتاز الموت إلى بني آدم” (رو 14:5، 12).

موسى كرز بالقيامة

اجتاز الموت إلى جميع الناس (رو 12:5)، اجتاز من موسى حتى نهاية العالم. غير أن موسى كرز بأن مملكته تبطل.

فعندما تعدى آدم الوصية اجتاز حكم الموت إلى بنيه. وترجى الموت أن يقيد كل بني الإنسان ويملك عليهم أبديًا. ولكن إذ جاء موسى يعلن عن القيامة عرف الموت أن مملكته تبطل. لقد قال موسى: “ليحيىَ رأوبين ولا يمت…” (تث 6:33).

وعندما دعا القدوس موسى من العليقة قال له: “أنا إله إبراهيم واسحق ويعقوب” (خر 6:3). وإذ سمع الموت هذا النطق ارتعد وخاف وارتعب وقلق، وعرف أنه لا يكون ملكًا على أبناء آدم إلى الأبد. منذ الساعة التي سمع الموت الله يقول لموسى: “أنا إله إبراهيم واسحق ويعقوب” صار يضرب بيديه، وتعلم أن الله هو ملك الأموات والأحياء. وأنه قد عُين لبني آدم أن يخرجوا من ظلمته، ويقوموا بأجسادهم. لاحظ أن يسوع مخلصنا قد ردد ذات المنطوق في حوار الصدوقيين معه عن قيامة الأموات، قائلاً هكذا: “ليس هو إله أموات، لأن الجميع عنده أحياء” (لو 38:20).

الكرازة بإبطال سلطان الموت!

ولكي يعَّرِفْ الله الموت بأن سلطانه لن يدوم إلى الأبد على بني العالم، نقل أخنوخ إليه (تك 24:5)، إذ سُر به، وجعله لا يموت.

مرة أخرى أصعد إيليا إلى السماء، ولم يكن للموت سلطان عليه.

وأيضًا حنة قالت: “الرب يميت ويُحي” (1 صم 6:2). علاوة على هذا قال موسى كما على فم الله: “أنا أُميت وأحيي” (تث 39:32).

مرة أخرى قال إشعياء: “تحيا أمواتك، تقوم الجثث. استيقظوا، ترنموا يا نائمين في التراب” (إش 19:26).

إذ سمع الموت هذا كله حلت به الدهشة وجلس حزينًا.

بالموت داس يسوع الموت!

إذ جاء يسوع قاتل الموت، والتحف بجسدٍ من نسل آدم، وصُلب بجسده، وذاق الموت، وعندما أدرك الموت أنه قد جاء إليه ارتعب في موضعه، وارتبك إذ رأى يسوع. لقد أغلق أبوابه ولم يرد أن يلتقي به. عندئذ فجر أبوابه ودخل إليه وسلبه غنائمه.

وعندما رأى الأموات نورًا في الظلمة، رفعوا رؤوسهم من عبودية الموت وتطلعوا ورأوا سمو المسيا الملك. عندئذ جلست قوات الظلمة في حدادٍ، إذ سُلبت سلطة الموت منه.

ذاق الموت الدواء القاتل له، وسقطت يداه، وتعلم أن الأموات سيقومون ويهربون من سلطانه. وإذ أصاب (يسوع) الموت بسلبه ممتلكاته ولول وصرخ عاليًا في مرارة، قائلاً: “ابعد عن مملكتي، لا تدخلها. من هو هذا الحي الذي يدخل عالمي؟”

وإذ كان الموت يصرخ مرتعبًا (إذ رأى الظلمة بدأت تزول وقام بعض الأبرار الراقدين ليصعدوا معه) أدرك أنه عندما يأتي في كمال الزمن، سيخرج كل المحبوسين من تحت سلطانه، ويذهبوا ليروا النور.

لذلك عندما أكمل يسوع خدمته بين الموتى، أخرجه الموت من مملكته، ولم يسمح له بالبقاء فيها. وحسب أن افتراسه له كبقية الموتى ليس فيه مسرة، إذ ليس له سلطان على القدوس، ولا يقدر أن يحل به فساد.

الوعد الإلهي القاتل للموت

إذ أخرجه (الموت) بلهفة، خرج (يسوع) من مملكة الموت، وترك معه سمًا، وهو الوعد بالحياة، حتى يزول سلطانه شيئًا فشيئًا.

