• 21 December, 2024 13:54

Karozota.com

Sweden

كتاب الدياطسرون ومؤلفه طيطيانوس الأشوري

Bykarozota.com

Jul 18, 2009

يُعد طيطيانوس أحد الآباء الأولين المدافعين عن الأيمان الذين كتبوا باليونانية، واعتماده اللغة اليونانية لا يعني أنه يوناني، كما توهّم البعض حيث لقبه السرياني أو الآشوري ظلّ يرافقه طوال حياته.
ولد طيطيانوس في بلاد آشور، ولا نعرف على وجه التحديد في أية مدينة أو منطقة من هذه البلاد مترامية الأطراف. ولد في عائلة وثنية حوالي سنة 120 للميلاد. وقد جاء في خطابه إلى اليونانيين معلومات قيّمة عن حياته، ومنه أقتبس المؤرخون.
يقول: ((أيها اليونانيون، لقد كتبت إليكم هذه الأمور، أنا طيطيانوس الفيلسوف بحسب طريقة البرابرة ـ ولدت في بلاد آشور وتربيت أولاً حسب معتقداتهم ))(الخطاب42). لقد اهتم طيطيانوس، منذ البداية، بتثقيف ذاته، وكانت العلوم موسوعية آنئذٍ. اختص بالفكر الفلسفي، ومن أجله تنقل في مدن عديدة للتعرف على مشاهير الفلاسفة والمفكرين، والإطلاع على أطروحاتهم والحوار معهم بغية الوصول إلى الحقيقة. وفي روما إلتقى يوستينس (الرجل العجيب جداً) (الخطاب18) والذي كان يدير مدرسة دينية متقدمة. فتردد إليها وتتلمذ على يده وتعلّق به وتعمد. والتزم بايمانه الجديد بصراحة ودافع عنه.
ويصف أهتداءه: ((وبنور إلهي اكتشفتُ أن الطقوس الوثنية تفضي إلى الهلاك، بينما كتب الأناجيل تضع حداً للعبودية السائدة في العالم، وتنقذنا من إستعباد الظالمين الذين أوقعونا في الخطأ، نظراً إلى أن التعاليم الألهية لم تصلنا إلاّ مشوهة على أيديهم… إني لم أرفض هذه الأمور لمجّرد أني تعلمتها من أحد آخر، بل لأني زرت بلداناً عديدة، وعلمت معتقداتكم أيها اليونانيون. وجدت نفسي أمام طرق كثيرة للتفكير. ومكثت ردحاً من الزمن في عاصمة الرومانيين. وأخيراً ودّعت بطر الرومانيين وحماقة الأثينيين ومن ثم أنتقلت الي المعتقد الذي أبشركم به الآن)) (الخطاب 29و35) وبعد إستشهاد معلمه يوستينس عام165 ترأس هو المدرسة ودرّس فيها الآداب العامة والشؤون الدينية، لاسيما الأسفار المقدسة وشرحها (أوسابيوس القيصري، ألتاريخ الكنسي 4/29و5/13). وفيها كتب خطابه إلى اليونانيين.
لقد ذهب ططيانس بعيداً في أطروحاته اللاهوتية. متأثراً بالغنوصية. تبنّى مبدأ المتقشفين المتشددين والتزم به بصرامة فعدّ الزواج زنى، وتناول اللحوم خطيئة (على الأرجح إنه نباتي) وتناول الخمر حراماً ودعا إلى استبداله بالماء في القداس (أبيفانوس، البدع46 ـ 47؛ هيرونيمس، الرجال المشاهير29). كما أنه رفع من الانجيل عبارات تخص الزواج والجسد والخمر عاداً أياها غير لائقة. يقول عنه ايريناوس إن نوعاً من الغرور والكبرياء أصابه (ضد البدع 3/23 ،8) ولما عاداه بعض الفلاسفة الرومانيين، ترك روما وعاد إلى الشرق نحو سنة 172، وزار مناطق عديدة. يذكر ابيفانيوس إنه علّم في سوريا وكيليكية وبزيديا (البدع46/1). وقد يكون بعد عودته إلى الشرق، ألف كتابه ((دياطسرون)). أما وفاته فلا نعرف على وجه الدقة تاريخها، غير أن المؤرخين يشيرون إلى سنة189.

تآليفه
من مؤلفات ططيانس العديدة وصلنا كتابان فقط: (الخطاب إلى اليونانيين) و (دياطسرون)، أي الأناجيل الأربعة في واحد.
1- الخطاب إلى اليونانيين
كتبه على الأرجح في روما. يصف فيه بحثه الشخصي عن الحقيقة واهتداءه إلى المسيحية، داحضاً فيه بالتالي الفلسفة الوثنية، ومظهراً سموَّ المسيحية عليها. اطروحاته موسوعية، لذا يمتزج اللاهوت بالفلسفة والانتروبولوجيا والكوسمولوجيا والشيطانولوجيا.
ـ ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام:
أ ـ يحددّ المفهوم المسيحي لله والعلاقة القائمة والكلمة logos وخلق الإنسان.
ب ـ يدرس تأثير الشيطان والقوى الشريرة على الإنسان وحريتهُ، ويرى في التقشف الصارم والترفع عن الأرضيات، السبيل الوحيد إلى الخلاص.يظهر بوضوح تأثير الرواقية فيه.
ج ـ يتناول الحضارة اليونانية ويقارنها بالمسيحية.
د ـ يتناول تاريخ المسيحية وقيمها الأخلاقية، ويردّ على بعض الأعتراضات.

2- دياطسرون أو الانجيل الموحد
ولعل أعظم مآثر طيطيانوس هو كتابه (دياطسرون) أي الانجيل الموحد. فيه جمع قصة حياة الرب يسوع: أقواله وأعماله، مأخوذة من الأناجيل الأربعة، مكتوبة بالسريانية. وقد صار هذا الكتاب الوثيقة الإساسية في التعليم والليتورجيا في الكنيسة الشرقية حتى القرن الخامس الميلادي.
يقول الأب لاكرانج، أحد ألمع علماء الكتاب المقدس في مطلع القرن العشرين: (ليس في تاريخ نص العهد الجديد، وفي ما يخص الأناجيل نفسها اسم أعظم من أسم طيطيانوس) لأن طيطيانوس هو أول من قام بتركيب حياة المسيح وأقواله بنصوص الأناجيل الأربعة القانونية كاملةً، متبعاً سرد متى دامجاً فيه نصوص مرقس ولوقا ويوحنا حسب تسلسل زمني للأحداث. وأنتشر الكتاب بسرعة، وصار له نفوذ كبير امتد إلى القرن السادس. وكان يُقرأ في الكنائس خلال المراسيم، ويستعمل في تعليم الموعوظين. يقول تعليم أدّي (القرن الخامس): (كان المؤمنون يتوافدون إلى الكنيسة للصلاة ولسماع قراءة العهد القديم، والعهد الجديد بحسب دياطسرون) وقد قام مار أفرام بتفسير نصوصه ومنه استقى افراهاط الحكيم استشهاداته في كتابه (البينات) أمّا النصّ الأصلي فمفقود ولا نعلم حتى الآن بايّ لغّة كتبه أولاً: هل الفّه بعد عودته إلى الشرق، بلغته الأم أم باليونانية.
إن الدراسات الحديثة تميل إلى كونه قد كتب انطلاقاً من السريانية. لقد وجدت نتف منه باليونانية في دورا اوربُس (الصالحية بسوريا) تعود إلى سنة254. وهناك ترجمة عربية ترجع إلى سنة850، قام بها شخص يدعى عيسى بن علي، وفي القرن الحادي عشر أعاد النظر فيها وأكملها، بحسب الترجمة البسيطة، ابو الفرج ابن الطيّب، وقد تُرجم (دياطسرون) إلى لغات غربية عديدة.

لاهوته
لاهوت طيطيانوس، كما وصلنا من خلال خطابه إلى اليونانيين، لاهوت دفاعي. إنصبّ كل اهتمامه على حثّ القراء الوثنيين على نبذ ضلالتهم واعتناق المسيحية التي وجد فيها ضالتّه المنشودة. لذا نراه يعتمد العقل والمنطق أكثر من الحماسة الإيمانية الوجدانية.
1- الله
الله في منظور طيطيانوس واحد أحد، كله صلاح، ولا يمكن أن يصدر عنه شرَ (الخطاب11)، ولبيان صفاته وسموه يستخدم أسلوب النفي المألوف (Apophatic) فهو أزلي غير منظور وغير مُدرك (الخطاب14). وينفي وجود الله الجوهري في كل مكان، كما ينادي الحلوليون: (بالنسبة إلينا ليس لله مكان جغرافي في الزمن. إنه وحده لا مبدأ له، لكونه في ذاته مبدأ كل شيء (الخطاب5).

 2- الكلمة
يستند طيطيانوس، في تقديمه موضوع الكلمة logos، إلى معلمه يوستينس. الكلمة هو العقل الإلهي الذي يجمع في جوهره كل مقاييس منطقنا. فهو تماما عكس ما يتصوره الفلاسفة الرواقيون، روح من روح وعقل من قوة عقلانية (الخطاب7). الكلمة ينبثق من الله وهو بكر أعماله ومبدأ الكون كله: (في البدء كان الله وفي البدء كانت قدرة الكلمة…
فيه كانت كل القوى المنظورة وغير المنظورة. أوجدها الله بواسطة كلمته. وبفعل إرادته خرج منه الكلمة، ومعه كان منذ الأزل حتى غدا مبدأ الوجود والعالم) (الخطاب5). ويشبه إنبثاق الكلمة بامتداد لهيب النار التي لا تنقص في لهيبها وجوهرها عندما تشعل بها نيران أخرى (الخطاب5). ونستدل من كلامه هذا، وجود نوع من التبعية في علاقة الكلمة مع الله. فهو يعدّه وسيطا بين الله والعالم ،ويكاد يكون على طريقة ديمورج عند الأفلاطونيين!

 3- الإنسان
أنتروبولوجيا طيطيانوس متطورة. فالإنسان مكون من نفس وروح وجسد (الخطاب10) إنها ثلاثية أفلاطون. النفس تموت لوقت ما، وتبعث، وهي روح من نوع أدنى، أما الروح الأعلى فهو إلهي:
(ليست النفس هي التي تخلص الروح، بل الروح هو الذي يخلصها… مقر الروح الأعلى هو فوق، ومسكن الروح الأدنى هو تحت) (الخطاب13). الإنسان كائن مخلوق على صورة الله ومثاله من خلال حريته وإرادته (الخطاب7) وبإمكانه قبول روح الله أو رفضه، وهو مدعو ألا يتصرف كالحيوانات، بل أن يتقدم في طريق إنسانيته إلى الله: (على صورة الخلود خلقه، ولأن الخلود هو إحدى صفات الله الجوهرية، فالإنسان مدعو إلى الإشتراك في حياة الله والتقدم في الخلود) (الخطاب15). ويؤمن بقيامة الأجساد في نهاية العالم (الخطاب6).
انطلاقا من هذا الايمان، يدعو طيطيانوس إلى التقشف الصارم: (مت عن العالم بإقصائك الشر الذي فيه، وعش لله بنزعك الطبيعة العتيقة، وذلك من خلال الوحي) (الخطاب11). ويرى أن الخير والشر هما من عمل الإنسان وليس من الله: (الله لم يصنع شيئا شريراً البتة… نحن نجلب الفساد، وكان بمقدور الذين ارتكبوه أن يتجنبوه) (الخطاب11).

 4- العالم
يرى طيطيانوس أن الكلمة في منبع العالم وهو مصدره، وقد نتج العالم عن طريق الاتصال، وأن كل مخلوق مكون من عنصرين: مادة وروح، المخلوق المادي يعطيه الله روحا ماديا يختلف عن الروح الموجود في الإنسان والحيوان والنبات والكواكب (الخطاب12) وفي الواقع، الروح التي يشير إليها الكاتب ليست سوى الصورة (Morphe)، يقول: (إن الروح والمادة يعيشان باتحاد وثيق، لكون الواحد لا يستطيع أن يعيش من دون الآخر، ووزعت المادة بتناغم تام. كثيرة هي المخلوقات وفي تنوعها واختلافها يقوم جمال الكون وتناسقه) (الخطاب12). يعتقد طيطيانوس بوجود نوعين من الأرواح: الروح الأدنى والروح الأعلى: الأول مبثوث في المادة ويستقبل الأوامر من الله مباشرة ومشابه للنفس ويضمحل باضمحلال المادة (الخطاب4). والثاني هو من أصل إلهي شبيه بالكلمة (الخطاب10).

 5- الملائكة والشياطين
يعدّ ططيانس، مع يوستينس، من الأولين الذين اعتقدوا بوجود الملائكة والشياطين، ونظروا إلى الملائكة نظرة إعتبار وتقدير وإلى الشياطين نظرة إزدراء وتحقير.
الملائكة مخلوقون من الروح مثل الهواء (الخطاب10) خلقهم الكلمة قبل البشر، وترك لهم حرية إختيار الخير والشر. الذين اختاروا الخير، نالوا المجد، والذين أتبعوا الشر، نالوا العقاب وسموا شياطين وهم:
(لا يموتون بسهولة، لأن ليس لهم جسد ولكنهم يقومون دائماً بأعمال الموت) (الخطاب14). ولأن لا شركة لهم مع الكلمة فيتعاطون المنكر) (الخطاب12) والفرق بين الشياطين والناس الأشرار هو أن لهؤلاء الأخيرين إمكانية التوبة والاصلاح، أما الشياطين فحالتهم ثابتة (الخطاب14).

 وإليك عزيزي القارئ كتاب الدياطسرون حسب ترجمة أبو الفرج ابن الطيب. لتحميل الكتاب اضغط هنا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *