من كتاب الحوار السرياني
التقديم:
من المؤكد أن لاهوت الأسرار في كنيسة المشرق لم تدرس مفصلاً بشكل منهجي من قبل آباء الكنيسة. بدلاً من ذلك فإن مفهوم الأسرار في هذا التقليد جاء في علاقة وثيقة مع الشعائر الإيمانية، واللاهوت الخلاصي. إن آخر الآباء وأكثرهم تأثيراً في تعامله مع موضوع الأسرار هو مار عبديشوع الصوباوي والبطريرك مار طيموثاوس الثاني، وكلاهما توفيا في القرن الرابع عشر. على أية حال إن أفضل عرض في معتقد الأسرار لكنيسة المشرق جاء من القرن الخامس من خلال اللاهوتي والمفسر الأنطاكي ثيودوروس المصيصي، وذلك عن طريقة فهم المفهوم اللاهوتي وإستخدام لغة الكتاب المقدس، والآباء (النيقاويين والقسطنطينيين) والليتورجية.
في هذه الدراسة أحاول تلخيص المحتويات الرئيسية للاهوت الأسرار في كنيسة المشرق، معتمداً بصورة خاصة على كتابات ثيودوروس المصيصي (سنة 350- 428) وجزئياً على نرساي النصيبيني (سنة 399 – 503) ويوحنا بر زوعبي (توفى في أوائل القرن 13)، وعبديشوع الصوباوي (توفى 1318) والبطريرك طيموثاوس الثاني (توفى 1332). وأعرض ذلك بالرغم من وجود اختلافات واضحة وأساسية بين كنيسة المشرق والتقاليد الأخرى، في أسلوب الفهم اللاهوتي، والمنهجية، والمحتوى. إن لاهوت الأسرار في كنيسة المشرق هو مسكوني بفضل تأكيده على نفس العناصر الأساسية المشتركة بين التقليد المشرقي، والبيزنطي الشرقي، واللاتيني الغربي.
تشير كنيسة المشرق بصورة عامة إلى الأسرار كـ “أذزا” مفردها “أرزا” وأصل جذر كلمة “أرزا” في اللغة السريانية هو أقرب إلى مفهوم “Mysterion” اليونانية (Mystery) منه إلى المفهوم اللاتيني لمصطلح (Sacramentum) (Sacred) 1. وبدقة أكثر، فإن “أرزا” يفهم في تقليد كنيسة المشرق كتعبير لأمر خفي محاط بالغموض بدليل أن عمل الكنيسة يتجاوز اللحظة الوجودية. وهو “يمثل” كلاً من عمل يسوع المسيح الخلاصي السابق على الصليب، ويشير إلى الإيمان بالحياة الأخرى المتوقعة مستقبلاً في المجيء الثاني. في أسرار الكنيسة تعطى للمؤمن فرصة الاشتراك في موت وقيامة المسيح، والحياة في الملكوت الآتي. على عكس خلفية الفهم الفريد لسقوط الإنسان في الخطيئة، فإن لاهوت الأسرار في كنيسة المشرق تستند في الأساس على كهنوت المسيح السامي، والذي أصبح لنا رئيس كهنة أبدي على رتبة ملكيصادق 2. أن ذبيحته نسخت طقوس العبادة في العهد القديم للكهنوت الهاروني والتي كانت واسطة لحضور الله من خلال الطقوس والذبائح، والتي جيء بها إلى الكمال في ملء الزمان في ومن خلال كهنوت يسوع المسيح. وحسب العهد الجديد فإن يسوع المسيح بواسطة كهنوته الثلاثية الغايات، أسس ذبيحته شخصياً على الصليب كتكفير لخطايانا، وأنجز مصالحة جميع الخلائق مع الله، وهكذا جلب غفران الله والفداء للعالم، مجدداً بذلك عهد الله مع الإنسانية جمعاء 3.
عقيدة ثيودوروس
1. البيئة اللاهوتية للأسرار في كنيسة المشرق:
إن الخلاص البشري الذي أنجزه يسوع المسيح هو البيئة والأساس لحياة الأسرار. ولكن قبل أن ندخل في الفصول التالية لمناقشة الأسرار الحقيقية، والتي سوف تمثل جوهر هذه الدراسة، من الضروري أن نكشف باختصار فهم الطبيعة البشرية التي تتجلى في تقليد كنيسة المشرق، متلازمة مع عقيدتها في سقوط الإنسان والفداء. إن هذه الملاحظات التمهيدية سوف تجعل عقيدة تقليد لاهوت الخلاص مألوفة لدى القارئ، إذ تحاول الربط بين التدبير الإلهي لخلاص الإنسان وتقديم الله نعمته من خلال الأسرار المقدسة التي تدرك الكنيسة حقيقتها. من بين الآباء الأوائل الذين مارسوا تأثيراً كبيراً على الطريقة التي بها كونت كنيسة المشرق فكرتها عن الأسرار المقدسة هو القديس ثيودوروس المصيصي “الأسقف ومفسر الكتب الإلهية” يبدأ لاهوت الخلاص لثيودوروس بمقدمة بأن الله بنعمته وحبه اللامحدودين خلق الإنسان (آدم) في البدء بريئاً، قادراً ممارسة إرادته بحرية. ولكن بسبب عدم طاعته لخالقه، سقط آدم من وضعه الأصلي، إلا أن الله بالرغم من ذلك استمر في محبته له إلى أن جاء ملء الزمان فأرسل الله ابنه الوحيد، الذي تجسد في طبيعة بشرية كاملة، لفداء العالم وخلاصه.
أن السيد المسيح بتجسده، حياته، خدمته،آلامه، موته، قيامته، وصعوده غلب الشيطان وبذلك أمكن أولئك الذين يؤمنون به أن يصبحوا أولاد الله (أولاداً بالتبني) من خلال المعمودية. يرى ثيودوروس في يسوع المسيح تحقيق المكمن الذي ميز حالة آدم الأصلية. من خلال انتصار المسيح بشخصه مد جسراً بين “جيلين” أي هذا العالم والعالم الآتي. لقد أصبح هو نفسه “عربوناً” أو “ضماناً” لخلاص البشر ومن خلاله يشترك الإنسان في الحياة الموعودة، والتي تتحقق روحياً في الأسرار. 4
2 سقوط آدم:
من الصعب عرض فكرة ثيودوروس للطبيعة البشرية قبل السقوط لكونها غير واضحة بمجملها. ومع ذلك سوف أحاول أن أقدم هنا وجهات نظره التي كانت أكثر تداولاً وبرهنت على أنها أكثر تأثيراً 5.
في تفسيره للرسالة إلى غلاطية، يفيد ثيودوروس على أن “الرب الإله وضعنا في الحياة الدنيا هذه، كمائتين في الحقيقة” 6. ويمضي مفترضاً أن الإنسان الأول كان قد خلق فانياً، وهذا الفناء كان أحد مكونات الطبيعة العائدة لآدم وذريته 7. وحسب افتراضه، فإن الله وفي علمه المسبق، عرف ما كان سيحل بالإنسان الأول في ما يخص عصيانه وخطيئته. وعليه فهو يؤكد بأن الخالق، في البدء أخذ في نظر الاعتبار هذه الخطيئة، وخلق آدم قابلاً للموت. وإن خطيئة آدم لم تثبط عزم الله إلى درجة أنه في لحظات من الوقت حول الطبيعة البشرية من حالة الخلود إلى حالة الفناء. وفي هذا الصدد يقول: “أنه من الواضح أن (الله) عرف أن (آدم) سوف يخطأ ولهذا السبب وبدون أدنى شك أنه سيموت. كيف إذاً، أليس جزء من الحماقة القصوى للاعتقاد بأن (الله) في البدء جعله خالداً خلال ست ساعات….، ولكن بعد أن أخطأ جعله فانياً؟ لذلك فمن المؤكد أنه إذا أراده (الله) خالداً، لم يكن من المستطاع حتى بتدخل فعل الخطيئة تغيير قرار الله. لأن (الله) لم يحول إبليس من الخلود إلى الفناء” 8.
لذلك فإن الله وبحكمته وعلمه خلق آدم فانياً منذ البداية، لذلك فبعد عصيان الإنسان (خطيئته)، وعليه سيخدم الموت في مجالين كوسيلة لمعاقبته، وبخلاف الخطيئة، وكذلك كجزء مكون من طبيعته. ويجزم ثيودوروس نظرته بفناء البشر في أماكن عديدة من مقالاته التعليمية المسيحية حول العماذ، بالرغم من استخدامه طريقة غير مباشرة، في منظور تفسيره لمغزى المعمودية كميلاد ثان روحي خالد فإن ثيودوروس يلمح ضمناً على حالة الفناء بعد الولادة الأولى.
ولا يفكر (اليهود) كما نفكر نحن بأننا بعد (عماذنا) سوف نتحول إلى الحياة الخالدة9… (لأنه بعد تقبله النعمة الإلهية الروحية) سيجبل الشخص المتعمد من فان إلى خالد ومن طبيعة متغيرة إلى طبيعة ثابتة، سوف يتغير كلياً إلى إنسان جديد حسب قوة ذاك الذي جبله10… أننا نعمد (باسم الألوهية)، ومن خلالها نتوقع أن ننال الأمور المستقبلية الحسنة والتي توهب الآن لنا كرموز، وإليها يرجع أملنا في الفرح الآتي، عندما نبعث حقيقة من الأموات، ونصبح خالدين غير متغيرين بطبيعتنا11. وأوضح مقولة لثيودوروس والتي تبين موقفه من فناء آدم تبرز في “فتات من أعمال ثيودوروس العقائدية في الخطيئة الأصلية والفناء”. حيث يقول: “الرب أصبح خالق جميع الأمور الحسنة للبشر لأنه – مثل ما ظهر آدم كمنشئ في هيئته الفانية الأولى – فإن الرب نفسه، بظهوره كبادئ في الحالة الخالدة الثانية، يمكن أن يؤمن ما يلائم طبيعة آدم الأول القديم،… وهكذا فإنه في النهاية جلب إلى نفسه الموت، حيث بموته حسب الطبيعة البشرية والبعث بالقوة الإلهية، يمكن أن يصبح البداية لكل البشر الذين يموتون حسب الطبيعة فإنهم سيبعثون من الأموات “12.
من النصوص الثلاثة المدونة أعلاه يمكن أن نلاحظ أن ثيودوروس بإدراكه لكيفية خلق الله لآدم مخلوقاً عاقلاً بمعرفته المسبقة، وفانياً بالرغم من كونه بريئاً. وحسب رواية سفر الخليقة، أمر الله آدم بعدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، وفرض عليه عقوبة في حالة إرتكابه ذلك13. ويشير ثيودوروس لاحقاً أن “الشيطان” الذي استغل سذاجة وبدائية آدم، “خدع (آدم) باتخاذه دور الصديق والحليف”. وأغرى آدم، “بإزالة خوفه وبتحريفه وعد (الله)” 14. لذلك فبإرادته ورغبته، أصبح آدم متكبر وبتعمد ناقض تعليمات الله عندما خضع آدم للشيطان، استبدل وعد الله بعهد الشيطان له (لآدم) على أنه سيصبح إلهاً، بمعنى آخر أنه آثر تشويه حقيقته. من خلال خطيئة التمرد، لم يعد آدم بريئاً، بل مذنباً، وحدث سقوطه بسبب هذا الذنب. من هنا يعتقد ثيودوروس أن الله عاقب آدم لعدم طاعته فارضاً الموت عليه وعلى ذريته. “منذ البدء ومن زمان أسلافنا لم ننتسب للشيطان بل لله، الذي خلقنا بينما لم نكن في الوجود وجعلنا في صورته15… وبسبب إثم وشر الطاغية ومن خلال إهمالنا تم انسياقنا نحو الإبليس، وبذلك فقدنا إجلالنا وعظمة صورتنا، وبسبب خطيئتنا تلقينا عقوبة الموت”16.
ونتيجة للسقوط، الذي أختبر فيه واستسلم للتجربة، تسبب آدم أيضاً في وراثة ذريته للطبيعة التي انحدر إليها باتجاه الخطيئة، مع أن هذه الطبيعة لم تكن في الأصل خاطئة ولا الخطيئة كانت حالة موروثة. هنا تكمن مشكلة السقوط المحيرة والتي هي قاسية بالنسبة لثيودوروس، بما أنه يلح باستمرار على أنه كان من خيار الإنسان أن أصبح خاطئاً، مفضلاً ذلك على كونه خاطئاً بطبيعته17. ويستنتج ثيودوروس، أن العلاقة الوراثية بين آدم وذريته هي الطبيعة البشرية كما يظهر، أكثر مما هي الإرادة، وبما أن الخطيئة لم تكن جزءً مكوناً لهذه الطبيعة، لذلك فإنها لا يمكن أن تنتقل أو تورث. في منظور ثيودوروس الخطيئة هي التمرد على الناموس الإلهي ويمكن أن تمارس فقط بإرادة حرة ومن دون إكراه18.
كيف ورث البشر من آدم الحالة – الطبيعية للخطيئة الموروثة إذاً؟ يؤكد ثيودوروس أن ذلك حصل بقوة الحقيقة التي جعلت معرفة الحالة الفانية والخوف منها أمراً دائم الحضور في وعي البشر. وهذه المعرفة توفر حافزاً قوياً لإطاعة “مطالب الجسد” وبالنتيجة فالشهوة تجد طريقها بالرغم من ذلك، هذا “الانحدار” أو “النزعة” نحو الخطيئة كما ذكرنا سابقاً ليس بسبب “الطبيعة” البشرية الخاطئة الأصلية الموروثة، لكن بالدرجة الأولى بسبب العجزالبشري تجاه الموت19. وبالنتيجة فبعد سقوط آدم أو “خطيئة آدم” كما يشار إليها في كنيسة المشرق، امتلك جميع البشر هذا ” الانحدار” وهذه “النزعة” نحو الخطيئة، وعليه أخطأوا جميعهم بالرغم من أن بعضهم كان أقل خطأً من الآخر.
وعليه فإن المقترحات الواضحة والمتوهجة في مقدمة كتابات ثيودوروس تتضمن:
(1) هناك فرق بين “الطبيعة” و “الإرادة”. (2) الخطيئة لا يمكن أن تورث. و (3) وأنها ميزة أو صفة الإرادة وليس الطبيعة. هذه الاعتبارات العقائدية توفر ذلك المفهوم الذي يتجسد فيه لاهوت أسرار كنيسة المشرق.
بالرغم من أن ثيودوروس يستخدم لغة لاهوتية تقليدية، فإن المجادلات اللاهوتية التي يبينها في عقيدته عن السقوط، تأتي بمحتويات قد تكون إلى حد ما مختلفة عن الصنوف التي هي معروفة بدرجة أكبر في الغرب. في حين يعتقد ثيودوروس بأن الحالة الضعيفة والفانية للإنسان يمكن أن تورث، غير أنه لا يوافق على أنه من خلال هذه الوراثة يمكن أن يتقبل الإنسان الحالة الفانية بذاتها، بغير ارتباط مع الخيار الحقيقي الذي يمارس أمام الله. أنه يحدد بؤرة وجذور الخطيئة بأنها ليست من مميزات الطبيعة البشرية، بل تكمن في استخدام الإنسان لمقدرته عندما يواجه العجز في طبيعته. عندما يتمرد آدم على نواميس الله فإن مصدر الخطيئة هو مسؤوليته وإرادته الحرة وتلك التي لذريته من بعده. فضلاً عن ذلك فإن الضعف الموروث في الجسد الفاني هو الفرصة الملائمة للذنب والخطيئة، أكثر من جزئها الموروث. إذا كان الإنسان قد خلق في ذلك الحين كخاطئ، لكان غير مسؤول وحراً أمام خالقه20. الإنسان لا يرث الذنب الحقيقي من أسلافه، ولا يمكن أن يحمل مسؤولية خطيئة لم يرتكبها. خيار حر يمارس بحرية من قبل إنسان حر قادر أن يطيع أو يتمرد، هو بكل ما في الكلمة من معنى المحور الأساسي لفهم موقع الإنسان أمام الله وهو الذي يسود في التقليد اللاهوتي لكنيسة المشرق.
3. نتائج السقوط
تبعاً لتعاليم القديس بولس في موضوع العلاقة بين الخطيئة والموت، يؤكد ثيودوروس أن الإنسان ابتعد عن الله بسبب عدم طاعته وتمرده، وبالنتيجة أصبح عرضة للموت أولاً وللشيطان ثانياً. بمعنى آخر أن حصيلة خطيئة آدم كانت الموت أي “الابتعاد عن الله”، “والعودة إلى الأرض، التي أًخذ منها”، و “الإنضمام إلى (العاصي) الشيطان”. وهي كما يصفها ثيودوروس أدناه:
“لقد خلق الرب إلهنا الإنسان على صورته من التراب… لو كان (الإنسان) حكيماً لظل مع ذلك الذي كان مصدر كل الأشياء النافعة له، الذي هو مالكه الحقيقي، لكنه تقبل صورة الشرير، والذي سعى لإبعاد الإنسان عن الله بجميع أنواع الخدع… اتخذ دور المعاون. ولأن الإنسان أذعن لكلمات إلى (ابليس) ورفض النواميس التي أعطاها الله إياه، وتبع العاصي كمعاونه الحقيقي، وجه الله له عقوبة العودة إلى الأرض التي تم أخذه أخذ منها. فبالخطيئة إذاً دخل الموت”21.
كيف إذاً أصبح مصير الإنسان بعد السقوط؟ يتكلم هنا ثيودوروس عن ثلاث نتائج النتيجة الأولى: تخص العلاقة بين آدم وذريته. ومجادلاته العقائدية التي تخص آدم وذريته موضحة أدناه ضمن المفهوم المسيحاني:
“أراد الله في الحقيقة (في ملء الزمان) أن يلبس (الجسد) ويرفع الإنسان الساقط المركب من الجسد (الفاني) والنفس الخالدة العاقلة”. لذلك “كما دخلت الخطيئة العالم بإنسان واحد، والموت بالخطيئة، كذلك أيضاً الهبة المجانية ونعمة الله وبواسطة براءة إنسان واحد قد تسود الكثيرين”22. وكما كان الموت بإنسان واحد، كذلك القيامة من الأموات سوف تكون بإنسان واحد لأنه “كما هلكنا جميعاً بآدم، فإننا هكذا أيضاً بالمسيح سنحيى جميعاً”23. كما يشهد الطوباوي بولس. لذلك كان من الضروري لا فقط أن يتخذ جسداً (فانياً) ولكن نفساً خالدة وعاقلة أيضاً. لأنه لم يكن سيبطل موت الجسد فقط، وإنما موت الروح أيضاً والذي هو الخطيئة24
النتيجة الثانية: أن بني البشر جميعاً شاركوا آدم الفناء. الموت ليس فقط نتيجة طبيعية، إنما إدانة بسبب الخطيئة، وتولدت الخطيئة التي هي الآن أحد عناصر مكونات طبيعتهم. وعليه يؤكد ثيودوروس “بالخطيئة دخل الموت، وهذا الموت أضعف الطبيعة (البشرية) وحدث فيها انحدار شديد نحو الخطيئة”25.
النتيجة الثالثة: إن خطيئة آدم حدثت أيضاً في العالم الذي وهب الله فيه لآدم القوة والمنزلة الأولى. بلاء الموت الذي جلبه آدم لنفسه ولذريته وضع نهاية للوحدة الجميلة، ودمر الانسجام الروحي والمادي الحقيقي الذي كان يسود الإنسان والعالم26.
باختصار، بالرغم من أن ثيودوروس يرفض مفهوم الخطيئة الموروثة، إلا إنه يلجأ إلى بعض عناصر هذه العقيدة. وهو يوضح قائلاً، بما أن جميع البشر قد ورثوا الموت من آدم، من خلال طبيعته لذلك فسيكون لديهم ميلاً “إضافياً” نحو الخطيئة. خلق “الله الإنسان فانياً… بالطبيعة”. يعلق ثيودوروس في تفسيره للرسالة إلى أهل رومية “وعليه فهو يملك القابلية على إرتكاب الخطيئة بسهولة”27. بعد السقوط، اكتسبت ذرية آدم القابلية على إرتكاب الخطيئة المتصلة بالقلق الناتج من إدراكهم لطبيعتهم والعاجزة الفانية.
4 الخطيئة، العقوبة (الموت)، والنعمة.
كما تقدم فأن الإنسان ورث الموت من خلال طبيعته، وليس الخطيئة والمعصية28 بالنسبة لثيودوروس الخطيئة هي التمرد الطوعي على ناموس الله. لذلك فإنها ليست موروثة في طبيعة البشر، بل نتيجة لاختياراته، أي لممارسة إرادته، بما أن الخطيئة عائدة للإرادة وليس للطبيعة. ويجزم ثيودوروس أيضاً أن الطبيعة البشرية الفانية الموروثة هي التي تبطن سقوطه الأخلاقي. بالمقابل، الشهوة الجسدية تفسر تمرد الإنسان على الله. في هذا الخصوص يقول ثيودوروس في تفسيره للإصحاح الخامس من الرسالة إلى رومية:
“هكذا سرى الموت على جميع الذين خطأوا بأي طريقة كانت. لأن بقية الجنس البشري ليسوا بمنحى عن الموت لأن خطيئتهم لم تكن من نفس صنف تلك التي لآدم. وإنما الجميع وضعوا تحت حكم الموت لأنهم خطأوا بأية طريقة كانت. لأن الموت لم يفرض كعقوبة على هذا أو ذاك النوع من الخطيئة، بل كعقوبة لجميع الخطايا29“.
ويضيف ثيودوروس لهذا التفسير ببيان على ما يلي. “عندما أخطأ آدم وأصبح فانياً بسبب خطيئته، نالت الخطيئة مدخلاً إلى ذريته، وسرى الموت على جميع البشر كما عليه. لأنه كما أخطأ الجميع… كان من الضروري أن يسري الموت على الجميع أيضاً”30. وهكذا مرة أخرى وبصورة خاصة يعتبر ثيودوروس الموت في آن واحد سبباً ونتيجة للخطيئة.
وباعتراف الجميع فإن العلاقة بين الخلق والخطيئة والفناء لدى ثيودوروس هي علاقة معقدة. ولكن بناءً على ما قيل أعلاه، يمكن للمرء أن يرى كيف يفهم ثيودوروس تماسك تصميم محبة الله للإنسان فإنه وبأي حال لم يكن ممكناً أن يخلق الله الإنسان الأول خالداً لمجرد أن يعاقبه بالموت لاحقاً بعد أن سقط في الخطيئة. موت الإنسان هو وسيلة لمعاقبة الإنسان لخطيئة كانت في علم الله مسبقاً حتى في فعل خلقه للإنسان الأول. بالاضافة إلى ذلك فإن نفس الخطيئة ستكون سبب (الموت!) للحالة الإنسانية الضعيفة لآدم وذريته. إن العلاقة المتناقضة هي، حتى ولو أن الحالة الفانية تسبق الخطيئة في المصطلحات الزمنية، الموت هو في نفس الوقت، النتيجة المحتومة للخطيئة31. بواسطة الحالة الفانية للإنسان يعاقب الله الخطيئة، ويهيئ خليقته للفداء ويرشد الخلائق البشرية الفانية للعيش وفق القواعد الأخلاقية العالية.
تعاون الإنسان مع النعمة
1. إطار الأسرار لدى ثيودوروس
بالرغم من أن مفهوم ثيودوروس لحب الله لخليقته لا يعطي مجالاً للفكرة القائلة بأن الله خلق الإنسان خالداً، مجرد لرؤيته يسقط في الفناء من خلال الخطيئة، مع ذلك فإنه يصور الإنسان كـ “ساقط في الخطيئة” ومغمور في طبيعة ضعيفة ومضطربة، ونفسه مبتلاة بالخطيئة.
{كما سقطنا جميعاً في الخطيئة وأعدنا إلى التراب بعقوبة الموت، يتوجب علينا “أن ننحني على ركبتينا باسم يسوع المسيح”. كما قال الطوباوي بولس، و “أن نعترف بيسوع المسيح رباً، ليتمجد الله أبوه”32 بهذا الاعتراف نؤكد الأشياء التي أصبحت حقاً شرعياً لنا من الطبيعة الإلهية خلال تدبير المسيح ربنا، الذي رفعه الله إلى السماء وأظهره كرب للجميع ومنبع خلاصنا. ولأن جميع هذه الأشياء يجب أن تمارس من قبلنا جميعاً، الذين “سقطنا إلى الأرض” حسب أقوال الطوباوي بولس، 33 أنه من العدالة أن… تحنوا ركبكم، وتظهروا سقوطكم القديم، وتعبدوا الله، بموجب هذه المنافع34}
كذلك يمكن لنا أن نتأكد من أن تعاليم ثيودوروس يصعب تصنيفها مع عقيدة النعمة لبلاجيوس، لأنه يؤمن بكل من شمولية الخطيئة بعد السقوط، والحاجة المطلقة إلى الفداء. 35 إذا كان ثيودوروس يستنتج بأن الخطيئة هي تمرد إرادي على قانون الله السماوي فإن الفداء من الخطيئة سوف يعني له أن الإرادة العاقلة للإنسان أصبحت مطيعة لإرادة الله بغير قيد.هذه الطاعة يتم حدوثها بواسطة الخلاص بتلك الطريقة التي تبين أن النعمة، التي هي عون إلهي، تتفاعل مع الإرادة البشرية الحرة المسؤولة.
بالنسبة لثيودوروس فإن التأثير المفجع للفناء على ميل وإنحدار الارادة البشرية نحو الخطيئة قد أبطل مفعوله الآن بواسطة حالة الخلود والثبات للخلاص المفدى التي قدمت من خلال الأسرار، بتأثير عمل الروح القدس. يؤكد ثيودوروس على أنه بالرغم من أن الفضيلة قد وجدت مكانها في الإرادة، فإن الإنسان يبقى في حاجة ملحة لعون الله، أعنى نعمة الأسرار، لأنه بعد السقوط أصبح ميله واتجاهه نحو الخطيئة. بالنسبة لثيودوروس، الإنسان وحده لا يستطيع القتال مع الشيطان وأعوانه. الإنسان لا يستطيع التغلب على قوى الخطيئة إلا إذا تقبل الهبة، والعملية الجوهرية لروح القدس36.
مع ذلك ليست النعمة الإلهية (الشيء) الذي يلغي إرادة الإنسان الحرة. إن النعمة الإلهية تتعاون مع الارادة البشرية الحرة والمطيعة على أساس وجود نية الانسان الصالحة المسبقة نحو الالتزام بخطة وناموس الله. يؤكد ثيودوروس مرة أخرى أنه بسبب “أن الإنسان قد اعتبر أهلاً للنعمة من قبل (الله)، يستطيع [الناس] أن يجعلوا مساهمتهم مع الله، لإظهار رغباتهم لتجعلهم متناسبين مع النعمة”37. الله يعزو البر للبشر بصورة ديناميكية لتشمل التفاعل المشترك بين النعمة ومبادرة الإنسان الحرة – مسألة التعاون38. ويؤكد ثيودوروس أيضاً “على أنه ليس بمقدورنا لوحدنا أبداً القيام بأعمال الفضيلة الكاملة، كما أننا لا يمكننا جني ثمار الأرض بالرغم من عملنا المضني إلا إذا تلطف الله بأن يعطيها لنا”39.
إنه بالضبط في هذا المنظور يوهب الروح القدس للإنسان في الكنيسة، من خلال الأسرار. كما سنرى لاحقاً في الصفحات التالية من هذه الدراسة، أن عمل النعمة هذا يمنح الخلود في الوقت نفسه ليقود الارادة البشرية في النهاية ويؤدي بها إلى الطاعة الإلهية لإتمام الفداء من الله.
2 تأثير ثيودوروس على نرساي الملفان
لو ألقينا نظرة عامة على الفكرة اللاهوتية الرئيسية لنرساي في موضوع علاقة الإنسان بخطة الله الخلاصية. من خلال هذا التعبير يظهر بوضوح تأثير الفكر الثيودوري على كتابات نرساي التي يمكن رؤيتها في الأطر الخلاصية التالية40: نرى أولاً أن أفكار نرساي الدينية مبنية على قاعدة كتابية، على غرار المفسر، وهو يتبع المنهج التفسيري الأنطاكي. وصورة خطابه اللاهوتي عقائدية جداً. في عقيدة نرساي، المصطلح “صورة” في التكوين 1: 27. ” الله خلق الإنسان على [صورته] “هو المفتاح الذي يقوم بتأشير طبيعة الإنسان الكاملة الجسدية والروحية: ’’[الخالق] صمم قبل كل شيء، الوعاء الأرضي من التراب ومسحه بالروح، والكل أصبح كائناً حياً… لقد جعل مصمم الكون وعاء ثنائي لطبيعتنا: الجسد المرئي والروح المخفية – إنسان واحد‘‘41.
في الخلق جعل الله، الإنسان إلى حد بعيد مختلفاً عن الخلائق الباقية. هذا الإنسان [آدم] الذي خلقه الله على صورته يمثل الصلة الفريدة والوحدة التي تربط العالمين الروحي والمادي معاً. الطبيعة “الإلهية” هي أكثر سمواً من بقية الخلائق – بدون قياس، ولا تملك صورة مرئية كما تملك الكائنات الجسدية. صورة “الإنسان” “الله” مجد باسم الصورة (تكوين 1: 27). بواسطة (بالإنسان) يربط (الله) كل الخلائق وبذلك ينال ذاك (الكل) محبة معرفة (الله) بواسطة صورته (الإنسان) 42.
بما أن الله له طبيعة وراء نطاق المعرفة لذلك فالإنسان عند نرساي هو الواسطة التي من خلالها تنكشف معرفة الله الحقيقية. بهذه الطريقة منح الله “الفرح” للإنسان ليجلب بقية الخلائق في العالم للمعرفة الحقيقية لخالقهم ومحبتهم له:
’’بما (أنه) من المستحيل لطبيعة الله المخفية أن تظهر وتنجلي علناً، حدد الله الاستفسارات عن صورته المرئية (الإنسان) 43. في الإنسان فتح الله كنز رحمته في حضور مخلوقاته، فدخلت الكائنات العاقلة والمغفلة ونالت الفرح في خدر الختن للحياة. لقد شرفنا في البدء وفي النهاية بوضعنا فوق كل المخلوقات، لأنه سمانا صورته وجعلنا (في المسيح) هيكل ألوهيته‘‘44.
وبالمقارنة مع خلفية الاسلوب الذي يؤكد فيه نرساي على انسجام الإرادة الإلهية بين عالمي المادة والروح، يمكن للمرء أن يفكر ملياً في الدور الودي الذي يلعبه التجسد والأسرار. عندما خطأ آدم ضد خالقه بعصيانه للقانون الإلهي، أفسد النظام الذي وهبه الله له، أعني كونه صورة الله وواسطة الاتصال بين العالم الروحي والجسدي في الكون. وفي هذا الصدد يقول نرساي:
’’(قبل السقوط، [بفترة] قصيرة، كانت هناك ديمومة للجمال الزائل، ولكن ظهرت مساءلة تافهة حول صفاته. وبهتت الألوان الزاهية لروحه بسبب شهوته للثمرة، واكتسب لون الفناء بسبب أكله لهذه الثمرة. وطمست الخطيئة اسم الحياة (العائد) للصورة الملكية وكتبت على اسمه الفساد، وعلى أطرافه الموت45. وعليه (فهو) طرح الصورة (الموهوبة) بأسم الجوهر (الإلهي) بخداعه وفتر الحب الذي (يكون) الهيكل الأساسي للكون بواسطة مكائده. وعكر السلام الملكي بحثالة الإثم وقطع طريق المسيرة الإنسانية نحو (الألوهية) المخفية. وأصبحت المخلوقات العاقلة والمغفلة غريبة للجنس البشري بسبب سقوطه الذي لا تقوم له قائمة بعد‘‘46.
ولكن رحمة الله عظيمة. وعليه، ولأجل إعادة الجميع إلى معرفته الحقيقية وحبه، ولأجل تنفيذ خطته الخلاصية الأزلية، أرسل الله كلمته الأزلية لتسكن فينا، في آدم الثاني، ليفدي العالم بآلامه، موته، وقيامته:
’’كان الخالق مسروراً ليعطي الحياة للكون في الحب والرحمة، لذلك أرسل ابنه ليعيد العالم إلى معرفته. اجبره حبه ليشفق على صورته الأولى. عرف قبل أن يصنعه أنه (سوف) يخطأ بالتأكيد، لكن حبه قاده للمغفرة كواحد كلي المعرفة بدون حدود47.في ملء الزمان، سكن حبه فينا وأجرى مصالحة الكون، لم يرسل لنا (أحد) الروحانيين العاملين في خدمته، أرسل الكلمة الذي هو منه، ودعانا إلى معرفته48.
من هو إذاً يسوع المسيح بالنسبة لنرساي؟ إنه كلمة الله الذي سكن فينا من خلال ناسوت يسوع المسيح. إنه آدم الثاني، الصورة الحقيقية غير الفاسدة، قوة العلاقة والشركة التي توحد المخلوقات أفقياً فيما بينها49، وتوحد جميع المخلوقات عمودياً مع خالقها50. يسوع المسيح هو الذي أعاد الوحدة والمصالحة بين الله والإنسان وجلب القداسة لحالة الإنسان. لقد أعيد الكون إلى الحياة الأبدية بكمال المسيح51. بجسده وروحه (ناسوته)، المسيح هو صورة لآدم إلى حد أنه جدد جسد البشر وروحه وربط الكون بنفسه مرة أخرى عن طريق الحب52.
لقد أبطل المسيح بدمه (الذي هو قاعدة وأساس الأسرار الكنسية) حكم الخزي والعار، الذي صدر ضدنا بسبب آثامنا. أنه بواسطته (بنعمة الأسرار) صالح المسيح الكون مع رب الكل وضمن (من خلال كنيسته) السلام والتجديد لجنسنا من خلال عنايته الإلهية53.
الكنيسة: معنى ونتيجة حياة الأسرار
كما رأينا أعلاه في عقيدة كل من ثيودوروس ونرساي، فإن كنيسة المشرق تفهم معنى كلمة (أرزا) كلقاء بين حب الله اللطيف السرمدي، وتعاون البشر، القائم في عالم (جريح) بالخطيئة. الآن سوف نعيد هذا الاعتبار لكي نبين كيف أن نعمة الله تلتقي سمو، وصلاة، وتعاون البشر، في إطار حياة الأسرار. لقد حقق المسيح النصر على الشيطان بتجسده، وحياته، وآلامه، وقيامته، وخولنا ومن خلال المعمودية أن نصبح أولاد الله “بالتبني”. لقد أصبح المسيح موافقاً لمتطلبات حالة آدم الأصلية، وبانتصاره أعلن بداية “العهد الجديد” – العالم الآتي.
وفي هذا الصدد تكون الكنيسة التي أسسها المسيح واسطة من خلالها تعطى هذه الحقيقة الخلاصية للعالم. أنها تملك النتيجة الحقيقة لآلام – قيامة المسيح، الطريق الذي من خلاله يمنح للانسان الفداء والخلاص. إن طبيعة أسرار الكنيسة واضحة في تفكير الآباء الأوائل للكنيسة، ومن ضمنهم ثيودوروس الذي يعد كأحد أبرز معلمي كنيسة المشرق و “مفسر الكتب المقدسة”.
وبما أن المصدر الرئيسي لتفكيرنا بحياة الأسرار لا يزال هو كتابات ثيودوروس، أصبح من الأهمية بمكان أن نعرف بأن في كنيسة المشرق وخلال الألف الأول من العصر المسيحي، كانت الأسرار الرئيسية المعمودية والاوخاريستيا، بالرغم من أنه عملياً كان كلا هذين السرين يفترض وجود سر الدرجة الكهنوتية54، التي أصبحت لاحقاً أساس ومصدر كل الأفعال (السرية) في حياة كنيسة المشرق.
1. أبعاد الأسرار
إن تمييز وجود أكثر من بعد واحد في فكرة السر واضحة في خطاب ثيودوروس عن الأسرار (المعمودية والقربان المقدس). لقد ظل يؤكد على أن “كل سر يتكون في (تصويره) من أشياء غير مرئية وغير محكية خلال علامات ورموز”. يتكون السر من مواد مرئية (المادة)، وعلامات الأشياء التي تحدث أو قد حدثت، والكلمات التي توضح قوة العلامات والأسرار. في نظر ثيودوروس السر هو علاقة، يحتاج إلى توضيح وتفسير لكي يستطيع المؤمن الذي يقترب إليه أن يعرف قوته55. وكما نلاحظ، يتكون السر من مواد مرئية تعمل على حضور أشياء غير مرئية (أشياء غير منظورة وغير محكية). هذا التعريف يفهم في إطار دراسة طِباق الكتاب المقدس Typology “للعصرين” 56 التي يمثل فيها “غير المنظور” العالم الآتي أي العصر الذي يدشن بالمسيح57. بالنسبة لثيودوروس المسيح هو حبرنا الأعلى الذي أسس الأسرار وأمرنا بممارستها، لذلك:
“فنحن ننتظر هنا في الإيمان إلى أن نصعد إلى السماء لنلتقي برحلتنا هذه سيدنا، لكي لا نراه كصورة من خلال زجاج بل نعاينه وجه لوجه58. هذه الأشياء في الحقيقة كنا نتوقع أن نقبلها من خلال القيامة في الوقت المرسوم من قبل الله والآن بالإيمان فقط يمكننا الدنو أقرب إلى الثمار الأولى لهذه الأشياء الصالحة: إلى المسيح ربنا والكاهن الأعلى للأشياء العائدة لنا. لقد أمرنا أن ننجز في هذا العالم الرموز والعلامات للأشياء المستقبلة، لذلك ومن خلال خدمة الأسرار قد نكون مثل الرجال الذين ينعموا رمزياً بمنافع الفرح السماوي، وعليه نحصل على الشعور بالتملك، والأمل القوي للأشياء التي نتطلع إليها”59.
وخير مثال على المفهوم الشخصي لثيودوروس عن رمزية الأسرار هو تفسيره لمفعول المعمودية بمثابة الميلاد الثاني. من الواضح بالنسبة لثيودوروس أن المعمودية ليست بالكلام الجازم أو (حرفياً) هي ميلاد ثان (فعلي) أكثر مما هي رمز للميلاد الثاني (الحقيقي)، ” وبالتأكيد أيها [ المعمد ] سوف تقبل الولادة الثانية الحقيقية بعد قيامتك من الأموات تحديداً وتحرز استحساناً لتكون في الحالة التي جردت منها”60 ويستأنف قائلاً “لذلك ستكون لك الولادة الثانية تحديداً عند القيامة فقط عندما تمنح الحالة التي كنت عليها بعد ولادتك من امرأة، والتي حرمت منها بالموت”61. إن سر العماذ هو “رمز الولادة التي أظهرها ربنا عندما قال لنيقاديموس، إذا لم يولد المرء من فوق لا يستطيع أن يرى ملكوت الله”62. فحسب الرب أولئك الذين سوف يدخلون ملكوت الله، يجب أن تكون لهم ولادة ثانية لا تكون جسدية (كما اقترح نيقاديموس). وحسب فكرة ثيودوروس، الطريق الوحيد هو القيامة.
بالرغم من الأدلة المقدمة من كثيرين عن أقوال ثيودوروس، فلا يجوز التقليل من فهمه لقوة تأثير الأسرار. في هذا الشأن يقول ’’(كما) في الولادة الجسدية، يقبل رحم الأم المني البشري وتجبله يد الله حسب الحكم القديم، كذلك أيضاً في المعمودية يصبح الماء رحماً للمولود وتجبل فيه نعمة الروح، في الولادة الثانية، الفرد الذي تعمد وتغيره كلياً إلى إنسان جديد… (المعمد) سوف يجبل من فان إلى خالد، من فاسد إلى غير فاسد، ومن متقلب إلى ثابت، وسوف يتغير كلياً إلى إنسان جديد حسب قوة ذلك الذي جبله‘‘63.
2. قوة الأسرار
من الواضح أن ثيودوروس لا يشك في القوة الكاملة والتي لا لبس فيها لسر المعمودية، لأنه يقول ما: “نحن حقيقة نتقبل في المعمودية المشاركة في الولادة الثانية بدون أي شك”64. وكما يقتبس من رسالة بولس إلى أهل رومية (6 : 3 – 4) يقول: “وكما عمدنا جميعاً في يسوع المسيح، إنما عمدنا في موته فدفنا معه في الموت بالمعمودية. فهكذا نحن أيضاً سوف نحيا حياة جديدة كما قام المسيح من بين الأموات بمجد الأب”65. هذه المتعة الرمزية المستقبلية تشمل أيضاً، ومن خلال مفعول الكنيسة في الأسرار، المشاركة الحقيقية في ذلك المستقبل نفسه. الرمز يجعل المستقبل حاضراً في الطريق الحقيقي من خلال صلاة وطقوس الأسرار66. لأنه في المعمودية “نتقبل الولادة الثانية بالأسرار كعربون تحقق بمفعول الروح القدس… والذي أيضاً وبدون شك يضمن مشاركتنا في المنافع المستقبلية”67.
لاهوت الأسرار عند ثيودوروس يمثل النموذج التاريخي في الخبرة الإنسانية العامة. لقد أسس تناظر الأسرار من الحقيقة الطبيعية، والتي ربطها بعد ذلك بالخطة الخلاصية التي كشفها الله من خلال المسيح، وفي سياق هذا المفهوم بالنسبة لضرورة سر المعمودية والقربان المقدس للحياة الأبدية يؤكد ثيودوروس على:
’’أننا بقدر ما نوجد في هذا العالم الحاضر، بفعل الولادة والغذاء – بالولادة نحن نقتني وجودنا وبتغذية أنفسنا نستطيع إدامة وجودنا. وبما أن أولئك الذين ولدوا سوف يموتون بالتأكيد إذا حرموا من الغذاء، كذلك هو الحال في العالم الآتي، الذي نولد فيه بالقيامة سوف نقتني وجودنا، وبما أننا نصبح خالدين، سوف نستمر في تلك الحالة‘‘68.
ولذلك فإن ثيودوروس يظهر أن هناك علاقة قوية بين المعمودية والإوخاريستيا، كتلك الموجودة بين “حدث الولادة” و “مادة الغذاء” كما أن وجود الإنسان يبدأ بالولادة ويستمر بالغذاء، كذلك الوجود بالأسرار والمشاركة بالقيامة، يبدأ بالمعمودية، ويغذى بالإوخاريستيا. الولادة بالأسرار تستمر بغذاء الأسرار، وهكذا فإن نظرة ثيودوروس للعلاقة بين المعمودية والقربان المقدس، هي نفسها في الحياة الطبيعية كذلك في الحياة الأسرار “ضرورة القربان المقدس تجري من نفس الطبيعة (وعلاقتها) بالمعمودية”69. كما تقبلنا معموديتنا (أو الولادة الأسرارية) كذلك سوف نتقبل القربان المقدس، كغذاء الأسرار الذي يمدنا بعناصر الحياة حتى القيامة.
3. الذكرى، الذبيحة، والآخرة
بالرغم من حقيقة كون القربان المقدس ذكرى آلام ربنا يسوع المسيح في المأكل والمشرب يشير ثيودوروس بوضوح “بالرغم من ذلك نحن نقوم في (عبادتنا) بذبيحة، وإنها من واجبات كاهن العهد الجديد تقديم هذه الذبيحة لأنه من خلالها70 يظهر أن الميثاق الجديد مصان”71. بالنسبة لثيودوروس الاوخاريستيا ذبيحة لكنها ليست بالجديدة، ولا هي التي تتخذ لوحدها والتي يحتفل بها الكاهن بصورة استقلالية. إلى حد ما فالاحتفال بالاوخاريستيا في الكنيسة يعد ذكرى لذبيحة المسيح الحقيقية على الصليب. يسوع قام نيابة عنا “بإنجاز عمل الكاهن الأعلى الحقيقي بتقديم ذاته قرباناً لله، الذبيحة ليست إلا نفسه، وسلم نفسه للموت من أجل الجميع وأصبح باكورة القائمين من الأموات وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الله ليمحق جميع أعدائنا…”72. إن سر جسد ربنا ودمه هو أيضاً سر وحدتنا، كما يعلمنا ثيودوروس” في الحقيقة نحن جميعنا جسد واحد هو جسد المسيح ربنا73 وجميعنا أعضاء بعضنا البعض74، والكاهن يشغل فقط دور العضو الذي هو أعلى من أعضاء الجسد الأخرى… (و) حسب دوره الكهنوتي يقوم بتوجيه الكل وقيادتهم ومثل اللسان يرفع صلوات الكل”75. وفي نفس الوقت، فإن البعد الأخروي للأسرار حاضر بوضوح في تقليد كنيسة المشرق، لأنه وحسب ثيودوروس، الأسرار تضع المؤمن “في طبيعة طاهرة وفي منزلة أعلى”76. ومن خلال الأسرار “كما من خلال الرموز يقترب (المؤمن) تدريجياً من الأمل المستقبلي (و) يحرز الإيمان بدون ارتياب بخصوص هذه المواهب… (لأن) وبعدهم على الأرض قد كتبت في رهبة الإلهام المجيد للعالم الآتي من خلال هذه الأسرار”77. ويكرر هذا المفهوم أيضاً يوحنا بر زوعبي تجاه حقيقة الأسرار. وفي معرض شرحه للاوخاريستيا.
يشهد بر زوعبي بوضوح على حقيقة أننا نحتفل بالأسرار يوم الآحاد ’’لأجل أن نتذكر ما هو ماضي، وذلك الذي يأتي78. الماضي هو قيامة ربنا، وآلامه، وموته لأنه ومن أجل خلاص الكل قد تألم وحوكم، وقام وصعد إلى السماء. وأما الذي سيأتي، فهو قيامة الجميع واكتساب الغبطة لأن الذي يؤمن به ويتناول جسده يرث السعادة‘‘79.
4. الروح القدس في الأسرار
إن دور الروح القدس الذي يستحضر بالصلوات والتضرع إلى الله، هو جوهري في فهم وقوة الأسرار. بشكل متناغم مع التقليد المسيحي الشرقي، ليس هناك من شك على أنه في فكر ثيودوروس كما الحالة في تقليد كنيسة المشرق، أن “لحظة” التقديس في الاوخاريستيا هي لحظة الابتهال للروح القدس ليحل على العطايا التي على المذبح. لأن ثيودوروس يقر على أن “الروح القدس” ومن خلال النعمة الإلهية “هو الذي يأتي على الخبز والخمر الموضوعين على (المذبح) بحيث يمكن رؤيتهما كجسد ودم ربنا الحقيقيين واللذين هما ذكرى للخلود”80. ويضيف ثيودوروس مباشرة بأن النقطة الحاسمة ومفعول سر الاوخاريستيا هي في قيامة المسيح: “في الحقيقة إن جسد ربنا الذي هو من طبيعتنا كان في الماضي فانياً بطبيعته، ولكن من خلال القيامة تحول إلى طبيعة غير فانية وغير قابلة للتغيير. عندما يعلن الكاهن أن (الخبز والخمر) هما جسد ودم المسيح فإنه يعلن بوضوح أن (القرابين) قد أصبحت كذلك بحلول الروح القدس، الذي من خلاله أصبحت غير فانية أيضاً كما هو جسد الرب، بعد أن كان قد دهن وتقبل الروح81، وظهر بوضوح أنه أصبح كذلك. وبنفس الطريقة (بعد حلول الروح القدس) فإننا نعتبر أن (مادتي الخبز والخمر) هما من الآن غير فانيين، وغير قابلين للفساد، والشعور بالألم، وللتغيير بواسطة الطبيعة،كما كان جسد ربنا بعد القيامة82“.
5. المحتفل والمستلم للأسرار
إن الحالة الحاسمة لتقبل مغفرة ونعمة الله في سياق الأسرار هو فعل الإيمان. في نظر ثيودوروس الروحاني “الإيمان” أي (الاعتقاد في إله واحد الأب الكلي القدرة) “هو أساس عبادة الله ومخافته”83. الإيمان هو العنصر المكمل في فعل الصلاة والعبادة لكل من المحتفل بالأسرار والمستلم لها. إن أي عبادة جديرة بالتصديق تعتمد على “الإيمان بأشياء غير مرئية والتي لا توصف”84. تلك هي الأشياء التي “تحتاج إلى الإيمان، لتمكن الفكر أن يرى غير المرئي”85. الأشياء المرئية نراها بأعيننا، بينما تلك غير المرئية “تبصر فقط بالإيمان”86. بالنسبة لثيودوروس كما لبولس “الإيمان هو موضوع الأشياء المؤمل بها ودليل الأشياء التي لا ترى”87.
أنه من الأهمية بمكان لكل من المحتفل والمستلم للأسرار أن يكون غائراً في فعل الصلاة. من ناحية ثانية يعرف ثيودوروس الصلاة كما يلي: “الصلاة الحقيقية تكمن في الأعمال الحسنة، في محبة الله، وفي الاجتهاد بالأشياء التي تسعده”88. ويضيف ’’الصلاة لا تكمن كثيراً في الكلمات، بل في الطيبة، والمحبة، والحماسة في الواجب. في الحقيقة أن أي فرد يميل إلى الأعمال الصالحة، يحتاج أن يكون في حالة صلاة دائمة طيلة حياته… فالصلاة متصلة بالضرورة بالأعمال الصالحة، لأن الشيء غير الصالح للتطلع إليه، هو غير صالح للصلاة من أجله… إذا كنت مهتماً بالصلاة، فاعلم أنها لا تنجز بالكلمات بل باختيار الحياة الفاضلة، ومحبة الله، والاجتهاد في واجب الفرد. إذا كنت متحمساً في هذه الأشياء فإنك في حالـــة صلاة طيلة حياتك‘‘89. إن مستلم الأسرار مدعو من قبل آباء الكنيسة ليعيش “حياة الأعمال الصالحة والصلوات”. عندما يصل إلى الكنيسة لتناول الأسرار، يجب أن يكون واثقاً من أن “(الرب) قد منح الكنيسة قوة بحيث أن أي فرد يقترب منها فهو يقترب أيضاً من الأشياء السماوية، وأي فرد يصبح غريباً عن (الكنيسة) فهو بالتأكيد يصبح غريباً عن الأشياء السماوية أيضاً”90.
وكدليل على حقيقة أن الكنيسة تملك قوة الأسرار والصلاحية، يقتبس ثيودوروس الآيات البطرسية التي قال فيها المسيح لبطرس “أنت صخرة وعلى الصخرة هذه سأبني كنيستي، فلن يقوى عليها سلطان الموت. وسأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات. فما ربطته في الأرض ربط في السموات وما حللته في الأرض حل في السماوات”91. كذلك فمن جهة متناول السر هناك فهم بدائي على أن المؤمن يجب أن يكون لديه شرط مسبق – ضروري للفهم الصحيح لتاريخ الخلاص البشري، أو الأصح تاريخ سقوطه. في هذا الإطار، يؤكد ثيودوروس على أننا يجب أن نعرف تاريخنا الروحاني وأسباب سقوطنا، “لأن الشيطان، الذي (أصغينا) إليه، كان سبباً لفواجع عديدة وكبيرة”92. وعليه، فإن شجب الشيطان، خلال سر المعمودية، بصيغة “أنا أشجب الشيطان” هو أمر حاسم لتراصف تاريخ إيماننا مع تاريخ الخلاص. عندما نشجب الشيطان، الذي حث على التمرد ضد النواميس الإلهية في وبين البشر، فنحن نعلن انفصالنا عنه حالياً وكذلك لأي علاقة سابقة كانت لنا معه. إن شجب الشيطان يعني أننا نعلن أن “ذلك الوقت القديم القاسي الذي سبب لنا العبودية الفاجعة” قد انتهى وأن أي علاقة كانت لنا معه قد قضت93. وشجب الشيطان في إطار السر هو أيضاً شجب ورفض لأولئك الذين تآمروا مع الشيطان، أعني، ملائكته94. إن شجب الشيطان يعني أننا “نرفضه دائماً وأننا لا نعود إليه ولا يسرنا أن نتآزر معه ثانية”. وعليه يجب علينا “أن نبقى راسخين أمام الله ومعه بدون تردد… لنفكر ملياً… لنعيش معه ونرشد أنفسنا إلى طريق يكون في تناغم مع وصاياه”95. إن متناول الأسرار يكون في صراع دائم وحقيقي مع الشيطان وملائكته، مع الشرير وأعوانه. لكونهم القوى التي أنزلت جنسنا البشري من المكانة العالية التي كان فيها بعد أن خلق الله آدم، واستمرت بفعل نفس الشيء، أو على الأقل خططت لفعل الشيء ذاته لذرية آدم، يعني لكل البشرية. وعليه، فإن متناول الأسرار في نظر كنيسة المشرق، هو في نوع من الصراع مع قوى الشيطان وعليه أن يبقى محافظاً على ثلاثة أشياء، (أ) تقبل تعاليم الكنيسة عن كل سر. (ب) أن يكون في حالة حذر وصلاة قبل وبعد فعل التناول. (ج) أن يعيش في حالة دائمة من “الأعمال الصالحة والصلاة”96.
وبالرغم من كون السر مرعباً وعظيماً، فإن ثيودوروس يستمر في نصح المؤمن ليثق به ويتناوله بأمل عظيم لأنه “من عظمة الهبة (عندما تستلمها) فإنك تضع ثقتك في ذاك الذي يهب هذه الأشياء للجنس البشري، والذي يمنح أيضاً ثقة كهذه… لأولئك الذين هم في حاجة إلى نعمة الله…”97.
إن علاقة الإنسان مع جاره هي حاسمة أيضاً في تبرير تناول السر (الاوخاريستيا). الإلزام الأخلاقي لمحبة الجار كما يحب المرء نفسه، هو مفتاح الفكرة لدى ثيودوروس في تعليمه حول الحالة الأخلاقية لمتناول الأسرار. ويؤكد على أننا كما نطلب من الله المغفرة عندما نصلي، كذلك فنحن نقر في صلاتنا بأننا نطلب نعمة المغفرة، كما أننا قد غفرنا لأولئك الذين اخطأوا ضدنا98. وعليه ’’(فإننا) لا نكون في حالة تقبل النعمة والمنافع المعدة لنا من قبل الله، عندما لا نزال في هذا العالم، إذا لم نجاهد بكل قوانا لنكون رحماء إلى جيراننا. سنصبح أهلاً لهذا السر المقدس الملهم لخشية الله إذا فكرنا في الأشياء التي (نصلي من أجلها الله)، وإذا أحرزنا في مقياس قوانا، فكراً سامياً عن الأشياء الأرضية، وإذا تأملنا الأشياء السماوية وفكرنا باستمرار بأننا برجائها تناولنا هذه الأسرار‘‘99.
- مار توما أودو “سيمتا دلشنا سورييا” الجزء الثاني (مطبعة الآباء الدومانيكان الموصل 1897) الجذر “رز” ص 989. وقد جرت العادة في كنيسة المشرق على استخدام كلمة “أرزا” بصورة عامة على طقوس الأسرار، ولكن في صيغة الجمع “أذزا” تستعمل للأوخاريستيا أي (جسد ودم ربنا يسوع المسيح).
- قارن العبرانيين 6 : 20 في ما يخص كهنوت يسوع المسيح على رتبة ملكيصادق يقول ثيودوروس بأن “(يسوع) أصبح على رتبة رئيس الكهنة لأنه كان الأول الذي دخل إلى السماء ومن خلاله منح لنا عربون الدخول. وعمل رئيس الكهنة هو في الحقيقة الاقتراب من الله في البداية بعده من خلاله يقترب الباقون “للمزيد من التفاصيل انظر تفسير ثيودوروس المصيصي للصلاة الربانية وسري العماذ والاوخاريستيا في دراسات Woodbrooke الجزء 6 طبعة الفونس منكانا، كمبرج 1933 ص 18
- حسب ر. ميوري، بدأ آباء كنيسة المشرق في القرنين الرابع والخامس مثل أفراهاط وأفرام بتكوين “وعي صريح بالشعائر التي نعني بها الأسرار” الشعائر الليتورجية مثل ذبيحة الاوخاريستيا، رسامة ومسحة الجسم كله كجزء من سر الابتداء (العماذ)، وضع الأيدي في الرسامة كانت كلها تفهم بأنها متأثرة بقوة الروح القدس التي كان يفهم فعلها في هذه الشعائر كـ “رفرفة” أو كـ “ظلل” (روخفا) بالسريانية. بالإضافة إلى ذلك يضيف ميوري بأن الكنيسة الناطقة بالسريانية كانت تمارس أعمال ليتورجية أخرى مثل التوبة لإعادة الخاطئ إلى الجماعة “بوضع الأيدي” والزواج، ولكن هناك دليل ضعيف بأن الكنيسة فهمت هذه الشعائر في القرن الرابع كأسرار. للمزيد من التوضيح انظر روبرت ميوري، (Symbols of Church and Kingdom) مطبعة جامعة كامبرج 1975، ص 21 – 23
- ثيودوروس، 6، منكانا، 20. حول فهم أسرار “الحياة المتوقعة” انظر فرانسيس ج. رين “عقيدة الاوخريستيا وليتورجية التعليم المسيحي لثيودوروس المصيصي” (مطبعة الجامعة الكاثوليكية الامريكية واشنطن دي سي 1966). يقول رين “وعليه الاوخاريستيا رمزياً أو سرياً تغذي المسيحي لأجل أن يربي ذلك المستقبل المتوقع في الوجود الخالد. وهذه التغذية تتكون من الأمل في الفوائد المستقبلية للخلاص، الأمل الذي يتولد خلال الرمز السري لعمل المسيح الفدائي” ص 38 وما يليه
- إن وجهة نظر ثيودوروس الأخرى أي الصغرى تشاهد في تفسيره لرسالة غلاطية. حيث يقول “عندما خلق الإنسان الأول، إذا كان قد بقي خالداً، لما كان هناك وجود للصيغة التي أتت علينا الآن، بقدر، ما كانت لها نهاية. ولكن بما أنه (الإنسان) أصبح معرضاً للفناء بسبب خطيئته، الحياة الحالية أصبحت تسمى – الوجود الذي أتى علينا الآن – كحالة أدنى من الحياة العتيدة “ثيودوروس المصيصي, Theodori Episcopi Mopsuesteni in Episstolas B. Pauli Commentarii, 2 vol., H.B. Swete ed., (Cambridge 1880, 1882). انظر تفسير ثيودوروس المصيصي لرسالة غلاطية 1 : 3 والصفحات اللاحقة سويتي الجزء 1 ص 7. وبناءً على هذه الشهادة يبدو أن ثيودوروس قد قسم تاريخ الخلاص إلى ثلاثة أجزاء (أ) فترة ما قبل السقوط. (ب) الفترة بين السقوط والمجيء الثاني، أي فترة “العصر الأول”. (ج) فترة ما بعد المجيء الثاني، أي فترة “العصر الثاني”. يؤكد ثيودوروس بأنه في البدء عندما خلق الله آدم قبل السقوط جعله خالداً. ولكن بارتكابه الخطيئة ضد خالقه تحول آدم من حالة الخلود، وكذلك تحولت ذريته من مستوى ذلك الوجود إلى مستوى أدنى. الفترة الثانية هي حالة البشر الحاضرة. ومرة ثانية، وحسب الشهادة أعلاه، هذه الحالة الحاضرة أتت ليس كجزء من خطة الله الأصلية، ولكن نتيجة خطيئة آدم ومضاعفاتها: أي السقوط. في هذه الفترة، التي في أماكن أخرى يشير إليها ثيودوروس “بالعصر الأول” أصبح الإنسان فانياً ولا يستطيع الوصول إلى هدفه المحتمل بسبب حالته الفانية. والتي هي الأجرة المستحقة للخطيئة. والفترة الثالثة تبدأ “بالمجيء الثاني” لأبن الله و “دينونته النهائية” للعالم والتي من خلالها سيعيد الإنسان إلى الخلود، لأجل إعادته إلى مستوى أعلى من الوجود
- تفسير ثيودوروس لرسالة غلاطية 1 : 3 وما يليه سويتي جزء 1 ص 25
- انظر ريجارد ألفريد نوريس “الأسس العقائدية لمسيحانية ثيودوروس المصيصي” أطروحة قدمت للكلية العامة للاهوت كجزء من المتطلبات المطلوبة لنيل درجة الماجستير في اللاهوت المقدس. (نيويورك 1957). في الصفحة 55 يقول نوريس “إن التدريب على الفضيلة يحتاج إلى أن يكون الإنسان قد خلق فانياً، بما أن إلامكانية التي هي جوهر الفناء هي أيضاً تقتضي ضمناً النمو والجهد الأخلاقيين… كون الله خلقه خالداً، والآن (بالجسد) غير قابل للشعور بالألم، كان قد ينكر عليه إمكانية الحصول على الخلود لنفسه…”
- انظر ثيودوروس فتات من الأعمال العقائدية لثيودوروس، الفصل 6 حول الخطيئة الأصلية والفناء، الكتاب الثالث سويتي، ج 2 الملحق أ، 332
- ثيودوروس 6، منكانا 19
- نفس المصدر السابق، 55
- نفس المصدر السابق، 45
- انظر الفتات من أعمال ثيودوروس العقائدية، سويتي 335
- تكوين 2 : 15 – 17
- انظر ثيودوروس 6، منكاما 21
- تكوين 1 : 17
- انظر ثيودوروس 6، منكانا 28
- لا يمكن تصنيف ثيودوروس كـ “أوغسطيني” لأن تصويره لحرية الإنسان والمسؤولية الأخلاقية، لا يمكن اعتبارها كسبب لذرية آدم أن ترث الخطيئة الأصلية أو خطيئة الإنسان الأول وذنبه. على عكس الجواب الأوغسطيني الإيجابي، العقيدة الثيودوروية تنفي بتصميم أي احتمال أن ترث ذرية آدم خطيئته وذنبه
- انظر ر. أ. نوريس ناسوت المسيح: دراسة في مسيحانية ثيودوروس المصيصي (نشر كلاريدون بريس أوكسفورد 1963). ص 179. ملاحظة 5
- انظر نوريس “ناسوت المسيح” 58. يؤكد نوريس على “إنه، هذا الضعف الجسدي يفسر في النهاية الحقيقة التي تقول أن الناموس لا يستطيع أن يضمن الخلاص للبشر، الذين سقطوا في الخطيئة سقوطاً أبدياً بسبب طبيعتهم الفانية”
- ثيودوروس، انظر أعلاه الملاحظة رقم 11 (سويتي، 335)
- انظر ثيودوروس 6، منكانا، 21
- رومية 5 : 12، 15 و 17
- 1 كورنثوس 15 : 22
- انظر، ثيودوروس 6، منكانا، 56
- نفس المصدر السابق
- تفسير ثيودوروس لرسالة القولسي 1 : 16 وما بعدها، سويتي، جزء 1، ص 267 وما بعدها
- Theodore of Mopsuestia , Pauluskommetare aus der griechischen Kirche , in Neutestamentliche Abhandlungen 15 , Karl Staab, ed., Aschendroff Munster, 1933). See Theodore’s Commentary on Romans, 7 : 14, Staab, P. 131 – 212
- انظر أعلاه، الشعور الثيودوري، الموت الذي نتج عن السقوط أعني (أ) الابتعاد عن الله (ب) العودة إلى الأرض التي أخذ منها (ج) الإنضمام إلى (للعاصي) الشيطان
- انظر تفسير ثيودوروس للرسالة إلى رومية 15 : 13 – 14، ستاب، ص 119
- نفس المصدر السابق
- نوريس، الناسوت في المسيح، 184
- فيلبي 2 : 10 – 11
- أعمال الرسل 26 : 14
- انظر ثيودوروس، 6، منكانا، 36 – 37
- البلاجيونيزم هي تعاليم استنبطت ونشرت في الكنيسة القديمة من قبل الراهب بلاجيوس وبعض أتباعه في القرن الخامس. على غرار ثيودوروس رفض بلاجيوس تعليم الخطيئة الأصلية. ولكنه ليس مثل ثيودوروس، لا يعتبر الطبيعة المتألمة والفانية كنتائج لخطيئة الإنسان. وبسبب خطأ البلاجيونيزم الفلسفي الرواقي، فقد رسخت حرية الإنسان كقاعدة نهائية مطلقة يتمكن الانسان ويجب عليه أن يحفظ عليها ناموس الله. وعليه فإن البلاجيونيزم على عكس ثيودوروس تنكر ضرورة النعمة للوصول إلى القانون الأخلاقي. للمزيد من الشرح عن البلاجيونيزم، انظر هنري رودينت Concise Sacramentum Mundi , Karl Rahner, ed, (NY: Seabury Press 1975) , entery : ” Pelagianism ” 1185 – 1187. من ناحية أخرى لا يمكن تصنيف عقيدة ثيودوروس عن النعمة كبلاجيوس لأن المفسر يؤكد أن الله بمعرفته حالة ضعف الإنسان بدون إعاقة حريته البشرية، عاقب خطيئة الإنسان من خلال الموت، ليحضره للخلاص، ويعلم الإنسان العيش بانسجام مع مبادئ أخلاقية عالية. بالنسبة لثيودوروس تدخل الله في التاريخ ونعمته هي حاسمة لنا لأنه يشدد على ” بما أن الخطيئة كانت تسلط في موتنا، وعلى العكس كان الموت ينمو ويقوى فينا على حساب الخطيئة، وجاء ربنا ومخلصنا يسوع المسيح … وقضى على الموت بموته، قضى أيضاً على الخطيئة التي كانت متجذرة فينا بسبب الفنائية “. انظر ثيودوروس المصيصي، Theodori Mopsuesteni Commentarius in Evangelium Johannis Apostoli, in Corpos Scriptorum Chrisianorum Orientalium (CSCO) : Scriptoris Syri, Textus, Series IV , Tomus III, J,M. Voste, op, ed. Louvain, 1940), textuel citations in R. A. Norris, Manhood in Christ. See Theodore’s Commentary on the Gospel of John, 1:29 Voste, vol.3, p.29
- انظر ثيودوروس المصيصيTheodori Mopsuesteni Fragmenta Syriaca,E. Sachau, ed. (Leipzig, 1869) انظر كتاب ثيودوروس ضد أبوليناريوس الذي يعلق فيه على إنجيل يوحنا 2 : 19 (Sachau 92) وكذلك انظر كتاب ثيودوروس في التجسد، الفصل 37 – 38 (63 Sachau)
- انظر تفسير ثيودوروس للرسالة إلى رومية 9 : 13، ستاب ص 144
- انظر ثيودوروس 6، منكانا 36. هنا موقف ثيودوروس بالنسبة إلى تعاون الإنسان مع تدبير المسيح تبدو ملائماً بسبب الحقيقة أن: “كل هذه الأشياء يجب أن تنجز من قبلنا جميعناً [الذين سقطنا إلى الأرض] حسب أقوال الطوباوي بولس، أنها من العدالة أنتم من خلال الأسرار أصبحتم شركاء في المنافع التي لا توصف، التي دعيتهم إليها بإيمانكم في المسيح، احنوا ركبكم، واعترفوا بسقوطكم القديم، واسجدوا الله، على هذه المنافع”
- تفسير ثيودوروس لرسالة غلاطية، سويتي الجزء الأول ص 101
- لمعرفة تأثير ثيودوروس على نرساي انظر F.G. McLeod, S.J. ed. Narsai Metrical Homilies on the Nativity, Epiphany , Passion, Resurrection and Ascension (Turhout: Brepols, 1979) especially p. 22 – 29. Also see R. Devreesse, Essai Sur Theodore de Mopsueste, in Stude e Teti 141, (Vatican City, 1948), especially p. 13 ff, 368
- ميمر نرساي الثاني في دنح ربنا الأبيات 3 – 4، 11 – 12 انظر ميكلويد، 70
- ميمر نرساي الأول في الميلاد ولادة ربنا من القديسة العذراء، الأبيات 21 – 24 انظر ميكلويد 38
- ميمر نرساي الخامس عيد يوم الصعود، الأبيات 234 – 236 انظر ميكلويد 176
- ميمر نرساي الأول، الأبيات 63 – 66، ميكلويد 40
- ميمر نرساي الثاني، الأبيات 25 – 32، ميكلويد 72
- ميمر نرساي الأول، الأبيات 33 – 38، ميكلويد 38
- لاحظ كيف يأخذ نرساي بالضبط موقف ثيودوروس فيما يخص المعرفة الإلهية المسبقة للسقوط… حالة يمكن فيها تبرير الجزم بأن موت آدم هو سبب ونتيجة السقوط في آن واحد. انظر نفس المصدر أعلاه ص 4 الحاشية رقم 8
- ميمر نرساي الأول الأبيات 1 – 2، 43 – 46، 67 – 70 ميكلويد 38، 40
- نفس المصدر السابق الأبيات 23 – 24 ميكلويد 38
- ميمر نرساي الثاني الأبيات 43 – 50 ميكلويد 72
- ميمر نرساي الأول الأبيات 181 – 186 ميكلويد 48
- ميمر نرساي الثاني الأبيات 391 – 394 ميكلويد 94. كثيودوري، يرى نرساي أن تعريض ناسوت المسيح للخطر هو ببساطة ووضوح تدمير للخلاص. انظر ميكلويد 24
- ميمر نرساي الخامس الأبيات 304 – 308 ميكلويد 180
- للإستشهاد بثيودوروس في دور الكاهن في الاحتفال بالأسرار (المعمودية والقربان المقدس) انظر ثيودوروس، 6 منكانا، 18، 45، 64، 73، 98، 104، 118 – 123
- ثيودوروس، 6، منكانا 17
- يعني مصطلح Typology هنا الأساليب التي تساعد المبتدئين لتعلم الحقائق حول عقائد الكنيسة، وعليه يكون لديهم فهم أحسن عن سر الإيمان
- للمزيد من الدراسة المفيدة انظر Rowan A. Greer ثيودوروس المصيصي : اللاهوتي والمفسر (مطبعة الإيمان : ويستمنستر 1961). في الفصل 4، يشرح Greer فهم ثيودوروس للفداء، والكنيسة، والأسرار، والحياة المسيحية، 66 – 68
- 1 كورنثوس 13 : 12
- ثيودوروس، 6، منكانا، 82
- نفس المصدر السابق، 49
- نفس المصدر السابق
- نفس المصدر السابق، 50
- نفس المصدر السابق، 55
- نفس المصدر السابق، 51
- نفس المصدر السابق
- جرير، ثيودوروس المصيصي، 79
- ثيودوروس، 6، منكانا، 52 – 53
- نفس المصدر السابق، 72
- Enrico Mazza , Mystagogy : A Theology of Liturgy in the Patristic Age , tr, M.J. O’Connell, (Pueblo Pub. Co: NY , 1989). See Mazza’s Chapter 3 on Theodore of Mopsuestia (pp. 45 – 104) , but for this note, see pages 59 – 60
- عبرانيين 8 : 4 – 5
- ثيودوروس، 6، منكانا، 79
- نفس المصدر السابق، 80
- 1 كورنثيوس 12 : 27
- أفسس 4 : 25
- ثيودوروس، 6، منكانا، 90 – 91
- نفس المصدر السابق، 29
- ثيودوروس، 6، منكانا 59
- 1 كورنثيوس 11 : 26
- يوحنا بن زوعبي “تفسير الأسرار الإلهية” توماس مانورامبارامبيل، طبع (كوطايم 1992)، 17 – 18، المتعلقة بميراث محبة الرب، يستشهد الناشر بيوحنا الفصل 6
- ثيودوروس، 6، منكانا، 104
- لوقا : 4 : 18
- ثيودوروس، 6، منكانا، 104
- ثيودوروس، 6، منكانا، 21
- نفس المصدر السابق، 22
- نفس المصدر السابق
- نفس المصدر السابق، 21
- الرسالة إلى العبرانيين 11 : 1، انظر كذلك ثيودوروس، 5، منكانا، 21
- ثيودوروس، 6، منكانا، 3
- نفس المصدر السابق، انظر مقدمة منكانا، 10
- نفس المصدر السابق، 23
- متي 16 : 18 – 19، انظر أيضاً ثيودوروس، 6، منكانا، 23
- ثيودوروس، 6، منكانا، 37
- نفس المصدر السابق، 38
- يعتبر ثيودوروس ملائكة الشيطان كل من معاصريه: بولس السمساطي، أريوس، يونوموس، وأبوليناريوس. انظر نفس المصدر، 40 – 41
- نفس المصدر السابق، 44
- نفس المصدر السابق، 35
- نفس المصدر السابق، 120
- نفس المصدر السابق، 115
- نفس المصدر السابق، 116