وكما أن الإنسان متى أخذ سمًا في الطعام الذي يُعطى للحياة، ويدرك في نفسه أنه أكل سمًا في الطعام، يتقيأ الطعام المختلط بالسم من بطنه، لكن تبقى فاعلية السم عاملة في أعضائه، حتى ينحل كيان الجسم قليلاً قليلاً ويفسد. هكذا موت يسوع أبطل الموت، إذ به تملك الحياة، ويبطل الموت، هذا الذي يُقال له: “أين غلبتك يا موت؟” (1 كو 55:15).

فكروا في الموت، وتذكروا الحياة!

لذلك يا أبناء آدم، يا من ملك الموت عليكم، فكروا في الموت وتذكروا الحياة، ولا تتعدوا الوصية مثل أبيكم الأول.

أيها الملوك المتوجون بالأكاليل، تذكروا الموت الذي سينزع الأكاليل الموضوعة على رؤوسكم، سيكون مَلكًا عليكم حتى يأتي الوقت الذي فيه تقومون للدينونة.

يا أيها المتعالون والمتكبرون والمتعجرفون، تذكروا الموت، الذي سيحطم تعاليكم ويحل أعضاءكم ويفك المفاصل ويحل الفساد بالجسم وكل أشكاله. بالموت ينحط المتعالون، والعنفاء القساة يُدفنون في ظلمته…

يا أيها الجشعون المغتصبون والسالبون لزملائكم تذكروا الموت، ولا تضاعفوا خطاياكم. ففي ذلك الموضع لا يتوب الخطاة، ومن سلب ممتلكات رفيقه لا يملك حتى ماله، بل يذهب إلى الموضع الذي لا تُستخدم فيه الثروة، ويصير بلا شيء، تعبر عنه كرامته، وتبقى خطاياه لتقف ضده يوم الدينونة.

الأبرار ما بعد الموت!

في ذلك المكان ينسى (الأبرار) هذا العالم. هناك لا يكونوا في عوزٍ؛ يحبون كل واحدٍ الآخر بشدة.

ليس من ثقلٍ في أجسامهم، بل يطيرون بخفة مثل الحمام إلى كواهم (إش 8:60).

لا يتذكرون الشر إطلاقًا في أفكارهم، ولا يثور دنس في قلوبهم. في ذلك المكان ليس من شهوة طبيعية، إذ يُفطمون من كل الشهوات. لا يثور غضب ولا فسق في قلوبهم، منزوع عنهم ما يمكن أن يوًّلد خطايا…

هناك لا يُقًّسم الميراث، ولا يقول أحد لرفيقه: “هذا لي، وهذا لك”…

هناك لا يتزوجون نساءً ولا ينجبون أطفالاً، ولا تمييز بين ذكر وأنثى، بل يصير الكل أبناء أبيهم الذي في السماوات، وكما يقول النبي: “أليس أب واحد لكلنا؟ أليس إله واحد خلقنا؟” (مل 10:2).

ليس من جنس بعد الموت!

أما بخصوص ما قلته أنه سوف لا تكون زوجات، ولا تمييز بين ذكر وأنثى، فقد علمنا ربنا ورسله هذا. “الذين حُسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يكون لهم نساء ولا يصير للنساء رجالاً، إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضًا، لأنهم مثل الملائكة في السماء، وهم أبناء الله” (راجع لو 35:20 – 36). وقال الرسول: “ليس عبد ولا حر؛ ليس ذكر وأنثى، لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع” (غل 28:3).

ما لم تره عين!

هناك “ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب إنسان” (راجع 1 كو 9:2)، الأمور غير المنطوق بها التي لا يقدر إنسان أن يتكلم عنها. قال الرسول: “ما أعده الله للذين يحبونه” (1 كو 9:2). إذ يكثر الناس الحديث لكنهم عاجزون عن التعبير عنه. لا يقدرون أن يقصون ما لا تستطيع العين أن تراه. ولا يحق الحديث عما لم تسمعه الأذن حتى تقارنه بما تسمعه الأذن وتراه العين وما لا يخطر على القلب. من يجسر ويتكلم عنه كما لو كان مثل أي شيء يخطر على القلب؟

لكن يليق بالمتحدث أن يستخدم التشبيه ويدعو ذلك الموضع مسكن الله، وموضع الحياة، وموضع الكمال، مكان النور، مكان المجد، سبت الله، يوم الراحة، راحة الصديقين، فرح الأبرار، مسكن الأبرار والقديسين، موضع رجائنا، بيت اتكالنا الآمن، موضع كنزنا، الموضع الذي يمحو قلقنا وينزع أحزاننا، ويطفئ تنهداتنا. يحق لنا أن نشبهه هكذا، وهكذا ندعو ذاك الموضع.

أسرى الموت!

مرة أخرى، يقتاد الموت ملوكًا ومؤسسي مدنًا، قد تشددوا بالأبهة، ويأخذهم إليه. إنه لا يترك سادة الدول. يقود الموت لنفسه ويأسر الطماعين الذين لا يشبعون ولا يقولوا “كفي”. إنه يطمع فيهم أكثر من طمعهم هم!.

سيأتي محطم الموت!

سيأتي واهب الحياة، محطم الموت، ويبطل سلطانه على الأبرار والأشرار. وسيقوم الأموات بصرخة قهرية، ويفرغ الموت ويُسلب منه كل الأسرى.

فسيجتمع كل بني آدم معًا للدينونة، ويذهب كل واحدٍ إلى المكان المُعد له. الأبرار القائمون يذهبون للحياة، والخطاة القائمون يُسلمون إلى الموت.

درجات المجد!

اسمع الرسول القائل: “كل واحدٍ سيأخذ أجرته بحسب تعبه” (1 كو 8:3). من تعب قليلاً ينال حسب كسله، ومن كان مُسرعًا يُكافأ حسب سرعته. قال أيوب (أليهو): “حاشا لله من الشر، وله من الخطية! لأنه يجازي الإنسان على فعله، ويُنيل الرجل كطريقه” (أي 10:34 – 11). ويقول أيضًا الرسول: “لأن نجمًا يمتاز عن نجمٍ في المجد، هكذا أيضًا قيامة الأموات” (1 كو 41:15 – 42).

لذلك فلتعرف أنه حتى إن دخل الإنسان الحياة، فإن مكافأة تسمو على مكافأة، ومجدًا يعلو على مجدٍ، ونورًا أفضل من نورٍ. الشمس تفوق القمر، والقمر أعظم من النجوم التي معه. ولتلاحظ أن القمر والنجوم أيضًا تحت سلطان الشمس، وتُبتلع أنوارهم أمام بهاء الشمس.

درجات العقوبة

أيضًا بالنسبة للعقوبة أقول أنه لا يكون كل الناس متساوين. من صنع شرورًا أعظم يُعذب أكثر. ومن لم يعصِ كثيرًا عذاباته أقل. البعض يذهبون إلى الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الأسنان (مت 12:7). وآخرون يُلقون في النار حسب استحقاقهم، إذ لم يُكتب عنهم أنهم يصرون بأسنانهم، ولا أنه توجد ظلمة هناك. والبعض يُلقون في موضع آخر حيث دودهم لا يموت، ونارهم لا تنطفئ، ويصيرون دهشةً لكل ذي جسد (إش 24:66). وفي وجه آخرين يُغلق الباب، ويقول لهم الديان: “لست أعرفكم” (مت 12:25).

تأمل إذن إنه كما أن مكافأة الأعمال الصالحة ليست متساوية لدى كل البشر هكذا بالنسبة للأعمال الشريرة. ليس الكل يُدان بشكلٍ واحدٍ، بل كل واحدٍ حسب أعماله ينال جزاءه، لأن الديان ملتحف بالبرّ، ولا يحابي الوجوه.

خاتمة

كتبت هذه الأمور حسبما بلغت إليه. ولكن إن قرأ أحد هذه المقالات ووجد كلمات لا تتفق مع أفكاره يلزمه ألا يحتقرها. لأن ما كُتب في هذه الفصول لم تُكتب حسب فكر إنسانٍ واحدٍ، ولا لإقناع القارئ، وإنما حسب فكر الكنيسة كلها، وللحث على كل الإيمان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *